آرام كيلو
العقلية العشائرية ببعدها التحليلي وبدوافعها وآلياتها التركيبية والتفكيكية هي الطابع المميز للعقل الشرق الأوسطي في هذه المرحلة الهامة من تاريخ المنطقة , وهذا ليس عيباً أو إنتقاصاً من قيمة العقل الشرق الأوسطي في تصديه لقراءة تاريخه أو واقعه أو أفاقه المستقبلية, بقدر ما هو توصيف موضوعي للواقع, يحاول الإحاطة به من جميع جوانبه ووضع اليد على الدوافع الحقيقية التي تدفع العقل إلى صياغة أسئلته بطريقة معينة وبناء تصوراته واستنتاج أجوبته بصورة دراماتيكية تستمد يقينيتها من افتراضات لا تمت إلى الواقع بصلة إلا في ذهنه المتورم بأحقاد وراثية تغذي نفسها من إخفاقاته المتكررة
العقلية العشائرية ببعدها التحليلي وبدوافعها وآلياتها التركيبية والتفكيكية هي الطابع المميز للعقل الشرق الأوسطي في هذه المرحلة الهامة من تاريخ المنطقة , وهذا ليس عيباً أو إنتقاصاً من قيمة العقل الشرق الأوسطي في تصديه لقراءة تاريخه أو واقعه أو أفاقه المستقبلية, بقدر ما هو توصيف موضوعي للواقع, يحاول الإحاطة به من جميع جوانبه ووضع اليد على الدوافع الحقيقية التي تدفع العقل إلى صياغة أسئلته بطريقة معينة وبناء تصوراته واستنتاج أجوبته بصورة دراماتيكية تستمد يقينيتها من افتراضات لا تمت إلى الواقع بصلة إلا في ذهنه المتورم بأحقاد وراثية تغذي نفسها من إخفاقاته المتكررة
وهذه الحالة أقرب ما تكون إلى العصاب في علم النفس ولكنها تختلف عنها في نقطة مفصلية ، ففي حالة العصاب يجعل المريض نفسه موضع الشفقة من الآخرين انتقاما منهم , بينما في حالة العصاب العشائري يسعى المريض إلى إيذاء الآخرين دون مبرر والمبرر الوحيد والحقيقي هو شعوره بتفوق الآخرين عليه ونجاحهم فيما أخفق هو فيه ، أقول شعوره لأن تصوراته غالباً ما تكون مبنية على أوهام أي أن سبب حقده يكون فشله في تحقيق ذاته وليس تفوق الآخرين , والذنب الوحيد المرتكب من قبل الآخر المتفوق هو أنه يذكر المريض بإخفاقاته , الآخر هو سبب إحساسه بالفشل , نجاح الآخر مهما كان نوعه يقض مضجعه يسبب له أرقاً يحرك مكونات (الهو) فتخرق دفاعات الأنا الأعلى حسب تعبير فرويد لتعلن عن نفسها وتجهر بما تم كبته لسنوات طويلة لأسباب يعلمها هو وحده.
هذه المقدمة كانت ضرورية لكي نفهم ما كتبه السيد زيور العمر في مقاله المعنون ( فوبيا الأسئلة المشروعة) والذي نشره على موقع ولاتي مه ومواقع أخرى.
وهنا لا أريد مصادرة حق السيد زيور في توجيه النقد إلى مسيرة الحركة الكوردية ورموزها وقراءتها قراءة نقدية والإشارة إلى مواضع الخلل والثغرات التي أصبحت جزءاً من النسيج العضوي لبناء الحركة , وهذا ليس حقاً فقط , بل لا أراه إلا واجبا على كل مثقف ومهتم بالشأن العام ومن يجد في نفسه القدرة المعرفية والسياسية على مناقشة مسار الشأن السياسي الكوردي .
لأن أحد أسباب تخلف الخطاب السياسي الكوردي في جانبه المعرفي هو غياب النقد المعرفي المنهجي الموضوعي الذي يستفز العقول الخامدة لتجاوز حالتها الراهنة.
طيلة أكثر من نصف قرن لم يستطع المجتمع الثقافي والسياسي الكوردي أن يفرز خطاباً نقدياً محمولاً بالهم المعرفي.
النقد الذي ظهر في الفكر السياسي الكوردي اتسم بنفس سمات الحركة الحزبية الكوردية وحمل أمراض الحركة في بنيته وهذه الأمراض تتفاوت في ظهورها بين الناقد والآخر حسب امتلاكه لأدوات التفكير النقدي وبعده عن المواقف المسبقة مهما كان نوعها ,وهناك ثلاثة أنواع من النقد حسب وجهة نظري في التاريخ السياسي الكوردي :
1ـ النوع الأول انطلق من مواقع أيديولوجية بحتة وطرح قراءته الأيديولوجية من خلف عباءة الناقد واستثمر عباءة الناقد في النيل من الخصوم والإشارة إلى الثغرات والنواقص التي تكتنف خطابهم السياسي في سبيل استثمارها في طرح رؤيته الأيديولوجية لذلك كان النقد سلاحاً يستخدم وقت الحاجة ولخدمة طرف سياسي على حساب آخر , وهؤلاء يتمثلون بالفئة التي تدعوا نفسها بالمستقلين ويتجمعون حول بعض الأحزاب ويتحركون بإشارة من صاحب القرار .
2ـ الفئة الثانية تتمثل في بعض المثقفين الذين يتعالون على الحركة الحزبية الكوردية ويطلون عليها من برجهم العاجي ، ويحصرون مهمة المثقف والناقد بالإشارة إلى الثغرات والنواقص باستخدام المعايير المطلقة المتجاوزة للزمان والمكان , ولا يجهدون أنفسهم بالبحث عن النموذج الأمثل الذي ينتمي إلى بنية المنطقة الزمانية والمكانية أو تحديد الآليات القادرة على تبيئ أي فكرة مع الحفاظ على قدرتها على إعادة إنتاج ذاتها في مناخاتها الجديدة .
3 ـ الفئة الثالثة فئة مرضية تلتقي مع الفئة الأولى في الشق الأول من رؤيتها في النظر إلى النقد باعتباره أداة هدم الآخر مع اختلاف الأسباب والدوافع فهذه الفئة لا تمتلك رؤية سياسية متمايزة ولا خطاً سياسياً محدداً ، ولا تعتمد على تحليل الخطاب السياسي المطروح ، ولا بسبب اختلافه مع توجهات هذا التنظيم أو ذاك ، عند هذه الفئة تحديداً يتمظهر الجانب ألتقهقري في بنية العقل الكوردي حقيقة، حيث يبرز على السطح الدافع الاجتماعي ولا يقصد هنا النزاع الطبقي إنما الأحقاد العشائرية التي حملتها الذاكرة الوراثية والتي قد تمتد إلى مئات من السنين لكنها أصبحت جزءاً من بنيته الجينية , وتشكل عنده دافعاً لا شعورياً تلزمه باتخاذ المواقف من الشخصيات التي تثير هذا الجزء في منطقة اللاشعور وهنا قد تكون شخصية معينة هدفاً له ، فقط لأنه يتشابه في صفة من صفاته مع من لعب دوراً سلبياً في حياة أحد أسلافه ، وحتى التشابه قد يكون وهمياً لأن التعرف من خلال الذاكرة الجينية قد يشوبه التحوير لأن العقل البشري يمارس فاعلية ما من خلال عملية الحفظ و والإدراك.
أنا أرى أن ما كتبه الأستاذ زيور العمر يندرج في إطار الفئة الثالثة التي ذكرتها أنفاً ، وأرجو أن يسمح لي الأستاذ زيور العمر أن أقرأ ما كتبه في مقاله من زاويتي الخاصة خصوصاً وأن الرجل من أصحاب فتح ألأفاق أمام طرح الأسئلة وتجاوز فوبيا الأسئلة .
نبدأ مع المقدمة التي انطلق منها إذ يقول :
(دون أن يسأل المرء , أو يتساءل لماذا أختطف , و أعتقل , و حوكم ؟ أهو بسبب أفكاره و مواقفه و تحركاته ؟ أم لأسباب أخرى , ربما تكون مجهولة لا نعرفها , أم أننا نعرفها , و نمتنع عن ذكرها , لنحيط مشعل و اعتقاله بهالة من الوطنية و المشروعية السياسية التي تضمنها , عادة , واقع البلاد المبتلي بنظام شمولي , همجي , يتصرف في كثير من الأحيان , أو في أغلبها خارج المنطق و المعقولية السياسية.) الأستاذ زيور يثير الشكوك حول أسباب اعتقال المعارض مشعل التمو ويستنكر الصدى الذي تركه اعتقال التمو في أوساط الشعب الكوردي ويعتبر عدم عقلانية ومنطقية السلطة وطبيعة النظام الأمني تضمن تمتع المعارضين والسجناء السياسيين بهالة من الوطنية.
أشير هنا إلى اتفاق المعارض مشعل التمو مع السيد زيور في الشك في الأسباب الحقيقية التي تقف خلف عملية اعتقاله وعبر عنه بشكل صريح عندما طلب الخبرة اللغوية للتدقيق في صحة مبررات الاتهامات الموجهة إليه ، لكن المحكمة رفضت الطلب ولو كان هناك أسباب أخرى لم تذكرها المحكمة لما أصر مشعل التمو وألح على إفراغ التهم من موجباتها ولخشي فضح أمره.
ثانياً : أعتقد أنه يجب أن نترفع عن ذواتنا قليلاً ولا ننظر إلى الأمور من خلال العقد الشخصية .
الوطنية تضمنها مواقفنا ورؤانا وتوجهاتنا الفكرية والثقافية والسياسية ، الوطنية تصنع صناعة من خلال أفعالنا وأقوالنا وأسلوب تعبيرنا عن ذواتنا الوطنية قد تكلف المواطن حياته وسنوات عمره كما هو حاصل مع المناضل مشعل التمو ومصطفى جمعة وفداء حوراني ورياض سيف والشهيد سليمان الدادلي عضو البرلمان السوري السابق ولائحة أسماء مناضلي الشعب السوري بكل مكوناته تطول وأعجز عن تعدادها ولا يمكن للسيد زيور أن يجردهم من الوطنية .
من ناحية أخرى يبدو أن وعي السيد زيور لمفهوم الوطنية مشوه ، فمتى كانت الأنظمة الهمجية واللامنطقية وخارج المعقولية السياسية تضمن الوطنية ، المتعارف عليه عكس ما ذكر تماماً الوطنية كمفهوم وممارسة عملية مرتبط بمفهوم المواطن الذي هو ضحية الهمجية واللامنطقية .
النظام هنا يسلب الوطنية والإنسانية والكرامة , والنظام القمعي بطبيعته يسلب ولا يمنح , والأنظمة القمعية على مدار العالم تسببت في الحروب الأهلية بين مكونات البلد الواحد وتسببت في تقسيم الأوطان وتشتتها والأمثلة كثيرة في أوروبا الشرقية وأفريقيا وأسيا .
أعتقد أن الجانب الشخصي الحاضر بقوة في قراءة السيد زيور لمحاكمة معتقل الرأي المهندس مشعل التمو هو ألذي أوقعه في هذا الخطأ المعرفي وأجبره على أن يعمم أحكامه على الحركة ككل في سبيل إدانة التمو (لماذا يعتقل مشعل التمو , و حتى باقي مسؤولي و قيادات الأحزاب الكردية في سوريا بصفة خاصة , في ظل غياب أي خطر أو تهديد من قبلهم على النظام القائم) أنا أستغرب أن يطرح هذا السؤال من قبل من يجد في نفسه الأهلية الفكرية والسياسية لكي يقرأ تاريخ الحركة الكوردية قراءة نقدية ثم يفاجئك بسؤال من هذا المستوى ، لا أقصد الإهانه لكن هذه الصياغة تعطي مؤشراً عن حجم وعمق التخلف في بناء الخطاب السياسي لدى بعض من يعتبرون أنفسهم نخباً.
سأحاول أن أجاوب على سؤالك الصعب جداً (وأرجو أن يسعفني عقلي ولا يخذلني): السؤال حول اعتقال المعارض مشعل التمو, أشير هنا إلى أن الكاتب حتى يعتم على البعد الشخصي لموقفه فإنه يضطر دائماً أن يسحب كلامه على الحركة ككل بطريقة لا تنطلي على تلميذ في الثالث الابتدائي .
نبقى مع لماذا مع أنه لا يشكل خطراً، هنا أرغب في الإشارة إلى نقطة هامة وهي كلاسيكية وعي الكاتب للسياسة عموماً وللمفاهيم السياسية خصوصاً وتأثره الواضح بثقافة البعث سواء في طريقة صياغة أسئلته أو في إسقاطه البعد الدلالي على بعض المفاهيم وإن لم يكن موفقاً في تحديد مساحات للمفاهيم .
أيضا حضور نظرية المؤامرة وطغيانها على فكره وقلمه.
يبدو مفهوم الخطورة ملتبساً لدى الأستاذ زيور ، ماذا يقصد بالخطر ومتى تكون الأحزاب الكوردية مصدراً للخطر ، هل يجب أن تصل بأحجامها التنظيمية إلى حجم محدد حتى تشكل خطراً على النظام , أم أن مصدر الخطورة يكمن في القدرة على صياغة رؤية متكاملة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتصدى لمشكلات المجتمع وتقدم بديلاً ولو من الناحية النظرية للمنظومة التي استند عليها البعث في ديمومة حكمه طوال العقود الماضية .
اتفق هنا معه أن الأحزاب السورية عامة فشلت في أن تشكل بديلاً افتراضياً للسلطة وهذه الحقيقة لا ينكرها أحد وليس بدعة ولا اكتشافاً من السيد زيور .
ولكن ليس هذه الحقيقة التي ينتظر من السيد زيور أن يطرحها كان يفترض به يشير إلى السبب الذي وقف عائقاً أمام تشكل المعارضة القادرة على طرح هموم البلاد ومشاكلها, و يبدو أن صديقنا عاجز حتى عن استيعاب سلوك الأجهزة الأمنية ، الأجهزة الأمنية لن تنتظر حتى تشكل المعارضة خطراً على النظام بل تتعامل مع المجتمع من منطلق درهم الوقاية خير من قنطار العلاج, ويتم محاسبة الناس على أفكارهم ونياتهم ويتم إجهاض أي مشروع في مراحله الجنينية الأولى .
و لا ينتقص من قيمة الأحزاب الكوردية أنها لم تشكل خطراً على النظام في عملها السياسي فتقديم البديل للسلطة مهمة وطنية عامة تتجاوز إطار الأحزاب الكوردية ، تحتاج إلى مناخات دولية ووطنية وإقليمية وهي لم تتوفر في الحالة السورية إلى هذه اللحظة .
لكن هل يعني هذا أن يقف الشعب وينتظر ساعة الفرج ، أم يجب أن يعبر عن رؤاه وأفكاره بشتى الطرق ، ومن هذه الروئ تتولد الإرهاصات الأولية للبديل الديمقراطي العصري وهذه مهمة السيد زيور كما هي مهمة مشعل التمو .
نعود إلى السؤال الفوبي الذي طرحه صديقنا زيور لماذا يعتقل رغم أنه لا يشكل خطرا ً؟ لو تجاوز السيد زيور الجانب الشخصي ودرس الأسس والمبادئ التي طرحها تيار المستقبل لما طرح سؤاله ، تيار المستقبل أعلن موقعه في الخارطة السياسية السورية منذ التأسيس ، وحسم خياراته بطريقة قطعية ، وأكد بأن السلطة بطبيعة بنائها الراهن عاجزة تماماً أن تفرز أي حل للقضايا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والقضية الكوردي , لذلك طالب مراراً بالتغيير الديمقراطي السلمي وطرح هيكلية تنظيمية جديدة ، صياغة القرار السياسي يتم فيه بآلية ديمقراطية ، وتتوزع فيه مراكز صنع القرار ، ويحظر على أي شخص أن يكون في أكثر من موقع بصفة قيادية ، هذه الهيكلية وتعدد مراكز صنع القرار ، وفرت الأجواء والمناخات المناسبة لنمو حالة سياسية سليمة إلى حد ما ، وتتيح تجاوز إشكالات كثيرة تعرضت لها الأحزاب الكوردية عبر مسيرتها النضالية الطويلة ، وهذه الحالة تتناقض مع النظرية اللينينة في التنظيم ومع منهج السلطة في جعل المعارضة مختلفة معها شكلاً ومتوافقة معها مضموناً .
البناء التنظيمي لتيار المستقبل قضى على فكرة الرجل الأوحد , والزعيم الأبدي , والمناضل مشعل التمو كان ناطقاً باسم التيار ولم يكن رئيساً له ، ولكن الرجل تحرك ضمن المساحة المخصصة له بكل جرأة وشجاعة ، ولم يتعدى صلاحيات أي موقع أخر.
(و انفصل عن حزبه بسبب النقاش في قيادة الحزب……و ليس بسبب خلاف سياسي أو أيديولوجي , و لا بسبب محطات في تاريخ صلاح تحوم حولها الشكوك و القال و القيل …) ترك الحزب وليس انفصل , فمشعل التمو لم ينشق عن حزبه ويشكل جماعة جديدة كما يريد الكاتب أن يوحي إلى القارئ بل ترك الحزب ولم يسعى إلى تشكيل تكتل جديد رغم أنه كان بموقع يؤهله لذلك.النقاش في قيادة الحزب حول ماذا عزيزي ؟ ألم تكن حول قضايا ووجهات النظر المختلفة ، الكل يحلل وينظر إلى الأمور من زاويته الخاصة ، ألا تصل الخلافات أحياناً حداً يتحتم على المختلفين الافتراق .
هذه النقاشات لن تكن كافية لمغادرة المهندس مشعل التمو صفوف حزبه بنظر السيد زيور ما دام مشعل لم يتعرض لتاريخ صلاح (لمصلحة من عزيزي زيور تريد عرض تاريخ الاستاذ صلاح ؟) هل كان يفترض بمشعل أن يكيل التهم والسباب والشتائم لـ صلاح حتى يقتنع السيد زيور بمبررات التمو وما علاقة هذا الموضوع بأسئلته الفوبية (و استفاد مشعل من تخبط الأحزاب الكردية قيل أحداث و إنتفاضة 12 آذار 2004 , ووظف ملكاته الكتابية و مهاراته الخطابية في إعتلاء موجة الإعلام في ذلك الوقت, من خلال العلاقات و الإتصالات المكثفة التي كان يجريها مع وسائل الأعلام من جرائد و تلفزيونات و مواقع مهمة على الإنترنت , الأمر الذي أمن له موقعاً في المشهد السياسي و الثقافي الكردي , لا يقل وزنا ً و قيمة , من باقي رموز الأحزاب الكردية الأخرى.)
مشعل التمو كان عضواً في لجان احياء المجتمع المدني قبل تأسيس تيار المستقبل وشخصية سياسية معروفة في الوسط الثقافي والسياسي الكوردي والعربي ، وبالتالي كان رمزاً وشخصية قيادية قبل وبعد انتفاضة آذار ، لكن السيد زيور المشبع بثقافة البعث و نظرية المؤامرة ، أجاز لنفسه أن يحكم على النيات , وهنا حقيقة تجاوز الرجل العقل الأمني الذي حكم على مشعل وبقية قادة الحركة الكوردية ، مشعل لم يكن صادقاً فيما يقوله ولم يكن يعني ما يقوله ، إنما يستغل عواطف الناس وتوجهاتهم لتحقيق مكاسب سياسية وركب الموجة ، هذا ما يريد السيد زيور أن يوحي به للقارئ (المثقفين الكرد التي تهويهم ترف النقاشات الفكرية و النظرية) في أي خانة يجد السيد زيور نفسه ، المثقفين تهويهم نقاشات فكرية ونظرية ، وترك تتمة العبارة للقارئ , يريد أن يوحي بأن المثقف غير مهتم بمصلحة الوطن وهموم المواطن ولا يحمل هاجساً قومياً .
فقط السيد زيور حامل لواء القضية الكوردية في ربوع أوروبا والأحزاب وقادة الحركة مشكوك فيهم إلى يوم الدين ، أليس توجيه هذا الاتهام إلى المثقفين الكورد يحتاج إلى تحليل دقيق ووقفة مطولة مع الإحاطة بكل الظروف المحيطة بهذه القضية أليس شكل الاتهام دليل على الاستهتار ، وأن الكاتب يكتب من أجل الكتابة فقط ويستغل الحدث لكي يؤكد على وجوده واستمراره (بدأ مشعل بالتفكير في تأسيس جماعة سياسية خاصة به , تختلف شكلاً عن الأحزاب الكردية , وتتطابق مضموناً معها) السيد زيور لست قاضياً والتاريخ سيحكم على تيار المستقبل إن كان مجرد رقم جديد أم أنه تأسيس لمرحلة جديدة تختلف عن المراحل السابقة شكلاً ومضموناً (إلا أن إبن رئيس العشيرة , و نزعة الإستفراد و التميز التي تربى عليها , جعله يصطدم مع الكثير من رفاقه و زملاءه في تيار المستقبل الكردي , باعتبار أنه لم يكن مجرد ناطق بإسم التيار فحسب , و إنما حاول أن يهيمن على كل شئ داخل جماعته .) هنا مربط الفرس عزيزي زيور ، هل لديك موقف من العشيرة كبناء اجتماعي وطريقة التفكير وصياغة الأحكام ، أم أن لديك ردة فعل تجاه مرحلة تاريخية، لأنك أنت ومن يمثلك من أسلافك لم يحتل موقعاً معيناً في تلك الآونة .
حقيقة , العشائرية والعقل العشائري يتجلى بشكل واضح وصريح في طريقة وأسلوب تناول السيد زيور للحكم الجائر الصادر بحق مشعل التمو ، فهو لا يستطيع أن يتنكر للطابع العشائري المهيمن عليه ، لكن مشكلته مع مشعل هي أنه ابن رئيس العشيرة كما يقول ، والحل برأي سيكون بترشيح جد زيور لرئاسة العشيرة غيابياً وبذلك تنتهي مشكلة زيور ، ويتعامل مع التمو كمواطن من حقه أن يعبر عن رأيه في الحياة السياسية وأن يجتهد في معالجة مشاكل المجتمع السياسية والاجتماعية .
وهل ابن رئيس العشيرة تهمة يا سيدي هل ممنوع عليه ممارسة السياسة , ألم يحن الآوان لكي نجري المصالحة بين من يجد نفسه ابناً للجارية وابن رئيس العشيرة (السطور السابقة كانت ضرورية للإشارة إلى قضيتين أساسيتين , تتغيب عن النقاش و البحث في شؤون السياسة الكردية في سوريا .
أولا لا بد من التأكيد مجدداً أن الأحزاب الكردية في سوريا , ليست في حالة , يمكن أن تشكل من خلالها خطراً على النظام و أسس حكمه على الإطلاق .
و التذكير برأي عبرت عنه في السابق , مفاده أن النظام لجأ في مناسبات عدة و أوقات سابقة إلى اعتقال مسئولي الأحزاب الكردية , ليس من منطلق معاقبتهم , أو لجم تحركاتهم , أو إجهاض مشاريعهم السياسية و الميدانية , و هو لا يرى فيهم صورة الخصم و لا خيال المعارضين الذين يستطيعون أن يهددوا معاقله , و إنما قام بذلك من أجل رفع شؤونهم , و تلميع صورهم , و تحسين أرصدتهم التي شحت في الشارع الكردي و بين الجمهور) .
نعم ممكن سيدي ، لكن لا يجوز التعميم في مثل هذه الحالات فالتعميم ليست لغة المثقفين , وإبداع التهم وفبركتها لمناضلي الشعب الكوردي القابعين في أقبية السجون السورية لا يخدم فضية الشعب الكوردي ، فما هكذا تورد الإبل عزيزي زيور .
فمشعل كان من أنصار أن ما يحدد حجم ورصيد أي تيار سياسي في الشلرع الكوردي ليس حجم التضحيات بل توفر ممكنات الإنجاز في مشروعه السياسي ، وبالتالي انجاز الممكن وتسهيل المستحيل بتوفير وتهيئة مقدماته هو الأساس الذي كان الرجل يسعى إلى تقديمه.
من زاوية أخرى اعتقال مشعل تم في إطار حملة شملت عدداً من أعضاء مكتب العلاقات العامة بدأت مع خليل حسين ونعسان شيخ أحمد وأيضاً عمران السيد ’ إذاً الحملة كانت تستهدف إجهاض مشروع تيار المستقبل ولم تبدأ لا بمشعل ولم تنتهي به وأنصار التيار إلى الآن يستدعون إلى الفروع الأمنية ويتعرضون لمختلف الضغوطا (مشعل التمو تم إعتقاله ليس بسبب أفكاره و مواقفه و تحركاته , و إنما بسبب الإتصالات التي أجرى معه عبد الحليم خدام أو المحسوبين على جبهة الخلاص الوطني المعارضة , التي يعتبرها النظام قوى سياسية خارج نطاق سيطرتها الأمنية).
هذه المقدمة كانت ضرورية لكي نفهم ما كتبه السيد زيور العمر في مقاله المعنون ( فوبيا الأسئلة المشروعة) والذي نشره على موقع ولاتي مه ومواقع أخرى.
وهنا لا أريد مصادرة حق السيد زيور في توجيه النقد إلى مسيرة الحركة الكوردية ورموزها وقراءتها قراءة نقدية والإشارة إلى مواضع الخلل والثغرات التي أصبحت جزءاً من النسيج العضوي لبناء الحركة , وهذا ليس حقاً فقط , بل لا أراه إلا واجبا على كل مثقف ومهتم بالشأن العام ومن يجد في نفسه القدرة المعرفية والسياسية على مناقشة مسار الشأن السياسي الكوردي .
لأن أحد أسباب تخلف الخطاب السياسي الكوردي في جانبه المعرفي هو غياب النقد المعرفي المنهجي الموضوعي الذي يستفز العقول الخامدة لتجاوز حالتها الراهنة.
طيلة أكثر من نصف قرن لم يستطع المجتمع الثقافي والسياسي الكوردي أن يفرز خطاباً نقدياً محمولاً بالهم المعرفي.
النقد الذي ظهر في الفكر السياسي الكوردي اتسم بنفس سمات الحركة الحزبية الكوردية وحمل أمراض الحركة في بنيته وهذه الأمراض تتفاوت في ظهورها بين الناقد والآخر حسب امتلاكه لأدوات التفكير النقدي وبعده عن المواقف المسبقة مهما كان نوعها ,وهناك ثلاثة أنواع من النقد حسب وجهة نظري في التاريخ السياسي الكوردي :
1ـ النوع الأول انطلق من مواقع أيديولوجية بحتة وطرح قراءته الأيديولوجية من خلف عباءة الناقد واستثمر عباءة الناقد في النيل من الخصوم والإشارة إلى الثغرات والنواقص التي تكتنف خطابهم السياسي في سبيل استثمارها في طرح رؤيته الأيديولوجية لذلك كان النقد سلاحاً يستخدم وقت الحاجة ولخدمة طرف سياسي على حساب آخر , وهؤلاء يتمثلون بالفئة التي تدعوا نفسها بالمستقلين ويتجمعون حول بعض الأحزاب ويتحركون بإشارة من صاحب القرار .
2ـ الفئة الثانية تتمثل في بعض المثقفين الذين يتعالون على الحركة الحزبية الكوردية ويطلون عليها من برجهم العاجي ، ويحصرون مهمة المثقف والناقد بالإشارة إلى الثغرات والنواقص باستخدام المعايير المطلقة المتجاوزة للزمان والمكان , ولا يجهدون أنفسهم بالبحث عن النموذج الأمثل الذي ينتمي إلى بنية المنطقة الزمانية والمكانية أو تحديد الآليات القادرة على تبيئ أي فكرة مع الحفاظ على قدرتها على إعادة إنتاج ذاتها في مناخاتها الجديدة .
3 ـ الفئة الثالثة فئة مرضية تلتقي مع الفئة الأولى في الشق الأول من رؤيتها في النظر إلى النقد باعتباره أداة هدم الآخر مع اختلاف الأسباب والدوافع فهذه الفئة لا تمتلك رؤية سياسية متمايزة ولا خطاً سياسياً محدداً ، ولا تعتمد على تحليل الخطاب السياسي المطروح ، ولا بسبب اختلافه مع توجهات هذا التنظيم أو ذاك ، عند هذه الفئة تحديداً يتمظهر الجانب ألتقهقري في بنية العقل الكوردي حقيقة، حيث يبرز على السطح الدافع الاجتماعي ولا يقصد هنا النزاع الطبقي إنما الأحقاد العشائرية التي حملتها الذاكرة الوراثية والتي قد تمتد إلى مئات من السنين لكنها أصبحت جزءاً من بنيته الجينية , وتشكل عنده دافعاً لا شعورياً تلزمه باتخاذ المواقف من الشخصيات التي تثير هذا الجزء في منطقة اللاشعور وهنا قد تكون شخصية معينة هدفاً له ، فقط لأنه يتشابه في صفة من صفاته مع من لعب دوراً سلبياً في حياة أحد أسلافه ، وحتى التشابه قد يكون وهمياً لأن التعرف من خلال الذاكرة الجينية قد يشوبه التحوير لأن العقل البشري يمارس فاعلية ما من خلال عملية الحفظ و والإدراك.
أنا أرى أن ما كتبه الأستاذ زيور العمر يندرج في إطار الفئة الثالثة التي ذكرتها أنفاً ، وأرجو أن يسمح لي الأستاذ زيور العمر أن أقرأ ما كتبه في مقاله من زاويتي الخاصة خصوصاً وأن الرجل من أصحاب فتح ألأفاق أمام طرح الأسئلة وتجاوز فوبيا الأسئلة .
نبدأ مع المقدمة التي انطلق منها إذ يقول :
(دون أن يسأل المرء , أو يتساءل لماذا أختطف , و أعتقل , و حوكم ؟ أهو بسبب أفكاره و مواقفه و تحركاته ؟ أم لأسباب أخرى , ربما تكون مجهولة لا نعرفها , أم أننا نعرفها , و نمتنع عن ذكرها , لنحيط مشعل و اعتقاله بهالة من الوطنية و المشروعية السياسية التي تضمنها , عادة , واقع البلاد المبتلي بنظام شمولي , همجي , يتصرف في كثير من الأحيان , أو في أغلبها خارج المنطق و المعقولية السياسية.) الأستاذ زيور يثير الشكوك حول أسباب اعتقال المعارض مشعل التمو ويستنكر الصدى الذي تركه اعتقال التمو في أوساط الشعب الكوردي ويعتبر عدم عقلانية ومنطقية السلطة وطبيعة النظام الأمني تضمن تمتع المعارضين والسجناء السياسيين بهالة من الوطنية.
أشير هنا إلى اتفاق المعارض مشعل التمو مع السيد زيور في الشك في الأسباب الحقيقية التي تقف خلف عملية اعتقاله وعبر عنه بشكل صريح عندما طلب الخبرة اللغوية للتدقيق في صحة مبررات الاتهامات الموجهة إليه ، لكن المحكمة رفضت الطلب ولو كان هناك أسباب أخرى لم تذكرها المحكمة لما أصر مشعل التمو وألح على إفراغ التهم من موجباتها ولخشي فضح أمره.
ثانياً : أعتقد أنه يجب أن نترفع عن ذواتنا قليلاً ولا ننظر إلى الأمور من خلال العقد الشخصية .
الوطنية تضمنها مواقفنا ورؤانا وتوجهاتنا الفكرية والثقافية والسياسية ، الوطنية تصنع صناعة من خلال أفعالنا وأقوالنا وأسلوب تعبيرنا عن ذواتنا الوطنية قد تكلف المواطن حياته وسنوات عمره كما هو حاصل مع المناضل مشعل التمو ومصطفى جمعة وفداء حوراني ورياض سيف والشهيد سليمان الدادلي عضو البرلمان السوري السابق ولائحة أسماء مناضلي الشعب السوري بكل مكوناته تطول وأعجز عن تعدادها ولا يمكن للسيد زيور أن يجردهم من الوطنية .
من ناحية أخرى يبدو أن وعي السيد زيور لمفهوم الوطنية مشوه ، فمتى كانت الأنظمة الهمجية واللامنطقية وخارج المعقولية السياسية تضمن الوطنية ، المتعارف عليه عكس ما ذكر تماماً الوطنية كمفهوم وممارسة عملية مرتبط بمفهوم المواطن الذي هو ضحية الهمجية واللامنطقية .
النظام هنا يسلب الوطنية والإنسانية والكرامة , والنظام القمعي بطبيعته يسلب ولا يمنح , والأنظمة القمعية على مدار العالم تسببت في الحروب الأهلية بين مكونات البلد الواحد وتسببت في تقسيم الأوطان وتشتتها والأمثلة كثيرة في أوروبا الشرقية وأفريقيا وأسيا .
أعتقد أن الجانب الشخصي الحاضر بقوة في قراءة السيد زيور لمحاكمة معتقل الرأي المهندس مشعل التمو هو ألذي أوقعه في هذا الخطأ المعرفي وأجبره على أن يعمم أحكامه على الحركة ككل في سبيل إدانة التمو (لماذا يعتقل مشعل التمو , و حتى باقي مسؤولي و قيادات الأحزاب الكردية في سوريا بصفة خاصة , في ظل غياب أي خطر أو تهديد من قبلهم على النظام القائم) أنا أستغرب أن يطرح هذا السؤال من قبل من يجد في نفسه الأهلية الفكرية والسياسية لكي يقرأ تاريخ الحركة الكوردية قراءة نقدية ثم يفاجئك بسؤال من هذا المستوى ، لا أقصد الإهانه لكن هذه الصياغة تعطي مؤشراً عن حجم وعمق التخلف في بناء الخطاب السياسي لدى بعض من يعتبرون أنفسهم نخباً.
سأحاول أن أجاوب على سؤالك الصعب جداً (وأرجو أن يسعفني عقلي ولا يخذلني): السؤال حول اعتقال المعارض مشعل التمو, أشير هنا إلى أن الكاتب حتى يعتم على البعد الشخصي لموقفه فإنه يضطر دائماً أن يسحب كلامه على الحركة ككل بطريقة لا تنطلي على تلميذ في الثالث الابتدائي .
نبقى مع لماذا مع أنه لا يشكل خطراً، هنا أرغب في الإشارة إلى نقطة هامة وهي كلاسيكية وعي الكاتب للسياسة عموماً وللمفاهيم السياسية خصوصاً وتأثره الواضح بثقافة البعث سواء في طريقة صياغة أسئلته أو في إسقاطه البعد الدلالي على بعض المفاهيم وإن لم يكن موفقاً في تحديد مساحات للمفاهيم .
أيضا حضور نظرية المؤامرة وطغيانها على فكره وقلمه.
يبدو مفهوم الخطورة ملتبساً لدى الأستاذ زيور ، ماذا يقصد بالخطر ومتى تكون الأحزاب الكوردية مصدراً للخطر ، هل يجب أن تصل بأحجامها التنظيمية إلى حجم محدد حتى تشكل خطراً على النظام , أم أن مصدر الخطورة يكمن في القدرة على صياغة رؤية متكاملة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتصدى لمشكلات المجتمع وتقدم بديلاً ولو من الناحية النظرية للمنظومة التي استند عليها البعث في ديمومة حكمه طوال العقود الماضية .
اتفق هنا معه أن الأحزاب السورية عامة فشلت في أن تشكل بديلاً افتراضياً للسلطة وهذه الحقيقة لا ينكرها أحد وليس بدعة ولا اكتشافاً من السيد زيور .
ولكن ليس هذه الحقيقة التي ينتظر من السيد زيور أن يطرحها كان يفترض به يشير إلى السبب الذي وقف عائقاً أمام تشكل المعارضة القادرة على طرح هموم البلاد ومشاكلها, و يبدو أن صديقنا عاجز حتى عن استيعاب سلوك الأجهزة الأمنية ، الأجهزة الأمنية لن تنتظر حتى تشكل المعارضة خطراً على النظام بل تتعامل مع المجتمع من منطلق درهم الوقاية خير من قنطار العلاج, ويتم محاسبة الناس على أفكارهم ونياتهم ويتم إجهاض أي مشروع في مراحله الجنينية الأولى .
و لا ينتقص من قيمة الأحزاب الكوردية أنها لم تشكل خطراً على النظام في عملها السياسي فتقديم البديل للسلطة مهمة وطنية عامة تتجاوز إطار الأحزاب الكوردية ، تحتاج إلى مناخات دولية ووطنية وإقليمية وهي لم تتوفر في الحالة السورية إلى هذه اللحظة .
لكن هل يعني هذا أن يقف الشعب وينتظر ساعة الفرج ، أم يجب أن يعبر عن رؤاه وأفكاره بشتى الطرق ، ومن هذه الروئ تتولد الإرهاصات الأولية للبديل الديمقراطي العصري وهذه مهمة السيد زيور كما هي مهمة مشعل التمو .
نعود إلى السؤال الفوبي الذي طرحه صديقنا زيور لماذا يعتقل رغم أنه لا يشكل خطرا ً؟ لو تجاوز السيد زيور الجانب الشخصي ودرس الأسس والمبادئ التي طرحها تيار المستقبل لما طرح سؤاله ، تيار المستقبل أعلن موقعه في الخارطة السياسية السورية منذ التأسيس ، وحسم خياراته بطريقة قطعية ، وأكد بأن السلطة بطبيعة بنائها الراهن عاجزة تماماً أن تفرز أي حل للقضايا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والقضية الكوردي , لذلك طالب مراراً بالتغيير الديمقراطي السلمي وطرح هيكلية تنظيمية جديدة ، صياغة القرار السياسي يتم فيه بآلية ديمقراطية ، وتتوزع فيه مراكز صنع القرار ، ويحظر على أي شخص أن يكون في أكثر من موقع بصفة قيادية ، هذه الهيكلية وتعدد مراكز صنع القرار ، وفرت الأجواء والمناخات المناسبة لنمو حالة سياسية سليمة إلى حد ما ، وتتيح تجاوز إشكالات كثيرة تعرضت لها الأحزاب الكوردية عبر مسيرتها النضالية الطويلة ، وهذه الحالة تتناقض مع النظرية اللينينة في التنظيم ومع منهج السلطة في جعل المعارضة مختلفة معها شكلاً ومتوافقة معها مضموناً .
البناء التنظيمي لتيار المستقبل قضى على فكرة الرجل الأوحد , والزعيم الأبدي , والمناضل مشعل التمو كان ناطقاً باسم التيار ولم يكن رئيساً له ، ولكن الرجل تحرك ضمن المساحة المخصصة له بكل جرأة وشجاعة ، ولم يتعدى صلاحيات أي موقع أخر.
(و انفصل عن حزبه بسبب النقاش في قيادة الحزب……و ليس بسبب خلاف سياسي أو أيديولوجي , و لا بسبب محطات في تاريخ صلاح تحوم حولها الشكوك و القال و القيل …) ترك الحزب وليس انفصل , فمشعل التمو لم ينشق عن حزبه ويشكل جماعة جديدة كما يريد الكاتب أن يوحي إلى القارئ بل ترك الحزب ولم يسعى إلى تشكيل تكتل جديد رغم أنه كان بموقع يؤهله لذلك.النقاش في قيادة الحزب حول ماذا عزيزي ؟ ألم تكن حول قضايا ووجهات النظر المختلفة ، الكل يحلل وينظر إلى الأمور من زاويته الخاصة ، ألا تصل الخلافات أحياناً حداً يتحتم على المختلفين الافتراق .
هذه النقاشات لن تكن كافية لمغادرة المهندس مشعل التمو صفوف حزبه بنظر السيد زيور ما دام مشعل لم يتعرض لتاريخ صلاح (لمصلحة من عزيزي زيور تريد عرض تاريخ الاستاذ صلاح ؟) هل كان يفترض بمشعل أن يكيل التهم والسباب والشتائم لـ صلاح حتى يقتنع السيد زيور بمبررات التمو وما علاقة هذا الموضوع بأسئلته الفوبية (و استفاد مشعل من تخبط الأحزاب الكردية قيل أحداث و إنتفاضة 12 آذار 2004 , ووظف ملكاته الكتابية و مهاراته الخطابية في إعتلاء موجة الإعلام في ذلك الوقت, من خلال العلاقات و الإتصالات المكثفة التي كان يجريها مع وسائل الأعلام من جرائد و تلفزيونات و مواقع مهمة على الإنترنت , الأمر الذي أمن له موقعاً في المشهد السياسي و الثقافي الكردي , لا يقل وزنا ً و قيمة , من باقي رموز الأحزاب الكردية الأخرى.)
مشعل التمو كان عضواً في لجان احياء المجتمع المدني قبل تأسيس تيار المستقبل وشخصية سياسية معروفة في الوسط الثقافي والسياسي الكوردي والعربي ، وبالتالي كان رمزاً وشخصية قيادية قبل وبعد انتفاضة آذار ، لكن السيد زيور المشبع بثقافة البعث و نظرية المؤامرة ، أجاز لنفسه أن يحكم على النيات , وهنا حقيقة تجاوز الرجل العقل الأمني الذي حكم على مشعل وبقية قادة الحركة الكوردية ، مشعل لم يكن صادقاً فيما يقوله ولم يكن يعني ما يقوله ، إنما يستغل عواطف الناس وتوجهاتهم لتحقيق مكاسب سياسية وركب الموجة ، هذا ما يريد السيد زيور أن يوحي به للقارئ (المثقفين الكرد التي تهويهم ترف النقاشات الفكرية و النظرية) في أي خانة يجد السيد زيور نفسه ، المثقفين تهويهم نقاشات فكرية ونظرية ، وترك تتمة العبارة للقارئ , يريد أن يوحي بأن المثقف غير مهتم بمصلحة الوطن وهموم المواطن ولا يحمل هاجساً قومياً .
فقط السيد زيور حامل لواء القضية الكوردية في ربوع أوروبا والأحزاب وقادة الحركة مشكوك فيهم إلى يوم الدين ، أليس توجيه هذا الاتهام إلى المثقفين الكورد يحتاج إلى تحليل دقيق ووقفة مطولة مع الإحاطة بكل الظروف المحيطة بهذه القضية أليس شكل الاتهام دليل على الاستهتار ، وأن الكاتب يكتب من أجل الكتابة فقط ويستغل الحدث لكي يؤكد على وجوده واستمراره (بدأ مشعل بالتفكير في تأسيس جماعة سياسية خاصة به , تختلف شكلاً عن الأحزاب الكردية , وتتطابق مضموناً معها) السيد زيور لست قاضياً والتاريخ سيحكم على تيار المستقبل إن كان مجرد رقم جديد أم أنه تأسيس لمرحلة جديدة تختلف عن المراحل السابقة شكلاً ومضموناً (إلا أن إبن رئيس العشيرة , و نزعة الإستفراد و التميز التي تربى عليها , جعله يصطدم مع الكثير من رفاقه و زملاءه في تيار المستقبل الكردي , باعتبار أنه لم يكن مجرد ناطق بإسم التيار فحسب , و إنما حاول أن يهيمن على كل شئ داخل جماعته .) هنا مربط الفرس عزيزي زيور ، هل لديك موقف من العشيرة كبناء اجتماعي وطريقة التفكير وصياغة الأحكام ، أم أن لديك ردة فعل تجاه مرحلة تاريخية، لأنك أنت ومن يمثلك من أسلافك لم يحتل موقعاً معيناً في تلك الآونة .
حقيقة , العشائرية والعقل العشائري يتجلى بشكل واضح وصريح في طريقة وأسلوب تناول السيد زيور للحكم الجائر الصادر بحق مشعل التمو ، فهو لا يستطيع أن يتنكر للطابع العشائري المهيمن عليه ، لكن مشكلته مع مشعل هي أنه ابن رئيس العشيرة كما يقول ، والحل برأي سيكون بترشيح جد زيور لرئاسة العشيرة غيابياً وبذلك تنتهي مشكلة زيور ، ويتعامل مع التمو كمواطن من حقه أن يعبر عن رأيه في الحياة السياسية وأن يجتهد في معالجة مشاكل المجتمع السياسية والاجتماعية .
وهل ابن رئيس العشيرة تهمة يا سيدي هل ممنوع عليه ممارسة السياسة , ألم يحن الآوان لكي نجري المصالحة بين من يجد نفسه ابناً للجارية وابن رئيس العشيرة (السطور السابقة كانت ضرورية للإشارة إلى قضيتين أساسيتين , تتغيب عن النقاش و البحث في شؤون السياسة الكردية في سوريا .
أولا لا بد من التأكيد مجدداً أن الأحزاب الكردية في سوريا , ليست في حالة , يمكن أن تشكل من خلالها خطراً على النظام و أسس حكمه على الإطلاق .
و التذكير برأي عبرت عنه في السابق , مفاده أن النظام لجأ في مناسبات عدة و أوقات سابقة إلى اعتقال مسئولي الأحزاب الكردية , ليس من منطلق معاقبتهم , أو لجم تحركاتهم , أو إجهاض مشاريعهم السياسية و الميدانية , و هو لا يرى فيهم صورة الخصم و لا خيال المعارضين الذين يستطيعون أن يهددوا معاقله , و إنما قام بذلك من أجل رفع شؤونهم , و تلميع صورهم , و تحسين أرصدتهم التي شحت في الشارع الكردي و بين الجمهور) .
نعم ممكن سيدي ، لكن لا يجوز التعميم في مثل هذه الحالات فالتعميم ليست لغة المثقفين , وإبداع التهم وفبركتها لمناضلي الشعب الكوردي القابعين في أقبية السجون السورية لا يخدم فضية الشعب الكوردي ، فما هكذا تورد الإبل عزيزي زيور .
فمشعل كان من أنصار أن ما يحدد حجم ورصيد أي تيار سياسي في الشلرع الكوردي ليس حجم التضحيات بل توفر ممكنات الإنجاز في مشروعه السياسي ، وبالتالي انجاز الممكن وتسهيل المستحيل بتوفير وتهيئة مقدماته هو الأساس الذي كان الرجل يسعى إلى تقديمه.
من زاوية أخرى اعتقال مشعل تم في إطار حملة شملت عدداً من أعضاء مكتب العلاقات العامة بدأت مع خليل حسين ونعسان شيخ أحمد وأيضاً عمران السيد ’ إذاً الحملة كانت تستهدف إجهاض مشروع تيار المستقبل ولم تبدأ لا بمشعل ولم تنتهي به وأنصار التيار إلى الآن يستدعون إلى الفروع الأمنية ويتعرضون لمختلف الضغوطا (مشعل التمو تم إعتقاله ليس بسبب أفكاره و مواقفه و تحركاته , و إنما بسبب الإتصالات التي أجرى معه عبد الحليم خدام أو المحسوبين على جبهة الخلاص الوطني المعارضة , التي يعتبرها النظام قوى سياسية خارج نطاق سيطرتها الأمنية).
أعتقد أن مجريات المحكمة كانت علنية وأجوبة الأستاذ مشعل التمو في التحقيقات البدائية في أقبية الأمن السوري تم نشرها ، وبالتالي لا يوجد ما هو مخفي عن الشعب الكوردي ، ثم لماذا يجب أن نصدق السيد زيور وهو لم يقدم دليلاً واحداً على اتهاماته ولم يشر إلى مصدر معلوماته ، ولا سيما أن موقف تيار المستقبل من جبهة الخلاص كان واضحاً منذ البداية ، ولو كان لخدام علاقة بمحاكمة التمو لكان تم الإشارة إلى ذلك في مجريات التحقيق ، لكن الكاتب يريد الإساءة إلى التمو بأي شكل لذلك يريد أن يستغل موقف الشعب الكوردي من خدام وتاريخه الأسود في حكم البلاد طوال العقود الماضية وربطه بمحاكمة التمو وتمرير اتهاماته ولو مؤقتاً , وهو مؤشر لعجز الكاتب عن أيجاد الثغرات الكافية يستطيع من خلالها أن يكيل شتائمه وسبابه.