أسماء مستعارة وأسماء معارة

  إبراهيم اليوسف

 لقد كتبت في العام 2003 مقالاً نشر في موقع عامودا.

كوم – وكان ذلك قبل تعرضي الشخصي للإساءة من قبل بعضهم- أدعو فيه، إلى ميثاق شرف أنترنيتي، لتحاشي الإساءات إلى الآخرين، أشخاصاً، ومؤسسات، متأكداً من أن الكاتب الحقيقي، عندما يكتب باسمه الشخصي، فإنه لا يسترسل في غلواء الانفعال، وسيكتب بما أوتي من مسؤولية، إلا إذا كنا أمام  حالات شاذّة ، مرضية، لأصحاب أقلام متهورة، فإن الكلمة لن تجدي في مواجهة هؤلاء، لأنهم يسيئون إلى شرفها، وهم دخلاء على عالمها، على أي حال، وإن كانت الكتابة، قد تكتسب نتيجة المراس، حتى في ظل انعدام الموهبة.
وشخصياً، تعرضت، لأكثر من حالة إساءة إلي -قبل سنوات-  من قبل أناس، كانوا آنذاك، مقربين جداً، مني، كما يخيل إلي، كلما كانوا يتوهمون أني أقدم أكثر منهم، في لحظات عجزهم، وليس أدل على ذلك أن من كنت أودعه بالاحتضان، ويروح بعد قليل، ليسيء إلي، ويكتب بأسماء مستعارة ضدي، ومثله سواه، من الذين عرفتهم، وإن كان من بينهم من كان يعتقد أنه بنفيه الاعتراف بإساءاته، قد يستطيع خداعي – مرة أخرى- وهي أمور شخصية، ما كنت أودّ الإشارة إليها، بل وهي حوادث تمت قبل سنوات، وصارت من بين ركام الذاكرة، ولا أكن- الآن- وخارج برهات ردود فعلي الدفاعية اللحظية- التي سرعان ما ندمت عليها- تجاه إساءاتهم نفسها، أجل بل لا أكن ، حتى لهؤلاء، إلا الاحترام، والحب، وأفتح الصدر لكلهم، دون قيد، أو شرط، وما ذكري لها الآن، إلا للحديث عن طبيعة، وضروب، الإساءات لئلا تتكرر مع أحد.


 
  ولعل أحدنا ، قد يضطر أن يلجأ للكتابة باسم مستعار، ليرافع عن قضية ما، لا يحبذ تلويث اسمه، من خلال محاورة- السادي الطاعن في الخفاء- أو أن يرافع بصدق، عن قضية ما، أو من خلال مجرد توضيح، وهي حالات نادرة، شريطة ألا يسيء إلى أحد آخر، حتى ولو كان موغلاً في الحقد والكراهية.

ولقد آثرت- شخصياً- السكوت في أكثر من حالة- بل وأن أستمر في السكوت- حين كنت أجد أن من يسيء إلي أصغر من أن يضلل من حوله، من خلال إيماني بالدعوة إلى نبذ “لغة العنف” وإن كنت سأضطر -مكرهاً- للانجرار بعد طوال تطبيق لهذا المبدأ، أمام حالات معينة، كان لا بد من التوضيح، إزاءها، وكسر مبدأ هذه القاعدة، دفاعاً عن ذائقة المتلقي، وقطعاً لدابر إيصال المعلومة المغرضة، المضللة، إليه- فحسب- إن تم “بلعها”- وأؤكد- استرسالاً- أنني في يوم ما، لم أكن إلا في موقع المرافعة عن ذاتي، في وجه من يسيء ظلماً إلي، وليتني لم أرد على أحد، مادام أننا –جميعاً- مظلومون، في نهاية المطاف، بل إنني لأغتبط بأي رد لي، في وجه الظلام، أية كانت مواقعهم.
 
أجل، بعد دعوتي، تلك، قدم الصديق الصحفي هشام عقراوي نص ميثاق شرف أنترنيتي جد مهم، بل و كان مكتوباً بمنتهى روح الحرص و المسؤولية، وقد دعوت أكثر من صاحب موقع أنترنيتي- آنذاك- لتبني ذلك الميثاق المهم، لتعليقه قلادة في جيد موقعه، وهذا الميثاق الذي أنصح بالعودة إليه، لتبنيه، مادام أن هناك مهاترين، همهم، وديدنهم، الإساءة إلى الناس.
 وإذا كنت –كشخص- لا أستسيغ -في قرارتي- حتى الرد على المسيئين، إلا حين يحاول بعضهم التمادي في الترويج للتضليل، ضد هذا أو ذاك، معتمداً على أن هناك جمهوراً عريضاً، لا يمكن أن يضلل، وهو قادر على تمييز الخيط الأبيض من الأسود، بل خاصة وأن هناك أشخاصاً، بادروا للإساءات، وتم لفظهم، وفضحهم، من قبل مهتمينا، ومثقفينا، الذين لا يمكن أن ينخدعوا باستعراضات بعض هؤلاء الأدعياء.


 ويبدو أن روح الإساءة لدى بعضهم، لا تكف عن التمادي، و”نفث سمومها” في إضافة أسماء جديدة، إلى “ماكنتها”، وفي فخ مكيدتها، مادامت هذه الأسماء باتت تلفت الأنظار إليها من خلال تفانيها، ونضالها، في حقل الثقافة والسياسة، والإعلام،  في كل مرة، كي تبقى -هي وحدها بحكم أناها المتضخمة المريضة- متربعة البرج الذي لا يصله أحد، من خلال وهم مقدرتها على أن سمة التضليل ستستمر، وأنها ستنجح في أداء مهمتها.
صاحب أحد المواقع ذات مرة قال لي: هناك من يكتب تعليقاً، ليدافع فيه عن شخص ما، كي يكتب بعدها تعليقات أخرى ضده، بل كي يتقمص عشر شخصيات متناقضة، وتكاد صفحة التعليقات -حول الموضوع نفسه- تخلو إلا منه، ولا أريد أن آتي بأمثلة أخرى، لئلا أجرح أحداً، لا أعنيه بذاته، بل أتناول الحالات الشاذَّة التي باتت تجرثم  اللوحة النقية لعلاقاتنا، رامياً إلى مسألة ضرورة العودة إلى التحابب، والتوادد، بين مثقفينا، وهو ما دعوت إليه أكثر من مرة، وأعتقد أن أمامنا مهمة: المصالحة مع الذات، وأن يتم التشهير بكل من يروج في المكاتب، والمقاهي، ومواقع الأنترنت للإساءة إلى سواه، وتخوينه، من خلال الالتقاء تحت خيمة ثقافية واحدة: جمعية- رابطة- اتحاد- وأن نكون كلنا مجرد أسرة واحدة، وهو ما دعونا إليه، قبل حوالي عقدين من الزمان، وحاول بعض أخوتنا- لدواع خاصة بهم- لتثبيط الههم، وإفشال المشروع، وهو ما لا نقف عنده، مادمنا قادرين على إحياء مشروع مماثل سواه.

 
 ولعل ظاهرة خطيرة  تتم – أيضاً- وهي قبول بعضهم بأن تكتب مواد ما، بأسمائهم، بغرض الإساءة إلى سواهم، من قبل آخرين، وهي طريقة سيئة، بدورها، ولا يقيل بمثل هذا إلا من كان مريضاً، دافعه الشهرة، دون أن يكون له رصيد ثقافي، شخصي، وقد يسوغ أن يلجأ أحدهم من غير الكتاب، لشخص ما يفك الحرف، لكتابة شكوى، أو توضيح موقف، موقع باسمه، إظهاراً للحق، بدلاً عن العرضحالجي، لا نتيجة غباء، ومرض، وحب في التسلق دون وجود الإمكانات اللازمة لديه- وهنا أقصد من تخصص في تدبيج الإساءات فحسب- كما يتم أحياناً الآن.

وثمة أسماء عديدة في بال أي منا، منها من استطاع الوقوف على رجليه، ومنها من بقي على حاله غير قادرعلى تطوير نفسه،معتمداً على الآخرين في كل  طعنة.


 
ولعل أولى خطوة، برأيي، هي أن نعتبر كل ما يقال بحق أي شخصية ثقافية، سياسية، كلاماً ملفقاً، في ما كان مكتوباً باسم  مستعار، وألا يجد طريقه للنشر، من قبل المواقع، ما لم يتم التأكد من صحة مضمون المادة، وأرجو ألا يفهم مني بأن نكون ضد النقد، بل وتوضيح الحقيقة، دون التجني على أحد، كاتباً أو سياسياً، أو مؤسسة، بل وخصماً، حيث أني أستغرب كيف يستطيع بعضنا الكتابة – ب-حقد- حتى عن عدوه….؟  .
إن مجموعة الإساءات التي باتت تنشر بأسماء مستعارة، ضد آخرين، باتت تخلق جواً سيئاً، حيث بات بعضهم يشك بأقرب المقربين إليه، وثمة من يضع عدة احتمالات أمام حالة التكهن باسم من كتب ضده؟؟، ولعل الفاعل الحقيقي ينجو في مرات كثيرة، جاعلاً غيره يدفع ضريبة ما ارتكبته يداه، من إثم الإساءة.
أؤكد أنني لا أدعو لإزالة النقد من معجمنا اليومي، بل لا بد لنا من تشجيعه، وترسيخه، بين ظهرانينا، نظراً لحاجتنا الكبرى إليه، ولنكن مع أي كاتب ينقد بموضوعية، وباسمه الصريح، سواء أكان المنقود حزباً، أم شخصاً، مع الانتباه إلى أن كثيرين ممن ينقدون لا يذكرون نقطة إيجابية واحدة في المنقود، وقد يكون الدافع إلى الكتابة مجرد ملاحظة عابرة، يتقبلها المنقود لو قيلت بحب، بعيداً عن أساليب “قناصة” الاتهامات ضد الآخرين، كحالة دفاعية عن الذات، فلا يمكن لنا ، ونحن في أحرج نقطة تحول في حياتنا- ككرد- إلا أن نمارس النقد اليومي، بشكله الصحيح ، لا بشكله “الملفق” الذي يدعونا لأن نرثي للناقد نفسه، قائلين: ضحية أية ظروف، و تربية هذا الأخ الناقد، حتى راح يتصرف، على هذا النحو…؟
 
 وتأسيساً على ماسبق، فإنّ قرع الأجراس، من جديد، من أجل وضع حد لهذه الظاهرة غير الصحية، هي مهمة إنسانية، ولعل العمل الدؤوب من أجل نبذ التنابذ، وكره الكراهية، وإشاعة الحب، بين مثقفينا، كل من جهته، إحدى أكبر الضرورات، دون أن يقول أحدنا: لا علاقة لي بما يجري، ومن هنا، فإنني لن أتدخل في ما يجري؟؟!، وهو ما دفع بكثيرين، ألا يبدوا مواقفهم، أمام اعتداءات صارخة، كانت تجري أمام أعينهم، على غيرهم، إما بداعي السكوت عن قول الحق، أو بداعي التشفي، وبات من بينهم من يشجعها، ويروج لتفاهاتها المسيئة، أو كان هناك من يحرض في الخفاء سواه، على هذه الإساءات، نتيجة طبيعته الشخصية، ويقيناً أن من يسكت على صاحب قلم يؤذي سواه، يدفعه لأن يتجني عليه، إن عاجلاً أو آجلاً، وثمة حالات كثيرة، ربما نعرفها جميعاً…!
وأرى أنه- بدءاً من الآن، مادمنا قد وصلنا لمرحلة جد حرجة- علينا أن نقف جميعاً في وجه من يزور الحقائق، أياً كان، دون أن يبدي بعضنا أكثر من موقف، تجاه المادة المسيئة، كأن يقول للمتجني: أحسنت!، ويقول في المقابل للمجني عليه: إن  ما يتم عمل لا أخلاقي.
القضية كبيرة: تعالوا نتحرك…!.

*أدعو لتأسيس لجنة كردية، من مثقفين وخبراء، وفنيين، للتحقيق في ما  يتم من إساءات بغرض وضع حدلها، والرد على التخرصات الملفقة التي تكتب، أياً كان كاتبوها، تاركاً تحديد نوعيتها وكيفيتها للمبادرين.

*كما أدعو لتأسيس لجنة  غيورة لإعادة روح  المودة والتواصل بين مثقفينا، بل و بين سياسيينا، أيضاً…

  *المقال لا علاقة له بمجرد حالات فردية، فحسب، بل يتناول ما يكاد يأخذ طابعاً تعميمياً، بأسف، كمحاولة من قبلنا لئلا تتشكل ظاهرة غير صحية، من شأنها أن تسهم في تفتيت المفتت، مادام أن جبهة الثقافة هي المعافاة…..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…