حتى أنت يا بروتوس…

ديـــار ســـليمان

تذكرت وأنا أتابع حملة التخوين والتكفير ضد الحكيم والتي يظهـر وكأنها كانت معدة سابقآ ومبرمجة تنتظر الشرارة، تذكرت عملية إغتيال يوليوس قيصر من قبل مجلس السناتو في روما، وأقصد هنا تحديدآ عملية القتـل التي كان موضوعها قيصر الإنسان وليس الشخصية العسكرية صاحب التاريخ المثير للجدل، ومع إختلاف كل شئ تقريبآ إلا أن قراءة بعض العناوين التي جاءت بحجة الرد على المقال ـ الشرارة (التصعيد ضد الكورد..

لماذا؟) قد إستحضر مشهد الإغتيال الدامي بقـوة.

فقد كان القيصر المصاب بالذهول يكتشف وهو يتوجه كل مرة من أحد زملاءه بعد أن يتلقى طعنة منه الى آخر طلبآ للحماية، كان يكتشف مـرارة الغـدر بعد أن يبادره الأخير بخنجره أيضآ، وهكذا بعد أن تلقى جسده الطعنات من معظمهم توجـه الى أقرب أصدقاءه (بروتوس) عله يجد في حضنه مـلاذآ أو يغمض عينيه بين يديه بهدوء، ولكن الطعنة القاتلة جاءت من صديقه الوفي، حينها أطلق جملته الشهيرة: حتى أنت يا بروتوس..

إذآ فأسقط يا قيصر.

وخـرَّ صريعآ.
فمقال (التصعيد ضد الكورد..) قد أصبح مثل البئر، ولكنه جف تمامآ من كثرة ما أُدليت فيه من دلاء وكل يستخدم نصيبه حسب ذوقه بعد أن يضيف إليه ويغير طعمته ولونه، ومع ذلك لم  تتوقف عمليات الحفـر بحثآ عن قطرة هنا أوهناك ليقوم بعضهم بإضافة مواد كيميائية إليها تساعدهم في صنع الفقاعات واللعب بها.
وكأن البعض قد حصل من جماعة الأخوان المسلمين على (وعد بيانون) الذي يتضمن الإعتراف بحق تقرير المصير للأمة الكوردية ووعدآ بإنشاء وطن قومي للكورد، لا بل كأن الجماعة كانت في طور تقسيم سوريا ورسم حدود الإقليم الكوردي على سنة الله ورسوله فجاء المقال العتيد ليمزق الوعد ولينسف العملية من أساسها.

يا جماعة، لا أستطيع في هذا المقام سوى أن أبارك لكم مجـددآ ظهور موضوع جديد تنقسمون حوله، الحكم أفضل لنا من الأخوان أم الأخوان أفضل من الحكم؟ أي هل الأفضل قتلنا ضمن الأطر القانونية وطمرنا عشوئيآ في التراب أم ذبحنا ذبحـآ إسلاميآ حلالآ زلالآ ووجهنا بإتجاه القبلة، ومع أن الأثنين ـالحكم وأخوانه ـ وجهان لعملة واحدة، وللدلالة على ذلك لا بد من ذكر مجزرة مدينة حماة التي نفذتها السلطة آنذاك وبالمقابل مجزرة مدرسة المدفعية بحلب التي نفذها الأخوان، ومع أن المقال يتحدث عن ظرف تاريخي وقفت فيه سوريا كلها ـ ومنهم الكوردـ سياسيآ من أقصاها الى أقصاها، غصبآ عنها أو برضاها مع الحكم بإعتبار ظروفه الذاتية والإقليمية والدولية، إلا أن البعض نتيجة إكتواءهم بنار السلطة راحوا يستعيرون من الرمضاء بالنار، فأخذوا يتباكون على دولة طالبان التي كانت حينها في طور التشييد في سوريا، ولعل من أغبى ما قرأت في هذا الصدد ما ذكره أحدهم: (صحيح ان الاخوان ادركوا لاحقا و لكن بعد فوات الاوان ان عدم تقاربهم من الحركه و الشارع الكردي قبل قيامهم بتمردهم المسلح قد افقدهم ملاذا كرديا في شمال البلاد لو تم توظيفه من قبلهم لمنحوا تمردهم زمنا اطول وكان ممكنا قلب الموازين ولكن لم يستفيدوا ولم يمهدوا لذلك)، يعني لو حدث التوظيف الذي يتحدث عنه هذا لكان خلاف الناجيـن منا الآن هو حول وجود أو عدم وجود مدينة أسمها قامشلو قبل ثمانينات القرن الماضي، وكان المرسوم 49 الأخوانجي سيشملنا أيضآ ولن تصدر نسخته الكوردية.

  
وعودة الى محاولة الإغتيال السياسي التي يتعرض لها سكرتير البارتي، وكأن البعض يحاول أن يشطب عن عمد الكثير من مواقف الرجل ومنها مثلآ توجهه مع رفاقه في نوفمبر من العام الماضي الى قلب دمشق وهم يضعون دمائهم على أكفهم للاحتجاج على المرسوم العنصري 49، لا وإقناعنا بأنهم أستقبلوا بالأحضان والقبلات من قبل الحكم، لذلك فالأفضل لإحفاد بروتوس الذين تتلبسهم الخطيئة من رؤوسهم حتى أقدامهم توفير حجارتهم لإنفسهم، فالبارتي لن يسقط وسكرتير البارتي لن يسقط.

23.05.2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…