الأنا الحزبية والآخر.. الكرد في سوريا نموذجاً

شلال كدو

لن تضطلع الحركة الكردية في سوريا بمهامها منذ ان رأت النور قبل اكثر من نصف قرن، وكان دور (الانا – الذات) قد برز فيها بشكل قوي وفاضح بٌعيد التأسيس ببضع سنوات، اي حينما برزت امامها التحديات الذاتية والموضوعية، كونها اختزلت قضية شعب محروم من ادنى وابسط الحقوق.

فقد تم اختزال الحزب والقضية برمتها بـ (الأنا)، وسرعان ما اتخذ هذا الاتجاه منحىً خطيراً اتسمت بطغيان الانانيات الفردية والشخصانية والحزبوية الضيقة، لتصبح السبب الرئيس في تحويل مسار النضال الكردي، الذي كان من المفترض ان يكون ضد سياسات الانظمة المتعاقبة على دفة الحكم، لتحقيق الاهداف التي تأسست الحركة من اجلها
 لكن هذا المسار الخطير الذي نحن بصدده حال دون ذلك، وادى الى تحوير مسار مختلف اطراف الحركة لتكون موجهة ضد بعضها البعض، اي انها كانت ولا زالت اتخذت منحى تكريد الصراع في كردستان سوريا.

ولا شك ان تكريد الصراع هذا، وفصول المهاترات الجانبية، والاحتراب والصراع الداخلي الكردي الكردي، مستمر دون هوادة منذ اكثر من اربعة عقود، دون ان يتراخى، لابل يشتد اكثر فأكثر، وان كانت تشهد حالات من الجمود في بعض المراحل، ربما بأوامر اوتعليمات من اطراف كردستانية، مما ولدت حالة عميقة من اليأس والاحباط، لدى عامة الشارع الكردي، لا يمكن الاستهانة بها في اي حال من الاحوال، لكن اياً كانت عليه النتائج، فأن الكرد السوريون لا ينفردون بهذه الحالة، وهي ليست بطارئة او جديدة في المنطقة، وربما ورثها الكرد من غيرهم من شعوب المنطقة.
فالخارطة السياسية في لبنان مثلاً، كانت ولازالت اكثر تعقيداً من نظيرتها في كردستان سوريا، حيث طغت الانانيات الحزبية والمصالح الفئوية في محطات كثيرة على المصالح العامة لدى مختلف التيارات اللبنانية، ومنذ استقلال لبنان وحتى هذه اللحظة، كانت الديمقراطية التوافقية كفيلة بحل المشاكل والازمات الشائكة بين مختلف الفرقاء اللبنانيين، وتعد السبب الرئيس في اسكات صوت المدافع وقرقعة السلاح، مع الحفاظ على مصالح الجميع، رغم تدخل هذا وذاك في شؤونهم، وكانت هذه الديمقراطية دائماً بمثابة اكسير الحياة للشعب اللبناني، بمختلف مكوناته وطيفه السياسي والمذهبي والطائفي، وحين يتوافق اللبنانيون لم يعد لهذا الأنا اي وجود واي تأثير سلبي.
وفي اقليم كردستان العراق، كادت الانا والانانيات الحزبية والشخصية، ان تقضي على تجربة الكرد الفتية في تسعينيات القرن الماضي، ولولا حكمة ودهاء القيادة السياسية الكردستانية، ولجوءها الى الديمقراطية التوافقية، لذهبت التجربة الكردية ومكاسب الكرد في اقليمهم ادراج الرياح، لكن الحوار الهادىء والبناء الذي نتج عنه التوافق السياسي، ادى الى مزيد من الوحدة السياسية والادارية بين مختلف اطراف الحركة الكردستانية، وهاهو المجتمع الدولي برمته يتغنى بتجربة الكرد وديمقراطيتهم، وليس مستبعداً ان تصبح هذه التجربة نموذجاً يقتدى به الآخرون في المستقبل.
واذا ارادت القيادة السياسة للحركة الكردية في كردستان سوريا، انهاء هذه الحالة المزرية التي تمر بها ولو جزئياً، لا بد لها من ان تأخذ حوارها الحالي الذي يهدف الى تشكيل مجلس سياسي، منحىً اكثر جدية وشفافية، ومحاولة التوافق على المشتركات بين مختلف التنظيمات المتحاورة، لان التوافق كان بلسماً لجراح العديد من الحالات المشابهة لحالة الكرد السوريين كما ذكرنا في السياق، ولا يلغي الانا والآخر ايضاً، ويحقق الحد الادنى على الاقل من المصلحة العامة.

* افتتاحية العدد 88 من جريدة الامل الصادرة في اقليم كردستان – السليمانية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…