أليست هناك طريقة أخرى لتعامل الحكومة السورية مع الكرد السوريين…؟

خالص مسور:

في الواقع تمتاز – وخاصة في الآونة الاخيرة – علاقة الحكومة السورية بالكرد السوريين بما يشبه مناخ شهر شباط المتقلب المزاج..! باللين تارة وبالشدة تارة أخرى ولا أدري لماذا فهمت الحكومة السورية بوجود خطر كردي على الدولة السورية والتي هي دولتهم أصلاً ويعتزون بها مثلهم مثل غيرهم من مكونات الشعب السوري لا أكثر ولا أقل…؟ وما نعلمه أن كل أو معظم دول العالم فيها أثنيات وقوميات متغايرة، فماذا لو شابت علاقة حكومات العالم مع الأقليات والشعوب التي تعيش بين ظهرانيها بالريبة والحذر، عندها أعتقد أن العالم سيتحول إلى جحيم قوميات لاتطاق وإلى عداوات سافرة وبغضاء وإحن وأحقاد تتفشى بين هذه القوميات والشعوب المكونة لأنسجة هذه الدول، حيث دلت الإحصائيات على أنه لا تخلو دولة في العالم إلا في حالات نادرة من أقليات وشعوب تتعايش مع بعضها جنباً لى جنب دونما حساسيات أو إزعاجات تذكر.
فكيف مثلاً إذا أرادت البرازيل وهي دولة يعيش فيها أكثر من عشرة ملايين عربي وهم الذين يمتلكون مفتاح الإقتصاد البرازيلي وكل التجارة البرازيلية في أيديهم، ماذا يجري لو ارتأت البرازيل بأن العرب خطرون عليها وباشرت بالتضييق عليهم ومنعت عنهم خصوصياتهم القومية ومنعت لغتهم وتجارتهم؟ ذاك أمر لا أعتقد يتصوره عقل بشر..! فلماذا إذاً لا تعامل الحكومة السورية الكرد السوريين معاملة أخرى أي كإحدى مكونات الشعب السوري الأصيل…؟ مع أن وضعهم القانوني لايقارن بالعرب البرازيليين المهاجرين إليها أصلاً، بينما الكرد لهم في سورية ركائزهم وأراضيهم الموروثة أباً عن جد.

فلماذا لا تستمع إليهم الحكومة السورية وتسمع منهم وترى وتسمع مباشرة ما يقوله الكرد الوطنيون وبماذا يهمسون وماذا يريدون وباعتقادي أن ليس ذلك عيباً ولا غيباً.

وهذا حتى لا تطلق الحكومة أحكاماً عن بعد وتفتح الأبواب للقيل والقال وكلام لايقال… من قبيل الخطر الكردي أو الإنفصال أوأي شيء من هذا القبيل…فذاك كله لا وجود له وسوف لم ولن يقبل به الكرد قبل غيرهم ابداً.


فما الخطورة في أن تكون هناك فسيفساء حضاري وثقافي سوري ضمن وطن واحد وشعب متعدد…؟ فما الخطورة في هذا إن لم يكن بالعكس…هو التقدم والإزدهار لسورية ولشعب سورية الموحد…؟ وهو أيضاً إلى جانب هذا وذاك قاموس ثري الدلالة تتجلى بين صفحاته الهدوء والإستقرار والألفة والمحبة والتعاون الأخوي بين سائر مكونات الشعب السوري، كما أعتقد أن في هذا التنوع والإختلاف إغناء وثراء للحضارة السورية وللوطن السوري ككل.

وأتمنى أن تعلم الحكومة السورية بأن الاكراد لايريدون أكثر مما يريده أي مواطن سوري آخر، أي أن يكونوا متساوين مع غيرهم من حيث الحقوق والواجبات في الشؤون الثقافية منها والسياسية.


فما نعلمه هو أن الأكراد السوريون هم من سكان المنطقة الأقدمون ولن يأتوا إلى هنا من مكان آخر إطلاقاً كما يحلو للبعض أن يتصوره، والدليل على هذا هو أن كل الأكراد السوريين قبل التجريد من الجنسية كانوا يحملون الهوية السورية، فعندما رسمت الحدود بين تركية وسورية في عشرينات القرن الماضي كانت الإتفاقيات الدولية الموقعة عليها من قبل الدولتين السورية والتركية تنص: على أن من هو داخل سورية من السكان يكون سورياً ومن هو داخل تركيا يكون تركياً.

بهذا كان الأكراد الحاليون في سورية ضمن الأراضي السورية فكانوا سوريين بموجب هذه الإتفاقيات الدولية الرسمية، وحتى مع الإفتراض – وأقول مع الإفتراض – بأن هناك ممن لايحملون الجنسية السورية فهم لم يأتوا بأبعد من ما نسميها في أدبياتنا السورية بكيليكيا أوحتى لواء اسكندرونة، المنطقتان اللتان نعتبرهما مناطق سورية اغتصبت بالقوة والتآمر الدولي وسكانها أينما وجدوا سوريون.

وهذه المناطق المغتصبة هي ما نعتبرها جزءاً من سورية الطبيعية، وهي لا تتمثل في الحدود الحالية كما رسمها المستعمرون في إتفاقية سايكس بيكو، بل هي جزء من سورية تمتد حتى جبال طوروس في الشمال والتي كان محمد علي باشا حاكم مصر يعتبرها حدوداً طبيعة لسورية وحدوداً مفترضة لإمبراطوريته الفتية وحارب من أجلها الدولة العثمانية وانتصر عليها في معركة (نزيب) الشهير في التاريخ.

ومن هنا فإن كل من جاء من هذه المناطق – كيليكيا والإسكندرونة- إلى أي منطقة من سورية فهو سوري حكماً ويحق له حمل الجنسية السوريةن مثلما يحق لسكان لواء اسكندرونة حمل الجنسية السورية، كما يحملها اليوم الشاعر السوري الوطني الكبير سليمان العيسى مثلاً.

وهذا حق طبيعي لاجدال عليه لأنهم سوريون إما أسكندرونيون او كيليكيون لافرق.
وإذا أضفنا إلى ذلك القرارات الدولية بأن من عاش خمس سنوات في دولة معينة يحق له الحصول على جنسية تلك الدولة بغض النظر عن إنتمائه الإثني أو الطائفي والمذهبي، ففي كل أو معظم دول العالم وخاصة المتحضرة منها، إذا ما وضعت امرأة مولودها في طائرة وهي تمر في سماء دولة ما فإن المولود يكتسب على الفور حمل جنسية تلك الدولة ويعتبر من رعاياها دون أي أحراج أو معوقات.

فطالما الأمر هكذا فكل الأكراد اليوم وكل من عاش ضمن سورية منذ خمس سنوات وحسب القوانين السورية النافذة، ماعدا الأجانب الذين يحملون جوازات سفر حق ويحق لهم حمل على الجنسية السورية، ولهذا فالأكراد كلهم مواطنون سوريون أباً عن جد وحتى – وكما قلنا – أن من جاء من كليكيا عرباً، كانوا أم سريانياً، أم كرداً، فهم مواطنون سوريون بحكم القانون وحق المواطنة.


ولهذ وطالما أن الكرد جميعهم مواطنون سوريون فيعتبرون كما قال السيد الرئيس بشار الأسد قولته الشهيرة: (إن الأكراد هم جزء من النسيج السوري).

وهذا صحيح تماماً وينم عن رؤيا وبصيرة نافذة عالمة ببواطن الأمور وخفاياها.

ونقول هنا أيضاً: رغم أن الكرد يشكلون أثنية مغايرة للأثنية العربية ولكن هذا لا يمنعهم من حقهم في التمتع بكافة حقوقهم كمواطنين سوريين فيتعلمون بالمدارس السورية وهو حاصل فعلاً، بالإضافة إلى حق التكلم والكتابة بلغتهم، وأقولها من باب وطني كردي سوري غيورعلى شعبه ووطنه، أن على الحكومة السورية اليوم أن تفتح حواراً مع مواطنيها الكرد وتصغي إلى مطاليبهم البسيطة أصلاً، على أن يرى الكرد من جانبهم أن مطاليبهم تحل في دمشق وليس في غيرها وأن سورية هي موطننا جميعاً موطن كل مكونات الشعب السوري وكلنا ملتزمون  وملزمون بالدفاع عن وحدة أراضها وترابها وحدودها المقدسة ضد التقسيمات والتدخلات الخارجية جنباً على جنب مع اخوتهم العرب وكل المكونات الأخرى للشعب السوري، ولنقول معاً /سورية… ألله… حاميها/.

فالكل شركاء في هذا الوطن الذي يجب أن يبقى موحداً عصياً عن التقسيم والتبديد، وعلى الكرد أن يحفاظوا على وحدة الوطن السوري قبل غيرهم لأنها وطنهم أولاً، ولأنهم بذلوا مع إخوانهم العرب وغير العرب الكثير من التضحيات وأراقوا الكثير من الدماء دفاعاً عن شرف الوطن السوري وترابه المقدس.

كما أكرر رؤيتي بأن من الواجب الأخوي والشراكة الوطنية، أن تستمع الحكوممة السورية إلى أصوات الكرد الوطنيين هؤلاء وأن تصغي إلى مطاليبهم التي تتمثل بالحقوق السياسية والثقافية وبالمساواة وحكم القانون لاغير، ودوماً ضمن هذا الوطن الذي دافع عنه الجميع ضد المستعمرين والدخلاء.

نعم أقول هناك كبديل عن الضغوط والإعتقالات والقلق الذي يسود الشارع الكردي فلا السجون تنتهي ولا الأكراد ينتهون، والبديل على الدوام هو الحوار ولا غيره ومن منطلق رؤية الآخر وعدم النظر إليه بعين واحدة.

وإلى متى نبقى مرتعاً للتخلف وندفن مثل النعامة رؤسنا في الرمل ونفكر بعقلية (تك ملت…تك لغة) .

ومايضير الحكومة السورية أن تصغي ولو لبضع دقائق لممثلي وعقلاء هذا الجزء من النسيج الوطني؟ وكل شيء بعدها قابل للنقاش والتفاهم في حوار العقلاء، فلماذا لا نطرز هذا النسيج بالفسيفساء السوري الجميل ونعلن على رؤوس الإشهاد أن كل مكونات الشعب السوري هم أخوة متآلفون يجمعهم وطن واحد ومصير مشترك، وأن كل كردي وغير كردي هو مواطن سوري يحق له ما يحق لغيره، وأن يرى كل منا الآخر بدل التناقض والقلق والتجادل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…