مراجعة نقدية لمشروع متعثر (ثلاثة أعوام عجاف في جبهة الخلاص) (7)

صلاح بدرالدين

  من المفيد لكل من يحلم بسوريا تعددية حرة ديموقراطية جديدة خالية من الاضطهاد والظلم والقمع والأحكام العرفية وسلطة الأمن والمخابرات أن يمعن النظر في قراءة أحوال ومآل مختلف المجموعات العاملة باسم المعارضة السورية تحت مسميات وعناوين عديدة وفي هذا السياق أشعر بواجب مزدوج قومي تجاه الكرد ووطني تجاه السوريين جميعا استكمال ما بدأت بتقديمه خلال المدة الماضية تحت عنوان ” قضايا الخلاف في المعارضة السورية ” وبلغت ستة حلقات بهدف القيام بمراجعة نقدية شاملة والانتقال من العموميات الى عمق الداخل حول تجربة مريرة خضناها في اطار ” جبهة الخلاص الوطني ” التي ظهرت في الساحات الخارجية كتنظيم معارض
ومنذ اليوم الأول لانخراطنا فيها منذ مؤتمرها التأسيسي في لندن عام 2006 وحتى الآن ونحن كمكون كردي مع آخرين نحاول بكل جهودنا استكمال بناء جبهة – مؤسسة حقيقية تعكس في تكوينها التنظيمي وبرنامجها ونهجها وسياستها صورة صادقة ومعبرة عن وجه شعبنا السوري وارادته في التغيير الديموقراطي ولم نعتبر هذه المهمة سهلة على الاطلاق خاصة مع ممثلي تياري حزب البعث بزعامة السيد عبد الحليم خدام والاخوان المسلمين الذين كانوا قد سبقوا المؤتمر التأسيسي بأشهر قليلة في اعلان تحالف ثنائي وتعهد ممثلو التيارين منذ البداية خلال اللقاءات الثنائية وضمن الاجتماعات وعبر التصريحات الاعلامية على الخضوع للاصول الجبهوية والالتزام الحاسم وبلا تردد ببرنامج تغيير نظام الاستبداد واللائحة التنظيمية ومتطلبات الديموقراطية التوافقية رغم معرفتنا التامة بانتماء التيارين كما هو معلوم الى الفكر الشمولي المناقض أصلا للعمل المؤسساتي الديموقراطي الجماعي الشفاف ولكن وأمام مخاطر نظام الاستبداد قررنا خوض التجربة في سبيل المزيد من التفاعل واختبار النوايا بين الأطياف السورية وخوض النقاشات وتبادل الآراء حول مختلف القضايا الوطنية وبينها القضية الكردية واستشراف سوريا الجديدة بكل مواصفاتها.
   وفي خضم محاولاتنا الحثيثة الصادقة تلك بتحقيق طموحات شعبنا وجماهيرنا التواقة الى التغيير في بناء وتطوير الجبهة أقدمت قيادة الاخوان المسلمين على خطوتها الأخيرة بعد سلسلة طويلة خلال الأعوام المنصرمة من تعمق الخلافات في صفوفنا وتراكم العوائق أمام تقدم الجبهة والتي توجت أخيرا باعلان الانسحاب من المعارضة السورية والاستعداد للتحاور والتفاهم مع نظام الاستبداد والتي لاقت الاستنكار والاستهجان من مختلف الأطياف الوطنية والمثقفين والكتاب وبينهم نخب اسلامية مستقلة بعكس ما روجت قيادتها في اعلامها وقد اعتبرنا  تلك الخطوة دليلا آخر على صحة هواجسنا السابقة من نهج قيادة الاخوان وجدوى وجودها أصلا في صفوف المعارضة وتشكيكنا المقرون بالشواهد في صدقية توجهاتها منذ البداية وتأكيدنا السابق على صلاتها السرية مع أوساط النظام وكونها أحد توابع – الممانعة – في المنطقة وطالبنا عبر رسالة بعقد اجتماع طارىء للأمانة العامة لبحث الوضع الخطير المستجد واقترحنا ان يناقش ايضا تشكيل لجنة تحضيرية للعمل من أجل عقد المؤتمر العام والاشراف عليه حسب الأصول التنظيمية المتعارف عليها لبحث كافة القضايا القديمة والمستجدة بما فيها مسألة محاسبة الاخوان المسلمين واقرار فصلهم من الجبهة ثم تفاجأنا باصرار السيد خدام على التجاوب مع رغبتهم في مشاركة ممثليهم في الاجتماع حتى يقنعونا بخطوتهم والتحاقنا بموقفهم من النظام ومن أجل الحفاظ على وحدة الموقف تقدمنا باقتراح يقضي باستحالة مشاركتنا في اجتماع بحضورهم الا بعد الاعلان عن تراجعهم عن خطوتهم والاعتذار من المعارضة السورية والجبهة عبر وسائل الاعلام هذا اذا كانوا نادمين اصلا على فعلتهم ولكن السيد خدام لم يتجاوب مع هذه المقترحات ومارس التفافا على مطلب عقد المؤتمر العام الذي تقضي اللائحة التنظيمية بعقده سنويا وقد انقضى على المؤتمر الأخير أكثر من عام اضافة الى سبب الاخوان حيث أن مكونا رئيسيا من ثلاث في الجبهة قد غادر ويحتاج الأمر الى المؤتمر أكثر وكان أن أيد مقترح الاخوان – قبل انسحابهم – في مقابل مقترحنا بعقد مجلس الخلاص بصلاحيات المؤتمر وهذه بدعة تنظيمية مخالفة للائحة التنظيمية مرده اعتقاد الطرفين بضمان غالبية الأصوات والخشية من مواجهة المؤتمر وقراراته المتوقعة لمصلحة مؤسسة الجبهة وتفعيلها وتوسيعها وتعديل البرنامج واللائحة وتطوير المواقف السياسية لتعزيز مبدأ القيادة الجماعية والديموقراطية التوافقية والشفافية على مختلف الأصعدة السياسية والاعلامية والمالية وقد حدد السيد خدام يومي الرابع والخامس من شهر نيسان – ابريل –  لعقد – مجلس بصلاحيات المؤتمر – وبدون أية لجنة تحضيرية أو مراعاة لمقترحات الآخرين خارقا اللائحة التنظيمية مرة أخرى مما رفضنا المشاركة كمكون كردي وقاطعنا مجلسه اليتيم التزاما بمبادئنا واحتراما لبنود اللائحة التي تنظم عملنا .
      ان ما يهمنا بالدرجة الأولى في هذا المجال هو التوجه الى كل من كان ممثلا في المؤتمرالثاني للجبهة ببرلين في عام 2007 وانتخبونا في الأمانة العامة وبشكل خاص أشقاؤنا العشرون من أعضاء المكون الكردي الذين منحونا ثقتهم في اللقاء الذي جمعنا على هامش المؤتمر لأخاطبهم بمنتهى الصدق والصراحة عن اخفاقنا في تحقيق طموحاتهم ورغباتهم في اعادة بناء جبهة خلاص حقيقية بقيادة جماعية تعبر عن تعددية النسيج الوطني السوري قوميا ودينيا ومذهبيا وتتعامل مع القضية الكردية بمبدئية واحترام رغم كل المحاولات وتحمل المعاناة ونقد الكثيرين من الأصدقاء وملاحظات العديد من الأطراف الاقليمية والدولية والأوروبية والقوى والأحزاب الوطنية والتقدمية العربية الرافضة لدعم أية جبهة معارضة سورية يكون عنوانها التياران البعثي والاخواني رغم عدم رضاهم عن نهج نظام دمشق الاستبدادي .
   لقد كان دافعنا السياسي في الانخراط في جبهة الخلاص هو أولا : أداء واجبنا الوطني بالمساهمة في تنظيم صفوف المعارضة السورية من أجل التغيير الديموقراطي وثانيا : البحث عن الشريك العربي المحاورالمتفهم للنسيج السوري والقابل للمكونات الوطنية السورية وجودا وحقوقا وخاصة الشعب الكردي وحقوقه القومية المشروعة كشعب من سكان البلاد الأصليين والشريك الأساسي في تقرير مصير الوطن علما اننا كمكون كردي وكممثلين للحركة السياسية القومية الكردية معارضون على خطى أسلافنا منذ عهد الامبراطورية العثمانية ولم نبدأ المعارضة عبر جبهة الخلاص وكنا معارضون عندما كان السيد خدام في رأس سلطة الاستبداد وكانت قيادة الاخوان المسلمين في مفاوضات مع النظام وسنظل معارضين بسلاح المواقف السياسية المبدئية ما بعد جبهة الخلاص بالسبل التي نرتأيها حتى تحقيق التغيير الديموقراطي في بلادنا .
    لقد صبرنا كل هذه المدة الطويلة حتى لايسجل علينا نحن ممثلو المكون الكردي مسؤولية تصفية الجبهة وانقسامها وزوالها التي يتحملها الآخرون وقد صارحنا الجميع بالقول بأننا واذا ما أصر السيد خدام على المضي في خرق اللائحة التنظيمية والتراجع عن الالتزام بمبدأ التوافقية الذي تضمنه برنامج الجبهة والعمل المؤسساتي المشترك ورفض اصلاح الجبهة واعادة بنائها كمؤسسة ديموقراطية بقيادة جماعية والتنصل عن تشكيل لجنة تحضيرية بمشاركة ممثلي كل المكونات بما فيها المكون الكردي للعمل على عقد المؤتمر العام باعتباره المكان الشرعي الأنسب لكل الخيارات الذاتية والعامة ولمناقشة رؤيتنا حول قضايا الخلاف ومنها التجاوزات والممارسات السيئة التي تزداد يوما بعد يوم والا فان الموضوع بكل تشعباته سيخرج الى العلن  وسيتحمل السيد خدام المسؤولية الكاملة في كل ما تترتب عليه من نتائج بما في ذلك قيامنا كحق وكواجب بطرح كافة القضايا المختلفة عليها الكبيرة منها والصغيرة على بساط البحث والكشف عن جميع الملابسات والخفايا التي واكبت عملنا في جبهة الخلاص خلال سنوات ثلاث عبر وسائل الاعلام والاستعداد لمناقشتها علنا مع من يريد وذلك من أجل أن يطلع عليها السورييون ويحكموا عليها كتجربة مريرة في تاريخ المعارضة السورية المعاصرة وحتى يأخذ كل الجهات العربية والأوروبية المعنية بالوضع السوري علما بما حصل فقد بدأنا نوجه اليها المذكرات التوضيحية وبالأخير حتى يصبح الكشف عن الملابسات والحقائق المرة عبرة لكل من يحاول المساس بالمبادىء والتعامل مع المقابل بعيدا عن الصدق والشفافية واستغلال قضية المعارضة الوطنية السورية للمنافع الشخصية والعائلية تماما كما يفعله نظام الاستبداد وحتى لاتمر تلك الانتهاكات والتجاوزات دون حساب سنواصل تقييم المسيرة الماضية بكل صدق ونشر حلقات متتالية حول كل ما يتعلق بهذه التجربة المتعثرة .
    نحن لسنا من بين مريدي فكر وثقافة السيد خدام وليس مطلوب منه أيضا التفكير مثلنا بل نحن من طلاب بناء جبهة معارضة مؤسساتية ديموقراطية علمانية حديثة بين المختلفين فكريا وسياسيا على قواسم مشتركة تتمحور حول موضوعة التغيير الديموقراطي وتتوافق حول برنامج متوازن في مستوى وحجم المهام تجمع ممثلي كل المكونات والأطياف على أساس تعاقد اجتماعي سياسي ثقافي توافقي في ما بينها تكون مثالا للعلاقات الديموقراطية والاحترام المتبادل ونموذجا للقيادة الجماعية وأبعد ما تكون عن التسلط الفردي والنزعات الشمولية بالنقيض من طبيعة نظام الاستبداد تماما الذي نحن من ضحاياه ونعمل من أجل تغييره وليصارحنا السيد خدام ولو مرة واحدة في مايرمي اليه الذي لم يعد سرا على أي حال وهو محاولة تحجيم وخصخصة جبهة الخلاص بافقادها الشرعية التنظيمية أولا وتجريدها من المواصفات والشروط الجبهوية وهو ما حصل وافراغها من الكادر عبر توظيف أعداد بينهم أعضاء في الأمانة العامة في مشروع الفضائية التي يقول هو عنها بأنها تجارية خاصة لضمان ولائهم ومصادرة قرار الجبهة على نفس منوال الفضائية التي نبحث منذ اعوام ثلاث في كيفية افتتاحها والتي تحولت بقدرة قادر الى مشروع خاص لاعلاقة للجبهة بها , ألا يعلم السيد خدام أن تجمعا بلون واحد الذي حاز عليه الآن على غرار تجمعات أخرى قائمة في الخارج كما هو حاصل لايمكن تسميته بالجبهة لافي الشكل ولافي المضمون ولن يكون لمثل هذه التجمعات أي دور في الحياة السياسية السورية لأنه من طبيعة العمل الوطني المعارض الجاد التطور والتقدم نحو الأمام وتوسع الصفوف وتكاتف المكونات والتيارات وليس التراجع والتقلص والانعزال .


    وما يؤكد توقعاتنا طبيعة ومستوى ردود أفعال السيد خدام وجماعته حول مؤتمرنا الصحفي الذي أعلنا فيه مقاطعتنا وأذعنا بيانا سياسيا تضمن ست نقاط وقوبل منهم ببيان انفعالي شتائمي باسم “أمانتهم العامة” خال من أي مفهوم سياسي يتهمنا بمعاداة العروبة والاسلام وفي حين أبلغنا حتى الآن خمسة من تلك الأمانة عن تبرئة أنفسهم من البيان قام أحدهم بتقمص دور الواعظ في مقالة له بالدعوة الى القيم الأخلاقية والتسامح وعدم كيل الاتهامات علما أنه هو من قام بصياغة ذلك البيان الشتائمي وهنا يتراءى النفاق والرياء بأبشع صورة واعتبر آخر أن المسألة تنحصر فقط في تسجيل مواقف ليس الا وأننا لم نطرح مواقف سياسية فعلمت على الفور أنه لم يقرأ وقائع مؤتمرنا الصحفي ويعتقد آخر أن بقاءه مع جماعة السيد خدام مرهون بانعقاد المؤتمر في القريب العاجل والا فانه سينسحب لأنه لم تعد هناك جبهة وبذلك وازاء هذا المشهد المتردي يكون السيد خدام قد ألحق الضرر البالغ بالعمل الوطني وتحمل المسؤولية الكبرى ليس في اجهاض تجربة جبهة الخلاص فحسب بل في محاولة التشويه المقصود لسمعة عدد من الشباب السوريين عبر وسائل لاتحصل الا في دوائر أنظمة الاستبداد وحسب عقلية الاحتواء ونزعة الموالاة بقوة السلطة والمال  بعيدة عن احترام المبادىء والكفاءات ومقاييس التعامل الانساني.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…