حواس محمود
بالرغم من اللوحة الفكرية المتداخلة في الفكر العربي المعاصر والتي تتأثر بظواهر وعوامل لها فعلها وتأثيرها على هذا الفكر (كالإرهاب والتطرف والتحريض الفضائي وسيطرة نمط الاستبداد على مقاليد الأمور في العالم العربي ) فإن الحاجة الملحة للارتقاء بالحالة العربية التي تشهد تراجعا تنمويا ونهضويا تتطلب من المفكرين والباحثين ومثقفي الكلمة الحرة الصادقة أن يبحثوا في قضية غائبة حاضرة وهي قضية الديموقراطية وربطها جدليا بمفهوم العروبة ، وذلك لأن هذا الربط يجعل من المفهومين أقرب إلى الواقع من العديد من الشعارات الأحادية الزائفة والتي تطلق هنا أو هناك حتى أن طرح مفهوم الديموقراطية بشكل أحادي مجرد بعيدا عن المعاينة الواقعية مع ظروف وحيثيات ووقائع العالم العربي يفضي به الى حالة استهلاكية فاقدة للحيوية والفعالية
من هنا تأتي الأهمية الفائقة في طرح الجدلية عنوان المقال علما أن هذا الطرح يعتبر جديدا (قليل جدا من المفكرين تطرقوا اليه ) يتناسب والوضعية الراهنة للمجتمعات العربية
هل مفهوم العروبة مفهوم مجرد ؟ :
يسود كثيرا في أوساط العامة وبعض المثقفين فهم خاطئ مفاده أنَ العروبة تتعارض مع الديموقراطية وهذا الفهم لم يأت اعتباطا بل نتيجة لعوامل عديدة من أهمها عدم وجود تجربة ديموقراطية تحتذى في المنطقة العربية وفشل كل الجهود الديموقراطية العربية وذلك بفعل غياب الممارسة الديموقراطية لدى أنظمة البلدان العربية ، وسيادة الدكتاتورية والاستبداد والفساد وانتشار القمع وكبت الحريات وتقييد الصحافة والعمل السياسي وعدم الاعتراف بالتعدد الثقافي ، كل ذلك وغيره الكثير خلف اعتقادا خاطئا هو استعصاء المنطقة العربية على التحول الديموقراطي رغم تحول العديد من الأنظمة في العالم إلى الديموقراطية وبخاصة بعد سقوط الاتحاد السوقياتي والمنظومة الاشتراكية والتساؤل المرير الذي نود أن نطرحه الآن هو هل العروبة مفهوم مجرد ؟ أي هل العروبة مفهوم غير متفاعل مع مفاهيم التحول والتحديث والتطوير ، أي باختصار هل العروبة قابلة لأن تتطور ديموقراطيا ، لا شك أن العروبة الحقيقية هي غير عروبة الأنظمة الحاكمة باسم العروبة والقومية ، فلقد حولت هذه الأنظمة العروبة إلى لا عروبة أي العروبة ضد العروبة عندما عزلوها عن التحول الديموقراطي لإرضاء رغباتهم ومصالحهم الخاصة ونزواتهم الأنانية الجشعة ضاربين عرض الحائط مستقبل مجتمع ومصير شعب وحضارة أمة ( ومثال الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت عام 1990 خير شاهد على ذلك)
وكما يقول الشاعر والكاتب اللبناني المعروف بول شاؤول :فلقد “بدأت العروبة من نهاية الستينات مع الأحزاب والتنظيمات التي وصلت إلى السلطة باسمها ، مجرد لقب، وكان على هذه الأحزاب التي انقلبت على الأوضاع بالقوة أن تضع على دباباتها ( الليلية ) وبنادقها ومدافعها شارة العروبة ، وكان على هذه الأحزاب التي اغتصبت السلطة أن تضع معادلات جديدة للعروبة ، معادلة العروبة تساوي القتل العروبة تساوي الاستبداد العروبة تعادل الظلم ، العروبة تعادل الدكتاتورية ، العروبة تعادل الخوف والرعب ، العروبة تعادل تكريس التسلط والبوليسية والمخابراتية والسجون المفتوحة ، وضرب مقومات الدولة ، والنخبة العسكرية المختارة ، أي معادلة العروبة ضد العروبة ، العروبة التي تنفي العروبة ”
إنَ الفكر العربي المعاصر بحاجة إلى مفاهيم ومصطلحات وتعابير جديدة ( أوبث الحياة واعادة مراجعة المفاهيم التي تم تجميدها عدة عقود ) تناقش سلبيات الحياة السياسية للقرن المنصرم في العالم العربي وممارسات بعض الأحزاب والسلطات الحاكمة والمستمرة حتى يومنا الراهن ، هذا النقاش من شأنه أن ينشط الساحة السياسية العربية الراهنة بمقولات ومفاهيم جديدة تفعل مفعولها في الشارع السياسي العربي لتشكل حالة هي أشبه ما تكون إلى الثورة الثقافية العربية المعاصرة لهز ورجرجة كل المسلمات والبدهيات والمقولات السابقة ولتأت بجديد مثمر ومعاصر مبدع وحداثي فعال
نحو مفهوم جديد..
العروبة الديموقراطية :
إنَ العروبة بمفهومها التقليدي وما لحق بها من تراكم سلبي عبر أكثر منصف قرن تدعونا لإعادة النظر فيها مفهوما وانتماء وصيرورة وذلك بتفاعلها مع الديموقراطية لأن ” العروبة نظام في تحليلها النهائي ، فلا بد أن تطور ذاتها مفهوميا لتواكب طبيعة العصر ، وليس لدى العروبة ما تخشاه أو تخجل منه ، لقد تعودنا في خطابنا القومي التكرار بأن العروبة قومية إنسانية وديموقراطية من دون أن نهتم بالتطبيق والممارسة ، وجاءنا ناطقون يحكمون باسم العروبة وأساليبهم في الحكم ضد هذه المفاهيم وإن يكن باسمها ، ولا بد من مصارحة النفس بأن الذهنية السائدة بين العرب المعاصرين ليست تلك الذهنية المتلائمة مع ثورات العصر العلمية والعقلية والتقنية والحقوقية …الخ ، ولا بد من تغيير هذه الذهنية جذريا لدى العرب المعاصرين ، لأن الذهنية المسيطرة عليهم والمتمثلة في الاستخفاف بحقائق التفاعل مع حقائق العالم والعصر هي الذهنية ” الانتحارية ” بامتياز! على العروبة الجديدة قبول ” التعددية ” بداخلها وبين ” وطنياتها في البلاد العربية المتعددة أولا ، حتى تستطيع بعدئذ رعاية التعددية في جوارها وبين القوميات الأخرى التي تتعايش معها في الأرض والمصير ، إن مجاهدة الفكر العربي والعمل السياسي العربي لتأصيل ” عروبة ديموقراطية ” يجب أن تكون عنوان المرحلة وهدفها وأولويتها ” (1)
ويرسم المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري رؤية أفق عاجلة عبر المتطلبات التالية
1- مما لا شك فيه أن بعض المتذرعين باسم العروبة أحزابا وحكاما ومثقفين قد أساؤوا إليها ، ولم يكونوا حتى بمستوى المبادئ التي أعلنها قادتهم المؤسسون باسمها ، الا أنه يجب ألا يغيب عن بال المتحسرين عليها أو المتبرئين منها أو الكارهين لها أن افتقاد الكتلة العربية لمقومات القوة الراجحة في عصرنا من حضارة وتقنية واقتصاد وفكر متحرر وإنتاج حربي متطور كان أيضا من أهم الأسباب في تراجعها أمام القوى المعادية
2- إنَ محاولة التبرؤ من العروبة من دون الشروع في امتلاك العرب والمسلمين لمختلف مقومات القوة الراجحة في عالمنا تحت الشعارات الرائجة اليوم كالوطنية القطرية أو بالمقابل ” الإسلام هو الحل ” أو غيرهما ، لن يغير من موازين القوة شيئا
3- تعتبر الوحدات الوطنية القائمة الآن في العالم العربي والإسلامي المدخل الأولي لبناء اللبنات الأولى ، وعلينا أن نمنحها الفرصة للتطور بالعمل من داخلها وعدم الهروب إلى الأمام بالشعارات الكبرى ، فمن يعجز عن بناء وطنه الصغير غير مؤهل لبناء وطنه الكبير
إنَ اللغط الكبير والتداخل المتعاظم للمفاهيم والمقولات والتي يزيدها الإعلام الفضائي المعاصر تشويشا وتعقيدا وضبابية واختلالا ، إنَ هذا بحد ذاته يؤخر عملية التنمية والبناء الحضاري العربي ، بالإضافة إلى عدم اتفاق العرب ساسة ومثقفين وإعلاميين على تحديد الأولويات في العالم العربي هل نبدأ بالداخل عبر التنمية والإصلاح والتطوير أم نقاوم التحديات الخارجية ، ونهمل الداخل عبر تأجيله إلى آجال غير مسماة
إنَ ” اشكاليتنا هي تحقيق العروبة كمشروع سياسي يفلت من عقال الهوية المعطاة من الماضي ليشكل واسطة تخرجنا من المحلي إلى الكوني ، وهذه ليست اشكالية المواجهة مع العالم التي تفشل كل يوم ـ لأنها تعجز عن تحويل الأوهام الأيديولوجية ، أوهام العزلة والإنكفاء إلى وقائع مفيدة ” (2)
لقد آن الأوان للابتعاد عن المقولات السياسية النظرية والسطحية في الوحدة العربية للاعتناء بالشعوب العربية نفسها بطريقة حياتها اليومية بمتاعبها ومشاكلها في تعدديتها وخصوصياتها الإقليمية والقطرية ، فالشعوب العربية هي الثروة الحقيقية للأمة العربية ، ولا يمكن للوحدة العربية أن تتحقق طالما أننا نتجاهل الشعب الحي ، ونتمسك بشعب تجريدي باعتباره مادة خام للشعارات واليافطات السياسية ، إن جوهر العروبة هنا لا يكمن في جمع الشعب في وحدة سياسية قسرية شاملة ، ولكن جوهرها هو انجاز الثقافة الرحبة الواسعة التي تستوعب كل فئات وطوائف هذا الشعب الإقليمية والقطرية ، الدينية والطبقية ، وذلك بأن تشعر بالراحة المجتمعية والرقي الحضاري ، وبالمساهمة الفعالة والحرة في تقرير مصيرها ، وعلى ضوء تطور مثل هذه الثقافة سيتقرر مصير الوحدة وشكلها ( 3)
وختاما :
يمكن القول بأنَ المثقف العربي مدعو اليوم أكثر من أي يوم مضى للبحث الفكري العميق ، وابتكار وطرح مفاهيم نظرية جديدة مرتبطة بالواقع لتحريك عملية التنمية بمفهومها الشامل ، واستنهاض القوى المجتمعية لتقوم بدورها الأكمل ، وإيجاد جدلية حركية فاعلة ومتفاعلة بين العروبة كانتماء والديموقراطية كمنهج وحل، بين العروبة كقلب والديموقرطية كعقل، بين العروبة كجسد والديموقراطية كروح
الهوامش:
1- د.
محمد جابر الأنصاري ” البداية الجديدة عروبة ديموقراطية ذات مشروع حضاري” صحيفة الحياة 14/4/2006
2- الفضل شلق ” الدولة السياسية والدولة الاقتصادية ” مجلة الاجتهاد عدد 55-56 صيف وخريف 2002 ص30
3- د.
جورج قرم كتاب التنمية المفقودة دار الطليعة بيروت ط2 1985 ص 93
هل مفهوم العروبة مفهوم مجرد ؟ :
يسود كثيرا في أوساط العامة وبعض المثقفين فهم خاطئ مفاده أنَ العروبة تتعارض مع الديموقراطية وهذا الفهم لم يأت اعتباطا بل نتيجة لعوامل عديدة من أهمها عدم وجود تجربة ديموقراطية تحتذى في المنطقة العربية وفشل كل الجهود الديموقراطية العربية وذلك بفعل غياب الممارسة الديموقراطية لدى أنظمة البلدان العربية ، وسيادة الدكتاتورية والاستبداد والفساد وانتشار القمع وكبت الحريات وتقييد الصحافة والعمل السياسي وعدم الاعتراف بالتعدد الثقافي ، كل ذلك وغيره الكثير خلف اعتقادا خاطئا هو استعصاء المنطقة العربية على التحول الديموقراطي رغم تحول العديد من الأنظمة في العالم إلى الديموقراطية وبخاصة بعد سقوط الاتحاد السوقياتي والمنظومة الاشتراكية والتساؤل المرير الذي نود أن نطرحه الآن هو هل العروبة مفهوم مجرد ؟ أي هل العروبة مفهوم غير متفاعل مع مفاهيم التحول والتحديث والتطوير ، أي باختصار هل العروبة قابلة لأن تتطور ديموقراطيا ، لا شك أن العروبة الحقيقية هي غير عروبة الأنظمة الحاكمة باسم العروبة والقومية ، فلقد حولت هذه الأنظمة العروبة إلى لا عروبة أي العروبة ضد العروبة عندما عزلوها عن التحول الديموقراطي لإرضاء رغباتهم ومصالحهم الخاصة ونزواتهم الأنانية الجشعة ضاربين عرض الحائط مستقبل مجتمع ومصير شعب وحضارة أمة ( ومثال الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت عام 1990 خير شاهد على ذلك)
وكما يقول الشاعر والكاتب اللبناني المعروف بول شاؤول :فلقد “بدأت العروبة من نهاية الستينات مع الأحزاب والتنظيمات التي وصلت إلى السلطة باسمها ، مجرد لقب، وكان على هذه الأحزاب التي انقلبت على الأوضاع بالقوة أن تضع على دباباتها ( الليلية ) وبنادقها ومدافعها شارة العروبة ، وكان على هذه الأحزاب التي اغتصبت السلطة أن تضع معادلات جديدة للعروبة ، معادلة العروبة تساوي القتل العروبة تساوي الاستبداد العروبة تعادل الظلم ، العروبة تعادل الدكتاتورية ، العروبة تعادل الخوف والرعب ، العروبة تعادل تكريس التسلط والبوليسية والمخابراتية والسجون المفتوحة ، وضرب مقومات الدولة ، والنخبة العسكرية المختارة ، أي معادلة العروبة ضد العروبة ، العروبة التي تنفي العروبة ”
إنَ الفكر العربي المعاصر بحاجة إلى مفاهيم ومصطلحات وتعابير جديدة ( أوبث الحياة واعادة مراجعة المفاهيم التي تم تجميدها عدة عقود ) تناقش سلبيات الحياة السياسية للقرن المنصرم في العالم العربي وممارسات بعض الأحزاب والسلطات الحاكمة والمستمرة حتى يومنا الراهن ، هذا النقاش من شأنه أن ينشط الساحة السياسية العربية الراهنة بمقولات ومفاهيم جديدة تفعل مفعولها في الشارع السياسي العربي لتشكل حالة هي أشبه ما تكون إلى الثورة الثقافية العربية المعاصرة لهز ورجرجة كل المسلمات والبدهيات والمقولات السابقة ولتأت بجديد مثمر ومعاصر مبدع وحداثي فعال
نحو مفهوم جديد..
العروبة الديموقراطية :
إنَ العروبة بمفهومها التقليدي وما لحق بها من تراكم سلبي عبر أكثر منصف قرن تدعونا لإعادة النظر فيها مفهوما وانتماء وصيرورة وذلك بتفاعلها مع الديموقراطية لأن ” العروبة نظام في تحليلها النهائي ، فلا بد أن تطور ذاتها مفهوميا لتواكب طبيعة العصر ، وليس لدى العروبة ما تخشاه أو تخجل منه ، لقد تعودنا في خطابنا القومي التكرار بأن العروبة قومية إنسانية وديموقراطية من دون أن نهتم بالتطبيق والممارسة ، وجاءنا ناطقون يحكمون باسم العروبة وأساليبهم في الحكم ضد هذه المفاهيم وإن يكن باسمها ، ولا بد من مصارحة النفس بأن الذهنية السائدة بين العرب المعاصرين ليست تلك الذهنية المتلائمة مع ثورات العصر العلمية والعقلية والتقنية والحقوقية …الخ ، ولا بد من تغيير هذه الذهنية جذريا لدى العرب المعاصرين ، لأن الذهنية المسيطرة عليهم والمتمثلة في الاستخفاف بحقائق التفاعل مع حقائق العالم والعصر هي الذهنية ” الانتحارية ” بامتياز! على العروبة الجديدة قبول ” التعددية ” بداخلها وبين ” وطنياتها في البلاد العربية المتعددة أولا ، حتى تستطيع بعدئذ رعاية التعددية في جوارها وبين القوميات الأخرى التي تتعايش معها في الأرض والمصير ، إن مجاهدة الفكر العربي والعمل السياسي العربي لتأصيل ” عروبة ديموقراطية ” يجب أن تكون عنوان المرحلة وهدفها وأولويتها ” (1)
ويرسم المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري رؤية أفق عاجلة عبر المتطلبات التالية
1- مما لا شك فيه أن بعض المتذرعين باسم العروبة أحزابا وحكاما ومثقفين قد أساؤوا إليها ، ولم يكونوا حتى بمستوى المبادئ التي أعلنها قادتهم المؤسسون باسمها ، الا أنه يجب ألا يغيب عن بال المتحسرين عليها أو المتبرئين منها أو الكارهين لها أن افتقاد الكتلة العربية لمقومات القوة الراجحة في عصرنا من حضارة وتقنية واقتصاد وفكر متحرر وإنتاج حربي متطور كان أيضا من أهم الأسباب في تراجعها أمام القوى المعادية
2- إنَ محاولة التبرؤ من العروبة من دون الشروع في امتلاك العرب والمسلمين لمختلف مقومات القوة الراجحة في عالمنا تحت الشعارات الرائجة اليوم كالوطنية القطرية أو بالمقابل ” الإسلام هو الحل ” أو غيرهما ، لن يغير من موازين القوة شيئا
3- تعتبر الوحدات الوطنية القائمة الآن في العالم العربي والإسلامي المدخل الأولي لبناء اللبنات الأولى ، وعلينا أن نمنحها الفرصة للتطور بالعمل من داخلها وعدم الهروب إلى الأمام بالشعارات الكبرى ، فمن يعجز عن بناء وطنه الصغير غير مؤهل لبناء وطنه الكبير
إنَ اللغط الكبير والتداخل المتعاظم للمفاهيم والمقولات والتي يزيدها الإعلام الفضائي المعاصر تشويشا وتعقيدا وضبابية واختلالا ، إنَ هذا بحد ذاته يؤخر عملية التنمية والبناء الحضاري العربي ، بالإضافة إلى عدم اتفاق العرب ساسة ومثقفين وإعلاميين على تحديد الأولويات في العالم العربي هل نبدأ بالداخل عبر التنمية والإصلاح والتطوير أم نقاوم التحديات الخارجية ، ونهمل الداخل عبر تأجيله إلى آجال غير مسماة
إنَ ” اشكاليتنا هي تحقيق العروبة كمشروع سياسي يفلت من عقال الهوية المعطاة من الماضي ليشكل واسطة تخرجنا من المحلي إلى الكوني ، وهذه ليست اشكالية المواجهة مع العالم التي تفشل كل يوم ـ لأنها تعجز عن تحويل الأوهام الأيديولوجية ، أوهام العزلة والإنكفاء إلى وقائع مفيدة ” (2)
لقد آن الأوان للابتعاد عن المقولات السياسية النظرية والسطحية في الوحدة العربية للاعتناء بالشعوب العربية نفسها بطريقة حياتها اليومية بمتاعبها ومشاكلها في تعدديتها وخصوصياتها الإقليمية والقطرية ، فالشعوب العربية هي الثروة الحقيقية للأمة العربية ، ولا يمكن للوحدة العربية أن تتحقق طالما أننا نتجاهل الشعب الحي ، ونتمسك بشعب تجريدي باعتباره مادة خام للشعارات واليافطات السياسية ، إن جوهر العروبة هنا لا يكمن في جمع الشعب في وحدة سياسية قسرية شاملة ، ولكن جوهرها هو انجاز الثقافة الرحبة الواسعة التي تستوعب كل فئات وطوائف هذا الشعب الإقليمية والقطرية ، الدينية والطبقية ، وذلك بأن تشعر بالراحة المجتمعية والرقي الحضاري ، وبالمساهمة الفعالة والحرة في تقرير مصيرها ، وعلى ضوء تطور مثل هذه الثقافة سيتقرر مصير الوحدة وشكلها ( 3)
وختاما :
يمكن القول بأنَ المثقف العربي مدعو اليوم أكثر من أي يوم مضى للبحث الفكري العميق ، وابتكار وطرح مفاهيم نظرية جديدة مرتبطة بالواقع لتحريك عملية التنمية بمفهومها الشامل ، واستنهاض القوى المجتمعية لتقوم بدورها الأكمل ، وإيجاد جدلية حركية فاعلة ومتفاعلة بين العروبة كانتماء والديموقراطية كمنهج وحل، بين العروبة كقلب والديموقرطية كعقل، بين العروبة كجسد والديموقراطية كروح
الهوامش:
1- د.
محمد جابر الأنصاري ” البداية الجديدة عروبة ديموقراطية ذات مشروع حضاري” صحيفة الحياة 14/4/2006
2- الفضل شلق ” الدولة السياسية والدولة الاقتصادية ” مجلة الاجتهاد عدد 55-56 صيف وخريف 2002 ص30
3- د.
جورج قرم كتاب التنمية المفقودة دار الطليعة بيروت ط2 1985 ص 93