هل الإطارات الكوردية الحالية مجدية؟؟؟

زارا مستو
zarakobabni@hotmail.com

       إذا ما نظرنا قليلاً إلى الخريطة السياسية المرسومة للحركة الوطنية الكوردية في سوريا, والحالة التي تمرّ بها من حيث بنيتها الضعيفة, الضغوطات الأمنية التي تتعرض لها, الاعتقالات الجارية في صفوف قيادتها وقواعدها, الانتعاش القوي الذي يشهد له النظام إثر الانفتاح الدولي عليه, والتحديات الأخرى التي تلاقيها, فإن هذه الأسباب كلها قد تجعل منها أن تخطو خطوات جادة لإيجاد مخرج لوضعها الراهن المأزوم , ولا شك أنّ أزمتها جزء من أزمة المنطقة برمتها , لكن أزمة هذه الحركة الكوردية لها خصوصيتها.
       إن الإطارات الموجودة الحالية كالتحالف والجبهة والتنسيق كانت مجدية في فترة من الفترات, لكن بعد التغيرات التي حصلت على صعيد الدولي والمنطقة , والمواقف الجديدة اتّجاه بعض القضايا الهامة في منطقتنا , وفضلاً عن ما ذكرناه في المقدمة , باتت إعادة النظر في هذه الإطارات بشكلها الحالي مهماً جداً, فإن الإطار الموحد البديل لهذه الإطارات والذي يصون وجود الشعب الكوردي, ويجمع تشتت حركته السياسية وفق مشروع نضالي جديد يواكب مفردات المرحلة غدا ضرورياً جداً.

 والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو الإطار المناسب والذي يكون عملياً لبنية الحركة الوطنية الكوردية في سوريا في ظلّ الانقسام الحالي ؟
      لا شك أن هناك مشاريعَ عدة مطروحة على الساحة السياسية الكوردية في سوريا وهي جاهزة للحوار والنقاش, آخره كان مطروحاً من قبل الأستاذ صلاح بدرالدين, وقبله كان مبادرة مطروحة من قبل الجبهة الكوردية المسمّى بـ (المجلس السياسي), وقبله كانت هناك حوارات حول تأسيس مرجعية , وصِيغَ وثيقة التفاهم, فإن هذه المشاريع كلها تدخل في سياق تأسيس نواة التلاقي الكوردي من جديد.
    يبدو أن فكرة المرجعية لم تناسب الواقع الحالي لهذه الحركة ولذلك أجهدت من قبلها, ولم تكتب لها النجاح, والإشكالات كانت تكمن في الدرجة الأولى في الآليات التنظيمية , وكيفية ترجمة هذا المشروع عملياً فضلا عن مشاركة المستقلين والأحزاب كلها, وفقدان الثقة بينها, وافتقارها إلى ذهنية العمل الجماعي, وتقبل الرأي المختلف, والتخلي عن الذات الأنا, وكلاسيكية آلية التفكير لدى بعض القيادات الكوردية,  ولأسباب أخرى جاءت الترجمة بالفشل , لكن كانت تجربة مفيدة لهذه الأطراف ونواة لإتمام أية خطوات توحيدية أخرى .
      أما مشروع الأستاذ صلاح بدر الدين فسيتم رفضه من قبل أغلب الأطراف الكوردية فإن لم نقل من قبل كلها , فسكوتها وعدم تعليقها عليه دليل على عدم قبولها , حتى ولو كان المشروع معداً للمناقشة , أي سيتم رفضه من حيث المبدأ , لأسباب عدة , وسيتم قبوله وتناوله من قبل أغلب المثقفين والمستقلين الكرد, فإن مشروع الأستاذ صلاح بدر الدين لن يرى النور في واقعنا الحالي لعوامل كثيرة , فبنية الحركة الكوردية الحالية غير مشجعة لأي مشروع توحيدي نضالي يلملم التبعثر الموجود بالشكل المطلوب, ويقوم وفق الذهنية المؤسساتية , فإن الشكل القائم والآليات التي تقوم عليها هذه الحركة تعكس ذهنية الحراك الكوردي, لكنها تسطيع أن تستفيد من هذا المشروع بما يلائم وضعها الحالي في بعض الآليات التنظيمية المؤسساتية و فقراتها .


         أما مبادرة الجبهة التي سميت بالمجلس السياسي فهي لا تزال في موضع الحوار والنقاش, فاستمرار هذه الحوارات شيء مطمئن للشارع الكوردي على الرغم من غياب بعض الفصائل عنها, وهي خطوة هامة في اتجاه التأطير من جديد, يبدو أن هذا المشروع سيكون أكثر حظاً في النجاح, على الرغم من وجود الصعوبات الجمة التي تعترض المشروع , لكن في الوقت ذاته تمتلك هذه الحركة رصيداً من التجارب التأطيرية , فقد تأخذها في الحسبان , لكن إذا استطاعت تجاوز قليلا من تخندقاتها التحزبية, والقفز فوق الإشكالات الثانوية , والعمل بجدية على إيجاد برنامج جامع يحفظ ماء الوجه , على أقل تقدير أن يكون مرافقاً لآلام ومعاناة هذا الشعب المغلوب على أمره.

إن ما يبعث على الخشية والقلق ألا تأخذ هذه الحركة في الحسبان تجاربها الماضية, وأن تفقد بوصلة قراءتها لمفردات الوضع الراهن بشكل دقيق, أو أن تعيد تجاربها دون إضافة لمسات جدية ومجدية, إذاً فالأزمة ليست أزمة المشاريع أو البرامج فقط, بقدر ما هي أزمة ذهنية تفتقر إلى رؤية نقدية جادة تمتلك القدرة على استيعاب حيثيات مفردات الماضي والحاضر وتداعياتها وربطها وصياغتها وقراءتها بما يخدم ويلائم طموحات هذا الشعب المسكين, وفي الأحوال كلها, غدا تضافر الجهود من أجل خروج هذه الحركة من أزمتها واجباً قوميا ووطنيا وإنسانيا بالمقاييس جميعها, فإذا أُعلِن هذا المجلس بأحزابه الحالية, واتفقوا بجدية على برنامج يدافع عن حقوق الشعب الكوردي الديمقراطية والقومية والإنسانية, ووفق آليات جديدة تحضن وتلائم ضرورات المرحلة , فسيكون خطوة هامة في اتجاه الصحيح, و مباركة من قبل أغلب فئات أبناء الشعب الكوردي, ولو أن هنالك أطرافا ستكون غائبة  في الوقت الحاضر, لكن في المستقبل سيكون حاضنا لفئات الشعب الكوردي كلها , ونواة للعمل الجماعي المنشود.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…