جان كورد
21.07.2006
في منتصف ثمانينات القرن الماضي عقدت الجمعية الكوردية المرخصة “ اتحاد الأكراد السوريين” في مدينة بون التي كانت وقتئذ عاصمة جمهورية ألمانيا الفيدرالية مؤتمرها الدوري وغيرت اسمها إلى “الاتحاد الديموقراطي لكوردستان سوريا” بموافقة الأغلبية الساحقة لأعضائها الحاضرين في المؤتمروكانوا يزيدون عن 70% من أعضائها المنتشرين في سائر أنحاء ألمانيا الغربية ( أكثرمن 100 عضو).
وأتذكر أن المؤتمر قد انتهى مساءً ، وكان على اللجنة المنتخبة أن تعقد اجتماعاً لدي في البيت ليتم تحضيرالبروتوكول الواجب تقديمه إلى المحكمة المختصة في المدينة في اليوم التالي حسب الأصول المرعية.
وعلمت بعد ذلك من بعض الأصدقاء أن أحد الأعضاء قد لاحقني بسيارته المرسيدس ليصدمني بها ، كما أنه لدى مصادفتنا، أنا وأحد أعضاء الهيئة الإدارية الجديدة ونحن في طريقنا إلى الكاتب بالعدل لتسليمه البروتوكول، قد هددنا في الشارع العام وشتمنا نحن الاثنين بأقذع الكلمات وهو يرينا طرفاً من مسدس مدسوس وراء حزام بنطاله، مما أثارغيظنا وحدث شجار مؤسف بيننا…وكان السبب الوحيد في ذلك هو تغيير إسم الجمعية كما اعترف في اجتماع لاحق، حيث طرد على أثر ذلك من الجمعية.
وكان يؤكد بأنه لاتوجد كوردستان في سوريا ولايحق لأحد الادعاء بذلك… ومنذ ذلك اليوم أدرك العديد من الأصدقاء بأن صفوفنا الكوردية مخترقة حتى على مستوى الجمعيات الثقافية – الاجتماعية في المهاجرمن قبل النظام البعثي السوري إلى درجة مخيفة حقاً…
وكان لي شرف كتابة أول نداء يدعو إلى احياء بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا في تموز عام 1999، حيث تشكلت بعد لقاءات ومنشورات واتصالات ومناقشات في 14/6/2000 اللجنة التحضيرية لاعادة إحياء الحزب الأول الذي تأسس في عام 1956-1957 وضم ممثلي سائر فئات وطبقات الشعب الكوردي في غرب كوردستان، والمعروف حتى الآن ب”الحزب الأم“.
في المؤتمرالأول للبارتي الديموقراطي الكوردستاني – سوريا اعتذرت عن ترشيح نفسي للجنة القيادية “المركزية” رغم إلحاح الرفاق الذين عملت معهم لمدة 6 سنوات متتالية في تفاهم وانسجام ، وذلك إيماناً مني بأن التقدم صوب الديموقراطية يتطلب منا قبل كل شيء أن نؤمن بها ونطبقها على أنفسنا ونفسح المجال لغيرنا من الأجيال الشابة لكي يدفعوا بالسفينة إلى عرض البحر صوب تحقيق هدفها، دون أن نتخلى عن المساهمة في عملها وفي تطويرها وتسييرها بقوة ومساعدتهم في ذلك.
واليوم نرى عدداً من المنظمات والأحزاب والحركات والجماعات والشخصيات الوطنية تقر بوجود “كوردستان سوريا” أو “غرب كوردستان” أو “الاقليم الكوردستاني في سوريا“…
منها : الحزب الليبرالي الكوردستاني – سوريا ، حركة الحقيقة الكوردستانية – سوريا، وكذلك حزبا “يكيتي” و”آزادي” اللذين ينصان على “كوردستانية القضية” في منهجهما….أي أن محاولات البعث التي استمرت أكثر من 40 سنة للقضاء على المصطلحات الكوردستانية في سوريا قد باءت بالفشل، ولم يتمكن النظام الدكتاتوري الحاكم في دمشق من شطب “كوردستانية” الحركة الوطنية الكوردية من أدبياتها رغم القهر والقسر والإكراه والمشاريع التعريبية الرهيبة…
طبعاً هذا لم يكن سهلاً، وأتذكر أن كاتباً كوردياً مرموقاً وسياسياً عريقاً من الرعيل الأول اتصل بي قبل (3) سنوات بعد أن أرسلنا له مجلة “صوت كوردستان” التي كانت اللجنة القيادية لبارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا تصدرها، وراح يستغرب ويشجب فكرة تسمية تنظيمينا بهذا الإسم ، لأن ذلك – على حد قوله- سيؤثر سلباً في العلاقات الأخوية العربية – الكوردية… إلا أنه بعد فترة ليست طويلة من تلك المشاحنة الساخنة قد عدل عن قوله وشرع يدافع في كتاباته ومقابلاته التلفزيونية عن ضرورة الاعلان عن “كوردستانية” الحركة الكوردية في سوريا لتسود الصراحة علاقة الكورد بالعرب، ولتظهر الحقائق التاريخية، بعد أن كادت تخمد وتختفي من أدبيات الحركة الوطنية الكوردية “السورية”.
طبعاً، الاقرار بوجود اقليم “كوردستان سوريا” خطوة متقدمة وجيدة وصحية في الحركة السياسية الكوردية، ساهمت فيه عدة أمور هامة:
– التغيير الكبير في ميزان القوى العالمية وبخاصة بعد العمليات الإرهابية في 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية…
-الانتصارات الكبيرة التي تحققت للأمة الكوردية في اقليم جنوب كوردستان، وبخاصة بعد ازالة نظام البعث اليميني في العراق، وتثبيت الفيدرالية في الدستور العراقي…
– حدوث انتفاضة 12 آذار 2004 المجيدة في غرب كوردستان والتي رسمت بشكل واضح خريطة كوردية مخضبة بالدم في شمال سوريا، بات يشعر بوجودها حتى النظام نفسه، بل ويعترف بأخطائه تجاهها دون الاقدام على اجراء حل جذري عادل للقضية.
– التطورات المذهلة التي نجمت في المنطقة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري وما تلا ذلك من أحداث متتالية أظهرت ضعف النظام السوري وتنامي المعارضة الديموقراطية والوطنية السورية وتفهم جيد لبعض أطرافها للقضية الكوردية على أنها قضية “أرض وشعب” وليست مجرد قضية “هويات منتزعة” من المواطنين…
ولكن لابد من التساؤل عن السبب الكامن وراء هذه الفوضى في انتشار التنظيمات الصغيرة التي تنمو كالفطر حول الحركة الوطنية الكوردية أو داخلها أو بدون علمها و مشورة زعمائها… وبرأيي إن هذا التنامي السريع – وإن دل على اهتمام بالسياسة والديموقراطية والحرية- إنما يعكس ضعف الحركة الوطنية الكوردية التي لم تتمكن من قراءة الواقع الذي تعيشه فتعيد النظر في برامجها ومناهجها وتجري التحولات الضرورية اللازمة فيها لتقطع الطريق على نمو وانتشارهذه الأنواع المختلفة من الفطرالتي لابد وأن يكون بينها السام كما هناك النافع أيضاً… أي أن الحركة قد غطت في نوم عميق ولم تحرك ساكناً رغم التطور المذهل للأوضاع الدولية والاقليمية والكوردية خلال السنوات القليلة الماضية…
وحيث أن ليست هناك إشارات توحي بأن الحركة على طريق اليقظة والقيام من أجل ممارسة واجبها الملح في هذا المجال، فإن من الضروري على هذه الكتل والمنظمات والأحزاب والشخصيات والحركات، إن كانت حقاً مؤمنة بالعمل الكوردستاني في عرب كوردستان، أن تلتقي على قاعدة معينة ونقاط محددة ومبادىء أساسية وتحقق فيما بينها تحالفاً أو جبهةً أو وحدة متينة لبناء بيت كوردي جديد يتسع للجميع ويحمل مواصفات جديدة وبألوان زاهية جذابة، بيت للديموقراطية وللحرية وللتلاقي والتفاهم والتعاون بين مختلف الأطراف من أجل تحقيق هدفين أساسيين: الديموقراطية والفيدرالية لسوريا وتحقيق الحق القومي الدستوري لشعب كوردستان سوريا ضمن سوريا الحديثة هذه….
وإلا فإن تعدد التنظيمات وكثرتها دون وضوح في الرؤية وتنسيق بين الذين لايختلفون في كثير من نقاط المناهج والبرامج ليس إلا “فوضى حزبية” تضر ولا تنفع، تزيد من السلبيات وتقلل من الايجابيات ولا تنفع “كوردستانية” القضية في شيء…
لقد حان الأوان لأن نوجد إطاراً تنظيمياً متقدماً من هذه القوى الكوردستانية يكون ملائماً للعمل الكوردستاني – السوري، وإلا فلن يكون هذا التطور في مصلحة الكوردستانيين، وسيدفع بالمعادين لهذا الاتجاه إلى التشدق أمام الجماهير بأن النوم في أحضان بيت العنكبوت خير من اثارة مشاكل “كوردستانية” لاتعود على الحركة إلا بمزيد من الانشقاقات والفطور والقشور…..
ندائي هذا إلى كل الكوردستانيين المؤمنين بضرورة تقوية العمل الكوردستاني ليساعدونا في ذلك ويدعموا جهودنا بقوة من أجل وحدة القوى الكوردستانية في غرب كوردستان…