إبراهيم اليوسف
ثمة مواقف رهيبة، أكاد أتجنبها ، دون أن أتناولها – كتابياً ولعل حضوري محاكمة المهندس مشعل التمو في دمشق، في يوم 22-4-2009 وهو يوم عيد الصحافة الكردية، كان أحد تلك المواقف بكل تأكيد.
ثمة مواقف رهيبة، أكاد أتجنبها ، دون أن أتناولها – كتابياً ولعل حضوري محاكمة المهندس مشعل التمو في دمشق، في يوم 22-4-2009 وهو يوم عيد الصحافة الكردية، كان أحد تلك المواقف بكل تأكيد.
صحيح أنني التقيت هناك بالكثير من الكتاب والصحفيين والمناضلين في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، والساسة أصحاب الموقف، والأصدقاء ممن مرت فترة طويلة دون أن أراهم ، إلا أن حضور كل هؤلاء أجمعين لم يعنّي على تحمل ذلك المنظر الرهيب، وأي منظر آلم ، من أن أرى صديقاً مناضلاً وراء القضبان، يصرّ دوما ً على طرح رؤاه بشكل سلمي، حضاري، لخدمة بلده، وأهله ، وشعبه ، وسورياه الجميلة.
لقد كان مقرراً أن أكون في هذا اليوم عينه في فيينا ، بناء على دعوة توجه إلي من عامين على التوالي ، بل أكثر، دون جدوى، لحضور معرض الكتاب ، ويتم تكريمي في يوم الصحافة ، بيد أنني آثرت في قرارتي أن تنجح كل موانع السفر ، لأحضر محاكمة صديقي مشعل التمو- الصديق الذي ناضل كثيرون بنمائمهم وعوامل شتى لنسف ما بيننا من علاقة محسودة-لأقول له في يوم عيده : كل عام وأنت بخير يا صديقي …..!.
أجل ، كيف لا أحضر محاكمة مشعل ، وهو صديقي الأقرب إلي في لاشعوري وشعوري، رغم كل الجدر التي بناها الآخرون ، وبناها هو، وبرغم بعض مآخذي عليه في مواقف ما، لئلا أبدو منافقاً، وهو ليس مكان قوله الآن، إلا أنه يبقى أحد قلة من كردنا الشجعان، البواسل- وهل قرأتم مرافعاته ؟ أجل، قلة قليلة نادرة ، قائد نادر من قلة لم يخف رهبة السجن وأكاد أذكر أسماء ما في كلتا الحالين، وأوقظ عشّ دبابير غافية ، ساهية ، بل بليدة ، غارقة في خدرها على نفسي ، بيد أن ما يجعلني أشهد لصالحه ، وهو المطلوب – هنا- مواقفه المشهود لها في الثاني عشر من آذار 2004 حين خرس طويلاً من كان حولنا من كتاب وساسة وأدعياء، ومنافقين معروفين ، يتم رد الاعتبار إليهم حزبوياً وكردستانيا ً ، حيث كان هو كتلة من الحماس، يتحرك في كل حدب وصوب ضمن الإطار الوطني، وكان هو صاحب فكرة دعوة ناشطي المجتمع المدني وحقوق الإنسان ، ليكونوا شهودا ًَ على ما يجري ، وكنت أحد من وقفوا معه آنذاك.
تماماً في مثل هذا اليوم من العام الفائت كنا معاً، وبيننا جدار الخلاف الوهمي الذي بدأ بالإنهيار – تدريجياً- إلا أنه لم يتورع عن دعوتي لحضور يوم عيد الصحافة الكردية في إحدى قرى قامشلي، حين قام بتكريم صحافيين شابين هما : لافا خالد- الصحفية المهنية المتألقة ، التي عانت من دسائس المخبرين طوبلاً ، إضافة إلى ولدي كرم الذي أصيب عشية عيد نوروز بطلق ناري في رأسه وهو يؤدّي واجبه الصحفي .
لكم آلمني أن – أصعق – بأن يكون مشعل التمو ، المناضل الوطني جنباً إلى جنب مع من كانت تتم محاكمتهم نتيجة تعاطي المخدرات، أو ربما اللواطة ، وما هو أدنى من ذلك ، وكان وهو رأيي- يجب أن يحترم حتى في محاكمته، وإن كان يقدم نفسه معارضاً وطنياً يريد الخير لكل سوريا، مادام أن ولاءه للوطن ولشعبه العظيم، ولعل ما أسعدني هو أنني وجدته واقفاً في قفصه المقيت، على خلاف من سيربط معصماه بمعاصمهم من المحكومين بأجرام شائنة، ممن يتحاشون النظر إلى الناس خجلاً ، ووقفته أعادت إلي شيئاً من الاتزان ، الذي أحسست به يستعيده بدوره، وهو ينظر إلينا واحداً واحداًَ ، يتفقدنا، وكأنه يكاد يرفع صوته ليسمي بعضهم قائلاً: أين هؤلاء ؟ فهل أسميهم عنه ؟ ليقول بلغة واثقة للقاضي : أؤكد أقوالي وأنا بريء مما نسب إلي من اتهامات.
مشعل التمو ، صديقي ، لم يكن في مكنتي إلا أن أرسل إليك قلماً، أجل قلماً، وأنت وراء القضبان ، قلماً في يوم عيدك ، كبعض من جائزتك التي تستحق ،لأن القلم الذي أخذ منك عنوة ذات محاولة لطمس صوتك ، لا بدّ أن نعيد بديلاً عنه إليك ، بديلاً رمزيا ً، وما أبعد الاختفاء عن الاحتفاء ، أعني الاحتفاء بك ، ومعذرة عن الغلط اللغوي المتعمد…
مشعل صديقي تحية لك في يوم عيدك، يوم عيد الصحافة الكردية، يوم محاكمتك، التي بقيت واقفاً أمام المحبين والخصوم ، وهو آخر موقف رجولي منك ، قرأته كما يجب.
دمشق
22-4-2009
أجل ، كيف لا أحضر محاكمة مشعل ، وهو صديقي الأقرب إلي في لاشعوري وشعوري، رغم كل الجدر التي بناها الآخرون ، وبناها هو، وبرغم بعض مآخذي عليه في مواقف ما، لئلا أبدو منافقاً، وهو ليس مكان قوله الآن، إلا أنه يبقى أحد قلة من كردنا الشجعان، البواسل- وهل قرأتم مرافعاته ؟ أجل، قلة قليلة نادرة ، قائد نادر من قلة لم يخف رهبة السجن وأكاد أذكر أسماء ما في كلتا الحالين، وأوقظ عشّ دبابير غافية ، ساهية ، بل بليدة ، غارقة في خدرها على نفسي ، بيد أن ما يجعلني أشهد لصالحه ، وهو المطلوب – هنا- مواقفه المشهود لها في الثاني عشر من آذار 2004 حين خرس طويلاً من كان حولنا من كتاب وساسة وأدعياء، ومنافقين معروفين ، يتم رد الاعتبار إليهم حزبوياً وكردستانيا ً ، حيث كان هو كتلة من الحماس، يتحرك في كل حدب وصوب ضمن الإطار الوطني، وكان هو صاحب فكرة دعوة ناشطي المجتمع المدني وحقوق الإنسان ، ليكونوا شهودا ًَ على ما يجري ، وكنت أحد من وقفوا معه آنذاك.
تماماً في مثل هذا اليوم من العام الفائت كنا معاً، وبيننا جدار الخلاف الوهمي الذي بدأ بالإنهيار – تدريجياً- إلا أنه لم يتورع عن دعوتي لحضور يوم عيد الصحافة الكردية في إحدى قرى قامشلي، حين قام بتكريم صحافيين شابين هما : لافا خالد- الصحفية المهنية المتألقة ، التي عانت من دسائس المخبرين طوبلاً ، إضافة إلى ولدي كرم الذي أصيب عشية عيد نوروز بطلق ناري في رأسه وهو يؤدّي واجبه الصحفي .
لكم آلمني أن – أصعق – بأن يكون مشعل التمو ، المناضل الوطني جنباً إلى جنب مع من كانت تتم محاكمتهم نتيجة تعاطي المخدرات، أو ربما اللواطة ، وما هو أدنى من ذلك ، وكان وهو رأيي- يجب أن يحترم حتى في محاكمته، وإن كان يقدم نفسه معارضاً وطنياً يريد الخير لكل سوريا، مادام أن ولاءه للوطن ولشعبه العظيم، ولعل ما أسعدني هو أنني وجدته واقفاً في قفصه المقيت، على خلاف من سيربط معصماه بمعاصمهم من المحكومين بأجرام شائنة، ممن يتحاشون النظر إلى الناس خجلاً ، ووقفته أعادت إلي شيئاً من الاتزان ، الذي أحسست به يستعيده بدوره، وهو ينظر إلينا واحداً واحداًَ ، يتفقدنا، وكأنه يكاد يرفع صوته ليسمي بعضهم قائلاً: أين هؤلاء ؟ فهل أسميهم عنه ؟ ليقول بلغة واثقة للقاضي : أؤكد أقوالي وأنا بريء مما نسب إلي من اتهامات.
مشعل التمو ، صديقي ، لم يكن في مكنتي إلا أن أرسل إليك قلماً، أجل قلماً، وأنت وراء القضبان ، قلماً في يوم عيدك ، كبعض من جائزتك التي تستحق ،لأن القلم الذي أخذ منك عنوة ذات محاولة لطمس صوتك ، لا بدّ أن نعيد بديلاً عنه إليك ، بديلاً رمزيا ً، وما أبعد الاختفاء عن الاحتفاء ، أعني الاحتفاء بك ، ومعذرة عن الغلط اللغوي المتعمد…
مشعل صديقي تحية لك في يوم عيدك، يوم عيد الصحافة الكردية، يوم محاكمتك، التي بقيت واقفاً أمام المحبين والخصوم ، وهو آخر موقف رجولي منك ، قرأته كما يجب.
دمشق
22-4-2009