لماذا تزداد الهوة بين الحركة والجماهير؟

  صوت الكورد *

تأسس البارتي الديمقراطي الكوردي في سوريا في الرابع عشر من حزيران عام /1957/ , باسم البارتي الديمقراطي الكوردستاني, على يد مجموعة من المثقفين الكورد في سوريا, ومنذ اللحظات الأولى من إعلان البارتي, التحقت به الجماهير الكوردية العريضة من كل قرية وقصبة ومدينة كوردية في الجزيرة وحلب ودمشق, بشكل منقطع النظير , بسبب ظروف القمع والتنكيل بهذا الشعب, والسجن والتعذيب والملاحقة والمطاردة , والتي شكلت أحد أسباب الانشقاق الأول , عام /1965/ إلى جانب أسباب أخرى, لسنا بصدد البحث فيها وتناولها.
وبعد انعقاد المؤتمر الوطني عام /1970/, أخذ البارتي يتفاعل شيئا فشيئا مع جماهيره التي لم تبخل بجهد أو بمال أو طاقة على البذل والتضحية, حتى  أضحى بحق الحزب الطليعي الرائد للشعب الكردي في سوريا, ولكن الانشقاقات توالت بعد ذلك لأسباب ذاتية وشخصية واختراقات وتدخلات خارجية, فبدأت الانشطارات وحالات التشرذم والانقسام المفرط, وغير المنسجم مع ضرورات النضال وقيمه, وحاجة المجتمع الكوردي إلى تعددية معقولة, مما تشكلت مظاهر الاعتراض على هذه الحالة من بداية ازدياد للهوة بين الجماهير والحركة والتي راحت  تفقد ثقتها شيئا فشيئا بهذه الحركة إلى يوما بعد يوم , ومع تزايد وتيرة الانقسام والتفتت, وتكرار عواملها, مما فاقم الأزمة, وضاعف من ترهل الحالة وتسيب العمل السياسي, لتخلق حالة من التساؤل المطروح بقوة :
– لماذا تزداد هذه الهوًة وتتسع بين الحركة الكردية في سوريا و جماهير الشعب الكردي؟؟!
– ألا تستطيع الجماهير مواكبة الحركة والمسيرة النضالية بفاعلية وإدراك؟؟! أم أن الحركة لا تستطيع تلبي رغبة وطموح الجماهير؟؟! من خلال حالتها الانقسامية الخاصة وغير العادية؟؟!
– وهل من مبرر لكل هذه الفصائل والأطراف؟ ؟ ألا تجمعها قواسم مشتركة؟؟
– وما العوائق والعقبات التي تواجه تحقيق المرجعية الكردية المنشودة ؟ ؟ أم أن الوقت لم يحن بعد لتحقيق المرجعية المطلوبة مع طول سجال , وأخذ ورد , ومداولات وإقصاءات مغرضة ومتعمدة, وركوب لمتن الذاتية والغرق في القضايا الحزبية , وحتى الانتقامية, وخلق أجواء التوتر ؟ ؟
إن هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة , لتحمل في أعماقها أجوبتها من خلال انتقادات لاذعة وفرضيات منطقية توجهها الجماهير بأغلبية الشرائح والفئات والنخبة المراقبة والأمينة, لتقف من الحركة ومحاولة كسبها للوقت , ودفع السآمة والتململ, وإلهاء قواعدها البريئة بما لا يخفى من مناورة وتعطيل من بعض قادة ومبرمجي الانقسام وصناع التوتر, من الغارقين في ذاتية قاصرة ورؤية ضحلة ومحدودة, وفكر انتقامي غريب عن الساحة الوطنية , ومقومات الحركة وقواسمها المشتركة وطنيا وقوميا, والتي يمكن استثمارها إلى حد بعيد مع توفر إرادة صنع قرار وطني مسؤول, ولكن ما يحصل في الواقع ويشتد الجدل حوله, يشكل بمجمله الكامن الفعلي والمحرك لمجمل الأسباب الحقيقية, وراء ابتعاد الجماهير عن الحركة, باستثناء  الفرضية القائلة بعدم قدرة الجماهير على مواكبة الحركة, ومواكبة نضالها, والتباكي على ذلك؟؟!
فإذا كانت الجماهير لا تستطيع مواكبة الحركة،  فلماذا احتضنت الوليد الأول برعاية وسخاء وتعاطف عام /1957/؟؟ , ولماذا واجهت قمع الأنظمة المتعاقبة واستبدادها بكل إصرار وصمود ودون أدنى كلل أو تراجع وانكفاء ؟؟!  ولماذا التفًت حول الحركة عندما كانت القائمة الكردية واحدة في انتخابات مجلس الشعب في بداية الستينات تحت اسم مرشحها الدكتور /نور الدين ظاظا /  ؟؟ والتفت – مرة أخرى حول الحركة في انتخابات مجلس الشعب عام /1990/ عندما توحدت الحركة في قائمة واحدة أيضا؟؟ واستطاعت أن تصل بمرشحيها آنذاك إلى قبًة البرلمان, كذلك فعلت في انتخابات الإدارة المحلية عام /1991/ , وقدمت أمثولة رفيعة في انتخابات مجلس الشعب في دورة 1998/, وفي الربيع المضرج بالدماء لم تبخل الجماهير بشي وقدمت كل غال ونفيس, لتتصدى للرصاص الحي المتدفق على صدورها العارية إلا من الإيمان بعمل وطني جاد, يخدم القضية ويعلي من شأنها حقا؟؟.
كل ما تريده الجماهير هو أن توحد الحركة خطابها الفكري والسياسي, وأن تكون جادة في طرحها ومداولاتها وجدية جمع الكلمة والابتعاد عن التشفي والتشويه والانتقام والأساليب التي ينتهجها بعض المضللين, ممن تستروا بلبوس وطني فاقع الألوان, يخفي تحته سوأة الانقسام والمهاترة وتحين فرص بعيدة عن قيم المسيرة النضالية للشعب الكوردي في سوريا وطموحاته المشروعة والعادلة,و بخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة وفي ظل الأحداث المتسارعة والمنعطفات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة والعالم, وما تستوجبه المرحلة من وحدة الكلمة والموقف في ظل مرجعية شاملة وإطار موحد يجمع كل فصائل الحركة كبيرها وصغيرها, بالمبادرة إلى طرح مشروع القواسم المشتركة الجامعة وفق برنامج الحد الأدنى الممكن وآلية ضبط عمل تنظيمي, نلتقي حولها جميعا, وبمبادرة مسؤولة وجريئة تضع النقاط على الحروف ميدانيا , وتبتعد عن الاستعراض المتأخر وغير المجدي مع المراهنة على عامل الزمن والذي يرتد سلبا وبشكل مزر ومفضوح  يحكم الأمزجة الشخصية والنظرة الحزبية الضيقة, مستبعدا المحاور والأطر الخاوية المعطلة الشكلية, والتي لا تكاد تلبي أبسط طموحات الجماهير ومستلزمات المرحلة .
إن ما يجمع الحركة أكثر بكثير مما يفرقها في الجملة وفي ظل مناخ طبيعي صحيً سليم , من الاعتراف الدستوري بحق الشعب الكردي في سوريا ومستحقاته, ورفع الغبن والإجراءات الاستثنائية من حزام وإحصاء, والأحكام العرفية وقانون الطوارئ والقانون /49/, وأنه مكون وطني وأساسي في سوريا, يعيش على أرضه التاريخية, ويدعو إلى الإخاء بين مختلف مكونات الشعب السوري, ويسعى إلى أن ينعموا جميعا بقيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص, وازدهار وتطور المجتمع السوري في ظل نظام ديمقراطي يؤمن بالتواصل والتكامل والتعددية الحقة, وهي من ركائز العمل النضالي وطنيا وقوميا .
إن المشكلة في جوهرها تكمن في محاولة قلب المعادلة باتجاه ذاتي محض, بانتظار الإرادة الحقيقية الساعية إلى ردم الهوة الفاصلة وملء الفراغ بحسم ودون تردد ؟؟ وهو ما تلح عليه الجماهير, لتمنح ثقتها لمن يعمل بصدق ونزاهة وقيم وطنية عالية .

* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا العدد (339) تموز 2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي* لم تکن ممارسة عملية الحکم من قبل النظام الإيراني سهلة وهينة لأنه ومنذ البداية واجه رفضا داخليا قويا مثلما کانت هناك عزلة دولية تفاقمت عاما بعد عام، وحاول النظام جاهدا مواجهة الحالتين وحتى التعايش معهما ولاسيما وهو من النوع الذي لا يمکن له التخلي عن نهجه لأن في ذلك زواله، ولهذا السبب فقد مارس اسلوب الهروب…

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…