الطوباوية في تأييد البارزاني

شيرزاد يوسف

قد لا يبدو غريبا ما تشهده الحملة الانتخابية لرئيس إقليم كردستان العراق الحالي السيد مسعود البارزاني من دعم وتعاطف شعبي واسع ،وهذا ما تؤكد عليه كل استطلاعات الرأي المباشرة التي تجريها القنوات الإعلامية الكردية الفضائية والمحلية في مدن وبلدات الإقليم والتي تشير إلى تقدمه بشكل كبير على بقية منافسيه، فالسيد مسعود البارزاني زعيم كردي محنك معروف لدى الكرد بنزاهته وذكائه وقيمه الأخلاقية العالية كما إن انتمائه إلى عائلة البارزاني والمعروفة لدى الكرد عامة بتاريخها النضالي الحافل يشكل بحد ذاته عاملا  إضافيا مهما لكسب تعاطف الملايين من الكرد  ليس فقط في العراق بل في كل الدول المجاورة التي يتوزع في الكرد.

لكن الغريب في الموضوع هو  أن يحظى هذا التأييد الشعبي الواسع للسيد مسعود البارزاني بدعم طوباوي غير مبرر من قبل بعض المثقفين والسياسيين الكرد  فكتاباتهم التي تنشر في هذه الفترة  في العديد من الجرائد والمواقع الالكترونية على شبكة الانترنت تحاول أن تعطي لعملية إعادة انتخاب البارزاني لرئاسة إقليم كردستان العراق أبعاداً قومية كبرى تتجاوز الحدود الإقليمية للعراق لتشمل الكرد في الدول المجاورة (تركيا- إيران-سوريا) في محاولة يمكن اعتبارها كبداية تأسيسية  لمنهج فكري قومي يسعى لتطوير أفكار شمولية ذات طابع قومي ونشرها بين الكرد الموزعين بشكل رئيسي في أربع دول وربط تحقيق هذه الأفكار القومية بشخصية كاريزمية كالسيد مسعود البارزاني ، فهل يمكن لهذه الأفكار القومية العابرة للحدود أن تلاقي النجاح على الصعيد العملي؟
قبل عدة سنوات طرح البعض من المثقفين الكرد منهجا فكريا قوميا أطلقوا عليه البارزانيزم وهي تعني اتباع النهج النضالي للراحل الملا مصطفى البارزاني (وهو  والد  مسعود البارزاني الذي قضى معظم حياته كثائر محارب متنقلا بين دولا عديدة حتى أن وافته المنية في المنفى دون أن يحقق أحلامه القومية )واتخاذه قدوة في أي عمل نضالي يقوم به الكرد في الدول الأخرى دون الأخذ بعين الاعتبار لا الاختلاف في الظروف السياسية ولا الخصوصيات التي تميز الكرد في كل دولة لذلك ظلت هذه الأفكار حبراً على الورق ولم يكتب لها النجاح على الصعيد العملي ، كذلك الأمر فشل حزب العمال الكردستاني في كسب التأييد الشعبي اللازم في بقية الأجزاء الكردستانية الأخرى عند طرحهم لمشروع أقامة كردستان الكبرى في جنوب شرق تركيا وربط تحيققها بشخصية الزعيم عبد الله اوجلان فسرعان ما تم الاستغناء عن هذا المشروع بعد اعتقال الزعيم اوجلان ، وهكذا فالنظريات القومية الشاملة حتى وإن حملت في طياتها أحلاماً قومية مشروعة فإنها تبقى غير مجدية والتجارب العربية في هذا المجال تثبت هذه المقولة ، فالمثقفون العرب الذين بشروا في البداية بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كزعيم قومي مخلص للأمة العربية سرعان ما صدموا بالنتائج التي تمخضت عن بعض الخطوات الارتجالية  للرئيس عبد الناصر كالوحدة مع سوريا ومصادرته للحياة السياسية في  مصر وسوريا وتأميمه لقناة السويس وقوانين الإصلاح الزراعي ، فهذه الخطوات أثبتت مع مرور الزمن عدم جدواها وفعاليتها لا بل  إن نتائجها انعكست سلبا وبشكل كبير على العديد من الدول العربية الأخرى التي أنتشر فيها المد الناصري.
لذلك فأن الآمال القومية الكبرى والتي يعقدها الآن البعض من المثقفين والسياسيين الكرد على الفدرالية الكردية المحققة في العراق ومحاولة استمالة قيادتها عبر طرحهم لأهداف قومية كبرى ستبقى خيالية  ولعل عقلانية القيادة الكردية في كردستان العراق كفيلة بتبديد هذه الأوهام لذلك فحريٌّ بهولاء أن يشجعوا البارزاني على القيام بإجراءات فاعلة لمكافحة الفساد المستشري في الإقليم وبناء نظام قضائي نزيه ومستقل وعادل ووضع حد للتدخل السياسي في اقتصاد الإقليم واعتماد منهج الشفافية والوضوح في التعامل مع المواطنين ونشر ثقافة حقوق الإنسان تمهيدا لإشاعة الحياة الديمقراطية التي ستجعل من الإقليم الكردي نموذجا يحتذى به في الرقي والتطور،  فهذه الأمور تبقى أكثر نفعاً من طرح بعض الأوهام القومية التي لن تجلب للإقليم  الكردي سوى الفقر والتخلف والدمار.

نقلا عن ايلاف

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…