مايقارب الشهر واسرائيل تصعد من حربها العدوانية المدمرة ضد لبنان وتوسع مداها لتشمل كافة المناطق والمرافق والبنى التحتية للدولة والوطن متوعدة با المزيد الى حين تحقيق أهدافها المعلنة في ابعاد خطر صواريخ حزب الله القصيرة المدى من الخط الأزرق الى مابعد نهر الليطاني , وخلال كل هذه المدة تأخرالمجتمع الدولي عبر هيئة الأمم المتحدة أو لم يشأ من التوصل الى قرار جماعي حول الأزمة اللبنانية بعكس المرات السابقة وذلك لأسباب موضوعية
أولها اعتبار الأزمة بين اسرائيل ومجموعة عسكرية غير شرعية وهي حزب الله وليس مع الحكومة اللبنانية أو الأغلبية من مكونات البلد خاصة اذا كان الحزب هو البادىء مانحا الذريعة للحجج الاسرائيلية وثانيها عدم التعاطف الكامل هذه المرة مع موقف حزب الله على الصعيدين العربي والاقليمي والدولي الرسمي وحتى الشعبي لافتقاره الى – الشرعية المقاومة – ( بعد افتضاح أمر مسألة مزارع شبعا وتحولها الى لعبة مخابراتية سورية ) وخروجه عن الاجماع الوطني وانفراده باقرار الحرب على دولة عضو في هيئة الامم المتحدة دون اي اعتبار لوجود الحكومة اللبنانية الشرعية وموازين القوى العسكرية والاقتصادية والاجماع العربي وتسببه في مغامرته الطائشة في تقدير معظم المراقبين بما فيهم الدول العربية الفاعلة في حصول هذا الخراب المروع وازهاق الارواح رغم ان الفاعل هو اسرائيل وآلتها الحربية وسياستها العنصرية الهوجاء المعروفة ضد الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى الآن , وثالثها الاشكالية التي تكتنف التشكل الطائفي لحزب الله بعد استفحال – الطائفية السياسية – في العراق ولبنان وفلسطين وتحالفه الى درجة التبعية لأكثر أنظمة المنطقة استبدادا ودكتاتورية وهما النظامان السوري والايراني اللذان يمران في أزمة مصيرية ويواجهان العالم أجمع بسبب ملف اغتيال الرئيس الحريري ومسائل الارهاب والتغيير الديموقراطي بالنسبة لسورية والملف النووي والارهاب والتدخل في شؤون العراق وقضية الديموقراطية بالنسبة لايران ورابعها اعتبار التصعيد العسكري الأخير الذي أقدم عليه حزب الله بعد تخطيط وتخزين للسلاح والذخائر وتحصينات لمقاتليه ( دون توفير الملاجىء والمستشفيات وسياراة الاسعاف للمواطنين ) بدعم مالي ولوجستي من النظامين وتحضيرات ميدانية واضحة خطوة في مواجهة استتاب الأمن والاستقرار في لبنان وتهربا من استحقاق تسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية حيث طالب بتحقيق ذلك مختلف القوى والمكونات اللبنانية خلال جلسات الحوار الوطني ناهيك عن قرار مجلس الأمن الدولي 1559 وأبعد من ذلك الامعان في وضع العراقيل أمام احلال السلام في فلسطين والعراق وتقديم الخدمة السياسية لنهج وتكتيك – الممانعة – لنظامي دمشق وطهران واجندتهما في الشرق الأوسط حول قضايا السلام والديموقراطية والاستقرار وحرية الشعوب ( هناك في البلدين قضايا قومية عالقة وأكثر من عشرة شعوب تتعرض للاضطهاد والظلم والقمع والتجاهل تناضل وتنتظر دعم العالم الحر الديموقراطي ) .
من الواضح أن التباطىء الحاصل دوليا وعربيا ناتج – رغم تكتم الجميع – عن انتظار النتائج العسكرية على أرض المعركة خاصة وأن الحسم اذا تم لصالح الطرف الاسرائيلي الذي تتوقعه الأغلبية بسبب عدم التكافىء بين قدرات دولة متقدمة ومقتدرة وبين امكانيات تنظيم حزبي رغم بطولات أفراده وشجاعة أنصاره فان الأمر سيكون أكثر سهولة وأقل حرجا في تلك الحالة للمجتمع الدولي لاستحضار القوات الدولية دون عوائق وبالتحاور والتشاور مع الحكومة وليس مع ميليشيات الى جانب قوى الدولة الشرعية للفصل بين البلدين والتفرغ لتحقيق المصالحة الوطنية بين جميع طوائف ومكونات الشعب اللبناني على أساس التوافق وحل مسائل الحدود العالقة بين لبنان وكل من اسرائيل وسورية كما سيكون في الوقت ذاته مناسبا للدور العربي الرسمي في المساهمة بتحقيق الاستقرار والبناء والاعمار .
اشكالية تعريف النصر والهزيمة في المواجهة الراهنة :
مازلنا نعاني من تبعات وهم انتصارنا في حزيران عام 1967 عندما اعتبرت أنظمتنا الحاكمة عجزها العسكري وفشلها السياسي واخفاقها في تحقيق الأهداف انتصارا – لأن النظام الوطني لم يسقط – رغم سقوط الآلاف من الشهداء والجرحى وجموع النازحين من القنيطرة الذين لم يعودوا بعد انقضاء مايقارب الاربعين عاما وخسارة الجولان وتحطم سلاح الطيران الحربي على الأرض وتوجيه ضربة مؤلمة لهيبة الجيوش .
ثقافة الاعلام السائد بعد انقضاء ما يقارب الشهر على المواجهة تعيدنا الى الوراء اربعة عقود وتنفخ في الأوهام مجددا مصرة على هزيمة اسرائيل وانتصار حزب الله – لأن السيد والحزب بخير – فما هو المقياس الحقيقي للربح والخسارة ؟ الخسائر البشرية للبنان : 1020 قتيل و4000 جريح ومليون نازح والدمار يفوق خمسة مليارات دولار حتى الآن حسب المصادر الحكومية أما خسائر اسرائيل البشرية لم تتجاوزالستين وجرحاها حوالي 150 وخسائرها المادية غير معروفة وتعوض على الفور ان وجدت أما تأثير الحرب على مجتمعي لبنان واسرائيل في المستقبل القريب والمتوسط ففي الأول مرشح لتباعد الطوائف وتعمق الخلافات السياسية وتفاقم القضايا الاجتماعية والانسانية واحتمالات ردود الفعل على خطوة حزب الله ومسؤوليته في ما ألحق بشعب لبنان وأهل الجنوب تحديدا حتى من داخل الطائفة الشيعية وبدأنا نسمع أصواتا اعتراضية من الآن وفي الثاني يؤدي الى مزيد من التماسك أمام الأخطار وتعزيز التعاطف الخارجي كما ظهر من مشروع القرار الأمريكي الفرنسي في مجلس الأمن الأقرب الى الطرح الاسرائيلي , كما أعتقد بأن اسرائيل ليست بحاجة الى من يفاجئها بأن مجموعة من الفدائيين الشجعان المتمرسين في حرب الغوار بجنوب لبنان قد أوقفت هجمات جيشها النظامي الجرار برا وأوقعت في صفوفه الخسائر لأن لها خبرة طويلة وتاريخية في هذا المجال وحسابات دقيقة عندما تقدم على المواجهة البرية فقد قامت أساسا على أكتاف منظماتها السرية المدربة على حرب العصابات والتي يعتبرها اليهود – مقاومة وطنية – من عصابات الهاجانا وشتيرن والآراغون والتي أقامت عمليا دولة اسرائيل وأزعجت الجيش البريطاني وفجرت به فندق داود واغتالت المبعوث الدولي وهجرت الفلسطينيين من ديارهم وألحقت الهزيمة العسكرية بالجيوش العربية , وفي الفيتنام هزمت قوات التحرير الشعبي الجيش الأمريكي المحتل وقبل ذلك الفرنسي في حروب العصابات في حدود أرضها الوطنية رغم أن البلدين – المهزومين – في معارك فيتنام وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية كانا ومازالا من أقوى دول العالم على الصعد العسكرية والاقتصادية والعلمية وكل مافي الأمر انهما خسرا معركة أمام الفدائيين الأحرار ولم يلغيا من الخارطة أما في الحالة اللبنانية فقد حصل أمر آخر حيث لم يكن لبنان بلدا محتلا قبل 12 تموز ولم يكن الشعب اللبناني في حالة تنظيم صفوف حركة للتحرير الوطني من الأجنبي أو العدو الاسرائيلي بقدر ما كان ماضيا في استكمال عملية تعزيز وحدته الوطنية وترسيخ اسس الدولة الشرعية بكل ملتزماتها وخلاصه من أجهزة الوصاية السورية نهائيا والى الأبد وأراد حزب الله خلط الأوراق ونقل معركة نظامي سورية وايران مع القوى الدولية الى الأراضي اللبنانية بقراره المنفرد على الصعيد الوطني .
الحل السياسي على الأبواب :
مداولات مجلس الأمن تفتح الباب أمام الحلول السياسية خاصة عندما يجري الاتفاق المبدئي بين أعضاء مجلس الأمن وخاصة امريكا وفرنسا حول القضايا الأساسية ولا شك أن هناك الكثير من العقبات التي ستؤخر العملية وبالتالي تزيد من الضحايا وأولها ممانعة المحور السوري – الايراني وتوابعه من حزب الله وغيره من المجموعات اللبنانية الذين ليس من مصلحتهم تحقيق الحل النهائي للأزمة اللبنانية وثانيها عدم قدرة الحكومة اللبنانية الشرعية والقوى الداعمة لها وخاصة قوى الرابع عشر من آذار في الظرف الراهن على الأقل من استعادة دورها السياسي والافصاح عن مواقفها الحقيقية في أجواء الحرب وضغط النازحين وحساسية العلاقات وبالتالي بقاءها رهينة مواقف حزب الله ووكيله العام نبيه بري وحبيسة مظاهرات أنصار الحزب والحركة وتهديداتهم الجادة لكل من يتجرأ على قول الحقيقة من السياسيين والاعلاميين مع التكويعة الانتهازية للعماد عون – بخلاف عادته – ولهاث تياره وراء المنصب الرئاسي وثالثها التخوف العام لدى النخبة السياسية اللبنانية من تمرير صفقات دولية من وراء ظهور اللبنانيين وعلى حساب مصالحهم مع محور دمشق وطهران رغم كل مظاهر العزل والتجاهل الدوليين تجاه العاصمتين خاصة وأن هذا المحور يتهيأ من أجل استثمارنتائج الحرب اللبنانية لمصلحة أهدافه في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والدور الاقليمي وذلك واضح من رسائله الاعلامية صوب كل الاتجاهات بما فيها الاسرائيلية .