الديمقراطية الكردية لن تكون بلا ثمن

 صلاح علمداري

قد تكون هذه المفردة (الديمقراطية) من ضمن بضع مفردات هي الاكثر حضورا في خطابات  السياسيين والمسؤولين على مستوى العالم نظرا لحاجة الناس اليها في تناول الشان العام ضمن المؤسسة او المنظمة او اي كيان اجتماعي وكذلك لانها وسيلة “التحت” الشعبي المقهور غالبا لاختيار الحاكم و السلطة.

هذه التي (السلطة) ان فسدت افسدت معها الانظمة والدول والمؤسسات والثقافة والاخلاق….والانسان نفسه.

الا انها (الديمقراطية) تختلف حين الممارسة والتطبيق من مجتمع الى اخر فالديمقراطية الهندية مثلا تختلف عن الفرنسية والاثنتين معا تختلفان عن الامريكية او الماليزية او حتى اليابانية فكل مجتمع او دولة لها طقوسها الديمقراطية الخاصة بها حتى الدول غير الديمقراطية تمارس بعض بنودها وتتباهى بها.

في كل الاحوال تعتبر الديمقراطية مكسبا فرضته نضالات الاكثرية الشعبية على النخب المستاثرة بالادارة والسلطة ولكن يبقى لكل شعب او مجتمع معاناته الخاصة به وبالتالي تجربته واساليب نضاله الخاصة  لتحقيق هكذا مكسب لكي تتذوقها من بعد ذلك بنكهة خاصة.
فهل تستطيع النخب الكردية انتاج ديمقراطية بنكهة كردية ؟
لا يختلف المجتمع الكردي كثيرا عن المجتمعات المحيطة به (العربية والفارسية والاتراك) اذ تعتبر معا من المجتمعات التقليدية المحافظة وهذا هو سبب تخلفها – ربما – عن تطور العالم الاخر.

المجتمعات التقليدية المحافظة هذه  يمكن تشبيهها بالتجمعات المائية التي تسترهيجان قاعها بهدوء سطحها و تحتفظ مياهها الراكدة بقيمتها الحياتية وقوتها الايجابية كامنة في سكونها وركودها اذ لا يمكن الاستفادة منها الا في مجالات محدودة بالعكس تماما من تلك الجارية (المياه) في الانهار والجداول عبر الجبال  والسهول وعبر محطات شيدها المختصون لاستثمارها في صنع الحياة .


في هكذا مجتمعات راكدة  يعتبر اي خروج عن المالوف السائد (الثقافي والاجتماعي والسياسي….) مثيرا للجدل ومثيرا للريبة ومحكوم بالمحاربة من قبل القوى التي تحكمها بشكل مباشر وايضا و بشكل غير مياشر من الطليعة الفكرية المحكومة بثقافة الحاكم.

في الوقت الذي يمكن اعتبار اي خروج عن المالوف واي فكرة او طرح او حراك سلمي حتى وان تعدى بعض الحدود وبعض القيم السائدة وتعدى على حرمة شخصيات ورموز يبقى هو السبيل الوحيد للخروج من الركود والتخلف وتبقى هذه المحاولات هي التي تمهد الطريق نحو التحرر و التطور والتقدم .اذ هل سمعتم بتحرر مؤدب حصل في العالم!؟
وجود معاناة يحفز المعنيين للبحث عن حلول و الحلول تبدا بحراك ثقافي فكري اجتماعي…..

و الحراك لا يخلو من الخطا والتجاوزات وبالتالي خسائر هنا وهناك وهذا بالضبط هو الثمن… ثمن الوصول الى الحل .
 علينا ان نقر اذا ان لكل شيئ ثمن, لكل قفزة , ولكل تطور, ولكل نقلة … وكذلك لفهم واكتساب ثقافة وممارسة الديمقراطية.


قد يستفيد شخص من تجارب شخص اخر في العمل و في الحياة عموما وكذلك الشعوب قد تستهويها او تفيدها تجارب شعوب اخرى في التحرر والتقدم والازدهار لكن تبقى معاناة كل مجتمع وكل شعب مختلفة وخاصة به.

قد تتشابه لكنها ابدا لا تتطابق كبصمة الابهام  فمعانات الاكراد و القضية الكردية – مثلا – لا تتطابق مع معانات وقضايا الاخرين لذلك يتحتم على الاكراد خوض تجربتهم الخاصة و عدم استنساخ تجارب الاخرين  وتجربتهم اليوم تحتاج قبل كل شيء الى فكر حر والى ثقافة واسعة تترجم الى سلوك وممارسة مجتمعية والى ترميم او اعادة بناء وسائل النضال السلمية والحضارية والى كيفية ممارسة الديمقراطية وعدم الافراط بالمختلف والقبول بالاخر باعتباره ضرورة للتنافس الايجابي والتكامل وليس عدوا مطلقا.

 
ان فكرة “الفوضى الخلاقة” جديرة بالاهتمام من قبل منظري ومثقفي هذه المجتمعات فالخروج عن المالوف ليس جريمة  بقدر ما هو شكل من اشكال البحث عن الافضل والانسب في غير المالوف والخروج عن راي الرموز والقيادات والحكام  ليست جريمة وانتقادهم وعزلهم والطعن فيهم وارد ومشروع و حتى الفوضى نفسها ليست سلبية بشكل مطلق فالفوضويون او المشاكسون الهموا في كثير من الاحيان الجانب الاخر لايجاد وتبني انظمة وقوانين اكثر استيعابا ومرونة وتطورا …
ما يثير دهشة البعض من القراء والكتاب الاكراد حول كتابات ومقالات نقدية تتالت في الفترة الاخيرة عبر بعض مواقع الانترنت الكردية كمحاولة من كتابها ابداء وجهات نظر  للامور والمواقف والاشخاص والقيادات  مختلفة عن السائد الراكد اراها من زاويتي كمتابع وكمهتم بالشان الكردي ان كل هذه الكتابات لم تخرج عن الاطار الطبيعي للتعبير عن الراي والحراك النقدي و الفكري  المطلوب اصلا في الواقع الكردي  وكذلك ارى من الطبيعي ان ينبري البعض الاخر ليدافع عن السائد ظنا منهم انه الاصلح  او يتدخل اخرون للتهدئة وتطييب الخواطر.

 اليست هذه هي ممارسة الديمقراطية ؟حتى وان مست هذه الاراء وهذه الردود مواقع البعض في المراتب الحزبية والاجتماعية ؟ اليس ماحدث اثر انتخابات اقلبم كردستان  الاخيرة ولحظة ورود النتائج الجزئية التي هي ليست  لصالح السائد بالتمام  من فورات الشغب واعتداءات من انصار طرف على مكاتب اطراف اخرى  هو نتيجة موضوعية للركود الفكري والتمسك الاعمى بالسائد دون اعطاء الفرصة للاخر حتى ولو بالظهور .هذا سلبي طبعا لكن الاعتذار الصريح الذي قدمه رئيس الحكومة نيابة عن حكومته وعن حزبه ربما طغى بايجابيته على السلبية تلك وعزز بذلك الحراك الكردي الذي نقصده هنا نحو الممارسة الصحيحة للديمقراطية .
 كيف لنا ان نصبح ديمقراطيين دون ان نخطئ  ثم ياتي من يصحح ودون ان نفور ونثور ثم نهدا  دون ان نبالغ ثم نرى ان الموضوعية اكثر مردودا على ارض الواقع .

الديمقراطية الكردية لا زالت في مراحلها الاولى والتجربة الكردية لا زالت فتية  لكن من المهم ان تكون التجربة نفسها والديمقراطبة معها منتجين كرديين تحققتا بتقديم التضحيات والثمن كي تتمسك بها الاجيال وتمارسها وتدافع عنها.

وليست مستوردة من اية جهة على غرار اية تقنية او ماركة استهلاكية تكتب عليها طريقة الاستعمال.


الديمقراطية هي اخلاق وقبل ان تكون كذلك هي ثقافة وقبل ذلك هي جزئيات مبعثرة في حياتنا التنطيمية والسياسية تصادفنا وتشعرنا بالحاجة اليها لكننا نتجنب تركيبها والخوض فيها وجعلها من ضمن مواد ثفافتنا اليومية والحزبية وكاننا ننتظر مجيئ خبراء مختصين بشانها لا نحاول ابدا ان نمارسها خوفا من الفوضى او الخطا او المساس بالعرف والسائد نتجنب الحراك و المنعطفات والمخاضات  لذلك ترى بين اكراد سوريا تحديدا الخطابات والاشخاص والاحزاب… نسخ مكررة يدعي كل طرف فيهم انه النسخة الاصلية.


مع هكذا تفكير لن نكون يوما اصحاب تجربة وحينها لن ترتقي قضيتنا الى مصاف القضايا الوطنية وسوف تهجر الجماهير طليعتها الساكنة  للبحث عن حلول اخرى.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…