فمشعل التمو كان في السابق عضوا ً في حزب الإتحاد الشعبي الكردي الذي كان يقوده صلاح بدر الدين , و أحد أعضاء لجنته المركزية , و إنفصل عن حزبه بسبب إقتناعه أن صلاح يهيمن على الحزب و يصادر قراراته و مواقفه و يمنع أجواء الحوار و النقاش في قيادة الحزب , أي أنه ترك الحزب بسبب سلوك صلاح بدر الدين , و ليس بسبب خلاف سياسي أو أيديولوجي , و لا بسبب محطات في تاريخ صلاح تحوم حولها الشكوك و القال و القيل .
و إستفاد مشعل من تخبط الأحزاب الكردية في أحداث و إنتفاضة 12 آذار 2004 , ووظف ملكاته الكتابية و مهاراته الخطابية في إعتلاء موجة الإعلام في ذلك الوقت , من خلال العلاقات و الإتصالات المكثفة التي كان يجريها مع وسائل الأعلام من جرائد و تلفزيونات و مواقع مهمة على الإنترنت , الأمر الذي أمن له موقعاً في المشهد السياسي و الثقافي الكردي , لا يقل وزنا ً و قيمة , من باقي رموز الأحزاب الكردية الأخرى .
عندما شعر مشعل أن أسهمه السياسية و الثقافية ترتفع , و لا سيما في صفوف المثقفين الكرد التي تهويهم ترف النقاشات الفكرية و النظرية , وأنه يمتلك كاريزمة القيادة , بدأ بالتفكير في تأسيس جماعة سياسية خاصة به , تختلف شكلاً عن الأحزاب الكردية , و تتطابق مضموناً معها .
و كعادة المثقفين الذين يشتغلون بالسياسة , حاول مشعل أن يقنع شريحة من الشباب الكرد على أن إطاره السياسي أقرب الى التحالف السياسي و الثقافي , منه الى الحزب السياسي , و على أنهم يستطيعون ممارسة قناعاتهم و مناقشة أفكارهم في إطار منظم , دون المساس بحريتهم و أختياراتهم .
إلا أن إبن رئيس العشيرة , و نزعة الإستفراد و التميز التي تربى عليها , جعله يصطدم مع الكثير من رفاقه و زملاءه في تيار المستقبل الكردي , باعتبار أنه لم يكن مجرد ناطق بإسم التيار فحسب , و إنما حاول أن يهيمن على كل شئ داخل جماعته .
و في خضم الصراعات التي إشتعلت في الساحة الكردية , و لا سيما بين الأحزاب الكردية , حول لا شيئ و كل شيئ , سعى حزب يكيتي الى إحتواء مشعل , بهدف الخروج من العزلة التي فرضتها الأحزاب الكردية عليه من جهة , و مستفيدة من حاجته (مشعل) الى أن يصبح طرفا ً معترفاً به في الخارطة السياسية الحزبوية الكردية في سوريا من جهة أخرى , فأقامت معه محورا ً سياسيا ً الى جانب حزب آزادي تحت إسم لجنة التنسيق , مع العلم أن خير الدين مراد لم يكن يخبأ إمتعاضه و تحفظاته من التعاون واالتكاتف مع مشعل و تياره .
و مع ذلك فإن لوحة التوازنات و موجبات الصراع و الخصومة السياسية بين الأحزاب الكردية , جمدت تحفظات مراد , و أجبرته على تقبل مرارة التعاون و التعامل مع مشعل التمو .
السطور السابقة كانت ضرورية للإشارة الى قضيتين أساسيتين , تتغيب عن النقاش و البحث في شؤون السياسة الكردية في سوريا .
أولا لا بد من التأكيد مجدداً أن الأحزاب الكردية في سوريا , ليست في حالة , يمكن أن تشكل من خلالها خطراً على النظام و أسس حكمه على الأطلاق .
و التذكير برأي عبرت عنه في السابق , مفاده أن النظام لجأ في مناسبات عدة و أوقات سابقة الى إعتقال مسؤولي الأحزاب الكردية , ليس من منطلق معاقبتهم , أو لجم تحركاتهم , أو إجهاض مشاريعهم السياسية و الميدانية , و هو لا يرى فيهم صورة الخصم و لا خيال المعارضين الذين يستطيعون أن يهددوا معاقله , و إنما قام بذلك من أجل رفع شؤونهم , و تلميع صورهم , و تحسين أرصدتهم التي شحت في الشارع الكردي و بين الجمهور .
التهم التي توجه الى قيادات الأحزاب الكردية , يمكن أن يحاسب المرء عليها بالإعدام , أو السجن المؤبد , و لكن ما لاحظناه , و نلاحظه على طول الخط , هو إخلاء سبيلهم بعد أشهر , دون تعذيبهم أو تجريحهم و إيذائهم, و الأنكى من كل ذلك ذلك يسمح النظام لرفاقهم و مؤازري أحزابهم إقامة المهرجانات و الإحتفاء بهم عند إخلاء سبيلهم , كما حدث مع شيخ آلي و محمد موسى و غيرهم.
أما القضية الثانية هي أن العديد من المعتقلين السياسيين الكرد جرى إعتقالهم لأسباب خارج عن سياسات أحزابهم , و عن مواقفهم الشخصية , و تحركاتهم بين الجماهير , و إنما بسبب إتصالات جرت معهم من جهات يعتبر النظام التعامل و التواصل معها خطا ً أحمراً لا يجب تجاوزه .
مشعل التمو تم إعتقاله ليس بسبب أفكاره و مواقفه و تحركاته , و إنما بسبب الإتصالات التي أجرى معه عبد الحليم خدام أو المحسوبين على جبهة الخلاص الوطني المعارضة , التي يعتبرها النظام قوى سياسية خارج نطاق سيطرتها الأمنية , و هذه حقيقة لا يجب التغاضي عنها , أو إخفاءها .
فالأحزاب الكردية في سوريا رفضت التعامل مع خدام , بسبب الفيتو الأمني السلطوي , و ليس بسبب ماضيه , و كل من حاول الإتصال معه تم التشهير به , و تصفيته من الحزب , و على ذلك أمثلة كثيرة .
مسألة مشعل التمو و باقي المعتقلين الذين تختلف ظروف إعتقالهم و أسبابها , و اللغط الذي يحوم حولها , لا يجب أن تمنعنا عن طرح الأسئلة المشروعة و مناقشتها , لأن في صميمها تختبأ العديد من القضايا المهمة و الخطيرة , و مهمة النبش فيها , مسألة في غاية الأهمية للوقوف على الحال السياسية و الحزبية و المستقبل السياسي لقضيتنا العادلة في ظل الأحزاب الراهنة .