«عقدة أوجالان».. حقيقة أم ذريعة؟

  د.

محمد نورالدين

وأخيرا أفرج رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان عن “كنز” اللقاء مع قادة حزب المجتمع الديمقراطي الكردي المتمثل في البرلمان بعشرين نائبا.


اللقاء الموعود تأخر وقتا طويلا بعدما كان أردوغان يرفض الالتقاء برئيس الحزب أحمد تورك من دون ذريعة واضحة مع ترجيح أن يكون التأجيل بسبب ما يمكن اعتباره مواقف قادة الحزب الكردي المؤيدة لحزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجالان.


خطوة أردوغان اللقاء مع قادة الحزب الكردي تأتي في سياق ما يسمى في تركيا بسياسة “الانفتاح الكردي” التي أطلقها أردوغان نفسه منذ مدة وتعني ضمنا منح الأكراد المزيد من الحريات والحقوق وصولا إلى حل نهائي للمشكلة الكردية.


سياسة الانفتاح الكردي تذكر بعشرات المشاريع أو البرامج أو الخطط لحل هذه المسألة منذ عقود ولا سيما في السنوات الأخيرة.

ولا شك أن هذه المسألة أصبحت أكثر ضغطا على تركيا في السنوات الأخيرة ولا سيما بعد احتلال العراق ونشوء فيدرالية كردية في شماله.


ودائما كان الخلاف أو التباين بين المسؤولين الأتراك حول أولوية التعامل مع هذه المشكلة بين الأمن أولاً أو التنمية.


وهذا كان يؤخر الحل مع تعاقب الحكومات وعدم الاستقرار السياسي.


وربما ليس بعيدا عن الواقع القول إن أحد أهم أسباب عدم التوصل إلى حل لمثل هذه المشكلة كان عدم رغبة أنقرة في ذلك خصوصا في ظل نظرتها إلى الأكراد على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وأنهم ليسوا في الأساس قومية وليست لهم هوية وأنهم مجرد أتراك أو أحد أفخاذ العرق التركي.


التحولات الدولية فرضت مقاربة مختلفة للمسألة الكردية في تركيا، أولها التحولات في العراق وظهور الكيان الكردي هناك.

وثانيها تسارع وتيرة الإصلاح على المسار الأوروبي الذي احتلت شروط الاتحاد الأوروبي لحل مشكلة الأقليات في تركيا عنصرا بارزا وأساسيا فيها.

وهذا ما دفع إلى فتح نوافذ صغيرة أمام تجسيد بعض المطالب الكردية وإن بصورة ملتوية مثل فتح قناة تليفزيونية باللغة الكردية التي بقيت في إطارها الرسمي من دون تعبير عن الغالبية الساحقة من الأكراد.


سياسات حزب العدالة والتنمية الإصلاحية أثرت على الأقل في مناخ النقاشات الداخلية حول المسألة الكردية.


استمر ت الحرب العسكرية على مقاتلي حزب العمال الكردستاني لكن هامش الحرية في نقاشات المسألة الكردية أصبح أكثر اتساعا عما كان من قبل.


ربما يملك حزب العدالة والتنمية الرغبة، وربما لا، في حل المشكلة الكردية على أسس حضارية.

لكن الكلام وحده لا يفيد ولا يعني شيئا.


فالجميع ينتظرون أفعالا.


اليوم يضع البعض داخل تركيا مسألة من هو الذي يجب أن يكون المخاطَب في الوسط الكردي في أي حوار حول هذه المسألة من أجل أن ينسف أي تقدم على هذا الصعيد.


ليس من خريطة معقدة للقوى السياسية في تركيا.

فكما كان لا مفر من مخاطبة إسرائيل لياسر عرفات فإن القوى السياسية الممثلة للأكراد في تركيا واضحة.

هناك حزب المجتمع الديمقراطي المعترف به رسميا والممثل في البرلمان بعشرين نائبا وممثلوه هم الذين يسيطرون على بلديات المناطق الكردية وحصّلوا غالبية أصوات الأكراد.


من جهة ثانية هناك حزب العمال الكردستاني الذي يخوض معركة عسكرية باسم الأكراد منذ عام 1984 ويعتمد أسلوب المقاومة العسكرية لتحصيل حقوق الأكراد ما دامت الدولة لا تلبي مطالب الأكراد بصورة سلمية.


المشكلة التي تظهر هنا أنه لا حزب المجتمع الديمقراطي مرحب به كثيرا ليكون المخاطب لدى أنقرة فيما ترفض أنقرة بالمطلق التحاور مع حزب العمال الكردستاني.


المشكلة الثانية، وربما هي ليست بعقبة بل واقع، هو أن حزب المجتمع الديمقراطي الكردي نفسه يريد للدولة أن تحاور أوجالان بالذات المعتقل في جزيرة إيمرالي في تركيا.


بطبيعة الحال هذا لغم كبير في وجه أية محاولة لحل المشكلة الكردية إذ لا يمكن لأردوغان أو أي من قادة تركيا الانتقال إلى محاولة أوجالان في ظل وصفه بأنه رأس الإرهاب.


لكن التساؤل المطروح هل يمكن لأي حل أن يتجاوز موقع أوجالان ودوره وتأثيره على الأكراد؟ بتقديري ومن مجمل التجارب والوقائع السابقة الجواب هو: لا.

وعلى هذا فإنه في ظل رفض اعتبار أوجالان هو المحاوَر فإن أية مبادرة تجاه الأكراد لن تشهد أي نجاح وهو ما يجعل كرة المشكلة الكردية في تركيا تدور وتدور وتدور في مكانها إلى ما شاء الله، وكل ما يجرى من نقاشات داخلية يخلو من أي مضمون جدي.

جريدة الشرق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…