فوبيا الأسئلة المشروعة

زيور العمر

أختطف السياسي الكردي , مشعل التمو , و أقتيد إلى أحدى فروع الأمن السورية , و بقي رهن الإعتقال , و حوكم بنيف و ثلاث سنوات , و حرمانه من حقوقه المدنية لمدة عشر سنوات , لينضم الى قافلة المعتقلين و السجناء السياسيين , دون أن يسأل المرء , أو يتساءل لماذا أختطف , و أعتقل , و حوكم ؟ أهو بسبب أفكاره و مواقفه و تحركاته ؟  أم لأسباب أخرى ,  ربما تكون مجهولة لا نعرفها , أم أننا نعرفها , و نمتنع عن ذكرها , لنحيط مشعل و إعتقاله بهالة من الوطنية و المشروعية السياسية التي تضمنها , عادة , واقع البلاد المبتلي بنظام شمولي , همجي , يتصرف في كثير من الأحيان , أو في أغلبها خارج المنطق و المعقولية السياسية.

 لماذا يعتقل مشعل التمو , و حتى باقي مسؤولي و قيادات الأحزاب الكردية في سوريا  بصفة خاصة , في ظل غياب أي خطر أو تهديد من قبلهم على النظام القائم .

فمشعل التمو كان في السابق عضوا ً في حزب الإتحاد الشعبي الكردي الذي كان يقوده صلاح بدر الدين , و أحد أعضاء لجنته المركزية , و إنفصل عن حزبه بسبب إقتناعه أن صلاح يهيمن على الحزب و يصادر قراراته و مواقفه و يمنع أجواء الحوار و النقاش في قيادة الحزب , أي أنه ترك الحزب بسبب سلوك صلاح بدر الدين , و ليس بسبب خلاف سياسي أو أيديولوجي , و لا بسبب محطات في تاريخ صلاح تحوم حولها الشكوك و القال و القيل .

و إستفاد مشعل من تخبط الأحزاب الكردية في أحداث و إنتفاضة 12 آذار 2004 , ووظف ملكاته الكتابية و مهاراته الخطابية في إعتلاء موجة الإعلام في ذلك الوقت , من خلال العلاقات و الإتصالات المكثفة التي كان يجريها مع وسائل الأعلام من جرائد و تلفزيونات و مواقع مهمة على الإنترنت , الأمر الذي أمن له موقعاً في المشهد السياسي و الثقافي الكردي , لا يقل وزنا ً و قيمة , من باقي رموز الأحزاب الكردية الأخرى .

عندما شعر مشعل أن أسهمه السياسية و الثقافية ترتفع , و لا سيما في صفوف المثقفين الكرد التي تهويهم ترف النقاشات الفكرية و النظرية , وأنه يمتلك كاريزمة القيادة , بدأ بالتفكير في تأسيس جماعة سياسية خاصة به , تختلف شكلاً عن الأحزاب الكردية , و تتطابق مضموناً معها .

و كعادة المثقفين الذين يشتغلون بالسياسة , حاول مشعل أن يقنع شريحة من الشباب الكرد على أن إطاره السياسي أقرب الى التحالف السياسي و الثقافي , منه الى الحزب السياسي , و على أنهم يستطيعون ممارسة قناعاتهم و مناقشة أفكارهم في إطار منظم , دون المساس بحريتهم و أختياراتهم .


إلا أن إبن رئيس العشيرة , و نزعة الإستفراد و التميز التي تربى عليها , جعله يصطدم مع الكثير من رفاقه و زملاءه في تيار المستقبل الكردي , باعتبار أنه لم يكن مجرد ناطق بإسم التيار فحسب , و إنما حاول أن يهيمن على كل شئ داخل جماعته .
و في خضم الصراعات التي إشتعلت في الساحة الكردية , و لا سيما بين الأحزاب الكردية , حول لا شيئ و كل شيئ , سعى حزب يكيتي الى إحتواء مشعل , بهدف الخروج من العزلة التي فرضتها الأحزاب الكردية عليه من جهة , و مستفيدة من حاجته (مشعل) الى أن يصبح طرفا ً معترفاً به في الخارطة السياسية الحزبوية الكردية في سوريا من جهة أخرى , فأقامت معه محورا ً سياسيا ً الى جانب حزب آزادي تحت إسم لجنة التنسيق , مع العلم أن خير الدين مراد لم يكن يخبأ إمتعاضه و تحفظاته من التعاون واالتكاتف مع مشعل و تياره .

و مع ذلك فإن لوحة التوازنات و موجبات الصراع و الخصومة السياسية بين الأحزاب الكردية , جمدت تحفظات مراد , و أجبرته على تقبل مرارة التعاون و التعامل مع مشعل التمو .
السطور السابقة كانت ضرورية للإشارة الى قضيتين أساسيتين , تتغيب عن النقاش و البحث في شؤون السياسة الكردية في سوريا .

أولا لا بد من التأكيد مجدداً أن الأحزاب الكردية في سوريا , ليست في حالة , يمكن أن تشكل من خلالها خطراً على النظام و أسس حكمه على الأطلاق .

و التذكير برأي عبرت عنه في السابق , مفاده أن النظام لجأ في مناسبات عدة و أوقات سابقة الى إعتقال مسؤولي الأحزاب الكردية , ليس من منطلق معاقبتهم , أو لجم تحركاتهم , أو إجهاض مشاريعهم السياسية و الميدانية , و هو لا يرى فيهم صورة الخصم و لا خيال المعارضين الذين يستطيعون أن يهددوا معاقله , و إنما قام بذلك من أجل رفع شؤونهم , و تلميع صورهم , و تحسين أرصدتهم التي شحت في الشارع الكردي و بين الجمهور .

التهم التي توجه الى قيادات الأحزاب الكردية , يمكن أن يحاسب المرء عليها بالإعدام , أو السجن المؤبد , و لكن ما لاحظناه , و نلاحظه على طول الخط , هو إخلاء سبيلهم بعد أشهر , دون تعذيبهم أو تجريحهم و إيذائهم, و الأنكى من كل ذلك ذلك يسمح النظام لرفاقهم و مؤازري أحزابهم إقامة المهرجانات و الإحتفاء بهم عند إخلاء سبيلهم , كما حدث مع شيخ آلي و محمد موسى و غيرهم.

أما القضية الثانية هي أن العديد من المعتقلين السياسيين الكرد جرى إعتقالهم لأسباب خارج عن سياسات أحزابهم , و عن مواقفهم الشخصية , و تحركاتهم بين الجماهير , و إنما بسبب إتصالات جرت معهم من جهات يعتبر النظام التعامل و التواصل معها خطا ً أحمراً لا يجب تجاوزه .

مشعل التمو تم إعتقاله ليس بسبب أفكاره و مواقفه و تحركاته , و إنما بسبب الإتصالات التي أجرى معه عبد الحليم خدام أو المحسوبين على جبهة الخلاص الوطني المعارضة , التي يعتبرها النظام قوى سياسية خارج نطاق سيطرتها الأمنية , و هذه حقيقة لا يجب التغاضي عنها , أو إخفاءها .

فالأحزاب الكردية في سوريا رفضت التعامل مع خدام , بسبب الفيتو الأمني السلطوي , و ليس بسبب ماضيه , و كل من حاول الإتصال معه تم التشهير به , و تصفيته من الحزب , و على ذلك أمثلة كثيرة .


مسألة مشعل التمو و باقي المعتقلين الذين تختلف ظروف إعتقالهم و أسبابها , و اللغط الذي يحوم حولها , لا يجب أن تمنعنا عن طرح الأسئلة المشروعة و مناقشتها , لأن في صميمها تختبأ العديد من القضايا المهمة و الخطيرة , و مهمة النبش فيها , مسألة في غاية الأهمية للوقوف على الحال السياسية و الحزبية و المستقبل السياسي لقضيتنا العادلة في ظل الأحزاب الراهنة  .

13/05/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…