مشروع المجلس السياسي الكردي بين الحلم الدونكيشوتي وتراجيديا واقع الحركة الكردية في سوريا

دلير حسن

 يبدو إن انجاز مشروع المجلس السياسي للحركة الكردية, أصبح طموحاً كردياً مفوتاً, شأنه شأن الكثير من المشاريع الكردية الطموحة المفوتة, التي ظلت مجرد أضغاث أحلام, وأهداف دينكيشوتية تعكس مرارة الهوة بين أحلامنا وآمالنا وواقعنا السياسي, الذي يحتاج إلى الكثير من التأمل والكثير من الواقعية السياسية والجرأة في التشخيص, بل والعمليات الجراحية المؤلمة في التعاطي معه بعيداً عن شطط الأوهام وحرارة العواطف, فرؤية الواقع على حقيقته, وان كان ينضح بالمرارة هو جزء من الحل والمعالجة, ودون ذلك ينبغي أن نتوقع الكثير من حصادات الفشل, وتبديد الكثير من الجهد والوقت سدى, إلا إذا لم يكن للوقت قيمة في حساباتنا السياسية, في ظل الأحداث الدولية والإقليمية المتسارعة المفتوحة على كل الاحتمالات, وهذا بحد ذاته يشكل  كارثة ومأساة.
  لست ممن يرغبون بنشر اليأس والإحباط, ولكن يبدو انه لم يعد مناص من القول إن مشروع المجلس السياسي للأحزاب الكردية في سورياً الذي علق آمال كبيرة على انجازه أنه قد بدأ يستنفذ أهدافه وأصبح حلما مفوتاً, وبدأت خيبة الأمل تسيطر على أطرافه بعد أن فشل الأحزاب المتحاورة من أجل إنشائه في أول امتحان جدية ومصداقية لهذا المشروع في خدمة القضية الكردية بعد تراجع الأطراف المتحاورة عن القرار الذي اتخذته في 14/9/2009 بالخروج في تظاهرة احتجاجية في دمشق يوم 5/10/2009وذلك لان الجهة صاحبة المشروع وهي الجبهة الديمقراطية الكردية هي التي بدأت تبتلع هذه القرارات, وأصبحت تضع العصي في عجلات الحوارات تارة بتمسكها ببقاء إطار الجبهة قائما حتى بعد إنجاز المجلس السياسي رغم أن المشروع لا يقول ذلك وتارة بإصرارها على بقاء قرار هذا المجلس مشتتاً بين أطر متعددة (المجلس السياسي, الجبهة, وإعلان دمشق).

وقد أصبح واضحاً إن الإصرار على بقاء هذه الأطر الشكلية والضعيفة هو إنشاء مجلس السياسي طبعاً إذا أسس يكون هشاً وضعيفاً أمام عاديات الزمن, غير مالك لقراره يتنازع هذا القرار جهات وجهات أثبتت على مدى السنوات الماضية عجزها وعقمها وعدم إخلاصها لمشاريعها.
ولا اخفي انه كان ثمة قناعة راسخة لدى الكثيرين كانت ولا زالت تميل إلى أن الفكرة مضيعة للوقت لأنها قد ولدت ميتة منذ لحظة ولادتها الأولى, لأن كل المعطيات كانت تقول إن الجهة صاحبة المشروع (الورطة) لم تكن راغبة أصلاً المضي فيه وكان ذلك واضحا من تأخرها في إخراجه إلى حيز الوجود والتي دامت قرابة عام , وتأخرها كذلك في الإعلان عن بدء الحوارات رغم موافقة تسعة أحزاب من أصل أحد عشرة حزباً عليه وكل ذلك في انتظار غودو الحركة الكردية الحزب الديمقراطي التقدمي وملحقاته مما يؤكد أن الجبهة صاحبة المشروع غير راغبة حتى الآن في الخروج من تحت خيمة التقدمي وخيمة سياساته القاتلة للقضية.
 ولكن الأحزاب التي كانت متحمسة والتي لازالت متحمس للمشروع لا تريد أن تراه كذلك, ويبدو انه كان لدى كل طرف من هذه الأطراف الحزبية أسبابه الخاصة تدفعه إلى التعامل مع هذه الفكرة (فكرة المجلس السياسي) رغم انعدام فرصها في الحياة.

ويتأكد اليوم إن ذلك التحليل كان الأقرب إلى الواقعية والصواب ولم يكن مستغرقاً في الأوهام والطموحات الدونكيشوتية, حيث كان يبني تحليله للواقع الكردي على معطيات أكثر رصانة ومن تلك المعطيات اعتمدها أصحاب الرأي المتحمس لفكرة المجلس, ومن المعطيات التي كان يقدمها أصحاب هذا الرأي سأورد ما يلي:
1 –  كان يقول بعدم اقتناع أصحاب المشروع بجدواه وقيمته من الناحية الفعلية والنظرية, لأنه لم يكن مشروعاً من الأساس ولم يعطى حقه من البحث والتفكير بل جاء كمخرج ارتجالي للمأزق الذي دخل فيه مشروع المؤتمر الوطني الكردي قبل سنتين وأكثر وبالتالي من الخطأ اعتباره مشروعاً .
2- يبدو إن الجهة التي أسندت إليها مهمة وضع المشروع, لم تكن لديها أدنى تصور حول كيفية السير به, لأنها بالأساس ليست مؤهلة للعب دور على هذا المستوى من الأهمية, وإنما أقحمت في لعبة التصدي لهذا الدور إقحاماً, ولذلك بدل أن تجد نفسها في هذا الدور الوحدوي وجدت نفسها في دور آخر هو على النقيض من الدور الذي اسند إليها,  فبدل العمل على لملمة أطراف الحركة أسهمت في البداية في المزيد من التشتيت للمشهد الكردي, وسعت إلى تكريسه, لأنها وجدت أهميتها أصلا في هذا المشهد السلبي, فبدأت بتكريس ظاهرة التعاطي بالمراسلة بين الأحزاب بداية, بدل الجلوس على طاولة واحدة, وأعادت الأحزاب الكردية إلى مربع استخدام الفيتو, والذي لم يكن موجوداً قبل طرح فكرة المجلس السياسي, بينما احتفظت في ذات الوقت لنفسها بحق إقامة علاقات كواليسية مع هذا الطرف الذي يرفض التعامل معه على الصعيد الرسمي, طبعاً كل ذلك في محاولة لإدارة لعبة إبقاء خيوط التواصل بين الأحزاب الكردية في يدها, ووجدت أنها تستطيع أن تلعب دوراً إذا بقي المشهد الحزبي الكردي على تشتته وانقسامه, ويبدو إن الكثيرين لم يستطيعوا أن ينتبهوا إلى ذلك.

وأتذكر إني قرأت قبل أشهر مقال افتتاحي لجريدة الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) ما يمكن أن يفهم منه رسالة بهذا المعنى الذي ذكر عندما كان يشيد بمآثر الجبهة وصمودها وقدرتها على إدارة أزمات الحركة الكردية وما إلى غير ذلك الترهات التي لايمكن لأي عاقل أن يصدقها, ويتمادى المقال إلى حد اعتبار الجبهة من أكثر التجارب الوحدوية التي صمدت ونجحت في الزمن الكردي الردئ والصعب, ولا تتردد المقال في الإشارة إلى تلك التجارب الفاشلة, وتعتبر لجنة التنسيق إحداها, في محاولة أجدها غير موفقة في تقديم الجبهة وتوصيفها بتلك الصورة المخالفة للحقيقة والواقع, ونحن جميعاً نعرف حدود فعلها السياسي والنضالي, بل ومدى فعلية وجود الأحزاب المكونة لها, وان كانت بحجم ذلك التوصيف أم لا وقد ذكرني المقال بالقصة (وعذراً للتشبيه) التي تقول أن فأراً تمنى أن يصبح أسداً ليتخلص من خوفه من القط الأسود وكان له ما أراد فوضع في صورة أسد وما أن خرج من مخبأه حتى رأى القط الأسود فولى هارباً مرتعباً وذلك لأنه لم يصبح أسداً لمجرد النفخ في حجمه ليصبح في صورة أسد لأن قلبه بقي قلب فأر.
3- حاولت مثلا تحت دعوى مشروع المجلس السياسي, إضعاف لجنة التنسيق عبر استمالة احد أطرافها وإخراجه من دائرة الالتزام بقرارات لجنة التنسيق, و ربط قراره السياسي بها والتعاطي معه من خلف الكواليس لإفشال لجنة التنسيق, ومن ثم دعوة أطراف أخرى لدخول الجبهة بموازاة طرحها لفكرة المجلس السياسي, ولا زالت تلعب هذا الدور وقد سمعت من بعض الأطراف المتحاورة أنها (أي الجبهة) عمدت إلى تأخير جلسة 26/4/2009 والتي كانت من المفترض أن تعقد للاتفاق على البيان الذي ستدعوا من خلاله الجماهير للمشاركة في التجمع إلى 30/4/2009 وذلك لإنجاز لقاءات كواليسية مع بعض الأطراف دون الأخرى لضمان تراجعها عن القرار وتفويت الفرصة على المؤيدين للقرار وإجبارهم على التراجع بسبب استنفاذ الوقت أمام التعبئة للتجمع .
   على كل حال ينبغي أن يعترف المتحاورون أنهم قد عقدوا رهاناً خاسراً في قضية المجلس السياسي وستثبت الأيام القليلة القادمة ذلك لأن المياه ستكذب الغطاس وسيدرك حينها المتحاورون بأنه كان عليهم البحث عن رهانات أكثر واقعية وأكثر قابلية للنجاح, وأتمنى أن أكون مخطئاً لأني لا أقول ذلك لشماتة بأحد وإنما أقولها بمرارة وكمن يتجرع كأساً من السم لأن هذا الشعب المسكين لم يعد يحتمل المزيد من التجارب الفاشلة.
9/10/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…