ملامح الشخصية الإنسانية (الحلقة الثامنة)

عبد الرحمن آلوجي

 

لقد استطاع العلم الحديث, بقواعده ومناهجه ودراساته الميدانية , أن يفتح الآفاق واسعة أمام الدراسات النفسية لأنماط السلوك الإنساني , وتصرف الشخصية الإنسانية من خلال دراسة نماذج هذه الشخصية , واستقرار الدراسات حول أنماطها وطبائعها , والتصرفات والتحركات الناجمة عن توضح هذا النموذج أو ذاك , مما يعد في عداد العلوم والمعارف المنهجية التي ترقى إلى الحقيقة العلمية , حتى بات واضحا أشكال و أوضاع الشخصية السوية من الشخصية الشاذة والنشاز مما بات يعرف من خلال دراسات اللاشعور ومدارسه وأعلامه وكبار دارسيه ( فرويد , يونغ, أولمر, داكو , هوبز …)

لتظهر الدراسات الميدانية , وتفتح المراكز و المعارف و الجامعات, و تؤسس مصحات و مشاف , تؤوي  كثيرا ممن كان للزمان و المكان والبيئة         عامة إلى جانب الداخل الفيزيولوجي أثره الكبير في تحديد هوية الشخصية و مدى اقترابها أو ابتعادها من أمراض العصاب و الذهان و العضام و أشكال الشيزوفينيا .
و لرسم ملامح الشخصية الإنسانية السوية و المبتغاة كان لا بد من الاستنداد إلى جملة قواعد و أسس تحدد هذه الملامح و توضح الصورة المثلى التي يمكن أن ترسم النموذج الإنساني الاقدر على العطاء والإبداع والتحرك في أطر المنظومة القيمية والفكرية الرائدة والتي تشكل المنعطف بكل ما هو مثمر ومفيد و محرك للطاقات والكامن بما يعود على المجتمع الإنساني بكل عوامل  و الإنجاب الفكري و الإبداع الحضاري بعيدا عن الثمرات الفجة و الآثار الضارة و الاخطاء و المنكرات و الأذى من شخصيات لم تكتمل أو اكتملت في ظروف قاهرة , أو كانت ضحية اجتياح بيئي و فيزيولوجي هيأتها للعنف و الإرهاب أو التشويه و الطمس و التلويث لتكون مصدرا  لوباء اجتماعي وبؤرة لفساد خلقي و مظهرا من مظاهر الدجل و الشعوذة و النفاق و أساليب مختلفة من التنكر و التبرقع و الاختفاء سترا لعيوب قاتلة و أمراض نفسية وبيلة يغوص في أعماقها كراهية و حقدا و الما داخليا و تمزقا و رشاشة في الاعماق مما يشكل النموذج الاكثر إيذاء و شرا و القدر على رسم الصور المشوهة للآخرين مما تجد له آثار و نماذج حية و شخوصا بالعشرات في كل مكان و زمان مما يمكن أن ترسم لها ملامح النفاق و الدجل و المكيدة أو التسلق و الصعود غير الطبيعي و تجاهل الأعماق الملتهبة حقدا وزورا و انحرافا بل تجد في أحيان كثيرة تآكلا داخليا و تمزقا في العمق يؤديان بالضرورة إلى أشكال الطمس و الوأد و التشويه لمن حوله حتى لأقرب مقربيه صلة روحية أو رحما و قربى , لتنضب الأزمة الداخلية سلوكا خارجيا شائها يتصيد العيوب و الأخطاء و يحرف بها و ينحرف معها و يضخم هذه النقائص ليجعلها في صور كركتيرية تعكس الأعماق المشوشة لداخله الممزق و ليصعد الآلام الداخلية في حالة هستيرية متراكلة ليصب مركب نقصها كما يقول أولر على الآخرين و يشعر باضطهاد داخلي يترجمها إلى سلوك انتقامي شائن و مشوه إن هذه النماذج مما ينبغي حصرها و معالجتها بدلا من سحقها ومقاومة شرورها و آثامها خاصة إذا دخلت موقعا اجتماعيا أو سياسيا متميزا لأنه سوف يسيئ و يشوه و يحطم و يزرع الشرور و الآثام و يخرق الصف وهو ما نشهده يوميا في كل محفل رسمي أو شعبي أو نخبوي و على مستوى الساسة و القادة و العلماء و المفكرين و الأدباء و مساجلاتهم و صراعاتهم مما هو واضح و جلي .
و الاجدى و الانفع للمجتمع الإنساني ان يثمر و يستثمر النموذج الإنساني السوي و المستقر وخاصة الموهوب والمبدع ليعود بالنفع والفائدة للمجتمع و ترسم من خلاله الشخصية الإنسانية المثلى في عطاء غير منضوب و إبداع غير مقطوع و إعلاء و إنجاح و رعاية كاملة من مؤسسات و منظمات و أخصائيين يشرفون و يبرمجون و يصفون المناهج المبدعة لتطوير مثل هذه الشخصية لتكون النموذج المقابل لتلك المنحرغة و الشاذة و ليكون هذا النموذج المثالي الحي في واقعة حالة تحتذى و طابعا وميسما من شأنهما أن يحركا الطاقات الكامنة و الرؤى المبدعة و الفكرة النيرة و هو ما نأمل رسمه و بيان خطوطه لاحقا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…