ليس من شك أن اعلان الديبلوماسي التركي بل اعترافه المعلن بالمكون القومي الكردي في المنطقة الى جانب الآخرين والذي يعتبر خرقا للمحظور واستثناء للمألوف كان استكمالا منطقيا بل تحصيل حاصل للاعتراف بالحقيقة الكردية في بلاده أولا والتسليم بوجود ” القضية الكردية في تركيا ” والاعلان في وسائل الاعلام عن انجاز برنامج لمعالجتها عبر الحوار السلمي في حين ولدى اجراء مقارنة سريعة نلحظ امتناع نظامي طهران ودمشق حتى الآن عن رؤية الحقيقة بل والامعان اما في انكار أو تجاهل الوجود الكردي وحقوقه وتنفيذ خطط تغيير التركيب الديموغرافي في مناطقه التاريخية ومحاولة امحاء ثقافته ومعالم هويته .
لقد سمعنا وتابعنا الكثير عن مشاريع للشرق الأوسط ” الجديد ” و” الكبير ” في كنف ” النظام العالمي الجديد ” مابعد حقبة الحرب الباردة وبالتماثل مع ” عملية التغيير الديموقراطي المنشودة ” في بلداننا وخلت تلك المشاريع عن – عمد أو سهو – من الاشارة الى الكرد وجودا ودورا واستحقاقات في حين نجد بغاية الوضوح موقعا تراتبيا لهم الى جانب الترك والعرب والفرس في رؤية الوزير التركي بل وحاجة لدعمهم في ترتيب أوضاع المنطقة من دون الافصاح عن مضامين وعناوين ذلك الترتيب واذا كنا نشارك المتفائلين – ولو بحذر – والمستنجدين بالسيد داود أوغلو – كحلال للمشاكل – لاستعمال عصاه السحري في فك اشتباكات المنطقة وما أكثرها والقائلين أن تركيا ” تخوض اليوم حقبة بالغة الحيوية والثراء في تاريخها المعاصر، لا يمكن تسميتها بأقل من ميلاد جديد، أو على الأقل إعادة اكتشاف للذات، ثقافياً واستراتيجياً، داخلياً وخارجياً ” الا أننا ومن أجل البحث مع السيد داود أوغلو عن تلك الحقائق التاريخية وبينها الحقيقة الكردية الشرق أوسطية لابد من صراحة مماثلة بل أكثر وضوحا حول جملة من المبادىء والتساؤلات والوظائف الكفيلة برسم الحدود الواضحة بين مسلكي الاستراتيجية والتكتيك والثابت والآني وبالأخير مدى المصداقية والجدية في تصريح السيد وزير خارجية تركيا ومنها :
أولا : مقياس الجدية من عدمها يكمن أولا وأخيرا في مدى نجاح الحكومة التركية في الايفاء بالتزاماتها المعلنة تجاه أكثر من خمسة عشر مليون كردي يشكلون قومية ثانية اعترف بوجودهم للمرة الأولى الرئيس التركي العلماني الراحل – توركوت أوزال – من دون التمكن من الاعتراف لهم بأية حقوق قومية وديموقراطية أو التسليم بشراكتهم للترك في السلطة والقرار وقيل أنه ذهب ضحية موقفه الوطني من جانب مراكز القرار – الخفية ! – ومن الخطوات الأساسية أمام الحكومة الآن نشر برنامجها وخارطة طريقها لحل القضية الكردية أمام الرأي العام في البلاد من أجل مشاركة الجميع تركا وكردا وقوميات أخرى في تقرير مصير الجمهورية ومستقبلها والمشاركة العادلة في اطار الاتحاد الاختياري الحر بين مكونات تركيا في ظل دولة متعددة الأقوام والثقافات ودستور يضمن حاضر ومستقبل الجميع بالعدل والمساواة يسبق ذلك تحقيق السلم القومي التركي – الكردي ووضع حد للعنف والعنف المضاد وازالة القوانين الاستثنائية والعرفية المطبقة في اقليم كردستان تركيا الذي يعتبره النظام الحاكم منطقة عسكرية أمنية وتحقيق المصالحة الوطنية والبدء بتنفيذ المشاريع الانمائية في ذلك الاقليم الذي يتعرض شعبه منذ عقود الى التهجير والتشرد والافقار ووصل الملايين منه الى استانبول والمدن التركية الأخرى هربا من الاضطهاد والقمع.
ثانيا : الاشارة الى المكون الكردي في الشرق الأوسط بمثابة اعتراف نظري بوجود ماهو قائم ووصف لحالة ماثلة وهي لاتكفي اذا لم تقرن بتفسير موضوعي لمضمونها السياسي والثقافي والديموقراطي مثل حق ذلك المكون كغيره من المكونات المشار اليها في تقرير المصير ونوع النظام الشرق أوسطي ذاك الذي سيجمع بين المكونات الرئيسية الأربع فدرالي أو كونفدرالي بحسب طرح أطراف من الحركة السياسية الكردية في بعض المراحل كحل للمشكلة كما اقترب الرئيس – أوزال – من هذه الرؤية قبل رحيله في احدى تصريحاته التي نشرت مقالا حولها كتعقيب ومتابعة بعنوان : ” فلتكن فدرالية تركية عربية فارسية كردية ” اشارة الى البحث عن الحل الاقليمي الرباعي الأضلاع أو امبراطوري تركي بمسحة عثمانوية كما تدعو اليه أوساط تركية قومية يمينية بينها المؤسسة العسكرية أو منطقة تجارية لاتمس أسسها وحدودها ودساتيرها ويبقى فيها كل شيء على حاله بما فيه حالة – المواطنين – الأكراد فقط يطلق فيها العنان للرأسمالية التركية الحاكمة أو القريبة من السلطة والقرار الفالتة من عقالها والباحثة عن الأسواق لذلك على السيد داود أوغلو توضيح أي شرق أوسط جديد يريد : كيان ديموقراطي تتعايش وتتشارك فيه المكونات والأقوام بالعدل والمساواة على قاعدة حق تقرير المصير والاتحاد الاختياري حسب صيغة يتم التوافق عليها أم التأسيس لأمر واقع قائم دون حراك أم امبراطورية متجددة بقطبية أحادية أو ثنائية أو ثلاثية أم منطقة نفوذ تجارية وسوق حرة تخضع للأقوى عسكريا واقتصاديا .