ماذا تبغون….!

  رزو خرزي
الترجمة قادر عكيد

قبل أن أبدأ مقالتي، أودّ أن أشاطركم سرد حادثة سمعتها…

تشاء الصّدف أن تتزامن استضافة أحد القرويّين العجائز لاثنين من الثـوّار مع حملة تمشيط لتلك القرية، وباقتراب الجنود من بيت العجوز يحار الثـّائران إذ ليس بمقدورهما مواجهة الجنود، لاحتمال أن يقضي العجوز وعائلته نحبهم فيها.

لذا يقرّرون الاختباء في المنزل وترك الأمور في مهبّ الأقدار.
يُفتضـَح أمرهم أثناء التمشيط، ويقبض عليهم، ويساقون..

وفي الطـّريق يهمسان للعجوز: إذا سُئلتَ عنـّا فأنكِر معرفتك لنا،  قل إننا التجأنا إلى بيتك وإنك آويتنا مرغماً.
لم يعِ العجوز شيئاً مما دار، بل استفسر منهم: ماذا قلتم؟ أنا لا أفهم شيئاً،  أنا لا أسمعكم.
ينهرهم الجنود أن اصمتوا؛ ولا تتحدّثوا الكرديّة..

وهم يحاولون بشتى الوسائل إفهام العجوز،  لكنهم يفشلون.

يضيرهما جدّاً أن يتأذّى هذا المسنّ بسببهما، وأن يستعصي عليه إدراك الأمر.

وهكذا يُساقون إلى المخفر، ثمّ إلى المحكمة.
في المحكمة، يسألهم القاضي عمّا كانوا يفعلون في ذلك البيت، وما هي طبيعة علاقتهم بصاحبه، فيقولان: إننا لا نعرفه، هاجمنا الجوع، فقصدنا داره، ثمّ هجم علينا العسكر واعتقلونا.

تثور ثائرة العجوز لسماع تلك الكلمات وينتفض صائحاً:
“أيّها القاضي العادل،  أنزِل أقصى العقوبات بهؤلاء؛ ناكري الجميل.

أقسم بالله العظيم أنهم كانوا يتردّدون على منزلي دوماً، وقد أكلوا وشربوا لديّ أكثر من أحد أفراد عائلتي”.
لم يكن العجوز يعي أنه بهذا الكلام يقاسمهم الذنب، وأن عقوبته ستكون مضاعفة…!
أنا أيضاً أكرّر قوله: إن هؤلاء الرّفاق الثلاثة الذين اعتقلوا من حزب (د تﭗ) لم يرتكبوا أيّ ذنب يذكر،  فالكرد – عدا العملاء – يرتكبون الإثم عينه كلّ يوم، ونحن ننادي بما أوتينا من صوت أن تنتهي هذه الحرب اليوم قبل غد، وأن تسود هذه البلاد حلّ مرضيّ وتسوية عادلة.
جميعنا ينادي بحريّة الشّعب الكرديّ وحقوقه المشروعة.
لكننا لا نعي ما تبغونه….!
تقتلون طفلاً لأنه رشق دوريّة بوليس بالحجارة، وتعتقلون آخر لأنه شارك في مسيرة احتجاجيّة وتودعوه السجن.

تقتلون طفلاً كرديّاً كان يسرح بأغنامه، ثم يصرّح (قضائكم) بعد كلّ هذه المجازر أن الجنود كانوا في حالة دفاع مشروع عن أنفسهم….!
ترى، تلك الطفلة التي قطـّع الجنود جسدها أشلاءً، هل كانوا يمارسون حقّ الدّفاع المشروع عن النفس حينما نحـروها…!؟
أوجـّه سؤالي أخيراً إلى مسؤولي الدولة: هل الدّولة بأفعالها هذه قد خاضت بداية مرحلة حلّ القضيّة الكرديّة أم تصفيتها؟
حسب (أقوالهم) فإن خطوات جديّة باتجاه حلّ القضيّة الكرديّة قد بدأت،  وحسب (أفعالهم) فإننا نلاحظ أنهم قد بدؤوا خطّة جديدة وموسّعة باتجاه تصفية الكرد، وحملات اعتقال المواطنين الكرد في المدن والمناطق الكرديّة المختلفة على قدم وساقٍ.

سلامي إلى جميع القابعين في غياهب السّجون من أجل حقوقهم المشروعة، وعلى أمل الحريّة المنشودة أحتضن كفاحهم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…