الشيخ مرشد الخزنوي
أيها الأخوة المسلمون… حيثما يممت وجهك في أي بلدة من بلادنا وجدت الناس يتحدثون عن أمر مهم، يدعون إليه وينادون به، إنه الإصلاح،رئيس الدولة بتحدث عن الاصلاح وجميع مفاصل الدولة تتحدث عن الاصلاح وأجهزة الإعلام تتحدث عن الإصلاح، العلماء والمعلمون والسياسيون والمفكرون يتحدثون عن الإصلاح، جمعيات تتكون تحت عنوان الإصلاح، أحزاب تنشأ باسم الإصلاح، حوارات وندوات ومؤتمرات تعقد كلها من أجل الإصلاح، فما هذا الإصلاح؟ ما المراد من الإصلاح الذي ينادي به الجميع؟ حتى الأمريكان الذين يتحكمون في مصائر العالم يطالبوننا بالإصلاح، يدعوننا إلى الإصلاح.
، فهل هناك شيء اسمه الإصلاح وهل هناك حاجة إلى الإصلاح؟ وما هذا الإصلاح؟ وما أهدافه؟ وما شروطه؟ وما مجالاته؟ ايها الاحبة الكرام الإصلاح: أن تحول الشيء الفاسد إلى شيء صالح، أو تحول الإنسان الفاسد إلى إنسان صالح، أو المجتمع الفاسد إلى مجتمع صالح، أو النطام الفاسد إلى نطام صالح، هذا هو الإصلاح، ولهذا نرحب نحن بالإصلاح بوصفنا مسلمين نحب الإصلاح ونكره الإفساد والله عز وجل لا يحب الفساد ولا يحب المفسدين ولا يصلح عمل المفسدين ويعاقب المفسدين وينزل عليهم نقمه حتى إن بني إسرائيل حينما أفسدوا في الأرض مرتين سلط الله عليهم من يقهرهم ويذلهم ويجوس خلال ديارهم وكلما عادوا إلى الإفساد عاد الله عليهم بالعقوبة (وإن عدتم عدنا).
ولهذا ايها الاخوة فان اي تفريط في الاصلاح سيؤدي إلى اختلال موازين الحياة و شيوع الخيانة في الأرض و سيادة الفساد بين العباد فبالأصلاح المتكامل تنمو العلاقات و تتعمق الصلاة و تتوثق العرى و تقوى الروابط و الاواصر بالأصلاح المتكامل تذبل الخلافات و تضمحل العداوات و تتلاشى الخصومات و بدون الأصلاح المتكامل سيقع المجتمع فريسة بين براثن الخيانة و تحدث في الأرض فتنة عريضة و فساد كبير و شر و إن وقتكم الحاضر و مجتمعكم المعاصر لهو أكبر دليل على النتائج السيئة التي تترتب على الفساد و لو جئت اليوم في هذا العصر الذي تلاشت فيه الأصلاح المتكامل و اضمحلت و ضمرت لو جئت تتأمل في المجتمع و تتفحصه أين تجده ستجده في أوحال الفساد تدنست أثوابه حتى أعلاها بأوساخها و اقذارها لو أنك جئت إلى المجتمع ستجد الريبة عمت كل الناس و الشكوك ساورت كل النفوس و الوساوس خالطت كل القلوب حتى طغت المادة و تحكمت الشهوات و سيطرت الأهواء و فسدت الضمائر و خربت الذمم و قل الخير و فاعلوه و كثر الشر و حاملوه حتى أصبح المجتمع في حالة لو جئت تبحث بين أنقاضه عن بقايا الاصلاح والصلاح لما وجدت إلا أثارًا هزيلة ضعيفة بالية نخره تتواجد في زوايا مهملة في المجتمع هذا كلام أظنكم جميعـًا توافقونني عليه فهو واقع نشعر به جميعـًا و حقيقة نسلم بها بل نلمسها و نعيشها يوميـًا و كل لحظة .
نحن جميعـًا نجمع على أن الفساد أفظع مرض أشد داء أخطر خلق يهدد المجتمع و ينسف كيانه من أساسه .
هذا كله أنتم مجمعون عليه غير أن الذي أراكم ستجمعون عليه أيضـًا و هو حقيقة لا شك فيها أن كل واحد منا يوزع ألقاب الاصلاح و الفساد كما يشاء و حسبما يريد و تقتضيه المصلحة لذلك نجد الواحد منا يرى نفسه مصلحا و في قمة الاصلاح و يرى غيره فاسدا خائنـًا جاثيـًا راكعـًا في حضيض الفساد لكن أيها الأخوة الأمور لا تحصل بالإدعاء , المسألة تحتاج إلى أدلة و براهين و على الأقل إلى محاكمة عقلية هادئة بإنصاف فللاصلاح و الفساد قواعد و موازين تستطيع من خلالها أن تتعرف على موقفك على مكانك في المجتمع الإسلام يكره الفساد والإفساد، والقرآن الكريم لمن يقرأه ويتأمله ذكر أنواعاً من الإفساد، هناك الإفساد السياسي، كذلك الذي قام به فرعون حينما قهر طائفة من رعيته استذلهم وحرمهم حقوقهم الفطرية، (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين) هذا إفساد سياسي، ومثل هذا الإفساد السياسي ما يقوم به الجبارون المتكبرون على رعاياهم حينما يدخل بلداً فيذل العباد ويفسد البلاد، كما أشار القرآن إلى ذلك على لسان ملكة سبأ (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها..) – أي إذا دخلوها فاتحين – (..وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)، هذا إفساد سياسي وهناك إفساد اقتصادي أشار إليه القرآن كالذي كان يفعله أهل مدين وأصحاب الأيكة، الذين أرسل إليهم شعيب وقال لهم أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، هذا إفساد اقتصادي، أن يتصرف الناس في المال بما لا يتفق مع القيم الأخلاقية والمصلحة الاجتماعية كما قالت قوم قارون لقارون (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) أي لا تبطر بمالك (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض)، لا تبغ الفساد في الأرض بمالك، لا تجعل مالك وسيلة للفساد والإفساد، (لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) هذا فساد اقتصادي وهناك إفساد أخلاقي ومن الفساد الأخلاقي أن يعيش الإنسان بشخصية مزدوجة له وجهان وله لسانان، وجه يقابل به السلطةووجه آخر يقابل به غيرهم، لسان لهؤلاء ولسان لهؤلاء، مذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) هذا شأن المنافقين اجابوا المجتمع (قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
هناك فساد أخلاقي وهناك فساد اجتماعي، إشاعة فساد ذات البين، تقطيع الروابط بين الناس، كالذين قال الله فيهم (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون)، ويقول (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم).
هناك أنواع كثيرة من الإفساد، الإفساد البيئي، أن يفسد الانسان الأرض التي خلقها الله له ليستنفع بخيراتها وينتفع بطيباتها، فيلوثها بالملوثات المختلفة ويفسد مكوناتها من الأرض والنبات والهواء والماء والحيوان والإنسان، والله تعالى يقول (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) أي بعد أن أصلحها الله وهيأها لكم لتمشوا في مناكبها وتأكلوا من رزقه، هذا كله من الإفساد في الأرض.
هناك الإفساد الأمني، إشاعة الجرائم وإخافة السبيل بالسرقة الصغرى أو السرقة الكبرى التي يسمونها الحرابة وقطع الطريق، (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا ..
) إلى آخر الآية، هذا نوع من الفساد في أمن الناس وهذا ما كان يقوم به اليهود (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً)، والذي كان يقوم به يأجوج ومأجوج (إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض) كل هذه أنواع من الإفسادات ذكرها القرآن الكريم وأنكر على أصحابها (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد).
ولذلك نحن المسلمين نكره الفساد، والإفساد والمفسدين، كما قال صالح لقومه (فاتقوا الله وأطيعون، ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون)، نحب الصلاح والإصلاح ونكره الفساد والإفساد، ولهذا فنحن أول من يستجيب لدعوة الإصلاح، يجب أن نصلح من أنفسنا، ولا يجوز أن نبقى على حالة الفساد التي نحن فيها.
ايها الاحبة الكرام الناس يتنادون بالإصلاح في كل مكان، ما سر هذا؟ سر هذا شعورهم بحالة الخلل والتفكك والتمزق الذي تعانيها مجتمعاتنا وتعانيها أمتنا ، الوطن كله يعاني الفساد، ولهذا فهو في حاجة إلى الإصلاح ويجب أن تصلح الأمة من نفسها بدل أن يسعى غيرها إلى إصلاحها، لأنها إذا أصلحت نفسها تصلح نفسها لنفسها لذاتها لأهدافها، لا لأهداف غيرها.
الإصلاح أيها الأخوة أن نعالج أمراضنا المختلفة نعالجها من صيدليتنا لا من صيدليات غيرنا، وبتشخيصنا لا بتشخيص أطباء أجانب لنا، وبوصف الدواء من عندنا لا من عند غيرنا، الإصلاح الذي نبتغيه له أهداف، وله شروط، وله مجالات.
أهداف الإصلاح أول أهدافه: أن يكون معبراً عن الأمة، عن ذاتية الأمة، أن يجيب عن هذا السؤال الكبير (من نحن؟) أنحن لنا قيمة؟ أم نحن صفر على الشمال؟ أنحن أمة على الهامش أم في الصلب؟ أنحن أمة لها رسالة ولها حضارة ولها تاريخ؟ أم نحن أمة دخلاء على هذا العالم؟ يجب أن نجيب عن هذا، فإذا قلنا نحن الأمة الوسط نحن الشهداء على الناس نحن امة انجبت جميع الانبياء والمرسلين ونحن الامة التي بارك الله في ارضها نحن اصحاب ارض هي مهد الحضارات ، ترتب على هذا أشياء كثيرة، إذا أردنا أن نصلح الأمة نصلحها على هذا الأساس، أن نربي الاعتزاز بهذه المعاني في الأمة، كما قال سيدنا عمر: نحن كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله.
الأمريكان يريدون لنا أن نصلح أنفسنا، وإذا أصلحنا أنفسنا كما يريدون فلاشك أن الأمريكان يريدون شيئاً يحقق لهم مطامع وأهدافاً، لا يريدون منا أن نكون أمة قوية، أمة لها رسالة، أمة تقف على رأس القافلة، أمة تقوى من ضعف وتتعلم من جهل وترقى من هبوط وتجتمع من فرقة، لا يريدون لنا ذلك، إنهم يريدون أمة مستأنسة، يقال لها فتسمع، وتؤمر فتطيع، أمة منزوعة السلاح، مكسورة الجناح، مكشوفة الساح، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمة بلا مخالب ولا أنياب، أمة تسير في ركاب الآخرين، وهل هذا ما نريده نحن لأنفسنا؟ لا، هناك من يريدون الإصلاح ولكنهم يريدون إصلاح الأمة بأن يفرغوها من عناصر القوة والبطولة فيها، أن يجردوها من أسلحتها، أن تسير الأمة وراء الآخرين شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، يريدون تجفيف منابع التدين الإيجابي في الأمة، في التعليم، في التربية، في الإعلام في الثقافة نحن نريد أن تنهض الأمة برسالتها بتحقيق أهدافها هي، أن تكون الأمة كما أراد الله لها، أمة وسطا، شهيدة على الناس، لها مقام الأستاذية بين البشرية يقول قائلها ما قال ربعي بن عامر: إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، نريد تعبئة الأمة بهذه المشاعر، صحيح نحن ضعفاء لا نملك ترسانات نووية ولا نملك أسلحة استراتيجية هائلة كما يملك الآخرين ولكننا نملك رسالة سماوية، رسالة روحية، رسالة حضارية لا يملكها أحد سوانا وهذا يورثنا العزة التي يجعلنا نباهي بها وننادي ربنا ونقول ومما زادني شرفاً وتيهــاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمد لي نبيـا هذه هي أمتنا، الهدف الأول من الإصلاح أن نعيد الأمة إلى ذاتيتها أن نغرس فيها هذه المعاني حتى تشعر بنفسها وتنطلق من ذاتها، لا يحركها غيرها وإنما تحرك نفسها، وإذا عرفت ذلك بنت سياستها وبنت اقتصادها وبنت تعليمها وبنت إعلامها وبنت حياتها كلها على هذا الأساس.
هذا هو هدف الإصلاح إنه إصلاح شامل وإصلاح جذري ليس إصلاحاً يكون كالمسكن الذي يأخذ قرصاً ليخفف الألم والمرض باق كما هو يعمل بين جوانحه، لا، نريد أن نقتلع الأمر من جذوره، الداء من جرثومته هذا هو الإصلاح الحقيقي.
شروط الإصلاح رد الأمر لأهل العلم والحكمة والاختصاص والقرآن الكريم يقول (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) لابد أن يرد الأمر إلى أهل العلم والحكمة، أهل البصيرة في دين الله والخبرة بدنيا الناس، الذين ينظرون إلى التراث بعين وإلى العصر بعين أخرى الذين يستلهمون الماضي ويعايشون الحاضر ويستشرفون المستقبل، لا ينفع في الإصلاح الجامدون الذين يريدون أن يجمدوا الحياة كالنهر الآسن، لا تتحرك إلى أمام ولا تتحرك يمنة ولا يسرة، ويقولون (ليس في الإمكان أبدع مما كان)، و (ما ترك الأول للآخر شيئا) و (كل قديم يجب أن يبقى على قدمه)، هؤلاء لا يصلحون وثاني شروط الإصلاح أن نبدأ من الداخل بايقاظ العقول، أن نقود الإنسان السوري من داخله من ضميره من نفسه التي بين جنبيه، الإنسان السوري ليس بهيمة تقاد من أعناقها، الإنسان يقاد من نفسه، لنبدأ بإيقاظ العقول، وإحياء الضمائر وتزكية الأنفس، (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)، غيّر ما بنفسك يتغير التاريخ، هذا منطق القرآن الكريم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، هذا ما فعله الأنبياء عليهم السلام، بدءوا بتغيير أنفس الناس وعقولهم وتصحيح عقائدهم ومفاهيمهم الأساسية وفكرتهم عن الله وعن الكون وعن الإنسان وعن الحياة وعن الوجود، وهذا ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم، صب في عروق الصحابة هذا الإيمان الجديد، الإيمان بالله ورسالاته وبالدار الآخرة وبالرسالة العظمى التي يحملونها للبشرية لهداية الناس ونفع الناس، هذا أمر مهم أن نغير ما بالأنفس قبل كل شيء، لابد من القوانين ولابد من الأنظمة ولابد من اللوائح، ولكن هذه لا قيمة لها، إذا لم يكن هناك ضمائر تراقب هذه الأشياء وترعاها، وإلا أصبح القانون حبراً على ورق كما هو الحال اليوم نعلم ان التدرج سنة كونية وسنة شرعية، ولذلك لابد أن نتدرج في الإصلاح بشرط أن يكون أمامنا هدف واضح وخطة مرسومة أما أن يقول بعض الناس نتدرج ولا يتدرجون لقد اصدر رئيس الجمهورية كثيرا من المراسيم لكن حتى الان لم ترى النور بل وصلت الى رموز الفساد واقفلت عليها الادراج حتى يحين وقتها لانهم يعملون يالاصلاح التدريجي هؤلاء لا يتدرجون، محلك سر، لا ينتقلون من درجة إلى درجة ولا من خطوة إلى خطوة ولا من مرحلة إلى مرحلة، هذا ليس تدريجاً وإنما هو التمويت لا التدريج، نريد تدرج حقيقي كما قال عمر بن عبدالعزيز لابنه حينما تولى الخلافة وبدأ يعالج أمور الناس بالرفق والأناة شيئاً فشيئاً ويوماً فيوماً فقال له ابنه عبدالملك – وكان شاباً تقياً مليئاً بالحماس والغيرة – قال له: يا أبت مالي أراك تتباطأ في إنفاذ الأمور فوالله لا أبالي لو غلت بي وبك القدور في سبيل الله، لو قطعنا ووضعنا في القدور وغلت علينا والنار تحتها لا نبالي فقال له يا بني لا تعجل أما يسرك أنه لا يأتي على أبيك يوم إلا ويميت فيه بدعة ويحيي سنة؟ هذا هو المهم، أن يميت كل يوم بدعة ويحيي كل يوم سنة، أما أن يقول أتدرج ولا يتدرج، هذا لا يجوز هذه شروط الإصلاح، أما مجالات الإصلاح أيها الأخوة فهي الحياة كلها، الحياة كلها محتاجة إلى إصلاح، التعليم محتاج إلى إصلاح، بحيث لا يخرج الإنسان الذي يصم ويحفظ ولا يفهم إنما يخرج الإنسان الواعي الفاهم، نريد تعليماً حقيقياً، الإعلام محتاج إصلاح بحيث لا يفسد الإعلام ما يصلحه المنبر، متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟ السياسة تحتاج إلى إصلاح، وأول ما تحتاج إليه السياسة إشاعة الحرية بين الناس، أنا أرى أن الأمر الأول الذي يحتاج إليه السوريون في مجتمعهم هو توطيد الحرية، الحريات العامة أن يستطيع الإنسان أن يختار من يمثله في البرلمان ويستطيع أن يقول الحق إذا رآه وأن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر دون أن تأتي كلاب الصيد فتتخطفه في منتصف الليل وتذهب به إلى حيث لا يعلم أحد أين هو، هذا هو الخطر، الحرية السياسة هي أول ما يحتاج إليه الناس.
والاصلاحات الحقيقية يجب ان ترفض وباصرار الدساتير التي تجعل ذات الحاكم مقدسة ومصونة وترفض مناقشة قرارته ومراسيمه وتجعله فوق الخطأ والمحاسبة، فهذا الطرح تشترك في رفضه القاطع وفى رده احكام الاسلام وقوانين الديمقراطيات المعاصرة والحس الانساني السليم.
هناك الإصلاح الاقتصادي،والتي تعني تنمية الإنتاج وعدالة التوزيع وترشيد الاستهلاك وسلامة التداول،الإصلاح الاقتصادي يعني أن توزع الثروة بالعدل والقسطاس بين الناس وليس العدل أن يتساوى الجميع ولكن أن تتاح فرص متكافئة للجميع، وأن يأخذ كل ذي حق حقه.
فإنه لمن الفساد العطيم ان يحتل الكثير من رجالات الدولة المراكز الاولى في قوائم الاثرى في العالم، فيما تحتل دولهم ومواطنيهم المراتب الدنيا في التنمية الاقتصادية وفي بعض الاحايين في الوضع المعيشي على المستوى الشعبي العام.
وعلى الرغم من بداهة الاجابة على التساؤل الذي يدور حول مصادر الثروة والثراء لهؤلاء القيادات واتباعهم المحسوبين عليهم فإن هذا التساؤل يجب ان يطرح وباستمرار عندما يدور الحديث حول الاصلاح او الاحوال الاقتصادية العامة.
إن الاصلاح بأي صيغة يقتضي ان يكون العابثون بالمال العام والناهبون لها خلف القضبان لا ان يبقوا على سدة الحكم او في دوائر المسؤولية وصنع القرار ليزيدوا الوضع العام سوءا وترديا.
إن الذين يتجاوزون على ثوابت الامة واخلاقياتها ليس لهم بحال من الاحوال ان يكونوا على سدة الحكم او يديروا احوالها.
وإذا كان الاسلام قد منع السفيه من ادارة امواله الخاصة وحكم بالحجر عليها، فما الواجب اذا تجاه بعض من السفهاء والذين يعبثون باموال الامة ومقدراتها، في حين يعاني فيه الكثير من عموم الشعب من الفقر والفاقه والعوز والبؤس؟ وفيما تهدر اموال الامة في العبث واللهو او تكدس في ارصدة بنوك غربية نجد ان ما ينفق على البحث العلمي والباحثين يكاد يكون صفرا، فلا يجد الباحث مكانا في وطنه فتهاجر العقول السورية والتي لا تجد ترحيبا ولا تشجيعا من دولتها الثرية والتي ترحب بالراقصين والراقصات فيما هي تتلطخ في قيعان الجهل وتكتفي على المستوى الاقتصادي العالمي بدور المستهلك الخمول.
كما ان الحديث عن الاصلاح يستدعى الحديث عن إصلاح اجتماعي وإصلاح أخلاقي وإصلاح الفساد الاخلاقي والذي ينخر الطبقة الحاكمة في الدولة.
نريد أن نبدأ الإصلاح في هذه المجالات، وان لايتوقف إصلاح في مجال على إصلاح في مجال آخر، كل هذه المجالات قابلة لأن نبدأ فيها متوازية ومتكاملة، حتى نستطيع أن نصل إلى المجتمع الصالح الذي ننشئه ومن خلال هذه المجتمعات ننشئ أمة صالحة تقوم بدورها في هداية العالم، وكشعب يحمل مشروع شام شريف إن الرضا والقبول بالاصلاحات الصورية والهامشية تحت مسميات مختلفة من قبيل التدرج او الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي المفقود ابتداء او تحت عناويين درء الاخطار الخارجية سيكون خطأً فادحا وسيؤدي الى اطالة اعمار الرجال البائسين في النطام.
الجماعات والاحزاب الخائنة والتي ترضى بالتنازل عن الحقوق الاساسية للمواطن في المشاركة الكاملة وغير المنقوصة سياسيا وان يتمتع بالحرية في التعبير والتغيير ستكون بمثابة شاهد الزور المستحق للتأثيم والتنديد.
إن الاصلاح والذين نحن في حاجة ماسة له في سوريا يجب ان يكون صادقا وواضحا وان يعمل عمله في الاورام السرطانية المنتشرة في كيان الامة وعقلها وقلبها.
اما ان تكون الحركات الاصلاحية شاهد زور على ديكورات اصلاحية تهدف في نهاية المطاف اطالة اعمار رجالات تُجسد الفساد وتقترن بالانهيار والتداعي في جميع مناحي الحياة سياسيا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا فإن تلك الحركات والجماعات تحتاج بدورها الى الاصلاح الجذري واعادة تشكيل عقولها المفكرة وقياداتها المدبرة.
إن ظاهرة الفساد في بلادنا قد انتشرت انتشار واسعاً حتى غدا تلقي الرشوة أمراً عادياً وعرفاً سائداً ناهيك عن الطرق والقنوات التي تتعلق بقضايا التنمية والبناء والعقود والادارة إن إنتشار ظاهرة الفساد واتساع دائرة ممارسيها يجعل من التصدي لها مهمه وطنية من الدرجة الاولة يجب أن يضطلع بها أبناء الوطن جميعاً بغض النظر عن إنتماءاتهم السياسية والعرقية والدينية إن إستئصال ظاهرة الفساد في بلادنا تحتاج الى مناخات ديمقراطية ورقابة شعبية وتوفير الحرية للمواطن لتتكون لديه الجرأة والصراحة في الاشارة الى مواطن الفساد وهنا يجب ان تضطلع وسائل الاعلام المقروءه والمسموعة والمرئية بدورها الوطني ليس في كشف مواطن الفساد فحسب بل وفي فضح الفاسدين والمفسدين وتعريتهم وفضحهم والتشهير بهم حتى يسقطوا اجتماعيا ويجب مساءلة الفاسدين الذين نهبوا البلاد في المراحل السابقة ومحاسبتهم لاسترجاع مال الشعب من ارصدتهم واليوم تنصب أمام المجتمع السوري مهمه وطنية كبرى ألا وهي مكافحة الفساد وسيتوقف على كيفية حل هذه المهمة مصير البلاد وطنياً واجتماعياً واقتصادياً لانه أصبح من المستحيل حل أية قضية وطنية دون اجتثاث الفساد من جذوره .
حيث يبين تطور الاوضاع في بلادنا أن هناك حالة إستعصاء شاملة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي أدت عملياً الى مراوحة وجمود في مواجهة جميع القضايا الاساسية التي تواجه المجتمع والاقتصاد الوطني من موضوع معالجة البطاله الى موضوع تدني مستوى معيشة الشعب التي تراجعت رغم زيادات الاجور بسبب ارتفاع الاسعار الى موضوع إنخفاض الاستثمار في الاقتصاد الوطني وصولاً الى ملف الحياة السياسية في البلاد المتعلق بالحريات السياسية وقانون الاحزاب وقانون الانتخابات كل هذه القضايا يقف النهب والفساد حاجزاً منيعاً في طريق حلها وقد أدى ذلك الى حالة تعب ويأس اجتماعي مع مايحمله ذلك من خطر إبعاد الجماهير الشعبية عن ساحات الفعل السياسي الحقيقي وواضح ان قوى الفساد التي تقوم بنهب الاقتصاد الوطني ليس لها أية مصلحة في تحقيق أي تقدم على أية جبهة من جبهات القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ومنذ صدور القانون رقم /10 لعام 1991 المعروف بقانون الاستثمار عقد العديد من المؤتمرات واللقاءات مع رجال اعمال سورين وعرب وأجانب وأعلن عن إصلاح إقتصادي ثم إصلاح إداري وصدرت العديد من التشريعات والانظمة والتعليمات كل ذلك إصطدم بمعوقات تقف في وجه التوسع في الاستثمار سواء الوطني أم العربي أو الاجنبي واهم هذه المعوقات الروتين والبيروقراطية التي هي صفه طاغية على اجهزة الدولة إلا أن الأهم من ذلك مسألة الفساد الجاسم على صدر المجتمع والدولة معاً لايعيق الاستثمار فحسب بل يعيق التنمية ويرفع كلفتها ويضعف الدولة ويقلل من هيبتها واصبح المستثمر العربي أو الاجنبي عندما يريد التوجه الى سورية بهدف الاستثمار أول مايسأل عن الفساد ومفاتيحه وعن رجال الاعمال المحلين اصحاب النفوذ والخطوة الذين يستطيعون تحرير الصفقات بسهولة ويسر ان سوريا اليوم بحاجة الى اصلاحات سياسية حقيقية تنبعث من حكوماتها باحترام التعددية السياسية, واحترام حقوق الانسان وتأصيل حالة العقلنة ولغة الحوار والعمل السياسي السلمي بمبدأ اللاعنف من أجل التوصل الى حلول ناجعة بين الشعب والحركات والقوى السياسية, وهذا لا يأتي الا بأن تخطوا الحكومة خطوات حثيثة صادقة وجادة نحو الاصلاحات السياسية واحترام ارادة شعبها وتعميق الديمقراطية باحترام الرأي الآخر وان ربط الاصلاح السياسي بالاصلاح الاقتصادي هو الخيار المطلوب للدولة وأن يكون اختيار المسؤولين للمناصب العليا بالكفاءة والتخصص والخبرة والتاريخ الأكاديمي والتاريخ الناصع للرجال الشرفاء المخلصين من أبناء الوطن , وليس لمجرد الحظوة والقرابة والمحسوبية والحزبية أسأل الله أن ينير لنا الطريق ويهدينا سواء السبيل وأن يصلحنا ويصلح بنا ويهدينا ويهدي بنا ويخرجنا من الظلمات إلى النور إنه سميع قريب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم وادعوه يستجب لكم.
، فهل هناك شيء اسمه الإصلاح وهل هناك حاجة إلى الإصلاح؟ وما هذا الإصلاح؟ وما أهدافه؟ وما شروطه؟ وما مجالاته؟ ايها الاحبة الكرام الإصلاح: أن تحول الشيء الفاسد إلى شيء صالح، أو تحول الإنسان الفاسد إلى إنسان صالح، أو المجتمع الفاسد إلى مجتمع صالح، أو النطام الفاسد إلى نطام صالح، هذا هو الإصلاح، ولهذا نرحب نحن بالإصلاح بوصفنا مسلمين نحب الإصلاح ونكره الإفساد والله عز وجل لا يحب الفساد ولا يحب المفسدين ولا يصلح عمل المفسدين ويعاقب المفسدين وينزل عليهم نقمه حتى إن بني إسرائيل حينما أفسدوا في الأرض مرتين سلط الله عليهم من يقهرهم ويذلهم ويجوس خلال ديارهم وكلما عادوا إلى الإفساد عاد الله عليهم بالعقوبة (وإن عدتم عدنا).
ولهذا ايها الاخوة فان اي تفريط في الاصلاح سيؤدي إلى اختلال موازين الحياة و شيوع الخيانة في الأرض و سيادة الفساد بين العباد فبالأصلاح المتكامل تنمو العلاقات و تتعمق الصلاة و تتوثق العرى و تقوى الروابط و الاواصر بالأصلاح المتكامل تذبل الخلافات و تضمحل العداوات و تتلاشى الخصومات و بدون الأصلاح المتكامل سيقع المجتمع فريسة بين براثن الخيانة و تحدث في الأرض فتنة عريضة و فساد كبير و شر و إن وقتكم الحاضر و مجتمعكم المعاصر لهو أكبر دليل على النتائج السيئة التي تترتب على الفساد و لو جئت اليوم في هذا العصر الذي تلاشت فيه الأصلاح المتكامل و اضمحلت و ضمرت لو جئت تتأمل في المجتمع و تتفحصه أين تجده ستجده في أوحال الفساد تدنست أثوابه حتى أعلاها بأوساخها و اقذارها لو أنك جئت إلى المجتمع ستجد الريبة عمت كل الناس و الشكوك ساورت كل النفوس و الوساوس خالطت كل القلوب حتى طغت المادة و تحكمت الشهوات و سيطرت الأهواء و فسدت الضمائر و خربت الذمم و قل الخير و فاعلوه و كثر الشر و حاملوه حتى أصبح المجتمع في حالة لو جئت تبحث بين أنقاضه عن بقايا الاصلاح والصلاح لما وجدت إلا أثارًا هزيلة ضعيفة بالية نخره تتواجد في زوايا مهملة في المجتمع هذا كلام أظنكم جميعـًا توافقونني عليه فهو واقع نشعر به جميعـًا و حقيقة نسلم بها بل نلمسها و نعيشها يوميـًا و كل لحظة .
نحن جميعـًا نجمع على أن الفساد أفظع مرض أشد داء أخطر خلق يهدد المجتمع و ينسف كيانه من أساسه .
هذا كله أنتم مجمعون عليه غير أن الذي أراكم ستجمعون عليه أيضـًا و هو حقيقة لا شك فيها أن كل واحد منا يوزع ألقاب الاصلاح و الفساد كما يشاء و حسبما يريد و تقتضيه المصلحة لذلك نجد الواحد منا يرى نفسه مصلحا و في قمة الاصلاح و يرى غيره فاسدا خائنـًا جاثيـًا راكعـًا في حضيض الفساد لكن أيها الأخوة الأمور لا تحصل بالإدعاء , المسألة تحتاج إلى أدلة و براهين و على الأقل إلى محاكمة عقلية هادئة بإنصاف فللاصلاح و الفساد قواعد و موازين تستطيع من خلالها أن تتعرف على موقفك على مكانك في المجتمع الإسلام يكره الفساد والإفساد، والقرآن الكريم لمن يقرأه ويتأمله ذكر أنواعاً من الإفساد، هناك الإفساد السياسي، كذلك الذي قام به فرعون حينما قهر طائفة من رعيته استذلهم وحرمهم حقوقهم الفطرية، (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين) هذا إفساد سياسي، ومثل هذا الإفساد السياسي ما يقوم به الجبارون المتكبرون على رعاياهم حينما يدخل بلداً فيذل العباد ويفسد البلاد، كما أشار القرآن إلى ذلك على لسان ملكة سبأ (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها..) – أي إذا دخلوها فاتحين – (..وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)، هذا إفساد سياسي وهناك إفساد اقتصادي أشار إليه القرآن كالذي كان يفعله أهل مدين وأصحاب الأيكة، الذين أرسل إليهم شعيب وقال لهم أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، هذا إفساد اقتصادي، أن يتصرف الناس في المال بما لا يتفق مع القيم الأخلاقية والمصلحة الاجتماعية كما قالت قوم قارون لقارون (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) أي لا تبطر بمالك (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض)، لا تبغ الفساد في الأرض بمالك، لا تجعل مالك وسيلة للفساد والإفساد، (لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) هذا فساد اقتصادي وهناك إفساد أخلاقي ومن الفساد الأخلاقي أن يعيش الإنسان بشخصية مزدوجة له وجهان وله لسانان، وجه يقابل به السلطةووجه آخر يقابل به غيرهم، لسان لهؤلاء ولسان لهؤلاء، مذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) هذا شأن المنافقين اجابوا المجتمع (قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
هناك فساد أخلاقي وهناك فساد اجتماعي، إشاعة فساد ذات البين، تقطيع الروابط بين الناس، كالذين قال الله فيهم (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون)، ويقول (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم).
هناك أنواع كثيرة من الإفساد، الإفساد البيئي، أن يفسد الانسان الأرض التي خلقها الله له ليستنفع بخيراتها وينتفع بطيباتها، فيلوثها بالملوثات المختلفة ويفسد مكوناتها من الأرض والنبات والهواء والماء والحيوان والإنسان، والله تعالى يقول (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) أي بعد أن أصلحها الله وهيأها لكم لتمشوا في مناكبها وتأكلوا من رزقه، هذا كله من الإفساد في الأرض.
هناك الإفساد الأمني، إشاعة الجرائم وإخافة السبيل بالسرقة الصغرى أو السرقة الكبرى التي يسمونها الحرابة وقطع الطريق، (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا ..
) إلى آخر الآية، هذا نوع من الفساد في أمن الناس وهذا ما كان يقوم به اليهود (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً)، والذي كان يقوم به يأجوج ومأجوج (إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض) كل هذه أنواع من الإفسادات ذكرها القرآن الكريم وأنكر على أصحابها (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد).
ولذلك نحن المسلمين نكره الفساد، والإفساد والمفسدين، كما قال صالح لقومه (فاتقوا الله وأطيعون، ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون)، نحب الصلاح والإصلاح ونكره الفساد والإفساد، ولهذا فنحن أول من يستجيب لدعوة الإصلاح، يجب أن نصلح من أنفسنا، ولا يجوز أن نبقى على حالة الفساد التي نحن فيها.
ايها الاحبة الكرام الناس يتنادون بالإصلاح في كل مكان، ما سر هذا؟ سر هذا شعورهم بحالة الخلل والتفكك والتمزق الذي تعانيها مجتمعاتنا وتعانيها أمتنا ، الوطن كله يعاني الفساد، ولهذا فهو في حاجة إلى الإصلاح ويجب أن تصلح الأمة من نفسها بدل أن يسعى غيرها إلى إصلاحها، لأنها إذا أصلحت نفسها تصلح نفسها لنفسها لذاتها لأهدافها، لا لأهداف غيرها.
الإصلاح أيها الأخوة أن نعالج أمراضنا المختلفة نعالجها من صيدليتنا لا من صيدليات غيرنا، وبتشخيصنا لا بتشخيص أطباء أجانب لنا، وبوصف الدواء من عندنا لا من عند غيرنا، الإصلاح الذي نبتغيه له أهداف، وله شروط، وله مجالات.
أهداف الإصلاح أول أهدافه: أن يكون معبراً عن الأمة، عن ذاتية الأمة، أن يجيب عن هذا السؤال الكبير (من نحن؟) أنحن لنا قيمة؟ أم نحن صفر على الشمال؟ أنحن أمة على الهامش أم في الصلب؟ أنحن أمة لها رسالة ولها حضارة ولها تاريخ؟ أم نحن أمة دخلاء على هذا العالم؟ يجب أن نجيب عن هذا، فإذا قلنا نحن الأمة الوسط نحن الشهداء على الناس نحن امة انجبت جميع الانبياء والمرسلين ونحن الامة التي بارك الله في ارضها نحن اصحاب ارض هي مهد الحضارات ، ترتب على هذا أشياء كثيرة، إذا أردنا أن نصلح الأمة نصلحها على هذا الأساس، أن نربي الاعتزاز بهذه المعاني في الأمة، كما قال سيدنا عمر: نحن كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغيره أذلنا الله.
الأمريكان يريدون لنا أن نصلح أنفسنا، وإذا أصلحنا أنفسنا كما يريدون فلاشك أن الأمريكان يريدون شيئاً يحقق لهم مطامع وأهدافاً، لا يريدون منا أن نكون أمة قوية، أمة لها رسالة، أمة تقف على رأس القافلة، أمة تقوى من ضعف وتتعلم من جهل وترقى من هبوط وتجتمع من فرقة، لا يريدون لنا ذلك، إنهم يريدون أمة مستأنسة، يقال لها فتسمع، وتؤمر فتطيع، أمة منزوعة السلاح، مكسورة الجناح، مكشوفة الساح، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمة بلا مخالب ولا أنياب، أمة تسير في ركاب الآخرين، وهل هذا ما نريده نحن لأنفسنا؟ لا، هناك من يريدون الإصلاح ولكنهم يريدون إصلاح الأمة بأن يفرغوها من عناصر القوة والبطولة فيها، أن يجردوها من أسلحتها، أن تسير الأمة وراء الآخرين شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، يريدون تجفيف منابع التدين الإيجابي في الأمة، في التعليم، في التربية، في الإعلام في الثقافة نحن نريد أن تنهض الأمة برسالتها بتحقيق أهدافها هي، أن تكون الأمة كما أراد الله لها، أمة وسطا، شهيدة على الناس، لها مقام الأستاذية بين البشرية يقول قائلها ما قال ربعي بن عامر: إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، نريد تعبئة الأمة بهذه المشاعر، صحيح نحن ضعفاء لا نملك ترسانات نووية ولا نملك أسلحة استراتيجية هائلة كما يملك الآخرين ولكننا نملك رسالة سماوية، رسالة روحية، رسالة حضارية لا يملكها أحد سوانا وهذا يورثنا العزة التي يجعلنا نباهي بها وننادي ربنا ونقول ومما زادني شرفاً وتيهــاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمد لي نبيـا هذه هي أمتنا، الهدف الأول من الإصلاح أن نعيد الأمة إلى ذاتيتها أن نغرس فيها هذه المعاني حتى تشعر بنفسها وتنطلق من ذاتها، لا يحركها غيرها وإنما تحرك نفسها، وإذا عرفت ذلك بنت سياستها وبنت اقتصادها وبنت تعليمها وبنت إعلامها وبنت حياتها كلها على هذا الأساس.
هذا هو هدف الإصلاح إنه إصلاح شامل وإصلاح جذري ليس إصلاحاً يكون كالمسكن الذي يأخذ قرصاً ليخفف الألم والمرض باق كما هو يعمل بين جوانحه، لا، نريد أن نقتلع الأمر من جذوره، الداء من جرثومته هذا هو الإصلاح الحقيقي.
شروط الإصلاح رد الأمر لأهل العلم والحكمة والاختصاص والقرآن الكريم يقول (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) لابد أن يرد الأمر إلى أهل العلم والحكمة، أهل البصيرة في دين الله والخبرة بدنيا الناس، الذين ينظرون إلى التراث بعين وإلى العصر بعين أخرى الذين يستلهمون الماضي ويعايشون الحاضر ويستشرفون المستقبل، لا ينفع في الإصلاح الجامدون الذين يريدون أن يجمدوا الحياة كالنهر الآسن، لا تتحرك إلى أمام ولا تتحرك يمنة ولا يسرة، ويقولون (ليس في الإمكان أبدع مما كان)، و (ما ترك الأول للآخر شيئا) و (كل قديم يجب أن يبقى على قدمه)، هؤلاء لا يصلحون وثاني شروط الإصلاح أن نبدأ من الداخل بايقاظ العقول، أن نقود الإنسان السوري من داخله من ضميره من نفسه التي بين جنبيه، الإنسان السوري ليس بهيمة تقاد من أعناقها، الإنسان يقاد من نفسه، لنبدأ بإيقاظ العقول، وإحياء الضمائر وتزكية الأنفس، (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)، غيّر ما بنفسك يتغير التاريخ، هذا منطق القرآن الكريم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، هذا ما فعله الأنبياء عليهم السلام، بدءوا بتغيير أنفس الناس وعقولهم وتصحيح عقائدهم ومفاهيمهم الأساسية وفكرتهم عن الله وعن الكون وعن الإنسان وعن الحياة وعن الوجود، وهذا ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم، صب في عروق الصحابة هذا الإيمان الجديد، الإيمان بالله ورسالاته وبالدار الآخرة وبالرسالة العظمى التي يحملونها للبشرية لهداية الناس ونفع الناس، هذا أمر مهم أن نغير ما بالأنفس قبل كل شيء، لابد من القوانين ولابد من الأنظمة ولابد من اللوائح، ولكن هذه لا قيمة لها، إذا لم يكن هناك ضمائر تراقب هذه الأشياء وترعاها، وإلا أصبح القانون حبراً على ورق كما هو الحال اليوم نعلم ان التدرج سنة كونية وسنة شرعية، ولذلك لابد أن نتدرج في الإصلاح بشرط أن يكون أمامنا هدف واضح وخطة مرسومة أما أن يقول بعض الناس نتدرج ولا يتدرجون لقد اصدر رئيس الجمهورية كثيرا من المراسيم لكن حتى الان لم ترى النور بل وصلت الى رموز الفساد واقفلت عليها الادراج حتى يحين وقتها لانهم يعملون يالاصلاح التدريجي هؤلاء لا يتدرجون، محلك سر، لا ينتقلون من درجة إلى درجة ولا من خطوة إلى خطوة ولا من مرحلة إلى مرحلة، هذا ليس تدريجاً وإنما هو التمويت لا التدريج، نريد تدرج حقيقي كما قال عمر بن عبدالعزيز لابنه حينما تولى الخلافة وبدأ يعالج أمور الناس بالرفق والأناة شيئاً فشيئاً ويوماً فيوماً فقال له ابنه عبدالملك – وكان شاباً تقياً مليئاً بالحماس والغيرة – قال له: يا أبت مالي أراك تتباطأ في إنفاذ الأمور فوالله لا أبالي لو غلت بي وبك القدور في سبيل الله، لو قطعنا ووضعنا في القدور وغلت علينا والنار تحتها لا نبالي فقال له يا بني لا تعجل أما يسرك أنه لا يأتي على أبيك يوم إلا ويميت فيه بدعة ويحيي سنة؟ هذا هو المهم، أن يميت كل يوم بدعة ويحيي كل يوم سنة، أما أن يقول أتدرج ولا يتدرج، هذا لا يجوز هذه شروط الإصلاح، أما مجالات الإصلاح أيها الأخوة فهي الحياة كلها، الحياة كلها محتاجة إلى إصلاح، التعليم محتاج إلى إصلاح، بحيث لا يخرج الإنسان الذي يصم ويحفظ ولا يفهم إنما يخرج الإنسان الواعي الفاهم، نريد تعليماً حقيقياً، الإعلام محتاج إصلاح بحيث لا يفسد الإعلام ما يصلحه المنبر، متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟ السياسة تحتاج إلى إصلاح، وأول ما تحتاج إليه السياسة إشاعة الحرية بين الناس، أنا أرى أن الأمر الأول الذي يحتاج إليه السوريون في مجتمعهم هو توطيد الحرية، الحريات العامة أن يستطيع الإنسان أن يختار من يمثله في البرلمان ويستطيع أن يقول الحق إذا رآه وأن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر دون أن تأتي كلاب الصيد فتتخطفه في منتصف الليل وتذهب به إلى حيث لا يعلم أحد أين هو، هذا هو الخطر، الحرية السياسة هي أول ما يحتاج إليه الناس.
والاصلاحات الحقيقية يجب ان ترفض وباصرار الدساتير التي تجعل ذات الحاكم مقدسة ومصونة وترفض مناقشة قرارته ومراسيمه وتجعله فوق الخطأ والمحاسبة، فهذا الطرح تشترك في رفضه القاطع وفى رده احكام الاسلام وقوانين الديمقراطيات المعاصرة والحس الانساني السليم.
هناك الإصلاح الاقتصادي،والتي تعني تنمية الإنتاج وعدالة التوزيع وترشيد الاستهلاك وسلامة التداول،الإصلاح الاقتصادي يعني أن توزع الثروة بالعدل والقسطاس بين الناس وليس العدل أن يتساوى الجميع ولكن أن تتاح فرص متكافئة للجميع، وأن يأخذ كل ذي حق حقه.
فإنه لمن الفساد العطيم ان يحتل الكثير من رجالات الدولة المراكز الاولى في قوائم الاثرى في العالم، فيما تحتل دولهم ومواطنيهم المراتب الدنيا في التنمية الاقتصادية وفي بعض الاحايين في الوضع المعيشي على المستوى الشعبي العام.
وعلى الرغم من بداهة الاجابة على التساؤل الذي يدور حول مصادر الثروة والثراء لهؤلاء القيادات واتباعهم المحسوبين عليهم فإن هذا التساؤل يجب ان يطرح وباستمرار عندما يدور الحديث حول الاصلاح او الاحوال الاقتصادية العامة.
إن الاصلاح بأي صيغة يقتضي ان يكون العابثون بالمال العام والناهبون لها خلف القضبان لا ان يبقوا على سدة الحكم او في دوائر المسؤولية وصنع القرار ليزيدوا الوضع العام سوءا وترديا.
إن الذين يتجاوزون على ثوابت الامة واخلاقياتها ليس لهم بحال من الاحوال ان يكونوا على سدة الحكم او يديروا احوالها.
وإذا كان الاسلام قد منع السفيه من ادارة امواله الخاصة وحكم بالحجر عليها، فما الواجب اذا تجاه بعض من السفهاء والذين يعبثون باموال الامة ومقدراتها، في حين يعاني فيه الكثير من عموم الشعب من الفقر والفاقه والعوز والبؤس؟ وفيما تهدر اموال الامة في العبث واللهو او تكدس في ارصدة بنوك غربية نجد ان ما ينفق على البحث العلمي والباحثين يكاد يكون صفرا، فلا يجد الباحث مكانا في وطنه فتهاجر العقول السورية والتي لا تجد ترحيبا ولا تشجيعا من دولتها الثرية والتي ترحب بالراقصين والراقصات فيما هي تتلطخ في قيعان الجهل وتكتفي على المستوى الاقتصادي العالمي بدور المستهلك الخمول.
كما ان الحديث عن الاصلاح يستدعى الحديث عن إصلاح اجتماعي وإصلاح أخلاقي وإصلاح الفساد الاخلاقي والذي ينخر الطبقة الحاكمة في الدولة.
نريد أن نبدأ الإصلاح في هذه المجالات، وان لايتوقف إصلاح في مجال على إصلاح في مجال آخر، كل هذه المجالات قابلة لأن نبدأ فيها متوازية ومتكاملة، حتى نستطيع أن نصل إلى المجتمع الصالح الذي ننشئه ومن خلال هذه المجتمعات ننشئ أمة صالحة تقوم بدورها في هداية العالم، وكشعب يحمل مشروع شام شريف إن الرضا والقبول بالاصلاحات الصورية والهامشية تحت مسميات مختلفة من قبيل التدرج او الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي المفقود ابتداء او تحت عناويين درء الاخطار الخارجية سيكون خطأً فادحا وسيؤدي الى اطالة اعمار الرجال البائسين في النطام.
الجماعات والاحزاب الخائنة والتي ترضى بالتنازل عن الحقوق الاساسية للمواطن في المشاركة الكاملة وغير المنقوصة سياسيا وان يتمتع بالحرية في التعبير والتغيير ستكون بمثابة شاهد الزور المستحق للتأثيم والتنديد.
إن الاصلاح والذين نحن في حاجة ماسة له في سوريا يجب ان يكون صادقا وواضحا وان يعمل عمله في الاورام السرطانية المنتشرة في كيان الامة وعقلها وقلبها.
اما ان تكون الحركات الاصلاحية شاهد زور على ديكورات اصلاحية تهدف في نهاية المطاف اطالة اعمار رجالات تُجسد الفساد وتقترن بالانهيار والتداعي في جميع مناحي الحياة سياسيا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا فإن تلك الحركات والجماعات تحتاج بدورها الى الاصلاح الجذري واعادة تشكيل عقولها المفكرة وقياداتها المدبرة.
إن ظاهرة الفساد في بلادنا قد انتشرت انتشار واسعاً حتى غدا تلقي الرشوة أمراً عادياً وعرفاً سائداً ناهيك عن الطرق والقنوات التي تتعلق بقضايا التنمية والبناء والعقود والادارة إن إنتشار ظاهرة الفساد واتساع دائرة ممارسيها يجعل من التصدي لها مهمه وطنية من الدرجة الاولة يجب أن يضطلع بها أبناء الوطن جميعاً بغض النظر عن إنتماءاتهم السياسية والعرقية والدينية إن إستئصال ظاهرة الفساد في بلادنا تحتاج الى مناخات ديمقراطية ورقابة شعبية وتوفير الحرية للمواطن لتتكون لديه الجرأة والصراحة في الاشارة الى مواطن الفساد وهنا يجب ان تضطلع وسائل الاعلام المقروءه والمسموعة والمرئية بدورها الوطني ليس في كشف مواطن الفساد فحسب بل وفي فضح الفاسدين والمفسدين وتعريتهم وفضحهم والتشهير بهم حتى يسقطوا اجتماعيا ويجب مساءلة الفاسدين الذين نهبوا البلاد في المراحل السابقة ومحاسبتهم لاسترجاع مال الشعب من ارصدتهم واليوم تنصب أمام المجتمع السوري مهمه وطنية كبرى ألا وهي مكافحة الفساد وسيتوقف على كيفية حل هذه المهمة مصير البلاد وطنياً واجتماعياً واقتصادياً لانه أصبح من المستحيل حل أية قضية وطنية دون اجتثاث الفساد من جذوره .
حيث يبين تطور الاوضاع في بلادنا أن هناك حالة إستعصاء شاملة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي أدت عملياً الى مراوحة وجمود في مواجهة جميع القضايا الاساسية التي تواجه المجتمع والاقتصاد الوطني من موضوع معالجة البطاله الى موضوع تدني مستوى معيشة الشعب التي تراجعت رغم زيادات الاجور بسبب ارتفاع الاسعار الى موضوع إنخفاض الاستثمار في الاقتصاد الوطني وصولاً الى ملف الحياة السياسية في البلاد المتعلق بالحريات السياسية وقانون الاحزاب وقانون الانتخابات كل هذه القضايا يقف النهب والفساد حاجزاً منيعاً في طريق حلها وقد أدى ذلك الى حالة تعب ويأس اجتماعي مع مايحمله ذلك من خطر إبعاد الجماهير الشعبية عن ساحات الفعل السياسي الحقيقي وواضح ان قوى الفساد التي تقوم بنهب الاقتصاد الوطني ليس لها أية مصلحة في تحقيق أي تقدم على أية جبهة من جبهات القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ومنذ صدور القانون رقم /10 لعام 1991 المعروف بقانون الاستثمار عقد العديد من المؤتمرات واللقاءات مع رجال اعمال سورين وعرب وأجانب وأعلن عن إصلاح إقتصادي ثم إصلاح إداري وصدرت العديد من التشريعات والانظمة والتعليمات كل ذلك إصطدم بمعوقات تقف في وجه التوسع في الاستثمار سواء الوطني أم العربي أو الاجنبي واهم هذه المعوقات الروتين والبيروقراطية التي هي صفه طاغية على اجهزة الدولة إلا أن الأهم من ذلك مسألة الفساد الجاسم على صدر المجتمع والدولة معاً لايعيق الاستثمار فحسب بل يعيق التنمية ويرفع كلفتها ويضعف الدولة ويقلل من هيبتها واصبح المستثمر العربي أو الاجنبي عندما يريد التوجه الى سورية بهدف الاستثمار أول مايسأل عن الفساد ومفاتيحه وعن رجال الاعمال المحلين اصحاب النفوذ والخطوة الذين يستطيعون تحرير الصفقات بسهولة ويسر ان سوريا اليوم بحاجة الى اصلاحات سياسية حقيقية تنبعث من حكوماتها باحترام التعددية السياسية, واحترام حقوق الانسان وتأصيل حالة العقلنة ولغة الحوار والعمل السياسي السلمي بمبدأ اللاعنف من أجل التوصل الى حلول ناجعة بين الشعب والحركات والقوى السياسية, وهذا لا يأتي الا بأن تخطوا الحكومة خطوات حثيثة صادقة وجادة نحو الاصلاحات السياسية واحترام ارادة شعبها وتعميق الديمقراطية باحترام الرأي الآخر وان ربط الاصلاح السياسي بالاصلاح الاقتصادي هو الخيار المطلوب للدولة وأن يكون اختيار المسؤولين للمناصب العليا بالكفاءة والتخصص والخبرة والتاريخ الأكاديمي والتاريخ الناصع للرجال الشرفاء المخلصين من أبناء الوطن , وليس لمجرد الحظوة والقرابة والمحسوبية والحزبية أسأل الله أن ينير لنا الطريق ويهدينا سواء السبيل وأن يصلحنا ويصلح بنا ويهدينا ويهدي بنا ويخرجنا من الظلمات إلى النور إنه سميع قريب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم وادعوه يستجب لكم.
————–
* (ألقيت هذه الخطبة من قبل فضيلة الشيخ المناضل مرشد الخزنوي نجل الشهيد الخالد معشوق الخزنوي من على منبر جامع العلامة الشهيد معشوق الخزنوي بحي حلكو بقامشلو بتاريخ 1472006)