خيبة أمل جديدة… !!

م .

بافي ژيـــن
 

بعد اجتماعات ماراثونية متعددة, تفاءل البعض خيراً لبلورة مشروع سياسي مشترك, يجمع تسعة أطراف كردية في بوتقة(المجلس السياسي), تلتزم رؤية سياسية موحدة, تحت مظلة برنامج الحد الأدنى, وفي هذا الصدد, صرح أكثر من مسؤول في الأحزاب المتحاورة, بأن التوقيع النهائي بات قاب قوسين أو أدنى, وأن البيان الختامي في طريقه إلى النور قريباً, فكان القرار محل ترحيب, باعتباره رداً أولياً على حالة التفكك التي تعيشها الحركة السياسية الكردية في سوريا, ومدخلاً مناسباً نحو عصرنة خطاب كردي موحد, يلامس الراهن القومي بواقعية, ويحاكي المشهد الوطني بفعالية أكبر, ويجانب الخلط بينهما.
 إن الظروف الصعبة والدقيقة, التي يقاسي فيها الشعب الكردي صنوف القهر والإذلال, جراء سياسات عنصرية مقيتة, وحالة الفوضى واللامبالاة اللتان يعيشهما الحراك السياسي الكردي, وفشل العديد من التجارب الوحدوية, جعل من خبر(تشكيل مجلس سياسي) ما يشبه سحابة صيف, خاصة في الوسط المهتم بالشأن العام, وكي نتجنب الإغراق في التشاؤم, والإفراط في التفاؤل, نقول أن الحاجة ملحة, للبحث بجدية عن حلول ناجعة لترتيب البيت الكردي السوري, ولكن هل الكرد يمتلكون بيتاً سياسياً موحداً ؟!! بكل تأكيد لا, فهم يمكثون في بيوتات متناثرة, ومتهالكة لا تصلح للسكن أصلاً !! لذا فالشعب الكردي أحوج إلى بيتٍ سياسي موحد, يقيهم سياط المستبد, ويصون كرامتهم؛ وربما من المفيد في هذا الصدد, البدء بإصلاح البيت الواحد أولاً ثم التخطيط لمشروع سياسي يجمع بين جنباته الحراك الكردي بمختلف تشعباته (السياسية, الثقافية, الاجتماعية).

لقد بالغ البعض من شأن العمل المشترك للأحزاب المتحاورة, بمناسبة يوم الإحصاء في العاصمة السورية, واعتبروه إعلاناً غير مباشراً للمجلس السياسي العتيد !!, ولكن سرعان ما ذهبت توقعاتهم أدراج الرياح, عندما تراجع شركاء الأمس وحلفاء المستقبل, رسمياً من المبادرة (الاحتجاج الدمشقي) عدا حزب واحد؛ إذ أعلن هو الآخر عن تحويل زمان ومكان الاحتجاج من… وإلى مدينة القامشلي (دوار الهلالية) بتاريخ 12/10/2009 إلا أن  القرار تمّ تعليقه أيضاً, بموجب بيان صادر من اللجنة المركزية للحزب!! ورغم إنني أنتمي في القناعة إلى شريحة واسعة من الكرد, حول جدوى وأهمية العمل السلمي الديمقراطي, بما فيه حق الإضراب, والاعتصام, والتظاهر, والاحتجاج, إلا إن القناعة وحدها لا تكفي للحكم على نجاح النشاطات السلمية, في بلد يحكمه قانون الطوارئ, والأحكام العرفية, ويتم فيه مصادرة الحريات العامة, وحرية الرأي والتعبير, ولا بدّ من التأكيد على بعض شروط النجاح لأية مبادرة سلمية في المستقبل:
أولاً- البحث عن المشتركات الأساسية, لدى الأطراف السياسية الكردية, والوطنية السورية, ومحاولة خلق حالة من الإجماع قبل اتخاذ أي قرار بخصوص النزول إلى الشارع .


ثانياً- العمل وبجدية في تحقيق حالة من التوازن بين العمل المطلبي والبعد الوطني, وتذليل العقبات إنْ وجدت.


ثالثاً- الاستئناس بآراء المستقلين من النخب الكردية وفق آليات معينة,وفي حال تمّ الإقرار بالعمل الجماهيري يجب على الأطراف المعنية إقناع قطاعات واسعة منها بجدوى المبادرة, والمشاركة بأعداد غفيرة فيه, لتحقيق الهدف المرسوم والمتفق عليه .


رابعاً- الاستمرارية في العمل الجماهيري, وفق مخطط مدروس ومعد مسبقا, وعدم الاقتصار على مناسبات سنوية استعراضية.

 إن ممارسة النضال السياسي الجماهيري بأبعاده وتوجهاته المختلفة, تندرج ضمن مفاهيم “فن الممكنات” والنشاط الجماعي عندما يستوفي شروط النجاح يتحول إلى سلوك, يتطبع في خبايا الذات, حينها يصعب الإقلاع عنه دون تحقيق الهدف, وخلاف ذلك, يصب في خدمة الشخصنة الحزبية, والمصالح الضيقة,ويؤدي إلى حالة من النفور, والروتين المصاحب بالضعف, والترهل, وعليه يجب أخذ الحيطة والحذر, من التلاعب بمسار ومصير الجماهير, وزجه في معارك غير محسوبة النتائج, والمحاولة الجادة, للتوفيق بين معادلة الفعل, ورد الفعل, ودراسة الراهن الكردي ضمن سياقه(الزمكاني), بعيداً عن التجاذبات السياسية, والعنتريات الحزبوية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي* لم تکن ممارسة عملية الحکم من قبل النظام الإيراني سهلة وهينة لأنه ومنذ البداية واجه رفضا داخليا قويا مثلما کانت هناك عزلة دولية تفاقمت عاما بعد عام، وحاول النظام جاهدا مواجهة الحالتين وحتى التعايش معهما ولاسيما وهو من النوع الذي لا يمکن له التخلي عن نهجه لأن في ذلك زواله، ولهذا السبب فقد مارس اسلوب الهروب…

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…