التضحية .. اختبار للوطنية

  صوت الأكراد *

في هذا الزمن الصعب, الصعب من جميع النواحي, تختلط الأمور كلها , الخير والشر , الحابل والنابل , الوطنية و اللاوطنية, لا أحد واضح الملامح, الكل باتوا ركاب ذاك القطار, الذي يحمل البضاعة بكل أصنافها , ساحتنا السياسية التي تعمل بها حركتنا الوطنية الكردية هي أيضاً كذلك !! ….

ولكن لابد, أن تكون هنالك وسيلة للتفريق والتمييز بين هذا التداخل الضار , لا بد أن تكون لدينا آلية ومنهج للفصل بين الوطنية واللاوطنية , ونفصل بين خادم القضية وخادم الذات , فمن الخطأ والإجحاف أن يتم تقييم الجميع بنفس المنظار , وتعميم هذا المنظور السلبي.

فهل للوطنية اختبار؟! وإذا وجد , فما هي جدوى وفعالية هذا الاختبار ؟
لعل أسهل طريقة للتعرف على ذلك والوصول إلى جواب شافٍ , هو إخضاع كل مكون من مكونات الحركة الكردية لاختبار حقيقي يدعى اختبار الوطنية , هذا الاختبار السهل والصعب , السهل من حيث التنفيذ والصعب من حيث النتائج , بل قد يكون كارثياً ….
يكمن هذا الاختبار في تقييم ومراقبة مدى إيمان كل فصيل بمصالح الشعب الكردي وتقديمه التضحية في سبيل تحقيقها, التضحية بالأنا الشخصية , وحتى الأنا الحزبية في سبيل القضية ككل , وتجسيد مقولة ” أن الحزب أداة في خدمة القضية الكردية ” والابتعاد عن إثبات العكس ” أن القضية بل والشعب في خدمة الحزب ومصالحه بل ومصالح بعضٍ من زمره ورموزه ” ….
وفي ساحتنا السياسية الكردية اليوم , يكون ذلك جلياً في مدى تفان كل طرف من أطرافها في سبيل تحقيق التقارب الكردي ووضع حد للتكاثر الانشطاري المرعب في صفوفه , من خلال تقديم تضحيات ملموسة في هذا المجال , ومدى قدرة كل طرف على الإثبات أنه جزء من الحل , وليس جزء من التعقيد والمشكلة ….
 على كل فصيل أن يثبت وطنيته وحرصه من خلال تضحيته في سبيل إنجاز المشاريع المطروحة , سواء تلك التي طرحت في مسعى حميد للوحدة بين طرفين , أو تلك التي تنادي للم شمل الحركة الوطنية الكردية , ويكون المقياس هنا هو مدى إيمان كل طرف بأن إتمام الوحدة أو أي مشروع وطني آخر يعتبر مكسباً وطنياً ولا يعد بشكل من الأشكال مكسباً حزبياً , وتحويل هذا الإيمان من قول إلى فعل ملموس  ….
وإن التجارب في هذا المضمار كثيرة , فدائماً الحكومات والأحزاب الحاكمة يتم تقييمها من خلال أدائها الفعلي ومدى التزامها بتنفيذ برنامجها الوطني التي كانت تطلقه في حملاتها الانتخابية, فكم من حزب كان يقود الحكومة في دول أوربا, تراجعت شعبيته وخسر الانتخابات في الجولات اللاحقة , بعد أن أثبت الواقع أن ما كان ينادي به لم يكن سوى جسرأ للوصول إلى مصالحه الحزبية الضيقة من خلال اعتلائه لعرش الحكم , فالجماهير باتت تعتمد الأفعال في تقييمها وتهمل الأقوال غير المقترنة بالأفعال .

 
نعم , هذا هو الاختبار الحقيقي والبوصلة الدقيقة لتحديد وطنية كل طرف , وإن التباهي بالأمجاد الماضية والتفاخر بشعارات مغرية لم تعد تلق آذاناً صاغية بين جماهيرنا التي بدأت تدرك حقيقة الأمر  …
وعليه فإن الحركة الوطنية الكردية في سوريا مدعوة لإثبات وطنيتها فعلياً للجماهير من خلال إنهائها لحالة التناحر والمهاترات في صفوفها , والبدء الفعلي بتنفيذ المشاريع الوطنية و القومية المطروحة , لتكون جديرة بالتفاف الجماهير الكردية المتعطشة إلى وجود حركة كردية تعتبر بجدارة الممثل الشرعي لشعبنا الكردي و قضيته.

* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) العدد (421) تشرين الثاني 2009

لتنزيل العدد انقر هنا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…