إلى كل المختفين قسرياً في وطني إلى أمجد عثمان

  محي الدين عيسو

يشكل الاختفاء القسري حالة فريدة في الدول التي تحترم المواثيق الدولية وتراعي حقوق الإنسان وتصونه عبر القوانين والدساتير المصانة بحكم قوة القانون، وليس بحكم حالة الطوارئ والأحكام العرفية كما هي الحال في دولة مثل سوريا يختفي فيها المواطن بين ليلة وضحاها، دون أن تكلف السلطات المختصة خاطرها في البحث عنه أو كشف أسباب اختفاءه، وربما يبقى ذاك المواطن في الفروع الأمنية لشهور أو سنوات يتعرض فيها لكافة أشكال التعذيب الجسدي والنفسي دون تقديمه إلى محاكمة تتوفر فيها معايير المحاكمة العادلةٍ، وعائلته تعيش في كابوس حقيقي لحين خروجه من ذاك الجحيم.
وتعتبر المنظمات الدولية إن الاختفاء القسري هو حرمان شخص أو أشخاص من حريته أو حريتهم – أياً ما كانت – يرتكبه موظفو الدولة أو أشخاص أو مجموعات من الأشخاص الذين يعملون بتقويض أو تأييد أو موافقة الدولة، ويتبع ذلك انعدام المعلومات أو رفض الاعتراف بذلك الحرمان من الحرية، أو رفض إعطاء المعلومات عن مكان ذلك الشخص، ومن ثم إعاقة لجوئه إلى الوسائل القانونية واجبة التطبيق والضمانات الإجرائية.
ويحدث الاختفاء القسري إذا ما قُبض على شخص أو احتُجز أو اختُطف على أيدي عناصر تابعة للدولة أو تعمل لحساب الدولة، ثم تنفي الدولة بعد ذلك أن الشخص محتجز لديها أو لا تفصح عن مكانه، مما يجعله خارج نطاق الحماية التي يوفرها القانون، وكثيراً ما يختفي أشخاص ولا يُطلق سراحهم على الإطلاق، ومن ثم يظل مصيرهم في طي المجهول، وقد لا يعرف الأقارب والأصدقاء ما حدث لهؤلاء الأشخاص.
وهذا ما حدث مع المواطن أمجد عبد الرحمن عثمان من أهالي منطقة القامشلي (شمال شرق سورية) عندما اختفي عن الأنظار بينما كان يقوم بتسيير معاملاته في قبو دائرة الهجرة والجوازات في محافظة الحسكة بتاريخ 17/5/2009  وما زال مصيره مجهولا حتى هذه اللحظة، وأمجد عثمان هو المعيل الوحيد لأسرته المؤلفة من ستة أشخاص يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة.
فعند زيارة منزل الصديق أمجد نلاحظ أن الحياة عند العائلة قد توقفت لحظة اختفاءه أو ربما اعتقاله وأن والدته التي يشاع النور من وجهها الملائكي قد كرست جلّ حياتها من أجل تربية أبنائها على حب الوطن والإخلاص لقضية الإنسان التي لا تعلوها قضية تنتظر بفارغ الصبر خروج أبنها البكر الذي كبر قبل أوانه وحمل مسؤولية عائلته دون أن يقدر هؤلاء الذين قاموا بإخفائه/ اعتقاله الظروف التي تمر بها تلك العائلة، فالانتقال من مرحلة استخدام الوسائل القمعية كالاختفاء القسري إلى مرحلة التعامل الإنساني مع المواطن تحتاج فقط إلى مراجعة الذات والإحساس بالمواطن كإنسان من لحم ودم، تعاني جميع أفراد عائلته من القهر والحرمان.


إن من قاموا بإخفاء أمجد عثمان لا يملكون أي شرعية، ويكرسون ثقافة القمع والظلم والفساد غايتهم تحويل المواطن إلى دجاجة تخاف من ظلها، ونحن لا نرغب إلا أن يكون وطننا واحة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان يسود فيه العدل وسيادة القانون، من خلال حرية إبداء الرأي في كل المواضيع السياسية والثقافية والاجتماعية، حتى نرتقي بمجتمعنا إلى مصاف الدول المتقدمة والتي يكون فيها المواطن سيداً لا عبداً، يتمتع بكامل الحصانة القانونية.

 
كثرت في الجزيرة السورية في الآونة الأخيرة حالات الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي بحق كل من يتحدث بالشأن العام، ويطالب بحقوقه المسلوبة، وحتى الذين يحاولون الحديث عن غلاء الأسعار وضعف مستوى المعيشة والهجرة غير الطبيعة تحاول بعض الجهات الضغط عليهم وتمنعهم من مجرد التفكير بواقعهم الأليم.

 
على كل حال لا يجب علينا أن نرضخ للأمر الواقع، بل يجب أن نرفع الصوت عالياً من أجل المطالبة بالكشف عن مصير كل المختفين قسرياً لتعم الفرحة والابتسامة على وجوه الأمهات اللواتي ينتظرن أبنائهن بفارغ الصبر، وعلى السلطات المختصة أن تصغي لكل هؤلاء المختفين وأهلهم وأقاربهم حتى يكون وطننا وطن الحرية وحقوق الإنسان لا وطن السجون والاختفاء القسري.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…