لنخرج من خنادقنا الحزبية الضيقة بهدوء

هـﮋار أحمد

لم يعد خافياً على أحد –ومنذ سنين طويلة- بأن الحركة الكردية تعيش أزمة مستفحلة في بنيتها السياسية والتنظيمية، ومن المستغرب حقاً بان جميع فصائل الحركة الكردية تقر وتعترف بوجود أزمة، وكل طرف يحاول الإدلاء بدلوه في تبيان أسباب ومسببات الأزمة، ثم يستخلص نتيجة مفادها بان الأزمة قائمة ومزمنة، والمعالجة تكمن في وجهة نظر حزبه فقط، وما عداه من وجهات نظر لا تشكل شيئاً بالنسبة إليه، ولا تمس الواقع والحقيقة، ودون أن يقدم حزبه على القيام بأية خطوات جدية وعملية في التصدي لهذه الأزمة بمفرده أو من خلال القيام بجهد جماعي مع أطراف الحركة الكردية، لا بل يحدث العكس أحياناً، حينما نجد بعض الأطراف يذرفون الدموع على تشرذم الحركة، ويعملون بكل جهد على تعميقها وتفتيت المفتت، حيث يعمل هذا الحزب ليل نهار على رفض أي تقارب بين أطراف الحركة إلا بما يخدم وجهة نظره فقط.
وهكذا تدور الحركة الكردية في حلقة مفرغة من الاجتهادات والأطروحات والنظريات التي تؤكد على ضرورة استمرار كل حزب إلى جانب بقية الأحزاب رغم صغر حجمه وتقلص قدرته على الحركة، إلى درجة أصبح عدد الأحزاب مفرطاً تحت يافطة الديمقراطية واحترام وجهة نظر الآخر، حتى باتت هذه الظاهرة تشكل ثقافة عامة لكل من يعمل في الحقل السياسي العام لدرجة أصبح للعميل المعترف بعمالته وجهة نظر في تقربه من السلطة ويظهر مدافعون عنه من الأحزاب الكردية ومجاراته والتودد إليه ودعوتهم لمناسباتهم الخاصة والعامة.
كما أصبح كل شخص يملك القدرة على الكتابة بالتفكير في إنشاء حزب سياسي كردي طالما أنه يملك قلماً وموهبة في الكتابة وفي كافة مجالات الحياة (كما يجد نفسه) (السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية) وما عليه سوى إصدار البيان رقم /1/ على شبكة الإنترنت؛ إذ لم يعد هناك ضرورة لا لجهاز تصوير ولا لآلة كاتبة ولا للتوزيع (كما كان في الماضي)، فالكومبيوتر جهاز عصري متطور، وتجتمع فيه كل هذه الأدوات من إعداد ونسخ ونشر ومن ثم التحدث بلغة قوية وباسم الجماهير والشعب وقواعد الحزب المترامية الأطراف من ديرك حتى راجو ودمشق مروراً بالرقة طبعاً ثم الوصول إلى خارج الوطن والذهاب إلى أوربا والبحث عن شخص يتحدث باسم الحزب العتيد، وهكذا تغلق الدارة الحزبية وينتهي تشكيل الحزب ليضيف رقماً جديداً إلى القائمة المأزومة أصلاً، ثم يؤكد بأن ضرورات المرحلة فرضت عليه تشكيل هذا الحزب نظراً للحالة “السباتية” التي تعيشها الحركة الكردية، وحزبه وحده القادر على استنهاض همم الجماهير الشعبية الغفيرة والجاهزة والمهيأة لاستقبال حزبه بالتصفيق والأحضان والهتاف.
بعد ذلك تبدأ المرحلة العملية ليصطدم بالواقع المرير، ويجد نفسه وحيداً أو مع مجموعة صغيرة لفظتها الأحزاب الكردية لأسباب كثيرة لا داعي لذكرها، ومع ذلك يستمر في عناده ويعلن عن نفسه بأنه حزب الضرورة والموضوعية والثورية و..

و….الخ ولا يمكن الاستغناء عن أفكاره الكبيرة وإن كان حزباً صغيراً، وأن خلاص الشعب الكردي يكمن في وجوده ووجود حزبه وسياسته الحكيمة وقيادته المناضلة، وهكذا تستمر دورة الحياة الحزبية والسياسية للحركة الكردية، وتظهر براعة القادة في التسابق على مجالس العزاء، وإحياء المناسبات للأموات ولولادات هذه الأحزاب وولائم الشخصيات النصف أمنية والنصف وطنية دون أي تفكير بماهية وجوهر القضية الكردية وسبل معالجتها، وأين تكمن نقاط القوة والضعف لدى الشعب الكردي وكذلك لدى النظام؟ وكيف تتم مواجهة السياسة العنصرية للنظام والمطبقة بحق الشعب الكردي منذ نصف قرن وأكثر وحتى الآن؟ وهل أدواتنا السابقة والحالية في الممارسة والمواجهة كافية ومجدية أم غير ذلك؟ وما هي الأدوات الأنجح في ظل ثورة العلوم والتكنولوجيا؟ ألا يكون مخجلاً أننا حتى اليوم لا نملك قناة فضائية للتعبير عن حقيقتنا كشعب وكحركة؟ أليس الواقع يفرض علينا أن نعمل على مراجعة شاملة لكل هذه القضايا؟ أم أن الأمور تسير بشكل طبيعي جيد ولا حاجة للتفكير بالتجديد والتطوير والبحث عن أدوات جديدة؟
أما بالنسبة للعمل ضمن الجيل الجديد؛ جيل الثورة التكنولوجية ألم يحن الوقت لنعلن فشلنا ونعترف بعدم قدرتنا على استقطاب هذا الجيل إلى صفوف الحركة كما يجب؟ وأن كثيراً من الفساد الاجتماعي واللامبالاة بدأ يأخذ طريقه إليهم أكثر من الحركة الكردية، وأن انقسام الحركة على نفسها وصراعها مع نفسها ساهمت بشكل كبير في عزوف هؤلاء الشباب عن الحركة لدرجة بدأنا نسمع أصواتاً هنا وهناك جهاراً بأنها (الحركة) عامل انقسام لهم بدلاً من أن تكون عامل توحد وتوحيد طاقاتهم!
وماذا عن دور المرأة الكردية ووضعها المزري وحالات القتل والانتحار ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، وكثرت مظاهر إفساد المجتمع بشكل مخيف داخل المجتمع الكردي أكثر رغم تأكيد الجميع في برامجهم ومؤتمراتهم على أهمية دورها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وضرورة تحررها وتفعيل دورها وإعطاءها الأهمية المطلوبة.

ألم تبق هذه الشعارات كلها حبراً على ورق؟!
أما عن الوظيفة الاجتماعية للحركة الكردية ماذا فعلت من أجل نشر ثقافة الأخوة والمجتمع داخل المجتمع الكردي؟ ألم تصبح القيادات الكردية أسرى لدى بعض الزعامات العشائرية يسيرونهم كما يشاؤون؟ خاصة أولئك الذين لهم علاقات خاصة مع الأجهزة الأمنية خشية منهم وحماية لهم في المحطات الحرجة بنفس الوقت.
ألا يكون كل ذلك كافياً لنصرخ بأعلى صوتنا لنخرج من خنادقنا الحزبية الضيقة، ولنعمل معاً من أجل توحيد طاقات شعبنا في مواجهة السياسات العنصرية وعلى مختلف الصعد فالزمن لم يعد يرحم أحداً؟؟.

عن نشرة يكيتي العدد (171)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…