نراهن على ذاكرة شعبنا

زيور العمر

بعد أن هدأ الجدال بشأن التجمع الجماهيري الذي كان من المقرر القيام به في القامشلي في 12 من الشهر الجاري , و كان من المتوقع أن تهدأ الأحاديث , و تستقر الآراء , و يحاول كل منا أن يبحث في تفسير واقعي و موضوعي , لما جرى و يجري في الساحة السياسية الكردية من أمور , خرج علينا أحد قادة يكيتي من حيث لا يدري يزعم أن النظام خشى من إندلاع إنتفاضة كردية ثانية , لذلك طلب من يكيتي أن يلغي نشاطه , مقابل لقاء مع القيادة السياسية في البلاد..! فكان تصريحه بحق يستحق لقب «أغرب تصريح» في الفترة القريبة الماضية.

و لعل الأغرب ما في الأمر هو التلاعب بسلسلة الأحداث , و محاولة إيجاد روابط  وهمية , غير حقيقية , بينها , بغية الوصول الى إستنتاجات لا تمت للواقع بأية صلة , أقلها التصريح , على سبيل المثال
 أن الإنتفاضة الكردية في 12 آذار 2004 , لم تكن إلا تطوراً تصاعدياً لأحداث سبقتها , بل و نتيجة لها , في إشارة الى الأنشطة الجماهيرية من مسيرات و تجمعات سياسية نظمها يكيتي أولاً أمام مجلس الشعب , أو تلك التي قام بها الحزب مع أحزاب أخرى , و بالتالي التبرير السياسي لحالة إفتراضية (إنتفاضة ثانية) دون أن تحدث , و من دون أن تكون هنالك أية معطيات يمكن أن تشير إلى إمكانية حدوثها في الوقت الراهن.

فالزعم بأن النظام كان يخشى من إندلاع إنتفاضة ثانية من رحم التجمع الجماهيري في 12 أوكتوبر , إدعاء غريب , لا ينسجم مع حيثيات الحالة السياسية الكردية و أحداثياتها المتبعثرة و المتنافرة قط , و لا يمكن لأي متتبع سياسي ذو تجربة و دراية أن يقر به , أو أن يأخذه على محمل الجد.
و إن كان ذلك يدل على شئ , فإنما يدل على مراهنة أصحاب هذه الإدعاءات و أخواتها , على حاسة النسيان لدى شعبنا , الذي ما تزال ذاكرته حية بخصوص ما حدث في 12 آذار 2004 من مقدمات و تطورات تلتها أدت الى الفوران الجماهيري الغير منظم , ضد السلطة و مؤسساتها .

فالأحزاب السياسية , و من بينها يكيتي, أقرت بعدم صلتها مع الحدث , و لم تكن تتوقع أن تصل الأمور الى ذلك الحد , و لم تكن بأي حال من الأحوال , منهمكة بقياس و متابعة حالة الإحتقان السياسي , و الضغوط التي تسببها سياسات النظام و إجراءاته و ممارساته بحق الشعب الكردي , و إمكانية أن تنفجر في أي وقت من الأوقات , و خطورة وضع كهذا من حيث النتائج و التداعيات , إن لم يحسب لها حساب , أو إستعداد , لقيادة الحدث , و تطويره , و دفعه في الإتجاه الصحيح , و إلا وجد أبناء شعبنا أنفسهم وحيدين يطحنون في آلات القمع , يموتون و يعذبون في أقبية السجون و المعتقلات .
لا شك أن أصحاب الإدعاءات الآنفة الذكر , ما زال يتذكرون جيداً , كيف استنكرت الأوساط السياسية و الإجتماعية و الثقافية , آداء الأحزاب الكردية , و سلوك قياداتها ,  في أثناء الإنتفاضة , عندما تلاحمت , بقدرة خالق , بعد أن فقدنا الأمل في وحدتها و تلاحمها , من أجل البحث و التخطيط و تنفيذ الأوامر , بهدف وقف الإنتفاضة , و من ثم إفراغها لاحقاً من مضامينها السياسية و الإجتماعية , و حرمانها من صفتها التاريخية و الإنعطافية , بغية تبرير سياساتها السابقة.

الأحزاب الكردية كانت في ذلك الوقت أيضا ً تقول أن النظام يريد الحوار و النقاش الهادئ من أجل إيجاد حل للقضية .

و بالرغم من تنصل النظام من عهوده و وعوده , إلا أن هنالك  ما يزال  من يعتقد أو يحاول أن يسوق بضاعة تالفة , غير صالحة , مفادها أن النظام يبدي إستعداده للحوار حول القضية , كما يقول و يدعي يكيتي , اليوم .

نقول ذلك و نحن نتذكر كيف أن الأحزاب الكردية , و بمجرد عودة الهدوء الى المناطق الكردية في آذار 2004 , و تفرق المنتفضون , تفرقوا هم أيضاً , لتبدأ فصول و مشاهد الإحتراب الحزبوي , و بشكل غير مسبوق, في الوقت الذي كان فيه مطلوباً منهم البحث في صيغة تضمن تطوير  إطار «تجمع الأحزاب الكردية في سوريا» إلى صيغة أخرى , تنسجم مع التحديات الجديدة , و النتائج التي أسفرت عنها الإنتفاضة .
و لكن مع ذلك ندرك أن الأحزاب , كما الأفراد , لها إحتياجاتها.

و كما يخطئ الأفراد في إختياراتهم , تخطئ الأحزاب أيضاً في حساباتها , و لكن المهم هو الشفافية و الصدق , و ما أحوجنا إليها نحن الكرد , و خاصة مع بعضنا البعض .

و إذا كانت حاجة يكيتي في هذا الوقت , بالنظر الى أوضاع داخلية صعبة يعيشها , و هو مقبل على مؤتمره , أن يتوجه الى دوار الهلالية في القامشلي للتجمع و التظاهر , من أجل إنعاش جماهيره , و تحريك مفاصله , وترميم بعض أحواله على الأقل , فإنه بالمقابل , ليس مقبولاً و من حقنا الإعتراض و رفع بطاقة التحذير في وجهه , عندما يختار قيادته اللعب في منطقة محرمة عليه , أو كما إدعى هو نفسه , على أنها منطقة محرمة , أي الزعم بأن النظام على إستعداد للحوار , و أن هنالك أجواء تشجع مثل هذا الحوار , من دون أن نشعر بأي معطيات تؤكد ذلك .
نحن نراهن على ذاكرة شعبنا في أنه لن ينسى ما حدث في  آذار 2004 , و هو بالتالي لن يتسامح مع محاولات إستدراجه للوقوع تحت تأثير إدعاءات زائفة و مضللة , أو الوثوق بها.

و لا شك في أنه سينظر إليها بسخرية و إستهجان, و بالتالي رفضها.

فشعبنا يدرك تماماً أن هذه الأحزاب غير قادرة على حمايته , و أن طموحاته و ما يتطلع إليه , أخر ما تفكر بها القيادات الكردية .

السنوات الماضية كشفت عن العديد من الأمور الخطيرة التي تورطت فيها هذه الأحزاب و مسؤوليها , أقلها إبقاء الحالة السياسية الكردية ضعيفة و ممزقة , و إلهاء الجمهور الكردي بتفاصيل حالة التناكف و التناحر و النزاع , و ليس توظيف الإمكانات والطاقات الخلاقة  لديه , من أجل الوصول الى حالة أفضل تلبي الحد الأدنى من مطالبه تجاه قواه السياسية .
15/10/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…

حوران حم واقع يصرخ بالفوضى في مشهد يعكس عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها الحركة الكوردية في سوريا، تتوالى المبادرات التي تُعلن عن تشكيل وفود تفاوضية موسعة، تضم عشرات الأحزاب والتنظيمات، تحت مسمى التمثيل القومي. غير أن هذا التضخم في عدد المكونات لا يعكس بالضرورة تعددية سياسية صحية، بل يكشف عن حالة من التشتت والعجز عن إنتاج رؤية موحدة وفاعلة….

مصطفى منيغ/تطوان باقة ورد مهداة من بساتين تطوان ، إلى عراقية كردية ملهمة كل فنان ، مُلحِّناً ما يطرب على نهج زرياب قلب كل مخلص لتخليص ما يترقب تخليصه من تطاول أي شيطان ، على أرض الخير العميم وزرع نَضِر على الدوام وجنس لطيف من أشرف حسان ، بنظرة حلال تداوى أرواحا من داء وحدة كل عاشق للحياة العائلية المتماسكة…