وجدير بالذكر أن هذه المنظمة سرعان ما ازدات عدد منتسبيها حيث دخل فيها الكثير من الفتيان والشباب من العائلات الكردية، كما انتسب إليها بعض الشخصيات الاجتماعية البارزة.
من هنا يمكن أن نعتبر الشاب محمد ملا أحمد أحد الرواد الأوائل في انشاء وتأسيس التنظيم القومي الكردي في سوريا باعتباره بدأ بقيادة التنظيم وبالعمل التنظيمي قبل نشوء الحزب الديمقراطي الكردي بأربع سنوات، إذ أستمرت المنظمة في عملها النضالي إلى أن تم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا في عام 1957 حيث أوقفت المنظمة نشاطها التنظيمي لتنضم بكافة أعضائها إلى صفوف الحزب الجديد.
تابع الشاب محمد ملا أحمد نضاله ضمن صفوف الحزب وهو يشغل مراكز قيادية ويعمل في سبيل الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، ويتغذى بالأفكار الماركسية عقيدةً ومنهجاً للتحليل والتفسير، وتكوين موقفه تجاه الظواهر التنظيمية والاجتماعية والسياسية، وهو واحد من الشخصيات التي كان يعتد به، ويعتمد عليه كثيراً، نتيجة لصوابية رأيه وعمق تفكيره في معالجة المسائل السياسية والاجتماعية، حيث كان محل احترام الجميع من بارتيين وشيوعيين وحتى البعثيين (اليساريين منهم)، إذ كان هادئاً في نقاشه معهم وصلباً لمعتقداته، يتمتع بمقدرة علمية ومعرفية على إقناع الأخر بقضيته.
بالإضافة إلى أنه كان متأثراً، كما يبدو لي وللكثيرين، بأفكار المناضل المعروف عثمان صبري وخاصة في ميوله اليسارية.
وفي عام 1965 حصل الشاب محمد ملا أحمد على الليسانس في التاريخ من جامعة دمشق في سوريا، وهو واحد من السياسيين المتنورين الذين أسسوا لفكر قومي كردي، وربما هو الثاني بعد نورالدين زازا، يحمل إجازة جامعية في التاريخ.
وكان متحمساً للعلم وتواقاً للمعرفة، ويشجع الأخرين، أي كان، في السعي نحو التحصيل العلمي والأدبي، لأنه كان يرى أن السبب الرئيسي في تأخر الكرد عن اللحاق بالأمم المتقدمة وبركب التقدم والحضارة هو تفشي الأمية والجهل والأفكار الرجعية المتخلفة بينهم مما زاد في فقرهم وتخلفهم.
لهذا السبب تراه يعكف على المطالعة وقراءة الكتب الفكرية والتاريخية والقصص والروايات والشعر ومن بين مطالعاته على سبيل المثال أتذكر الكتب الخاصة بتاريخ الكرد مثل الشرفنامة وكتب المسألة الكردية ومجلة هاوار الكردية، ورواية زوربا، ودون كيشوت، وروايات نجيب محفوظ ومسرحيات شكسبير وشعر نزار قباني وكثيرين..
وإلى جانب العربية والانكليزية كان يجيد الكردية قراءةً وكتابةً علماً أن غالبية القيادات الكردية الحالية لا تجيد القراءة والكتابة بالكردية مع الأسف.
الأستاذ محمد ملا أحمد بعد أن توقف عن العمل التنظيمي أو العمل الحزبي، كرس حياته للكتابة في الشأن الكردي رغم الصعوبات المادية التي كانت تواجهه وتعيق من نشاطه كثيراً.
وجدير بالاشارة إلى أنه أول من كتب في مجال تاريخ مسيرة الحركة القومية الكردية في سورية، وألف كتاباً في جمعية خويبون، وكتاباً أخر في العلاقات الكردية الارمنية، وله كتاب حول حياة عثمان صبري النضالية، وله كراس باللغة الكردية حول مدينة القامشلي، وأعمال ونتاجات أخرى لا أذكر اسماءها.
الاستاذ محمد ملا أحمد من بين الأوائل الذين تم اعتقالهم، إذ سيق إلى سجن المزة في عام 1960 بسبب نضاله في سبيل القضية الكردية، حيث كان صلباً في مبادئه وأميناً لمعتقداته ومخلصاً لقضيته، وإذا سئل في قضية ما، تراه يعلن عن موقفه المبدئي أينما كان، وفي أي ظرف كان، ومهما كانت التكلفة.
لهذا السبب عان الكثير في حياته، وتحمل مصاعب حياتية جمة، وتشرد من أجل تأمين لقمة عيش اولاده، مما اضطر على الهجرة إلى خارج الوطن واستقر به المطاف في المانيا حيث ذاق مرارة الغربة إلى درجة كبيرة شوقاً وحنيناً إلى وطنه مدينة القامشلي التي سبق له أن كتب عدة مقالات في وصفها وتاريخها وجغرافيتها.
لقد كان لنبأ وفاته (المؤرخ في في الساعة الحادية عشرة من يوم التاسع والعشرين من الشهرالتاسع في هذا العام 29/9/2009) صدى حزن وأسى في نفوس معظم أهالي مدينة القامشلي ومن مختلف الأوساط، لما كان يتمتع به الفقيد من مزايا خلقية نبيلة وصفات علمية مفيدة، ولما عرف به من كرم في الأخلاق ونبل في النفس، يخدم بلده ووطنه بصدق واخلاص، ويعمل بروح التفاني، يفرض احترامه على كل من يلتقي به أو يجتمع به.
وفي الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد شييع جثمان الفقيد في موكب مهيب يليق بمقامه بدأ الانطلاق من دوار زورى بالقامشلي إلى بيت والده في قدوربك، ثم تابع الموكب المسير إلى مقبرة قدوربك حيث وارى جثمانه في مرقده الأخير، وبعد قراءة الفاتحة قرأت الأحزاب الكردية كلماتها، وتحدث السياسي الكردي المعروف صديق شرنخي نبذة عن مراحل حياة الفقيد السياسية والحزبية ومعاناته في سبيل مبادئه التي آمن بها، أما السيدة كجا كورد عقيلة الفقيد هي الأخرى قدمت كلمة شكر للحضور وكل من شارك وساهم مصابهم، والقت بعض الأضواء على جوانب من نضاله وأفكاره.
هذا والقى السيد عبدالرزاق كلمة العائلة إذ عبر عن شكره العميق لكل الذين شاركوهم في مصابهم، كما ألقى الكاتب الكردي ابراهيم محمود كلمة يمكن وصفها بقصيدة شعر لما فيها من بلاغة الخطاب وقيم شاعرية جميلة ادهشت الحضور.
هذه الحياة المليئة بالتفاني ونكران الذات والتضحيات والنفي والتشريد والشقاء كلها في سبيل اسعاد الغير.
لذا فأن وفاته خسارة كبيرة ليست لعائلة الفقيد وحدها، بل هي خسارة للكرد عامة.
واننا نأمل من يكمل رسالته أن يأخذ بمبدأ الوحدة والاتحاد الكردي صفاً واحداً ويداً واحداً وخطاباً واحداً، وبسعة علمه ونهجه القائم على التفاني والجهد المتواصل وقوة تحمله في الشدائد والصعاب، في سبيل تحقيق أهدافه السامية خدمة لخير شعبه وخيرالبشرية جمعاء.