وهم حان وقت الخروج منه

زيور العمر

بعد أن عجزت الأحزاب الكردية عن إيصال مشروع الرؤية السياسية المشتركة الى بر الآمان , الذي كان مخططا ً له أن يصبح المظلة السياسية للمرجعية الكردية الموحدة.

و بعد إنقضاء فصول و مشاهد  من الإتهامات المتبادلة بين جميع الأطراف حول سبب عدم تحقيقها , و محاولة كل طرف تحميل المسؤولية لجهة أو جهات أخرى , تستعد  مجموعة أحزاب كردية لإطلاق مارثون جديد من المباحثات و المناقشات حول تأسيس إطار سياسي جديد .

غياب أحزاب كالوحدة الديمقراطي الكردي و الديمقراطي التقدمي , إيحاء للجمهور على أن الخلاف محصور بين المجموعة الأولى ,  و ببن هذين الحزبين , بل ان إعلان الأولى عن نيتها البحث عن سبل توحيد صفوفها هو من قبيل تحميل عبد الحميد درويش و إسماعيل العمو مسؤولية إخفاق مشروع المرجعية السياسية الكردية برمتها.
و بالرغم من إن تلك الإتهامات تحمل في طياتها الحقيقة , إلا أنها لا تمثل كل الحقيقة , و ربما تشكل الحقيقة كلها نسف لكل الإدعاءات من دون إستثناء .

فالتحالف الكردي تزعزع و إنهار على خلفية إتهام البعض للبعض الأخر على حصة كل طرف من الكعكة , اي من حيث توزيع المسؤوليات و المناصب سواء في التحالف نفسه , او في إعلان دمشق , و لم يكن هناك أي حديث عن خلاف سياسي من نوع ما .

و عندما دب الخلاف بين القوى و الأحزاب التي شاركت في صياغة الرؤية المشتركة حول إعلان الرؤية أو عدم الإعلان , لم يقل نصر الدين إبراهيم , و لا محمد موسى أن سبب رفض عبد الحميد درويش لإعلان الرؤية المشتركة هو بسبب تحفظات على بعض النقاظ  السياسية الواردة فيها , و إنما إكتفوا تحت إلحاح المتسائلين عن الجهة التي تمنع نشر الرؤية المشتركة بذكر عبد الحميد درويش بدعم من إسماعيل العمو .


و الأنكى من كل ذلك أن جميع الأحزاب , بإستثناء يكيتي و تيار المستقبل , رفضت المضي في مسألة تاسيس المرجعية الكردية في سوريا دون مشاركة الجميع , أي مشاركة الوحدة و التقدمي ايضا ً .

و الأسئلة التي نعتبرها مشروعة الآن , هي ما الذي تغير و تبدل حتى يختفي ذلك الرفض و التحفظ , و يبدأوا بالحديث عن إمكانية تحقيق تقارب فيما بينهم , و بدون مشاركة درويش و العمو ؟ و لماذا لم يمضوا في المرجعية السياسية الموحدة علما ً أن الرؤية السياسية المشتركة كانت قد صيغت بالفعل , و هي التي تشكل المرحلة الأهم و الأصعب في بناء أي إطار سياسي ؟ و هل سيعيدون البحث من جديد في كل شئ و مناقشة كل شئ ؟
المعطيات الأولى تشير الى تكرار المشاهد نفسها , مع تغيير بعض الخطوات.

في تجربة المرجعية تسلسل العمل على الشكل التالي : الإتفاق السياسي أولا , قبل الوصول الى الإتفاق حول شكل التنظيم و توزيع المهام , أما الآن فالآية مقلوبة : قبل الحديث عن الإتفاق السياسي , بدأوا في الحديث عن القيادة العليا , أي هل ستتشكل من أمناء عام الأحزاب , و إعتبارها القيادة السياسية , ام من خلال الإتفاق على شكل أخر ؟ و إذا تم الإتفاق على تشكيل القيادة السياسية , فمن سيكون الناطق الرسمي يإسمها ؟ هل سيكون بصفة دائمة , أم يتناوب الرؤساء على قيادتها ؟
إذا , الإشكالية هي أن هذه الأحزاب تصر على التحاور و التبازر على أرض مزروعة بالألغام .

في كل لحظة يوشك لغم أو قنبلة على الإنفجار , فينسف كل من حوله .

فكل نقطة اثرناها تشكل لغماً , و هي كثيرة , بحجم التناقضات و الإختلافات بين هذه الأحزاب .
و من خلال معرفتنا بهذه الأحزاب و طبيعة قياداتها , ندرك أن أنها لن تجتاز الحقل الملغم بسلام , بل أنها ستفعل كل ما في وسعها حتى ينفجر لغم , و تتطاير شظاياها , كي تقتل و تجرح و تفض الشمل .
فالمشروع الوحدوي بدأ بهدف شمل الجميع في بوتقة مرجعية سياسية تمثيلية للشعب الكردي , كما أدعوا .

و عندما عجزوا قالوا أن أطرافاً تعرقل التقارب الكردي و تحاول بكل الوسائل الإبقاء على حالة الضعف و الإنقسام و التفكك مهيمنا ً على قدر الكرد في سوريا .

هاهم الآن سبعة أو ثماني أحزاب تحاول تشكيل إطار سياسي أخر , و عندما يفشلوا سيكرروا نفس الإسطوانة و لكن بعد أن يضيعوا المزيد من الوقت و يلهوننا بالمزيد من المهاترات و السخافات .
حان الوقت للخروج من الوهم الذي سيطر علينا لعقود من الزمن .

هذه الأحزاب غير قادرة على إمتلاك إرادة القرار السياسي المستقل , و تحمل مسؤولية قيادة شعب , و ما علينا سوى القبول بهذه الحقيقة و تقبل الواقع كما هو , و ليس كما نتمناه , فليس بالأمنيات تتحرر الشعوب , و تتحقق أهدافها , و إنما من خلال التضحيات و نكران الذات و إعلاء راية مصلحة الشعب فوق كل الإعتبارات  .
28/05/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد فتحي خليل*   لم تكن الثورة السورية مجرّد احتجاج شعبي ضد استبداد عمره عقود، بل كانت انفجاراً سياسياً واجتماعياً لأمة ظلت مقموعة تحت قبضة حكم الفرد الواحد منذ ولادة الدولة الحديثة. فمنذ تأسيس الجمهورية السورية بعد الاستقلال عام 1946، سُلب القرار من يد الشعب وتحوّلت الدولة إلى حلبة صراع بين الانقلابات والنخب العسكرية، قبل أن يستقر الحكم بيد…

بوتان زيباري   في خضم هذا العصر المضطرب، حيث تتداخل الخطوط بين السيادة والخضوع، وبين الاستقلال والتبعية، تطفو على السطح أسئلة وجودية تُقلب موازين السياسة وتكشف عن تناقضاتها. فهل يمكن لدولة أن تحافظ على قرارها السيادي بين فكي كماشة القوى العظمى؟ وهل تُصنع القرارات في العواصم الصاعدة أم تُفرض من مراكز النفوذ العالمية؟ هذه التساؤلات ليست مجرد تنظير فلسفي،…

د. محمود عباس   لا يزال بعض الكتّاب العنصريين، ولا سيما أولئك الذين يختبئون خلف أسماء مستعارة، يتسكّعون في فضاءات بعض المواقع العربية، لا ليُغنوا النقاش ولا ليُثروا الحوار، بل ليُفسدوه بسموم مأجورة، تعيد إنتاج خطابٍ مريض يستهدف الكورد، هويتهم، وقضيتهم، بلهجةٍ مشبعة بروح بعثية أو طورانية حينًا، وبخطابٍ ديني شوفيني متكلّس حينًا آخر. هؤلاء لا يهاجمون فكرًا ولا يناقشون…

علي شمدين مع سماعنا للتصريحات الإيجابية التي أدلت بها، بعد انتظار طويل، رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا، بات الطريق مفتوحاً أمام انعقاد المؤتمر الكردي في سوريا، الذي سوف تشارك فيه أوسع قاعدة جماهيرية، وينبثق عنه موقف كردي موحد ووفد مشترك يمثل مختلف أطراف الحركة الكردية في سوريا. لا نريد العودة إلى أسباب هذا التأخير والتي كادت أن تفوت هذه…