( محنة الكردي في ظل سياسة الاقصاء )

علي الجزيري

 

في صيف عام 2004 م ، تم افتتاح مركز لتعليم الآرامية في ( معلولا ) ، وحضر حفل الافتتاح يومها ( د.

صلاح كناج ) محافظ ريف دمشق وآخرون .

ومن المفيد قوله أن الآرامية لغة محاكاة في ثلاث قرى من ريف دمشق ، هي : معلولا ـ جبعدين ـ الصرخة ، يقطنها نحو (16000) نسمة فقط  ، كما أن السريانية والأرمنية تدرسان ، حيث يتواجد السريان والأرمن ، ناهيك عن العبرية التي تدرس في كليات الآداب والعلوم الانسانية في الجامعات السورية ، بينما يهان الكردي اذا تفوه بكلمة كردية في احدى الدوائر الرسمية ؛ أليست هذه من المفارقات ومدعاة للتأمل ان لم نقل السخرية ؟ .
طبعاً الحدث ـ المقصود افتتاح المركز المذكور ـ كان له وقع حسن في نفوس الناس الأسوياء وفي نفوس الكرد منهم على نحو خاص رغم المفارقة السلفة الذكر ، لكن المرء سيتساءل : أليس من حق الكرد الذين يشكلون القومية الثانية في البلاد  ويعيشون على أرضهم التاريخية ، وتصل نسبتهم الى 15 % من سكان سوريا أي نحو ( 3 م.ن ) ، أن تفتح لهم أقسام لتعليم اللغة الكردية في كليات الآداب ومدارس لتعليم لغتهم الأم التي يناهز عدد المتكلمين بها اليوم ( 40 م.ن ) أسوة بالأقليات السالفة الذكر ؟ .
هذا القول قلناه ـ طبعاً ـ في اللقاء الرسمي بين وفدنا الثقافي الكردي والدكتورة ( نجاح العطار ) ، نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية ، في قصر الضيافة بدمشق ، في 6/7/2006 م .
وكي لانجانب الصواب أقول ، انني شخصياً قد تعرضت للتوقيف بسبب كلمة (كا : تعني هات بالعربية ) ، التي وردت في سياق جملة بالعربية تفوه بها المحامي الموكل قبل ثلاث سنوات .

وملخص الحكاية هو : أنني ـ أي كاتب المقال ـ استدعيت الى المحكمة بغية نقل ملكية منزل كان بذمتي الى ذمة شخص آخر ، وأثناء امتثالي أمام المحكمة ، بدأ القاضي باجراء الترتيبات اللازمة ، فما كان من المحامي ـ وهو كردي بالمناسبة ـ الا ان طلب مني الهوية الشخصية ، ووردت كلمة ( كا ) الكردية في سياق جملته الطلبية كما أسلفت ، وفي اللحظة التي مددت فيها يدي اليمنى الى جيبي لاخراج الهوية ، استشاط القاضي غيظاً وحنقاً وتفوه بكلمات سوقية ، فذهلت ، وحين تساءلت : ما الأمر ؟ رن الجرس فتقدم مني شرطيين ، وأحلت الى التوقيف مباشرة بأمر منه  ! ..
أجل ، سيداتي آنساتي سادتي ، فالقاضي الذي كان يتصنع الوقار قبل برهة ، فقدَ صوابه تماماً في اللحظة التي تناهت ( كا ) الى أذنيه وخرج عن طوره ، وتصرف وفق سلوك العصابي أو المصاب بالمرض العقلي المسمى ( البارانويا ) ، أعني أنه سلك سلوك المتعصب المتعجرف ، الذي يقذف بكل كراهيته المكبوتة في لحظة في وجه الآخر ؛ وهذا السلوك ما هو سوى : ( اتجاه عنصري سلبي ، أي اتجاه  يدفع الفرد الى أن يسلك  سلوكاً عدائياً  ضد  فرد أو جماعة  من الأفراد ، ممن ينتمون الى جماعة  معينة) ( سيكولوجية العلاقات بين الجماعات ـ د.

أحمد زايد ـ سلسلة عالم المعرفة ـ العدد 326 ) .
والحكاية الساخرة التالية ، والتي رواها ( علي الوردي ) عن مهازل العنصريين جد معبرة ، ومفادها أن شخصاً علٌم  القطط أن تحمل الشموع  له على مائدة الطعام ، فجاء أحد ضيوفه وهو يحمل في جيبه فأراً ثم أطلقه على المائدة ، فسرعان ما انطلقت القطط وراءه ورمت بالشموع على المائدة لتحرقها .

يقال عادة في أمثال هذا القاضي وسلوكه ( القططي ) المريب ، المثل العربي الدارج : ( الطبع يغلب التطبع ) .
ان الذي يتوقع تغيير طبيعة الانسان الشوفيني بسهولة ، لا يختلف كثيراً عن هذا الذي علٌم القطط حمل الشموع  ، لأنه ـ أعني الشوفيني ـ محتقن حتى الثمالة بشعور الكراهية والعدوانية حيال الكرد وهو ينظر اليهم نظرة دونية مقيتة ، وقد اكتسب هذه السلوكيات من خلال التنشئة الاجتماعية في الأسرة والمدرسة وعبر وسائل الاعلام والسياسة العامة المنتهجة ، وتجرع المعايير السائدة رويداً رويداً .

فسياسة تغييب الكرد الممنهج  ـ وغير المبرر ـ عبر عقود ، كانت السبب من وراء سلوكية القاضي  ونرجسيته المتضخمة ، تلك التي دفعته الى أن ينتفض بمجرد سماعه كلمة ( كا ) الأعجمية غير المستساغة ، وفق ذائقته الجمالية المفبركة .
وأعتقد أن ما قيل مؤشر خطير، لأنه قد يدفع بالضحية الى نوع من التعصب أو القيام بردود أفعال سلبية قد لاتحمد عقباها ، فقبل أيام انهال أحدهم بالضرب المبرح على ضابطه ، لأن الأخيرتقصد الاساءة للكرد في صيغة مناداة تهكمية ومستفزة ، مما يدعو الى اشاعة ثقافة الاعتراف بالآخر ، وذلك لقطع الطريق على من تسول له نفسه أن يصطاد في الماء العكر ، وتلافياً لاحداث أي شرخ في جدار الوحدة الوطنية .

 

 

1/8/2006

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…