ريبورتاج خاص حول مشاريع وحدة الحركة الكوردية في سوريا – الحلقة الثالثة –

(ولاتي مه – خاص) بغية لم شمل الحركة الوطنية الكوردية في سوريا , وتوحيد خطابها السياسي وتأطير نضالات أحزابها, والعمل لايجاد آليات عملية لضم اكبر قدر ممكن من شرائح المجتمع الكوردي وفعالياته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية, للاستفادة من امكاناتها ووضعها في خدمة القضية العادلة لشعبنا الكوردي في سوريا, طرح اكثر من مشروع من قبل الأطر القائمة وبعض الأحزاب والسياسيين الكورد,
 بدءاً من الرؤية المشتركة للجبهة والتحالف الى الرؤية السياسية للجنة التنسيق, ومن ثم حوارات (الجبهة والتحالف ولجنة التنسيق) لمناقشة الرؤيتين, تمهيدا لعقد مؤتمر وطني كوردي, مرورا بـ طرح فكرة المرجعية الكردية الشاملة , وكذلك ما قيل عن طرح فكرة تشكيل اطار رباعي يضم اربعة أحزاب رئيسية (البارتي- التقدمي- الوحدة- آزادي) , بالاضافة الى مشروع الهيئة التمثيلية للشعب الكردي الذي طرحه الحزب اليساري, ومشروع الحركة الوطنية الكوردية, الذي طرحه السياسي الكوردي صلاح بدر الدين, وأخيراً مشروع المجلس السياسي, الذي طرحته الجبهة الديمقراطية الكردية,

 لتسليط الأضواء على كافة هذه المشاريع , واستطلاع آراء المعنيين وأصحاب القرار في الأحزاب الكوردية, وخلاصة ما توصلوا اليه, بهذا الشأن , وبالأخص ما يتعلق بمشروع المجلس السياسي, الذي يتم الحوار بشأنه بين تسعة أحزاب كوردية.

أعد الإعلامي لوند حسين ريبورتاجا خاصا – سيتم نشره على حلقات تباعاً – التقى فيه مع قيادات معظم الأحزاب الكوردية , بالاضافة الى بعض الشخصيات الوطنية المستقلة.
وكذلك تم توجيه سؤال حول نتيجة الاستفتاء الذي طرحه موقع (ولاتي مه) على قراء الموقع بخصوص (المرجعية الشاملة والمجلس السياسي) والذي صوت فيه القراء بنسبة أكثر من 82% للمرجعية الشاملة وحوالي 18% للمجلس السياسي.

فيما يلي الحلقة الثالثة من الريبورتاج:

«قيادة الحركة لا تستطيع الإجابة وإقناع الجماهير بمبررات تعدديتها المفرطة»

د.

عبدالحكيم بشار: سكرتير اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)

– في الحقيقة أن واقع الحركة الكوردية, تحتاج إلى حراك إيجابي لتأطير الحركة الكوردية, وجمع طاقاته بأي شكلٍ من الأشكال.

طُرحت على الساحة عدة أفكار منها: المرجعية الكوردية من خلال مؤتمر قومي, وهو طرح نؤيده بقوة, ولكن بسبب الصراعات الموجودة داخل الحركة الكوردية وعدم قدرة بعض الأطراف في الاجتماع معاً من خلال جلسة مشتركة, والصراعات الإعلامية والاتهامات المتبادلة, تحول دون قيام مؤتمر وطني, المؤتمر الوطني يحتاج إلى توافقات بين القوى المشاركة.

ومن هذا المنطلق طرحنا كحزب مرحلة أسميناها بالمجلس السياسي, والتسمية بالنسبة لنا ليست مهمة, المهم هو جمع الأطراف الكوردية مع بعضها البعض, ونزع فتيل الخلافات والصراعات, وزرع الحد الأدنى من الثقة والتفاهمات بين الأطراف الكوردية تمهيداً للتأسيس للمؤتمر الوطني الشامل.
باعتقادي أن المؤتمر الوطني في ظروف الخلافات والصراعات سيكون فاشلاً ويؤدي إلى إجهاض التجربة قبل ولادتها, ولنا في ذلك أمثلة كتجربة المؤتمر الوطني الذي انعقد في السبعينيات من القرن الماضي في كوردستان العراق, فبدل أن يتم توحيد الحزبين في المؤتمر, أصبحوا ثلاثة أحزاب بعد انتهاء أعمال المؤتمر والعودة للوطن, والسبب هو وجود الصراع, كما كانوا يفتقرون إلى الإرادة الموحدة, نفس الحالة موجودة الآن, والأحزاب الكوردية تتهم بعضها البعض, لا يمكن في هذه الظروف أن نحصد نتائج إيجابية, في هذه الظروف سيكون المؤتمر مؤتمر تصفيات وليس مؤتمر توافقات, وهذا ما نخشاه.

لذلك نطالب بمرحلة تمهيدية لزرع الثقة بين الأطراف, ومن ثم الانتقال إلى المرحلة التالية.
– نحن لا نتمسك بالمجلس السياسي بمفهومه المطروح, نتمسك بشيء واحد وهو أن نستطيع الوصول لاجتماعات مشتركة بين كافة الأطراف تحت أي اسمٍ أو مسمى, نجتمع معاً ونتحاور, نحن على استعداد لمناقشة أي مشروع يُطرح في الاجتماع المشترك.

نحن كطرف سنترك مشروعنا كآخر مشروع على جدول الأعمال.

أي مشروعٍ كان إذا تم التوافق عليه من قبل معظم الأطراف على الجميع أن يقبل به, عندها تتولد الثقة والتفاهم, ثم سننتقل إلى المجلس الوطني وتشكيل لجنة تحضيرية للانتقال إلى المؤتمر الوطني.
– إننا نعتقد أن إمكانية التوافق والتفاهم موجودة, ولكن لأسباب حزبية ضيقة وشخصية ضيقة, تحدث صراعات نحن بغنى عنها, وهذه الخلافات والصراعات الموجودة بين الأطراف الكوردية, يجب أن لا تحظى بالأولوية أمام صراعنا مع السلطة ومضطهدي شعبنا.

نحن نعتقد جازمين أن إمكانية لم شمل الحركة الكوردية قابل للتحقيق, وليس طرح طوباوي, ولكن بعض الأطراف تتهرب من الوحدة والتوافق, عليك توجيه السؤال إليهم.

نحن على استعداد لحضور أي اجتماع شامل ومناقشة أي مشروع من المشاريع المطروحة, نحن نحترم جميع المشاريع وجميع الآراء, لكن لدينا نقطة أساسية وهي: علينا التفاهم قبل الانتقال للمرحلة التالية.
– إن وحدة الحركة الكوردية مطلب جماهيري أولاً, وعمل استراتيجي ثانياً, والمستجدات الدولية والإقليمية تفرض شروطها على العمل السياسي, فعندما يلتقي أي سياسي كوردي مع طرف آخر, السؤال الذي يطرحه الطرف المقابل لنا: ما هي مطاليبكم كأكراد في سوريا؟.

علينا تحديد مطاليبنا كحركة سياسية كوردية وكممثلين عن شعبنا.

ومن هذا المنطلق طرحنا موضوع تأطير الحركة الكوردية, وتسمية ممثلين للشعب الكوردي, لهم حق التفاوض باسم الشعب الكوردي مع أي طرف, إن كانت الحركة الوطنية السورية أو المعارضة السورية أو السلطة أو السلك الدبلوماسي الأجنبي في البلاد … ومع أي جهة كانت.

فالمعطيات تفرض علينا العمل في هذا الاتجاه.
– المؤتمرات الكوردية من أجل لم شمل الحركة السياسية الكوردية كان لها دور إيجابي ومؤثر, وباعتقادي هناك سؤالين يطرحان نفسيهما بقوة وهما: لماذا لا تتوحدوا وما المانع من أن لا تتوحدوا, فعندما نواجه أطراف أجنبية, نشعر بالخجل من هذا الواقع المزري, فعشرة أحزاب في مجتمع صغير جداً جغرافياً وسكانياً, يفترض أن لا نكون بهذا الكم, خاصةً ونحن مضطهدون, نعاني من اضطهاد قومي واجتماعي وطبقي وثقافي وأشكال أخرى.

يجب أن يدفعنا هذا ليس فقط إلى تأطير أحزابنا, بل إلى وحدات اندماجية بين الأطراف المتماثلة أو المتشابهة, والأحزاب التي لم تفلح في إثبات اطروحاتها وخصوصيتها على الساحة, عليها البحث عن خيارات أخرى, كالاندماج في أحزاب تقترب من توجهاتها أو أحزاب كبيرة.

هذا الواقع المفرط في التعددية والتشتت, يجعلنا نشعر بالخجل والضعف في المحافل الدولية وأمام الأصدقاء, وهذا الواقع هو من صنعنا وليس من صنع مضطهدي شعبنا, فالتشتت مهما كانت دوافعه فهو من صنع أيدينا.
– المرجعية هي كلمة عاطفية قريبة على مشاعر أبناء الشعب الكوردي, ونحن نعمل من أجل تحقيقها, ولكن كما ذكرت آنفاً, هناك خلافات حول موضوعين أساسيين, الموضوع الأول: قبل انعقاد المؤتمر الوطني, يجب أن تتوفر تفاهمات بين الأطراف الكورية, الموضوع الثاني: مسألة المستقلين, علينا التعامل بطريقة مختلفة عن السابق مع هذه المعضلة.

علينا أن لا نتصرف كما يتصرف حزب البعث في إملاء المرشحين المستقلين في قوائم الظل, علينا التعامل بروية وصبر لاختيار المستقلين من أبناء شعبنا, فالمرشحين المستقلين سوف تطرح أسماؤهم من قبل الأحزاب, وبهذا فهم حزبيون بطريقة أخرى, أو موالين بشكلٍ أو بآخر للطرف الذي يرشحهم كمستقلين, في الحقيقة هم لا يمثلون الحالة المستقلة, فهم تعبير عن الإرادة الحزبية, فإذا رفض أي مستقل من طرف واحد, فسيطرح خارجاً.

نحن نبحث الآن عن آلية لاختيار المرشحين المستقلين بالفعل, لذلك طرحنا رؤيتنا بأن يكون المستقلين في البداية من الأكاديميين في العلوم التي لها علاقة بالسياسة وليست العلوم الهندسية والطبية, ليكونوا كشخصيات استشارية لقيادات الحركة الكوردية, كما تفعله معظم الأحزاب الدولية, وفي المرحلة التالية سنبحث عن آلية لاختيار المستقلين من الشرائح الأخرى, بحيث لا ينتقل الصراع من الحركة الحزبية إلى المجتمع الكوردي, فهذا موضوع حساس جداً علينا الانتباه إليه, وعلينا التعامل معه بكل عقلانية وموضوعية, أي أن لا نتسرع في هذا الموضوع من أجل عمل دعائي وإعلامي.
– أعتقد أن الوضع لا يتقبل الحالة الراهنة للحركة الكوردية, فالمسؤولين الكورد يتعرضون لانتقادات شديدة من قبل الجماهير الكوردية في كافة المجالس الشعبية, بسبب التشتت الحالي, فقيادة الحركة لا تستطيع الإجابة وإقناع الجماهير بمبررات تعدديتها المفرطة.

نحن نتحمل المسؤولية الكاملة لهذا لتشتت وأنا أقر وأعترف بذلك, وعلينا أن لا نحمل خصومنا هذا التردي في وضع حركتنا.

وفي الحقيقة إنني متشائم من المستقبل, لأن صانعي الانشقاق من الصعب أن يتحولوا إلى مرحلة متقدمة كصانعي الوحدات.

على الرغم من أن الظروف الراهنة تدفعنا دفعاً نحو تأطير الحركة الكوردية في إطار مناسب.

«فصائل الحركة الكوردية لا تمتلك إستراتيجية واضحة المعالم»

عمران السيد: عضو مكتب العلاقات العامة في تيار المستقبل الكوردي

– نحن مع أي تقارب بين فصائل الحركة الكوردية, والمرجعية كمفهوم, يتسم بطابع ديني, والمرجعية عادةً تتأسس في لحظات المد الجماهيري, أما في حالات الجذر الجماهيري المفروض أن يغلب الطابع السياسي على الطابع الوطني, فأصحاب مشروع المرجعية أكدوا على الطابع الوطني في اطروحتهم هذه, ويستحيل تحقيق المرجعية ذات السمة الوطنية في ظل ظروف الجذر الجماهيري, فالعوامل الموضوعية ليست مهيأة للوصول للهدف المنشود, وإنني كنت أجزم بفشلها عند مرحلة معينة.
– أثناء الحوارات التي جرت بين الفصائل الكوردية حول العمل من أجل تشكيل المرجعية, توصلوا معاً إلى رؤية سياسية مشتركة باستثناء (التقدمي), والذي لم يوقع على تلك الرؤية.

وقد أبدينا كتيار المستقبل بعض الملاحظات على الرؤية المشتركة, وبالرغم من ملاحظاتنا, إلا أننا وافقنا على تلك الرؤية, رغبةً منا لضرورة تأسيس إطار شامل للأحزاب الكوردية في هذه المرحلة الهامة.

ومن ثم بدأت المناورات لضرب الرؤية السياسية المشتركة, ودب الصراع حول إعلان الرؤية قبل انعقاد المؤتمر أم بعده, باعتقادنا لو كانت الإرادة متوفرة لدى الأطراف  لوحدة وتأطير الحركة لما أُثيرت هذه الحجج والذرائع من أجل نسف العملية برمتها.

وما المشكلة لو أن جماهيرنا الكوردية اطلعت على تلك الرؤية السياسية المشتركة, والتي وافقت عليها الغالبية المطلقة باستثناء (التقدمي فقط), وبالنسبة لنا كتيار المستقبل, لم نعتقد بوجود إشكالية النشر أو عدم النشر قبل أو بعد المؤتمر, لكن كما يبدو لي فإن إثارة مثل هذه الحجج من قبل أطراف معينة, تستهدف الرؤية السياسية المشتركة, والتي كانت متقدمة في خطابها بالنسبة لأطراف محددة.
– ساهمت عوامل عديدة في طرح مشروع المجلس السياسي, أولى تلك العوامل: وجود أزمة في كافة الأطر الموجودة, فالتنسيق تعاني من إشكاليات بين فصائلها وكذلك التحالف, أما الجبهة فلم تتعرض لإشكاليات واضحة بسبب سيادة رأي واحد داخل إطارهم.

أما العامل الثاني: هو اعتقاد القاعدة الحزبية للفصائل الكوردية, بأن النضال في هذا الجزء: هو نضال وطني وديمقراطي, ولا يمكن لأي فصيل بمفرده تحقيق مطالب الشعب الكوردي, وباعتقادي أن ضغط القاعدة الحزبية, أجبرت القيادات على الانصياع للحوار مع بعضها البعض, والبحث عن إطار جامع, فنضالنا نضال وطني وبحاجة لإطار يمثل الشعب الكوردي.

باعتقادي حتى ولو توصلنا لإطار موحد, لا يمكننا تحقيق مكاسب للشعب الكوردي في الظروف الحالية, لكن علينا تهيئة الآلية اللازمة لنضالنا الوطني.

أما العامل الثالث: هو بداية فرز المحاور, فكما هو معروف, هناك محورين أساسيين: – المحور الأول: يمتد من إيران إلى سوريا فلبنان ففلسطين, ومن المؤكد أن البعض من فصائلنا الكوردية تنتمي إلى هذا المحور, أما المحور الثاني: فهو محور ديمقراطي أكثر انفتاحاً وغالبية أطراف الحركة الكوردية تنتمي لهذا المحور.

عندما طُرح مشروع المجلس السياسي كنا على يقين بأن بعض الأطراف لن تشارك فيه.

فالمشاركة تتوقف على انتماء هذا الطرف أو ذاك لأحد المحورين.

العوامل الثلاث مجتمعة ساهمت بشكل مباشر في طرح مفهوم المجلس السياسي, بالإضافة إلى تلك العوامل, هناك من يعتقد بأن هناك بعض الفصائل تحاول فرض هيمنتها على هذا المجلس, لكن مدى صحة هذا العامل, لم تتوضح بعد.
– استمرت الحوارات بين تسعة فصائل قبل ذكرى الإحصاء في الخامس من تشرين الأول, إلا أنه لم تجتمع تلك الفصائل لليوم, وقبل 5-10, لم تكن هناك أية إشكالية, وكانت الحوارات جادة, وكافة الفصائل كانت جادة في الوصول إلى اتفاق بينها لتأسيس مجلس سياسي, وأعتقد بأن المجلس قد تعرض لهزة عنيفة حول التفاوت في المواقف للقيام بنشاط مشترك في ذكرى الإحصاء وإعلان حزب يكيتي الحليف بالقيام بتجمع احتجاجي بمفرده.

ونحن في تيار المستقبل لا زال يحدونا أمل كبير في تحقيق تفاهمات حول هذا المجلس كونه مشروع مستقبلي, وينبغي الابتعاد عن الحسابات التاريخية والشخصية في الحوارات والمداولات, ونحن في التيار نخشى من هذه الحسابات, وللآن لم نتلمس من أي فصيل حشر تلك الحسابات في حواراتنا.

ونتمنى أن لا تؤثر التباينات في المواقف على تشكيل مشروع سياسي مستقبلي.
– بالنسبة لمشروع الأستاذ صلاح بدر الدين, لم نناقشه في مكتب العلاقات العامة للتيار, وبرأيي الشخصي, أعتبر هذا المشروع مشروع كامل ومتكامل يُطرح بهذا المستوى لأول مرة على الوسط السياسي الكوردي, فآليات المشروع معروفة وواضحة تماماً, وبالفعل نحن بحاجة لمشروع واضح الآليات.

كما إنني تعجبتُ من التجاهل المقصود لهذا المشروع من قبل الفصائل الكوردية وكأنه لم يكن, مع العلم بأن هذا المشروع يأتي في إطار دعم مشروع المجلس السياسي, وقوة مشروع الحركة الوطنية الكوردية, أنه يتحمل النقد, فبمقدورنا قبول بعض النقاط ورفض بعضها الآخر بكل حرية, أو أن هذه مناسبة لواقعنا وتلك غير مناسبة.

ودُهشت لعدم تعامل الفصائل الكوردية مع هذا المشروع بمن فيهم رفاقنا في التيار.
– إن هذه المشاريع التي تُطرح من أجل وحدة الحركة الكوردية تحتاج إلى وعي سياسي, ففصائل الحركة الكوردية لا تمتلك إستراتيجية واضحة المعالم, للآن يتم الخلط بين العدو المباشر والعدو التاريخي ولا يتم التمييز بينهما.

ففي بعض الأوقات توضع الصراع مع العدو التاريخي جانباً لأولوية الصراع مع العدو المباشر, للآن لا يتم التفريق بين التكتيك والاستراتيجيا في العمل السياسي والنضالي لافتقارهم إلى رؤية واضحة, وعند طرح المشاريع الوحدوية يهرعون مباشرة لقبولها دون وعي معرفي وسياسي, فالقبول بالمشاريع المطروحة بدون أساس علمي وموضوعي يكون مصيره الفشل, لذا فالمشاريع الوحدوية تصل لمراحل معينة وتنتهي لعدم توفر الجدية والوعي المعرفي.

فأي مشروع لا يُبنى على بنية معرفية, ولا تمتلك فلسفة خاصة بها, تتحول إلى تجمع عادي وينتهي الأمر به إلى الفشل.

ونتمنى أن يُبنى المجلس السياسي على أساس علمي ومعرفي.
– تعمل السلطة دوماً على ترويض الشارع السياسي بوسائل عديدة, وتعتمد في ممارستها تلك على بعض الأحزاب (الوطنية) و (الكوردية), بأسلوب مباشر وغير مباشر.

لقد أثبتت انتفاضة آذار 2004, بأن الشارع الكوردي تتجاوز أحزابها, تمردها أكبر.

السلطة بحاجة لعوامل تعويم الشارع, فعندما ترى في هذا السياق بأن الأحزاب الكلاسيكية فقدت دورها المؤثر على الشارع الكوردي, تلجأ لوسائل أخرى أقسى وأشد.

والقيادات تعلم أنها فقدت دورها في التأثير والترويض وقد تجاوزتهم الجماهير, وهذه القيادات الكلاسيكية غير قادرة على فتح آفاق أخرى لها, وليس بمقدورهم جعل القضية الكوردية كمشروع سياسي, وهذه تعتبر من أعظم الإشكاليات بسبب عدم توفر العوامل الموضوعية مع فقدانها للوعي السياسي اللازم.

وعلى الرغم من كل هذه السلبيات, إلا أن محاولة بعض الفصائل في التجاوب مع متطلبات المرحلة ومطالب الشارع الكوردي, تعتبر عمل إيجابي نحو السير في المسار الصحيح.
– هناك تغيير وتحديث في آليات الفصائل الكوردية, لكنها تبقى دون المطلوب في هذه المرحلة, وبحاجة إلى البحث عن الأفضل دوماً لمواكبة التطورات الجارية في المنطقة والعالم, وعلى سبيل المثال فالأشقاء في يكيتي تجاوزوا عقدة السكرتير, وهذه إيجابية تُسجل لهم, لكن تبديل السكرتير لا تواكب التطورات الديمقراطية الجارية والتي نرغب مجاراة العالم فيها, إلا أننا بحاجة إلى خطوات تدريجية ومرحلية للوصول إلى المستويات المطلوبة.

ونحن في تيار المستقبل لنا قيادة مرنة ومشتركة, ولا توجد فروقات كبيرة بين القاعدة والقيادة, فتلك الفروقات تقلصت كثيراً مقارنةً مع الأحزاب الأخرى.

كذلك هناك بعض الأحزاب تغير من آلياتها فتحذف بعض الهيئات وتضيف أخرى للتأقلم مع التطورات الحالية.

لكن تبقى هذه التغييرات والتعديلات دون مستوى استحقاقات المرحلة.
– التعامل الفوقي (الأستذة) من قبل القيادات هو مفهوم وممارسة شرقية, ولا تمارس فقط عند الكورد.

والسيادة بدأت بالتآكل, هناك فرق كبير بين القيادة والمسؤولية, فالوصول لمراكز قيادية سهلة, لكن القيام بالمسؤوليات أمر صعب جداً, فقيادة الحركة الكوردية غير مسؤولة, فليس بمقدورها الاستفادة من التاريخ ووضع مشاريع مستقبلية بناءً على الأخطاء التي جرت سابقاً, ونحن ككورد ننعم بنعمة النسيان وهي قوية لدينا.
– نحن في تيار المستقبل نتأمل خيراً من مشروع المجلس السياسي, وعند إنجازه باعتقادنا سيؤدي لتفعيل الساحة وهو ليس بمشروع ترويضي, ونحن جادون في التوصل إلى تأسيس المجلس, فحوارات المجلس لو لم تؤدي إلى نتيجة, فإنها تُحدث خطوات وتراكمات, ستؤدي إلى مشروع أفضل مستقبلاً.

ونحن في تيار المستقبل لنا أمل كبير في إنجاز المجلس لجدية الأطراف المتحاورة, ونتمنى نسيان الحسابات والأخطاء والتفكير بالمستقبل لتشكيل آلية نضالية فعالة للشعب الكوردي.
– أعتقد أن سبب تأييد غالبية المستطلعين في الاستبيان الذي أجراه الموقع (ولاتي مه), يعود إلى أن شعبنا شعب عاطفي واعتقاده بالإيمانيات, ومن الممكن أن هذا التأييد أتى في هذا السياق.

إنني أرى في المجلس السياسي حالة أكثر تطوراً وتفاعلاً مع الشارع, وأكثر تجاوباً مع استحقاقات المرحلة.

«شروط تشكيل المرجعية غير متوفرة حالياً»

موسى أوسكي

– إن عدم التوصل إلى اتفاق حول المرجعية الكوردية, هو انعدام الثقة بين الأحزاب الكوردية, وعدم فعالية الوسط الاجتماعي المدني في التأثير على قيادات الأحزاب.

أعتقد أن الذين يدعوُن إلى تشكيل المرجعية, وكأنهم يقذفون بأسلحتهم في الهواء, وأعتبره مشروع خيالي غير ممكن التحقيق في الظروف الراهنة, وأستطيع الجزم بأنه من المستحيل إنجاز مثل هذه المرجعية.

في السابق كنا كمنتمين لأحزاب كوردية نحاول تشكيل فريق كرة قدم في حيينا, إلا أننا فشلنا في ذلك, فكيف لها أن تنجز تشكيل مرجعية كوردية شاملة؟؟؟.

إن تشكيل المرجعية ترتبط بتوفر الديمقراطية, وبقوة وفاعلية الحركة الحزبية الكوردية, وهذين الشرطين غير متوفرين حالياً.

فالذين يدّعون العمل من أجل تشكيل مرجعية, جعلوا من طرحهم هذا قميص عثمان, وقبل أي اعتبار فالمرجعية تعني إشراك الآخر اللاحزبي في العملية السياسية أساساً, وحسب ما هو واضح فإن قيادات الحركة قد ألصقت جسدها بكراسي القيادة, وفي الحقيقة نخجل أن ندعي بأن هذه القيادات تطالب بتشكيل مرجعية.

باعتقادي عند توفر الظروف الملائمة لتشكيل المرجعية, لابد من توفير مستلزمات وآليات وشروط تشكيلها, من المحتمل أن تشارك شخصيات أمية لا تجيد القراءة والكتابة في المرجعية كممثلين عن فعاليات المجتمع, لقدرتهم على التأثير على الوسط الجماهيري, وبالمقابل فيحتمل أن يكون هناك شخص أكاديمي يمتلك إمكانيات ثقافية هائلة, لكن لا يستطيع التأثير على شخص واحد في الشارع الكوردي.

المطلوب هو مشاركة ممثلي كافة فئات المجتمع في المرجعية كوجهاء الدين ورؤساء العشائر والمثقفين والكتاب والتجار …الخ, علينا إشراكهم في العملية السياسية ضمن إطار جامع وشامل أيً كانت تسميته.

باعتقادي أن الأمل في تشكيل المرجعية غير متوفر وصعب التحقيق, فالقيادي الذي لا يرغب أن يشارك رفيقه عنه في أية لقاءات واجتماعات, كيف به أن يقبل أن ينوب عنه شخص مستقل أو أن يأخذ مكانه في أي حوار.
– يعتقد أصحاب مشروع المجلس السياسي بأن خطوتهم هذه, تنحو باتجاه تشكيل المرجعية الكوردية الشاملة, كنتُ أتمنى أن تكون التسمية غير ذلك كمجلس حزبي, وليس مجلس سياسي, عليهم أن يسموا الأشياء بأسمائها الحقيقية, فأنا أعتبر نفسي إنسان سياسي ولستُ حزبياً, كما كان لهم الحق في تشكيل مجلس شعبي أو مجلس وطني أو مجلس جماهيري أو أي اسمٍ آخر.

عندما يدعون بأن مجلسهم مجلس سياسي, هنا سؤال يطرح نفسه: هل أن المستقلين ليسوا سياسيين؟؟؟.

وفي الحقيقة لا ضرورة لمجلسهم هذا, لكنه أفضل من العدم, وإمكانية تشكيله في المرحلة الراهنة متوفرة, لكن لماذا لا يفكرون في إيجاد مشروع وسطي بين المرجعية المجلس؟؟؟
– إنني مؤمن بضرورة توفر مستلزمات وحدة الحركة الكوردية, فالوحدة مطلبنا جميعاً, ونؤيد الفكرة بقوة, لكن ظروف وحدة الحركة الكوردية غير متوفرة حالياً.
– لا أود الخوض في تفاصيل مشروع الأستاذ صلاح بدر الدين, لأنه لم يبذل جهداً كبيراً فيه, وقد قام بتصوير الواقع من مسافات شاسعة وبعيدة, ويبدو أن الأجواء كانت ملبدة بالغيوم, فلم تأتي الصورة واضحة, وكذلك فالآلية خاطئة وكلاسيكية جداً, كبيع المواد المستهلكة بالمجموعات (گوطرة), ليس بالأمتار وليس بالكغ.

المشروع لا يراعي أي اعتبار للكثافة السكانية والأولويات في تقسيم المناطق.

فالمجلس الوطني لإعلان دمشق عقدوا مؤتمر واحد وتم اعتقالهم جميعاً, فكيف بنا ككورد أن نعقد مؤتمرات لانتخاب أعضاء المجالس المحلية لكافة المناطق الكوردية, ومن ثم عقد مؤتمر يحضره ممثلي كافة المجالس المحلية لانتخاب أعضاء المجلس العام.

فعلينا طرح مشاريع تتوفر فيها إمكانيات التطبيق, هذا المشروع لا تتوفر فيه إمكانية التطبيق إطلاقاً في الواقع, اللهم إلا في الخيال.
– إن تشخيص أزمة الحركة الكوردية تحتاج إلى دراسة متعمقة, بدون شك أن الأزمة والتوتر وعدم الاستقرار تتعشعش في كافة التنظيمات لأسباب يعلمها الجميع, وفي هذا السياق حالة الأطر الموجودة, لذلك تعمل قيادات الحركة بقذف الكرة خارجاً لتضييع الوقت, ولأجل مبارزة نحن بغنى عنها, فهذا يدعي بأن الطرف الفلاني ضد الإجماع, وكذلك يدعي الآخر, وذلك بهدف التفضيل على الآخر, وبسبب مطالبة الجماهير الكوردية بتوحيد الحركة, يحاولون تهدئة الشارع بهذه الأطروحات لذر الرماد في العيون.

هناك من يعمل بشكلٍ جدي من أجل تشكيل إطار جامع وشامل, وهؤلاء موزعين في الأحزاب الكوردية, وذلك لاعتقادهم وإيمانهم بضرورة الوحدة في المرحلة الراهنة للوصول إلى مراكز القرار الداخلي والخارجي من أجل تحقيق مطالب الشعب الكوردي.

والمؤسسات المحلية والإقليمية والدولية تعاني من مشكلة اللقاء مع ممثلي الشعب الكوردي, فالإطار الجماعي حاجة ملحة للشعب الكوردي, وبوادر الحوار مع الأحزاب الكوردية من جانب النظام غير ممكن وغير مطروح, إلا عندما نضحك على أنفسنا أحياناً.

النظام يبغي فقط حوار وحيد, عندما ننفي وجودنا, وحينها لا لزوم لأي حوار.
– إن الإعلام والدعاية لها دور فعال في الاستبيانات لتي تُجرى, و هذا يعود إلى مستوى وعي المشاركين في الاستبيان ومستوى تحصيلهم العلمي واهتماماتهم, لنحكم بدقة على الاستبيان الذي أجراه موقع (ولاتي مه) حول المرجعية والمجلس.

((الأحزابُ الكورديةُ … مُصابةٌ بحُمى إطلاق المشاريع والالتفافِ عليها لاحقاً))

مصطفى إسماعيل

النقاشات والجدل الكردي العقيم (الذي يضاهي اليوم الجدل البيزنطي)، حول المرجعية والمجلس السياسي، مجرَّدُ هُراءْ نظري لا طائلَ منه، وهو نوعٌ من التفكهِ على القضية الكوردية، وممارسةٌ للبطر السياسي من لدن تلكم الأحزاب، وأنا لا أتوقعُ خيراً من أحزابٍ أعدُّها ميتة وتتنفسُ اصطناعياً عبرَ مشاريعَ خُلبية ووهمية، فالمتابعُ للشأن الكوردي والشأن العام في البلاد، يُلاحظُ كمْ أنَّ أحزابنا الجميلة مُنحسرةٌ عن الساحة، ولا تجيدُ التعبيرَ عن الكوردي المحجوبِ على أمره سياسياً وثقافياً واقتصادياً، وأنا أعدُّ هذا اللجوء الحزبي الكوردي بين الفينة والأخرى إلى المتاهات التنظيرية، كالمجلس والمرجعية، نوعاً من المعادل الموضوعي لدى الأحزاب الكوردية، للتغطية على غربتها المجتمعية، وفشلها في التعبير عن الشارع الكوردي السوري، وتأخيرِ تصديقِ شهادةِ وفاتها السياسية، وأذَّكرُ في هذا المقام بكتابتنا لمقالٍ عن المرجعية الكوردية قبل سنوات، حينَ كانَ البُخارُ الساخنُ لا يزالُ يتصاعدُ من أطروحة المرجعية، وأعتبرناها حينها كذبةً حزبيةً كورديةً أخرى، وأنَّها لنْ تتجسدَ على أرض الواقع، ما جعلَ حزباً كوردياً مُغرقاً في التقدمية ينبري لنا في جريدته المركزية تخويناً وردحاً وقدحاً وذمَّاً، مُحرِّكاً مُريديه وبيادقه القلَّة ضدنا في مدينتي كوباني، فأينَ هيَ تلكم المرجعية اليوم، ألمْ تتحول إلى رميمٍ سياسي ؟.
الأحزابُ الكورديةُ تُجيدُ قولَ ما لا تريدُ فعله، وهي مُصابةٌ بحُمى إطلاق المشاريع والالتفافِ عليها لاحقاً، ولا تتحملُ الساحة الحزبية الكوردية هذا الكمَّ من المشاريع، ليسَ ثمةَ حاجة إلى المرجعية ولا إلى المجلس السياسي ولا لمشروع صلاح بدر الدين، قبلَ إطلاقِ أيِّ مشروعٍ كتلكم المشاريع، قبلَ الانخراط في حمى إطلاق المشاريع كان مبدأ أضعف الأيمان يقتضي من أحزابنا الموَّقرة البرَّ ببرامجها السياسية وتوصيات مؤتمراتها الحزبية، ولكن تلكم البرامج تجري في وادٍ وقياداتُ أحزابنا في وادٍ ذلك تقدير العزيز العليم.

كانَ لزاماً على أحزابنا الموقرة أن تقرأ تجربة الأطر الموجودة بتمعن، لتستفيدَ من الثغرات في تلكم التجارب، أحزابٌ جعلت التحالف الكوردي يصلُ إلى حائطٍ مسدود وانشقاقي تالياً، وجعلت الجبهة الكوردية في حالة سبات منذ سنوات، وجعلت لجنة التنسيق مُفتقرةٍ إلى التنسيقِ في حدِّه الأدنى، لا يمكنها النجاحُ ومشاريعها محكومةٌ بالفشل، اللهم إلا إذا كانت الغايةُ من إطلاق المشاريع المُستجدة إطالةُ عمرها الافتراضي، سيما وأني أنظرُ إلى تلكم المشاريع المُطلقة بين الفترة والأخرى بمثابتها عملياتٍ تجميلية أو ترقيعية لخطابٍ حزبي كارثي ودونكيشوتي، فلو كانت الأطر السابقة : التحالف والجبهة والتنسيق أطراً متينة وعملية وفعالة، لكانَ يُمكنُ البناءُ عليها، ولكنّها أطرٌ هجينةٌ وغير ذات جدوى ومتسمة بالترحال الحزبي منها وإليها، والمُلفتُ في الحالة الحزبية الكوردية أنَّ المشاريعَ والأطروحات تترى وتتوالى وتتزامن وتتكاتف وتتدافع، وليسَ صحيحاً أنَّ فورة المشاريعِ في الآناء الأخيرة مُرتبطٌ بأزمة التحالف وانقسامه تالياً، فالمرجعيةُ يتمُّ الحديثُ عنها قبلَ سنوات خلتْ، ولمْ تُطرحْ مع أزمة التحالف، ولكن قدْ يكونُ للمشروع الأخير الذي يتم الحديث عنه في حزبي الوحدة والتقدمي والمجلس الخاص للتحالف التابع لحزبيهما، عن مجلس استشاري أو مؤتمر استشاري، علاقةٌ بالأزمة الأخيرة التي عصفت بالتحالف الكوردي، كونَ الحزبين المذكورين والمجلس العام للتحالف الذي اختار اللحاق بركبهما مديراً الظهر للحزبين الآخرين : البارتي واليساري، يعانيان من أزمةِ شرعية، ما يستدعي تشكيلاً آخر أو إطاراً آخر، لإضفاءِ بعض المصداقية والشرعية المفتقدة على المجلس العام للتحالف الذي تحولَ إلى مجلسٍ خاصٍ بحزبين فقط، ويمكنُ القولُ أنَّ صلاحية التحالف الكوردي ومجلسه العام قد انتهت فعلياً، فما أُسِّسَ على التوافق ينتهي بانتهاء ذلكم التوافق، وأنا أستغربُ في هذا المقام، كيفَ أنَّ ثمانية من أحزابنا مُنخرطة في إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي دونما منغصات معلنة تذكر، فيما تشهدُ أطرها الصغيرةُ (الميني جوب) كالتحالف والجبهة والتنسيق كل هذه الفرقة وعمليات الطلاق والمخالعة.

من المؤسفِ القول أنَّ تجربة التحالفات والأطر تلك زادت الطين الحزبي الكوردي بلة، وأسهمتْ أكثر في تفتيت الحالة الحزبية الكوردية وشرذمة أحزابها، بدلاً من التحول إلى إطارٍ جامعٍ حقيقي، ينحو باتجاه تقوية الحزبية الكوردية وتوحيد أحزابها، سيما وأنَّها جميعها خُلِقتْ من نفسٍ واحد.
لعلَّ الميزة الأولى لمشروع صلاح بدر الدين أنه مكتوبٌ، ويختلفُ بذا عن المشاريع والأطروحات الأخرى التي تبقَ رهنَ الشفاهيةِ القاتلة، ولا يصلنا منها إلا النتفُ اليسيرُ وجُملٌ من هنا وهناك، ما يشي بباطنية الأحزاب الكوردية، رغمَ أنَّها اختارت العلنية منذ سنوات، وهو مشروع متقدمٌ، يستخلصُ من قراءة التجربة الحزبية الكوردية ضرورةَ التفكيك ثم التركيب، فهوَ يعلمُ من خلال تجربته الحزبية السابقة ووضعه الحالي المراقب، أنه لا يمكنُ التعويلُ على أحزابٍ كاسدة ومنتهية الصلاحية، وأشاطرُ مشروعه الرأي في أن الأحزاب الكوردية مفتقرةٌ إلى الفكر السياسي، وإلى المشاركة السياسية للمثقفين وللجيل الجديد والنساء، ومفتقرة إلى الديمقراطية في داخلها، وهو طرحٌ ملفتٌ من ناحية أنه يُعطي نسبة تمثيلٍ كبرى في المجالس الوطنية للمثقفين والمستقلين، الذين يبدون كمثقفين ومستقلين حقيقيين مُغيبينَ عملياً عن الشأن الكوردي من قبل الأحزاب الكوردية، لأن تلكم الأحزاب تريدُ ببساطة مثقفين أو مستقلين إكسسوارات، وأبواق، ومصفقين للأمناء العامين وسكرتيري الأحزاب، ومدَّاحين، أي مثقفين ومستقلين فاقدين للحواس الخمس، ولكن فيما لو تحققَ مشروعُ الأستاذ صلاح بدر الدين، هل سيكونُ الأمرُ مُختلفاً، وسيكونُ للمثقفين والمستقلين دورُ في صناعة القرار السياسي الكوردي، أمْ ستعودُ الأمورُ إلى سالف العصر والأوان، وهلْ يرضَ القياديونَ الحاليون في الأحزاب الكوردية الذي بلغوا من الكبر عتياً حزم حقائبهم ومغادرة كراسيهم كما فعل صلاح بدر الدين، وهم الذين يثبتونَ لنا مراراً وتكراراً أنهم قادرون على إدارة أحزابهم من خارج البلاد ومن المشافي ومن السجون !!!.

لا أظنُّ أنَّ مشروع الأستاذ صلاح بدر الدين يروقهم من قريب أو بعيد، والذهنية الحزبية الكوردية اليوم غيرُ قادرة على التعاطي مع موضوعة الثابت والمتحول في السياسة، وفاقاً لذلك فإن مشروع بدر الدين سينتظر في أرشيف المواقع إلى إشعار غير معلوم، ربما إلى حين الانحسار النسبي لطبقة الكلس عن الذهنية الحزبية البطريركية الإلغائية الوصائية الراهنة، وتقديم القضية الكوردية على كرسي رئاسة الحزب، ولن يتم ذلك إلا بمرحلة انتقالية تشهد عملية إصلاح حزبية واسعة النطاق (داخل كل حزب)، والاستعاضة عن الهيكليات الحزبية الراهنة بأخرى مرنة (كالتي لتيار المستقبل الكوردي إلى حد ما)، وتفعيل الأوديبية السياسية عبر إزالة ظاهرة الأبقار المقدسة في الحزبية الكوردية.
نتيجة كل استفتاء ستكون محكومة بالأسئلة المحددة له، وهي أسئلة في الغالب تكون محددة وموجهة، والمصوتون في الاستفتاءات في موقع كوردي سيكونون من شريحة محددة، هي شريحة متصفحي المواقع الكوردية والمتابعين للأخبار، ماذا عن الآخرين، ما هي آرائهم حول المرجعية والمجلس السياسي، وماذا يريدون، وهل يعلمون كم حزباً لهم في الساحة، وماذا تريد أحزابهم؟.

أستطيع القول أن هنالك قطيعة بين الشارع والأحزاب تتنامى يوماً بعد يوم، وكم كنت أتمنى لو كانت الأرضية في سورية تسمح بإجراء استطلاعات للرأي في المجتمع الكوردي للوقوف على حقائق الأمور.
وأظنه أمراً طبيعياً ألا تعلن الأحزاب الكوردية في سوريا عن مشاريعها على الشارع الكوردي، مفضلة الاحتفاظ بها في الإطار الضيق المتمثل بالحزب وفئة محدودة من الموالين له، فهذه الأحزاب تخشى دعوة المثقفين والمختلفين معها إلى ندواتها السياسية أو أمسياتها الثقافية حتى، فما يؤرقها فقط هو استمراريتها، أما القضية فتحتاج إلى أحزاب مستوردة من كوكب آخر، وهو أمر طبيعي ومعروف أيضاً، لأن تاريخ الأحزاب الكوردية السورية هو أصلاً تاريخ إخراج الأغلبية الشعبية الكوردية من الحياة السياسية والثقافية، أي أنه تاريخ تهميش تلكم الأغلبية، وقد كان إخفاق الحركة الحزبية الكوردية نتيجة طبيعية وصحيحة لفعلها التهميشي ذاك، والأنكى من ذلك كما يبدو، أن الأقلية المسيطرة على الأحزاب الكوردية اليوم لا تشعر أو لا تريد أن تشعر بكارثية ذلكم الإخفاق الشامل الذي يمس الكتلة الجماهيرية وبكارثية آثاره، وهذا هو المأزق التاريخي الذي لا تريد أحزابنا الفاضلة إدراكه، بل تسارع للهروب منه إلى الأمام عبر حزم وسلال المشاريع، التي تبدو في قراءتنا المتواضعة لها عديمة النفع في إطارها التاريخاني، فنحن نعلم أنه لا يمكن لبنى قديمة الإتيان بتحديثية من نوع ما.

ختاماً، خالص الشكر والتقدير للعزيز لوند حسين على جهده القيم، ومع أمنياتي له ولموقع ” ولاتي مه ” بدوام الموفقية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…