هل المؤتمر القومي الكردستاني ضرورة تاريخية سياسية أم مجرد ورقة سياسية تستخدم عند الضرورة؟

  افتتاحية نشرة يكيتي *
منذ عدة سنوات ترتفع الأصوات هنا وهناك، سواء من الشخصيات المستقلة أو من بعض الفصائل الكردية، تطالب بعقد مؤتمر كردستاني يجمع كافة الفصائل الكردستانية في الأجزاء الأربعة لوضع إستراتيجية قومية موحدة لمواجهة السياسات العنصرية التي يتعرض لها الشعب الكردستاني في كافة الأجزاء.

وعلى الرغم من المحاولات المتعددة في هذا المجال، ومن عقود عدة، إلا أن جميعها باءت بالفشل لافتقارها إلى الشمولية وسيطرة ذهنية المحاور الحزبية على أجندتها، ولعد وجود أرضية سياسية قوية ترتكز عليها.
 إلا أن التطورات الإيجابية التي حصلت في كردستان العراق في السنوات الخمسة الأخيرة من تحقيق الفدرالية مدعوماً باعتراف دستوري لأول مرة في التاريخ العراقي، وانعكاس ذلك على التعامل الإقليمي مع القضية الكردستانية، وبذهنية مختلفة عما كان سائداً في القرن المنصرم، حيث كان الإنكار والتجاهل والقمع والسجون هو المسيطر في التعامل مع الموضوع الكردي، وكانت اتفاقيات الدول الأربعة التي تقتسم كردستان السياسية والأمنية منها، وبدعم مباشر وغير مباشر من القوى الدولية تجهض كل محاولة لنهوض قومي في أي جزء من كردستان
أي أننا أمام واقع جديد اليوم، حيث هناك إقليم كردستاني يدار من قبل أبنائه ومعترف به عراقياً وإقليمياً ودولياً، وهناك تفاهم مقبول بين القوى الأساسية في الإقليم (الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني)، كما أن هناك أرضية كردستانية مهيأة تماماً من جميع الأحزاب الكردستانية للتجاوب مع مؤتمر كهذا باستثناء بعض الملاحظات من PKK والتي قد تدخل في خانة المشاركة في صنع القرار الكردستاني.

كما أن هناك سعياً حثيثاً من قبل الدولتين الرئيستين اللتين تقتسمان كردستان (تركيا، إيران) في البحث عن مخرج أو حل من المأزق الكردي، وكل بطريقته الخاصة؛ فإيران تحاول الإيهام بأن الإسلام هو الحل، وبناء عليه فلا مانع لدى النظام الإيراني من إعطاء الفرصة والمجال للفعاليات الثقافية الكردية للتعبير عن نفسها، وكذلك السماح بالتعلم باللغة الكردية في المرحلة الدراسية الأولى، وافتتاح أقسام اللغة الكردية للتدريس في بعض الجامعات الإيرانية، ومنها جامعتا طهران وسنندج.

وكذلك تحذو تركيا حذوها في مجال اللغة والفلكلور، وافتتاح قناة تلفزيونية مؤخراً تحت يافطة التوجه نحو حل القضية الكردية ديمقراطياً.

كما أن الدولتين تدأبان للانفتاح على حكومة إقليم كردستان العراق بعد المعارضة الشديدة سابقاً، وهناك مجالات تجارية واسعة تأخذ مكانها في الإقليم، وهذا يبشر بترك كل ما من شأنه التدخل سلبياً في شأن إقليم كردستان، باستثناء النظام في سوريا الذي لا يزال على موقفه الرافض لمفهوم الفدرالية في العراق رغم ما نص عليه الدستور العراقي صراحة، ولا يزال منطق العداء للإقليم هو السائد، ومن خلال القرارات التي تصدرها القيادة القطرية، أو من خلال وزير الدفاع أو من خلال تلك التوجيهات الشفهية العدائية أو من خلال ممارسة القمع العاري الذي يتعرض له الشعب الكردي في سوريا من الأجهزة الأمنية المتعددة حتى وصل به الأمر لمنع احتفالية في منطقة بعيدة عن أي تجمع سكاني بمناسبة يوم الصحافة، أو تهيئة منصة احتفالية في يوم نوروز ومصادرة الأخشاب المعدة لذلك.
كل ذلك يدفعنا إلى القول بأن الأجواء الكردستانية الإقليمية مقبولة إلى حد كبير للقيام بهذه الخطوة الإستراتيجية الهامة من قبل الأحزاب الكردستانية ولن يغير الموقف السوري السلبي من المعادلة شيئاً، لأن سوريا تعتبر الحلقة الأضعف في التأثير على القرار الكردستاني أو الإقليمي.
وبناء عليه، فعلى القوى الكردستانية في الإقليم أن تستغل هذه الفرصة التاريخية، وتهيئ الأرضية المناسبة لعقد مثل هذا المؤتمر والإعداد لإستراتيجية كردستانية تأخذ ظروف كل جزء بعين الاعتبار، ودعوة جميع الفصائل الكردستانية دون استثناء للمشاركة في صنع هذه الإستراتيجية التاريخية والقرار التاريخي، وللتعامل وبموقف موحد مع جميع الدول الإقليمية المعنية بالشأن الكردي، وكذلك التعامل دولياً أيضاً.

ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فلنبدأ بالخطوة الأولى.

* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد 168 نيسان 2009 م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في خضم هذا العصر المضطرب، حيث تتداخل الخطوط بين السيادة والخضوع، وبين الاستقلال والتبعية، تطفو على السطح أسئلة وجودية تُقلب موازين السياسة وتكشف عن تناقضاتها. فهل يمكن لدولة أن تحافظ على قرارها السيادي بين فكي كماشة القوى العظمى؟ وهل تُصنع القرارات في العواصم الصاعدة أم تُفرض من مراكز النفوذ العالمية؟ هذه التساؤلات ليست مجرد تنظير فلسفي،…

د. محمود عباس   لا يزال بعض الكتّاب العنصريين، ولا سيما أولئك الذين يختبئون خلف أسماء مستعارة، يتسكّعون في فضاءات بعض المواقع العربية، لا ليُغنوا النقاش ولا ليُثروا الحوار، بل ليُفسدوه بسموم مأجورة، تعيد إنتاج خطابٍ مريض يستهدف الكورد، هويتهم، وقضيتهم، بلهجةٍ مشبعة بروح بعثية أو طورانية حينًا، وبخطابٍ ديني شوفيني متكلّس حينًا آخر. هؤلاء لا يهاجمون فكرًا ولا يناقشون…

علي شمدين مع سماعنا للتصريحات الإيجابية التي أدلت بها، بعد انتظار طويل، رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا، بات الطريق مفتوحاً أمام انعقاد المؤتمر الكردي في سوريا، الذي سوف تشارك فيه أوسع قاعدة جماهيرية، وينبثق عنه موقف كردي موحد ووفد مشترك يمثل مختلف أطراف الحركة الكردية في سوريا. لا نريد العودة إلى أسباب هذا التأخير والتي كادت أن تفوت هذه…

.. المحامي عبدالرحمن محمد   إلى السيدة.. إلهام أحمد، مسؤول العلاقات الخارجية.. وإلى كل مسؤول وقيادي حزبي كوردي في المجلس الوطني الكوردي: يرجى عدم طرح وتداول المفاهيم والمصطلحات الخاطئة في الرؤية السياسية الكوردية المرتقبة، كونها لها نتائج سلبية كارثية وخطيرة على حق تقرير المصير للشعب الكوردي في المستقبل، وللأجيال القادمة. من الناحية القانونية والسياسية والحقوقية، حسب القانون الدولي وميثاق الأمم…