تعليق مظاهرة الثاني عشر من تشرين الأول بين جدية الوعد بالحوار حول القضية الكردية وجدواه

  افتتاحية نشرة يكيتي *

الموقف الذي اتخذه حزبنا يوم الحادي عشر من تشرين الثاني, وعلق بموجبه المظاهرة التي كان من المقرر تنظيمها في قامشلي يوم الثاني عشر من تشرين الأول مقابل وعد من جانب السلطة باستعدادها لاستقبال وفد من الحزب للوقوف على سبل حل القضية الكردية, أثار الكثير من اللغط والجدل وحتى الاستغراب في الشارع الكردي, وتعددت الآراء وتباينت المواقف بشأنها.

الرأي الغالب في الشارع الكردي تفاعل ايجابياً مع هذا الإعلان من جانب يكيتي واعتبر وعد السلطة صحيحاً ومتوقع الحدوث, انطلاقا من فهمه للتطورات الإقليمية بشأن هذه القضية الكردية, وتزامن هذا الوعد مع الانفتاح التركي على القضية الكردية, وإعلان الطرفين السوري والتركي التوقيع على اتفاق للتعاون الاستراتيجي بين البلدين والدعم الذي أبداه الرئيس الأسد للجهود التركية لحل القضية الكردية
 ويحاول هذا الرأي تقييم الموقف على أنه محاولة من جانب النظام لاستيعاب التطورات التي تشهدها القضية الكردية على الصعيد الإقليمي, وتحول اتجاهات الرأي العام العالمي باتجاه الاهتمام بهذه القضية.

بينما قلة قليلة من الرأي العام الكردي اعتبرت الأمر برمته أكذوبة لا أساس لها من الصحة, وذلك انطلاقا من يأسها المطلق من إمكانية حل هذه القضية وغيرها من القضايا السورية على يد هذا النظام.

 أما على صعيد الأحزاب الكردية بعضها شككت رسمياً في احتمال حدوث انفتاح على القضية الكردية في سوريا من جانب النظام, بينما التزمت الغالبية الصمت على الصعيد الرسمي, ولكنها سربت بعض المواقف إلى الشارع, زعمت بدايةً أن الموضوع برمته مجرد فبركة من يكيتي للهروب من تبعات المظاهرة, ولكن بعد أن عرض الحزب عليها المشاركة في الوفد الذي سيذهب للقاء المسؤولين في دمشق بادرت إلى رفض المشاركة في الوفد تأسيساً على مبررات غير مقنعة, منها أن النظام في سوريا ليس في وارده الاستعداد لبحث أي أمر يتعلق بالشعب الكردي وقضيته القومية, وحاولت أن تدعم موقفها بمعطيات السياسة العنصرية الرسمية للنظام على الأرض تجاه الشعب الكردي, مؤكدة على أن المؤشرات في غير صالح مثل هذه النقلة المفاجئة, وإنما على العكس فإن هذه المؤشرات كلها تفيد بان هناك تشدداً غير طبيعي في إجراءات محاصرة الشعب الكردي, ومحاولات تعريب المنطقة الكردية وإفراغها من سكانها الكرد, ويمضي أصحاب هذا الرأي في القول إن كان ثمة وعد فهو مجرد محاولة خداع ومناورة لا أكثر ولا اقل.
 لا شك أن لكل رأي من هذه الآراء مبرراته الرصينة, فالرأي المتفاءل لديه كل مبررات التفاؤل نظراً للتطورات الكبيرة التي تشهدها القضية الكردية في العراق أولاً, ومن ثم الآن في تركيا التي لديها أكبر وجود كردي في المنطقة, والمنطق السياسي السديد يقول أن أنظمة المناطق الأخرى التي لديها مشكلة كردية مثل سوريا وإيران ينبغي أن تبادر إلى الانفتاح أيضاً على القضية الكردية, قبل أن ترغم على ذلك, وبحسب وجهة نظر أصحاب هذا الرأي لم يعد ممكناً بعد الآن إنكار وجود القضية الكردية, ولم يعد كذلك ممكناً الاستمرار في السياسات العنصرية وإجراءات تصفية الوجود الكردي على مرأى ومسمع الرأي العام العالمي, فالقضية تخطت بكل تأكيد دهاليز الأجهزة الأمنية لهذه الدول وأصبحت قضية إقليمية ودولية بامتياز.


بينما المواقف المشككة تمتلك أيضاً رصيداً من المبررات المنطقية, وفي مقدمة هذه المبررات هو انعدام الثقة بالنظام ووعوده في ظل التجربة المريرة والطويلة للرأي العام الكردي والحركة السياسية الكردية مع هذه الوعود, فقبل حوالي أربع سنوات وعد الرئيس الأسد مثلاً وعلى الملأ وعبر شاشات التلفزة بحل قريب جداً لمشكلة المجردين من الجنسية, واعترف بأن ثمة أخطاء ارتكبت أثناء إجراء الإحصاء الاستثنائي عام1962  ومع ذلك ذهبت تلك الوعود أدراج الرياح, وقبل ذلك أيضاً اعترف الرئيس الأسد بوجود القومية الكردية في سوريا عبر مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية, بينما السياسات التي اعتمدت لاحقا تمحورت حول كيفية تصفية هذا الوجود بدل البحث عن سبل احترام حقوق هذه القومية وتصحيح الأخطاء التي ارتكبت بحقها, ناهيك عن ذلك خلال زيارات المسؤوليين الكبار لمحافظة الحسكة أيضا كانت ثمة وعود بحل المشاكل المزمنة لهذه المحافظة التي هي من أغنى محافظات القطر بمواردها النفطية والزراعية ولكن أكثرها بؤساً من النواحي الخدمية والبنية التحتية وسكانها الأكثر فقراً مقارنة مع سكان المحافظات السورية الأخرى, ومع ذلك جاءت الأمور على نحو مخالف تماما لتلك الوعود مع صدور المرسوم 49 الذي قضى على ما كان متبقياً من النشاط الاقتصادي في هذه المحافظة وغيرها من المناطق الكردية, وذلك بالتزامن مع نكبة الجفاف التي تضرب هذه المناطق منذ ثلاث سنوات, وقد فهم أبناء هذه المناطق تزامن صدور المرسوم مع كارثة الجفاف كإجراء انتقامي ضد الغالبية الكردية الموجودة فيها, لأن المرسوم لم يستند إلى أية مسوغات قانونية أو اقتصادية أو أمنية فعلية مقنعة.

هذا بالإضافة إلى جملة من الإجراءات والممارسات اليومية القمعية والعنصرية والتي زادت وتيرتها بشكل سافر خلال السنة الأخيرة من حيث الاعتقالات وإجراءات المنع والقمع والتعريب وغيرها.


على أية حال وبالرغم من صحة تلك المعطيات والمبررات وأياً تكن دوافع السلطة من هذا الوعد، وسواء كان هناك بعض الجدية فيه أم لا فليس من المنطقي أن نرفض عرضاً كهذا, ونحن من ندعو إلى الحوار ونعتقد دائماً انه السبيل المنطقي والعقلاني والنهائي لحل أية مشكلة أو أي نزاع, ولأن النضال الديمقراطي السلمي الجماهيري الذي نعتمده كالمظاهرات والاعتصام والتجمعات هو في النهاية ليس غاية وإنما وسيلة ضغط للوصول إلى هذا الحوار, لأنه عندما تصبح مثل هذه الممارسات غاية سنصبح عندها هواة شغب ومحرضين, وقد يصح تفسيرها عندئذ على أنها تنفيذ لأجندة خارجية أو غير ذلك وإنها تستهدف الاستقرار فحسب.
 ولذلك نقول إن لجوءنا إلى التظاهرات والتجمعات يأتي في إطار المجاهرة  بالتعبير عن الرأي كحق دستوري, وفي مسعى لإقناع النظام والرأي العام بأهمية حل قضيتنا القومية, ولا نقصد منه إرباك الاستقرار, فلا نرغب أن نكون كمثل المستجير من الرمضاء بالنار, ولذلك سيبقى خيارنا في المدى المنظور هو الضغط باتجاه التأسيس لحوار جدي لحل القضية الكردية مع هذا النظام.
وطالما إن الرسالة التي كنا عازمين على إيصالها عبر تظاهرة الثاني عشر من تشرين الأول قد وصلت, وطالما إن النظام قد وعد باللقاء معنا للوقوف على سبل حل القضية الكردية والقضايا المتفرعة عنها التي جاءت في البيان, وبغض النظر عن مدى صدقية وجدية هذا الوعد, فكان المنطق يقتضي منا تعليق التظاهرة وانتظار ما قد يفضي إليه هذا الوعد, وهذا ما فعلناه ولازلنا نتأمل أن يفضي إلى الغاية التي نرجوها, لأننا في النهاية وكما يقول المثل “نبتغي الوصول إلى العنب ولا نبتغي نحر الناطور” ولكن علينا التأكيد أيضاً إن هذا الانتظار لن يكون إلى مالا نهاية بل هو سيكون محدداً بسقف زمني.


نعلم أن البدء بالحوار لن يكون سهلا وقد يكون بعيد المنال في المدى القصير مع فاعلية الاتجاهات العنصرية المتطرفة في التأثير على القرار السياسي في البلد, ونعلم أيضاً أن هذه الاتجاهات منطلقها ليس مصلحة استقرار البلد وتطوره وإنما هو إشباع نزوعها العنصري المريض على حساب مستقبل البلد وبؤس ومعاناة أبنائه, ولكن نؤمن مع ذلك أن هذا الحوار لن يكون مستحيلاً مع استمرارنا كحركة كردية في الضغط الجدي وبمختلف الوسائل الديمقراطية السلمية, خاصة وأن المعطيات الدولية والإقليمية في صالح تفهم قضيتنا القومية وتفهم أهمية حلها في صنع الاستقرار, ونحن لم نصل بعد لمرحلة اليأس بإمكانية هذا الحوار, وبإمكانية حل القضية الكردية في سوريا عبره, لأننا حين نصل إلى درجة اليأس سيكون لدينا خيارات أخرى بكل تأكيد, وعلى النظام أن يدرك عندها أنه ليس هناك الكثير لنخسره كشعب كردي في ظل المعاناة الفظيعة والمستديمة التي نعانيها.

* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد 174 تشرين1  2009 م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…