إقليم كردستان.. المتغيرات والبدائل

فيان فاروق*

تُظهِر معطيات الحراك السياسي أو ما يكشف عنه من دلالات، أن ثمة احتمالات سياسية بات حدوثها أقرب إلى الواقع، تفرضها حقيقة العملية السياسية الجارية في كردستان، ونظرا لقوة التحالف بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان، والاتحاد بزعامة جلال الطالباني رئيس الجمهورية، وما يتمتعان به من شعبية كبيرة ونفوذ فضلا عن المكاسب الواسعة التي تحققت للإقليم في الصُّعُد كافة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية..

ولمجمل هذه العوامل فمن المتوقع، أن ما ستفرزه الانتخابات البرلمانية للإقليم (اليوم) من نتائج ستتيح للاتحاد الوطني تسلم رئاسة حكومة الإقليم وذلك بالاعتماد على تصريحات بعض القياديين في الاتحاد الوطني
 إذ يبدو هذه المرة أنهم لن يتنازلوا عن استحقاقهم في رئاسة الحكومة، كما أن رئيس الإقليم مسعود البارزاني ورئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني كانا قد أكدا مرارا أن رئاسة الحكومة هذه المرة هي من استحقاق الحزب الحليف الاتحاد الوطني الكردستاني، وينص الاتفاق المبرم بين الحزبين الرئيسين على أن يترأس الحكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني لمدة عامين على أن يخلفه بعدها الاتحاد الوطني، لكن هذا لم يحدث في الدورة السابقة، إذ تنازل الاتحاد الوطني وبتوجيه من أمينه العام الطالباني عن استحقاق رئاسة الحكومة كي تتاح الفرصة لرئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني لإكمال خططه ومشاريعه في البناء والاستثمار.
وجميع المؤشرات والدلائل تشير إلى أن هذا لن يتكرر، فهناك الكثير في قيادة الاتحاد الوطني من يتشدد باتجاه المطالبة باستحقاق رئاسة الحكومة، وبالمقابل ثمة من يرى أن نيجيرفان البارزاني قد حقق الكثير من الإنجازات الكبيرة والمهمة للإقليم وبإمكانات مالية قليلة بالمقارنة على ما أنفق في بقية محافظات العراق، وأي متابع للشأن العراقي لا يحتاج إلى جهد كبير حتى يتأكد من الفارق المتحقق في مجال الخدمات والعمران والاستثمارات وفي الجوانب الاجتماعية والثقافية المتحققة في الإقليم، لذلك يعتقدون أن بقاءه يعزز من قوة الإقليم وتطوره ولا سيما في هذه المرحلة الحساسة كي يكمل مشاريعه الاستراتيجية المعدة لبناء الإقليم.


والمشهد الانتخابي في كردستان هذه المرة سيختلف عن الجولات السابقة التي كانت تتركز فيها المنافسة بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي والاتحاد، ولتجنب الخلافات بينهما، يتم تقاسم السلطة بين الحزبين وذلك لإبقاء كردستان بعيدة عن المشاحنات والأزمات وويلات الاشتباكات المسلحة، فضلا عن إظهار القوة أمام الدول الإقليمية التي ترفض الاعتراف بأحقية الكورد في حصولهم على حقوقهم القومية، وذلك لإدراك الحزبين بحكم خبرتهما وأدوارهما السياسية على الساحة الكردستانية وتاريخهما الطويل في النضال القومي وخبرتهما السياسية تمنحهما الوعي بالمخاطر التي تحيط بكردستان، وبعد حكم دام لأكثر من عشرة أعوام وتداول السلطة بين الحزبين وما رافقه من تحولات ومتغيرات لا سيما الانشقاقات القيادية بين صفوف الاتحاد الوطني إذ تحولوا بين متشدد ومعتدل في تحالفهما مع الديمقراطي الكردستاني الذي يحتفظ بقاعدة وقيادة متماسكة حتى الآن، ولكن مع ذلك فإن الجولة الانتخابية هذه المرة ستأخذ شكلا آخر.

إذ طرأ بعض التحول في مزاج الرأي العام ولا سيما الفئات الشبابية في مناطق مثل مدينة السليمانية وبعض المناطق التابعة لها التي تقع تحت إدارة الاتحاد، تطالب بالتغيير وبشكل واضح ومؤثر في المشهد المجتمعي، ويقود موجة التغيير نيو شيروان مصطفى في حملته الانتخابية التي يتوعد فيها بالتغيير، والقضاء على الفساد، ويطالب بتغيير الدستور، وتحجيم صلاحية رئيس الإقليم، وإزاء ذلك هناك من يعتقد من الشعب الكوردي أنهم بحاجة إلى قيادة قوية وعلى دراية في التعامل مع القضايا التي تهم الكورد لا سيما في تنظيم العلاقة بين الإقليم والحكومة المركزية فضلا عن حساسية الوضع في كركوك والمناطق المتنازع عليها وغيرها من الأمور الأخرى التي منها استثمار النفط، والتعامل مع دول الجوار المتربصة شرا بالإقليم، بحذر وضبط للنفس مثل إيران وتركيا وسوريا، المناوئون لأي تطور إيجابي في كردستان، وقد كان مسعود البارزاني ونيجيرفان البارزاني خلال التهديدات التركية لكردستان قد استطاعا أن ينتهجا نهجا حكيما في التعامل مع الموقف وكسبا التأييد الشعبي والدولي لردع الخطر التركي عن الكورد، وهذا ما يجعل الرئيس بارزاني أوفر حظا من خصومه في الانتخابات، حيث يحظى بقاعدة شعبية قوية في مدينة أربيل ودهوك لا سيما مدينة أربيل التي شهدت عمرانا وتطورا وازدهارا كبيرا لم يسبق له مثيل في أية محافظة أخرى بالعراق، إذ نفذت فيهما مشاريع ضخمة عديدة منها مشروع المياه، والتحسن الكبير في قطاع الكهرباء، والإسكان، ومشروع مد طريق مصيف صلاح الدين، الذي يعد أضخم مشروع طرق في كردستان.


أما بشأن الأحزاب الأخرى ودورها في المشهد الانتخابي فأبرزها الإسلامية وتتوزع بين الراديكالية والمعتدلة، وأحزاب أخرى لم تستطع بناء قاعدة جماهيرية لها، وظلت هامشية لم تستطع التقدم، وبقيت كما كانت.


عموما نقول ثمة تحديات تنتظر المتنافسين إذ إن الشعب يطالب بمزيد من الديمقراطية، وحقوق الإنسان والإصلاحات، ومحاربة الفساد، وحرية الرأي والتعبير، وتوزيع الثروة بشكل عادل، فالأحزاب التي تتضمن برامجها هذه المفاهيم ومؤمنة بها هي الأقرب لمد جسور الثقة مع الناخبين، وتشجيعهم على المشاركة، وتقديم الضمانات لهم بأن وعودهم ستتحقق بعد فوزهم التي هي موضع شك وريبة لدى أغلب الناخبين، ولكي لا تذهب الجهود والتضحيات هباء وأن يكونوا عرضة للانقسامات والتشتت كما حدث في القرون الماضية، عليهم أن يدركوا حقيقة أن دول الجوار حاليا التي يوجد فيه الكورد مثل تركيا وإيران وسوريا مهما اختلفوا فهم متفقون على مناهضة أي تطور في إقليم كردستان.


* أكاديمية من إقليم كردستان العراق.

جريدة الشرق الأوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…