قناة «غون تي في»: طموحات تحت الحصار

ديار بكر (تركيا) – هوشنك أوسي

تشهد الساحة السياسيَّة والإعلاميَّة التركيَّة نقاشاً ساخناً حول إيجاد حلّ للقضيَّة الكرديَّة، وتتلقَّف وسائل الإعلام العالمي ووكالات الأنباء أخبار هذه النقاشات ومخاض التحوّل الديموقراطي التركي.

وفي زاوية هامشيّة من العمل الإعلامي، تنشط قناة تلفزيون أرضيَّة محليَّة، يغطِّي بثّها فقط ولاية آمد/ ديار بكر، كبرى المدن الكرديَّة، جنوب شرقي تركيا، هي قناة «غون تي في»، ضمن ظروف بالغة الصعوبة .

وعلى رغم ذلك، فهذه القناة، هي الأكثر مُشاهدةً، من بين 5 قنوات تلفزة محليَّة، تبثُّ برامجها في هذه المدينة التاريخيَّة العريقة.

وهي نفسها، كانت تبث برامجها، سابقاً باللغة التركيَّة فقط، على مدى 20 ساعة يوميَّاً، تحت اسم «مترو تي في».

ويشير العاملون في «غون تي في» إلى تلك المرحلة بالقول: «وقتئذ، كانت اللغة الكرديّة ممنوعة، من جانب السلطات التركيّة، التي كانت تمنع حتّى بثّ الأغاني التركيّة لفنانين أكراد، كأغاني الفنان الكردي الراحل أحمد كايا، تحت طائلة عقوبات تتجاوز توقيف البثّ لتصل إلى المداهمة والاعتقال.

ضمن تلك الظروف والمناخات، لم يكن هنالك مناص أمامنا من العمل والاستمرار».

وفي شهر تموز سنة 2001، غيَّرت «مترو تي في» اسمها إلى «غون تي في»، وبقيت محافظة استوديوهاتها، في مبنى «ديار غالايريا»، الكائن في حي «يني شيهير» في مدينة آمد/ ديار بكر.

حاليَّاً، يبلغ عدد البرامج التي تقدّمها، 12 بين ثقافية وسياسية واجتماعية وفنيّة وموسيقيّة ورياضيّة.

أما عدد العاملين في القناة، بين معدِّين ومقدِّمين وفنيين ومصوِّرين فيبلغ 25 شخصاً.

الرقابة الخانقة

تحدَّثت دنيز طوفان، العاملة في قسم المونتاج بـ «غون تي في» الى «الحياة» عن المصاعب التي تواجهها في العمل بالقول: «معدَّل ساعات العمل يوميَّاً، لا يقلّ عن ثماني ساعات.

ونحن لا نعاني من جهد جسدي، بقدر ما نعاعي من مصاعب وضغوط نفسيَّة، لكوننا، ورغماً عن إرادتنا، نحاول منتجة الأشرطة والنشرات الإخباريَّة، وكل برامجنا، بما ينسجم مع الرقابة الشديدة الصارمة، الآتية من المؤسّسة العليا للتلفزة والإذاعة التركيَّة RUTK.

وهذه الرقابة، هي لأسباب سياسيَّة وليست مهنيَّة».

تحت الحصار

«غون تي في» المعروفة كقناة كرديَّة محليَّة، تبثّ يوميّاً 19،15 ساعة بالتركيَّة، و45 دقيقة فقط باللغة الكرديّة! وعليه، فإنَّها تبثّ فقط 12 ساعة في الشهر باللغة الكرديّة، ما يجعلها قناة تركيَّة وليست كرديَّة، نتيجة هذا التناقض.

وتعليقاً على ذلك، تقول مديرة التحرير في قسم الأخبار في القناة، غوناي آكسوي: «نحن قناة تلفزة محليّة، نسعى للبثّ بكل لغات منطقتنا ولهجاتها، وبخاصة الكرديّة، بهدف عكس الموزاييك الحضاري لها.

ونتيجة الضغوط القانونيَّة، ذات المنشأ السياسي، وحال المنع التي ما زالت تمارس علينا، فنحن محاصرون في عملنا.

وفي تحرير أيّ خبر، أو إعداد أيّ برنامج، حتَّى ولو كان بالتركيّة، نخضع للرقابة اللصيقة، التي تقوِّض حريتنا في العمل بالكامل، كأننا ناقصو أهليَّة، وطنيَّاً ومهنيَّاً، أو مشتبه بهم.

وحتَّى الـ 45 دقيقة من البثّ بالكرديّة، أخذناها بشقّ النفس، ونتيجة مراجعات عدة ومريرة للدولة، في شخص مؤسسة RUTK، من دون أن ننسى الضغوط الأوروبيَّة على تركيا، في ما يتعلّق بضرورة الالتزام بمعايير كوبنهاغن، كي تنال أنقرة عضويّة المنتدى الأوروبي.

هذا السبب أيضاً، ساهم في السماح ببثّ 45 دقيقة بالكردي».
وتضيف آكسوي لافتة إلى نقطة مهمة بالقول: «بدأ البثّ باللغة الكرديّة، للمرّة الأولى، في تاريخ تركيا، عبر قناتنا.

وذلك، من خلال برنامج «دركوشا تشانديه» (مهد الثقافة)، في 23 آذار (مارس) 2006.

 أننا حاولنا كسر حاجز المنع على اللغة الكرديّة للمرة الأولى يوم 1/6/2004، عبر شريط وثائقي يرصد حياة او معاناة الباعة المتجوِّلين في ديار بكر.

على خلفيَّة ذلك، تعرَّضت قناتنا لتنبيه وتحذير شديدين من RUTK».

كما أكَّدت آكسوي لـ «الحياة» المعلومات التي تفيد بوجود نسبة مشاهدة عاليَّة لـ «غون تي في»، قياساً بالقنوات المحليَّة الأخرى.

وتعزو ذلك: «الى كون قناتنا، مهتمَّة برصد هموم الناس، وبخاصَّة المهمَّشين منهم.

إضافة إلى محاولة تغطية ومتابعة القضيَّة الكرديّة الساخنة وتفاعلاتها، التي هي من أولى أولويَّات أبناء ديار بكر».

جسر للتواصل

وبرنامج «مهد الثقافة»، مدّته 45 دقيقة، يستضيف أحد الفنانين أو المثقفين أو الأدباء للحوار والنقاش حول شؤون الثقافة الكرديّة وشجونها وإشكالاتها، وهموم الإبداع والمبدعين.

وأعدّ وقدَّم هذا البرنامج في بدايته، الكاتب والصحافي الكردي عادل زوزاني.

والآن، يُعدِّه ويقدِّمه الشاعر عمر دلسوز.

حول برنامجه يقول دلسوز: «نسعى من خلاله، لأن يكون جسراً للتواصل بين المبدع والمتلقّي.

وكي يعرف المُشاهد، مجريات الحياة الثقافيّة الكرديَّة وتفاعلاتها وأحداثها وإيقاعها.

لقد عانى شعبنا مئات السنين من حالات القمع والصهر.

لذا، هو أحوج إلى من يفتح عينيه وعقله وروحه على ثقافته.

نحن معنيون بذلك، بل ومن واجبنا فعله، إذا كنّا نزعم أننا مثقفون وإعلاميون أكراد».
وإزاء كمِّ القنوات الفضائيَّة الكرديَّة، والعدد الكبير من البرامج التي تشبه برنامجه، ألا يشكِّل ذلك له حالاً من المنافسة الصعبة، لكون تلك البرامج، تصل إلى الملايين، وليست محصورة في البثّ لدى منطقة معيّنة، يقول دلسوز: «بالتأكيد، تشكِّل حال منافسة شديدة.

لكن، لدينا ما ننفرد ونتميّز به أيضاً.

نحن نقف على الأرض، وفي الوطن، وأقرب إلى الحدث، وأكثر تماساً مع الناس ونبض الشارع».


وحين أعدنا الى ذهن دلسوز، أن ليس كلّ الفضائيات الكرديّة، موجودة خارج كردستان، فهناك من يبثّ في كردستان العراق.

يعني، مسألة الوجود على الأرض الكرديّة، والقُرب من الناس، ليست ميزة، تنفرد «غون تي في» وحدها بها، ردّ دلسوز: «لكن، تلك القنوات، لا تعمل ضمن الظروف القاسية والصعبة التي نمرّ بها هنا.

نحن في قلب المناخات المتشنّجة، والرقابة المتوتّرة، وبهذه الإمكانات المحدودة، نعمل ونجتهد لإرضاء المتلقي، وإرضاء ضمائرنا.

وإذا كانت هنالك رقابة على قنوات التلفزة في كردستان العراق، فهي في أسوأ حالاتها، أفضل من الرقابة التي نعاني منها.

الرقابة هنا، تسلبنا حريَّتنا، لكنها، تصقل تجربتنا في ما يتعلَّق بالبحث عن أساليب التحايل عليها».

ويشير دلسوز إلى إحدى المشاكل التي يعاني منها في إعداد برنامجه، بالقول: «نحن مجبرون على وضع الترجمة التركيَّة للحوار الدائر في البرنامج، ونبثُّه على شكل شريط، أسفل الشاشة، أثناء البثّ».

مردود الإصلاحات

وحول الإصلاحات التي تقوم بها تركيا حيال الثقافة الكرديّة، وما يُشاع عن انفتاح على الشعب الكردي، كإطلاقها قناة في التلفزة الكرديّة «تي آر تي 6»، وقسماً للغة الكرديّة في الجامعات التركيَّة… الخ، وألم يؤّثر ذلك إيجاباً في عملكم، تجيب آكسوي: «لا… على العكس من ذلك.

ازدادت الضغوط علينا، كي تكون «تي آر تي 6» مرتاحة في التسويق لسياسة الدولة بين الأكراد.

وينبغي ألا ننسى، أن فتح قناة كرديَّة في التلفزة الرسميَّة، هو لإيهام الرأي العام المحلّي والعالمي والقول: كفى حديثاً عن معاناة الأكراد في تركيا.

لقد نالوا، كامل حقوقهم وأكثر.

وحتّى تلك القناة الرسميّة، أتت نتيجة جهد الأكراد الشرفاء وكفاحهم.

فلولا نضالهم، لما ألقت الدولة هذه الخطوة أيضاً».

وتضيف آكسوي: «انظر إلى هذا التناقض الصارخ: قناة تركيّة تبثّ 24 ساعة بالكرديّ، بما ينسجم مع سياسة الدولة وأيديولوجيَّتها، وتُمنح فقط فرصة البثّ لـ45 دقيقة فقط، وتحت رقابة فولاذيَّة!».

طموح إعلامي

وردَّاً على سؤال: هل توجد لديهم رغبة في الانطلاق من الفضاء المحلي إلى الفضاء العالمي، فتصبح «غون تي في» قناة فضائيّة، تبدي آكسوي رغبتها الشديدة والطموحة للوصول إلى هذا الهدف، مستدركة: «لكن، هنالك موانع كثيرة تحول دون ذلك، منها: القانون التركي.

فبعد مراجعات عدة، كي نحصل على ترخيص البثّ الفضائي، تمَّ رفض طلبنا مراراً.

إضافة إلى الصعوبات الماديَّة التي تداهمنا، على خلفيَّة العقوبات الماليّة التي تنهال علينا من مؤسسة RUTK».
وتشير آكسوي الى ان العالم، لا يعلم أيّ شيء عن عملهم ومحنتهم، وتعطي أمثلة على ذلك بالقول: «تمّ منع بثّنا، لمدّة سنة في 2003.

وفي عام 2004، منعنا من البثّ لمدّة شهر.

وتم فتحّ 20 دعوى ضدنا، نتيجة بثنا للكليبات الغنائيَّة الكرديّة.

وتم توقيف بثنا لمدة 12 يوماً في شهر آذار، على خلفيَّة تقديمنا برنامجاً باللغة الكرديّة حول الانتخابات البلديَّة.

وكلّ ذلك، لأسباب سياسيَّة، وليست حقوقيَّة أو مهنيَّة، فتصوّر؟!».
دار الحياة 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…