حوار مع الكاتب والسياسي جورج كتن

 

حاوره* :بدرخان علي
الأستاذ جورج كتن من الكتاب والسياسيين الفلسطينيين القلائل الذين تطرقوا إلى الوضع الداخلي في سوريا، لجهة غياب الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان السوري، دون الوقوف إلى جانب النظام السياسي القائم في معركته ضد المجتمع والشعب السوري تحت يافطة “ضرورات المعركة القومية” و”الوقوف في وجه الإمبريالية والصهيونية” و”حماية قلعة الصمود والتصدي وقلب العروبة النابض”…… له مواقفه الإنسانية الديمقراطية الواضحة تجاه حقوق الشعب الكردي عموماً وفي سوريا والعراق خصوصاً متحرراً من قيود الأيديولوجيا القومية الضيقة…

وهو من مواليد القدس 1940 ومقيم في دمشق منذ العام 1948.

حائز على شهادة الهندسة الزراعية.
يكتب في عدد من المواقع والصحف العربية. صدر له كتابان:
–   “العلاقات الروسية العربية في القرن العشرين وآفاقها”- أبو ظبي 2000
 – “خيارات إيران المعاصرة-تغريب, أسلمة, ديمقراطية- دمشق 2002
      بمشاركة الكاتب وليد خالد المبيض.
مجلة “الحوار” التقت به في دمشق وكان معه الحوار الآتي:
س – بداية نرحب بكم على صفحات مجلة “الحوار”.

ولنبدأ من بداياتك السياسية, تجربتكم القصيرة في “حركة القوميين العرب” ومن ثم انحيازكم إلى الليبرالية؟!
ج – نشأت “حركة القوميين العرب” كرد فعل على نكبة فلسطين 1948، كمحاولة للسعي للقوة والتنظيم والتوحيد, ورأت أن النضال يمر بمرحلة أولى لتحرير الأمة وتوحيدها والقضاء على إسرائيل، تمهد لمرحلة ثانية مضمونها اشتراكي ديمقراطي.

لذلك وافقت على حل الأحزاب كشرط لقيام وحدة مصر وسوريا.

إلا أن التأميم في دولة الوحدة والانفصال السوري وضعاها أمام تطور فكري رافقه بروز تيار يساري, أرجع أزمة الثورة العربية لتعدد تنظيماتها ورأى أن ربط الديمقراطية بتعدد الأحزاب يعبر عن ترسبات فكرية برجوازية, وتبني “الماركسية وقيادة البروليتاريا لحركة التحرر…”, كجمل عامة لا صلة لها بالواقع القائم.

واختلطت المراهقة الفكرية اليسارية بالصراع على المواقع مع غياب آلية داخلية تعالج الخلافات, لتنتهي بتكوين فصائل ماركسية مستقلة في كل قطر قطعت مع “الحركة” إسماً ومحتوى.
أجلت “الحركة” العمل للديمقراطية منذ نشأتها لصالح تحقيق الوحدة والتحرر والاشتراكية واسترداد فلسطين، مع ذلك لم تفلح,  وأحزاب عربية مشابهة, بعد نصف قرن في تحقيق شعاراتها هذه، بعد أن أهملت العمل للديمقراطية ولمشاركة الشعب في رسم وبناء مستقبله، فجميع الأحزاب “القومية الثورية” التي وصلت للسلطة كانت أولى أعمالها إلغاء مسيرة الانتقال للديمقراطية التي بدأت بعد الاستقلال, إذ طالبت بالحريات عندما كانت خارج الحكم ومزقتها حين آلت السلطة إليها.
وفيما عدا اليمن الجنوبي حيث بدأت تجربة الجبهة القومية المنشقة ماركسياًعن “الحركة” خطواتها الأولى بالانفراد بالسلطة على أنقاض الأحزاب الأخرى ثم توالت الصراعات المغلفة بالشعارات الأيديولوجية,  تميزت “الحركة” بأنها لم تصل إلى أية سلطة مما جعل بعض كوادرها القديمة تتوهم بنقاء صورتها بالنسبة للأحزاب الأخرى، بينما الحقيقة أن “الحركة” لم تكن ستختلف كثيراً فيما لو كانت هي التي وصلت إلى الحكم، في سوريا والعراق خاصة, فالبنية والشعارات والمقدمات جميعها واحدة في الحالتين.
كمالا يمكن الحديث عن ديمقراطية داخلية في “الحركة”، إذ أنها كانت حزباً “ثوريا” حسب وصفها لنفسها، المبادىء والنظريات فيه حقائق مطلقة لا تحتاج لرأي المواطنين فيها، حزب يبني من أجل ثورة قادمة وليس انتخابات قادمة, العلاقات الداخلية فيه أقرب إلى الهرمية المركزية الناظمة لفرقة عسكرية, والانضباط يشمل المواقف السياسية التي لا تقبل الاجتهادات, والتنفيذ يقتضي الخضوع للقيادة العليا التي لا تخطئ, أما الانتخاب فيتعارض مع الجانب الأمني…
لم تنتبه “الحركة” طوال عملها السياسي إلى أن توفر القوة للمجتمع لمواجهة الاستحقاقات الخارجية والداخلية يتأتى من مجتمع مدني لحمته المواطنين الأحرار الذين يملكون المبادرة غير المقيدة للعمل في شتى المجالات، فقد ركزت في الخمسينيات على أن القوة تأتي من “نظام ثوري” وحدوي، وفي الستينيات رأت أنها تأتي من حزب “ثوري” عقائدي أوحد.
رضيت “الحركة” مثل أحزاب قومية عربية عديدة بوضع السعي من أجل “الديمقراطية” في المجتمع وداخل الحزب في آخر جدول أعمالها، بينما المواطن الحر هو الأساس في تحقيق الأهداف، فأدى التأجيل بحجة العدو الخارجي الذي دام حتى اليوم لدى أنظمة وأحزاب، لتراكم الهزائم والكوارث.
تجربة “الحركة” وأحزاب عربية أخرى والمتابعة المستمرة للوقائع والأحداث المحلية والعالمية، بالإضافة لقراءات مختلفة وحوارات مع تيارات فكرية وسياسية متعددة، دفعت للانحياز للديمقراطية وحقوق الإنسان كأولوية للنهوض، إذ لم يعد من المكن تأجيلها بذرائع متنوعة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وأنظمة الدول الشرقية التابعة له، وانتقال معظمها للديمقراطية كحق إنساني وكمنهج في كافة مناحي الحياة.

س – كيف تقيّمون الخطاب القومي العربي بين حقبتين متباعدتين زمنياً ومختلفتين عالمياً وإقليمياً ومحلياً، ما التغيرات التي طرأت على بنية هذا الخطاب من حيث المحتوى الثقافي والفكري والسياسي؟ وماذا يمكننا الاستفادة من التجارب الماضية في سبيل دمقرطة وأنسنة هذا الخطاب؟
ج – التيار القومي العربي الذي لعب دوراً هاماً في حركة التحرر الوطني في الخمسينيات والستينيات, تراجع دوره بشكل كبير بسبب الفشل في تحقيق أهدافه المعلنة لتوحيد دول المنطقة، كما تعثرت خطواته في بناء مجتمعات الدول التي وصل إلى الحكم فيها, ليتركز الخطاب القومي العربي على كل ما يمكن من تجديد إنتاج أنظمة استبدادية تحتكر السلطة والثروات في بلدانها وتتصدى لأية محاولة للإصلاح والتحديث.

أما القوى والتيارات القومية خارج السلطة فقد طعمت خطابها عن التوحيد القومي كحل سحري أثبتت الوقائع استحالته, بالمطالبة بالديمقراطية دون مراجعة لأفكارها وتجاربها السابقة، بحيث لم يتعد تبنيها لها كوسيلة للوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه.
يتشارك القوميون العرب بافتقاد الحس بالزمن والتطور والحداثة والوقائع الراهنة، والاستمرار في التمسك بالنظريات القديمة واجترارها ومحاولة تلميعها رغم فواتها وتخلفها، بالاعتماد على إرادوية مفرطة تعتقد أنها تمتلك الحقيقة المطلقة الصالحة لكل زمان ومكان، والتهرب من إجراء مراجعة شاملة للحركة القومية للبحث عن أسباب فشلها وإخفاقاتها، والاكتفاء بنقد لجوانب من التجربة وإلقاء المسؤولية على الاستعمار والقوميين الآخرين المشابهين.

وعدم التوقف أمام “النكبة” و”الانفصال” و”هزيمة حزيران” و”حرب الخليج” إلا لتأكيد العودة لنقطة البداية: السبب الأساسي لكل الهزائم يعود “للتجزئة القومية التي صنعها الاستعمار وغذى استمرارها”.
تجاهل القوميون العرب أن افتقاد الديمقراطية المعضلة الرئيسية في أزمات المجتمعات العربية، فرفضوها أو أجلوها أو طرحوها خارج الحكم وتخلوا عنها عند الوصول إليه.

وبذريعة الأيديولوجيا القومية صعد العسكر للسلطة وأقاموا أنظمة استبدادية وقادوا مجتمعاتهم للخراب، بعد تدمير التجربة الديمقراطية الوليدة للنصف الأول من القرن الماضي في أكثر من بلد عربي.
تغاضى القوميون العرب عن الفوارق القطرية بين الدول العربية التي تزداد اتساعاً وتتناول كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعن المصالح القطرية التي تزداد تضارباً والحدود التي لم تعد مفتعلة بل أصبحت حدوداً تفصل بين أوطان متعددة, وعن الهوية القطرية المناقضة لأحلام القوميين التي لم يعد بالا مكان تجاوزها, وأصبحت أمراً واقعاً لشعوب وأنظمة حكم وقوانين ومؤسسات واقتصادات وعادات وتاريخ وجغرافيا ومصالح ورغبات تتعمق تعارضاتها مع الزمن.
ورأى بعض القوميين العرب التخلي عن العلمانية وتطعيم المفاهيم القومية بأفكار اسلاموية، وجعل الإسلام احد مقومات الأمة إلى جانب اللغة بعد فشل الاعتماد عليها وحدها لتحقيق أية وحدة، بينما فضل آخرون الانتقال للبديل “الإسلام السياسي” الذي قدم نفسه في البداية كنفي للحل القومي، وتحاول بعض أطرافه حالياً تطعيمه بفكرة أن الوحدة العربية خطوة باتجاه الوحدة الإسلامية وهو ما لا يغير في الأمر شيئاً فالمهم المضمون وليس مدى الاتساع، فيما التيار السياسي الإسلامي أكثر تخلفاً من القومي في تجاهل العصر والمتغيرات العالمية والمحلية.
التركيز على المسألة القومية وشعار الوحدة تسبب بكوارث وأزمات منها ضم العراق للكويت بالقوة على “الطريقة البسماركية”، أو إجبار القسم الأكبر من الشعب اللبناني على قبول وصاية سياسية وعسكرية واقتصادية من جاره بناء على وحدة المسار المشتقة من شعار الوحدة.

بالإضافة للأثر السلبي للشعار على الاندماج الوطني للمكونات المختلفة لدول المنطقة وخاصة في الدول التي توجد فيها أقليات كبيرة.
إن طرح الشعار هروب للأمام من بناء دول ديمقراطية مندمجة تتوجه للتنمية الإنسانية والمادية، وتضييع للجهود في مسائل الهوية والانتماء، وطنية أم قومية أم إسلامية، فالهوية الوطنية ضمن حدود الدول القائمة تستند لوقائع ثابتة وهي الأكثر أهمية في المدى المنظور، وهي ليست مخلدة على حساب المستقبل الذي يمكن أن تتطور فيه علاقات اتحادية واقعية،  كما في الاتحاد الأوروبي واتحاد الدول المستقلة، وغيرها…
ما يهم المواطنين أولاً ليس اتساع رقعة بلادهم بل مصالحهم المعيشية وحريتهم كبشر فلن يقبلوا بوطن أكبر يوسع القمع والفساد.

إذ أنهم لم يحصلوا خلال نصف القرن الأخير من الشعارات القومية إلا على التخلف والتهميش والتجهيل.

فالذي هزم ليس مجتمعات مجزأة بل مجتمعات متخلفة تركت غارقة في أفكارها الغيبية، وسلطات استبدادية تعمل لمصالحها على حساب مصالح مجتمعاتها.
أن عودة الديمقراطية والمشاركة والمبادرة والفعالية الشعبية الفردية والجماعية، هي الطريق الوحيد لإخراج المواطنين من الحالة السلبية المتفرجة، فلا أمل من أية إنجازات تظل قابلة للانتكاس دون قاعدتها من المواطنين الأحرار, فالأولوية في دولنا للديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية وإنهاء الصراعات بالطرق السلمية… كأهداف تفرضها الوقائع المحلية والعالمية.
المعضلة الهامة التي يجب حلها قبل الحديث عن اتحاد عربي أو غير عربي هي الوحدة الوطنية في كل قطر المفتقدة في معظم المجتمعات العربية المشكلة من فسيفساء قومية وطائفية وعشائرية تنهار عند أول منعطف حاد، ولا يمنع انفجارها سوى القمع الداخلي.

الوحدة الوطنية الطوعية المبنية على تعايش الاختلافات وتوافق المصالح في كل قطر في ظل نظام ديمقراطي علماني وعقلاني، هي الطريق الأسلم لولوج اتحادات أوسع تعتمد على نظام ديمقراطي تعددي يؤمن حقوق المواطنين فيه، ويوقف اضطهاد وتذويب وتعريب القوميات المتعايشة مع العرب، وتأمين تمتعهم بحقوقهم وعلى رأسها حقهم في تقرير مصيرهم وإدارة شؤونهم بأنفسهم.
إن فشل القوميين في تحقيق أي اتحاد منذ قرن من الزمن لا يعني أن العروبة غير موجودة وأنه لا يمكن أن تتقارب دولها، ولكن ذلك لن يتحقق عن طريق التبشير بالهوية الواحدة، فالعروبة حالياً ليست أكثر من رابطة لغوية ثقافية بين أقطار تتنامى كياناتها المستقلة.

والنزوع الوطني ضمن الحدود الواقعية للدول القائمة أقوى بما لا يقاس من أي نزوع قومي مزعوم, لذلك لا نستغرب انتشار شعارات: الأردن أولاً والعراق أولاً والكويت أولاً ولبنان أولاً وسوريا أولاً ومصر أولاً… فهي أقرب للوقائع المعاشة من الشعارات القومية, “الحلم العربي” الجميل المحلق في الخيال، والمستخدم كذريعة لاستمرار الاستبداد على حساب بناء الديمقراطية وتأمين حقوق الإنسان وتحقيق السلام في المنطقة بدل الحروب العبثية باسم القومية.
التوجه للاتحاد في المستقبل لا يحتاج لخطاب التبشير القومي العربي، بل لتلمس المصالح المشتركة، كما في تجربة مجلس التعاون الخليجي الواقعية المبنية على مصالح حقيقية بعيدة عن الأيديولوجيا والمشاعر القومية، التي قطعت بعض الخطى دون الحاجة لمنظمات سياسية قومية، بينما في دول عربية أخرى تحفل بالمنظمات القومية بأنواعها في السلطة وخارجها، لا شيء يبشر بالتوافق بين هذه البلدان بل بالتصادم.

فالمسألة ليست في أن الشعارات سليمة والخطأ فيمن يطبقها.
كما أن الهوية القومية والوطنية لا يمكن أن تكون بديلاً عن الهوية الإنسانية العالمية، إذ يستحيل الانعزال عن عالم أصبح مترابطاً.

فالعولمة ليست خياراً بل واقعاً يمكن الاستفادة من إيجابياته وإبعاد سلبياته، ما هو أهم من تكرار تأكيد الهوية هو التوافق مع وقائع العصر المعولم.
بعد الصحوة القومية الفاشلة في الخمسينيات والستينيات والتي ستخفق محاولات تكرارها حالياً، وبعد الصحوة الاسلاموية السائرة نحو الفشل، ستأتي الصحوة الديمقراطية العقلانية الواقعية العلمانية القادمة، والتي نظن أن فرصها أفضل في النهوض بالشعوب العربية وإنهاء عزلتها عن العالم، ووقف مسيرة خروجها من التاريخ لتعود لصنعه بالمشاركة في الحضارة الإنسانية.

س – و ماذا عن الخطاب القومي الكردي؟
ج – الخطاب القومي الكردي يجد شرعيته من التمييز والاضطهاد الذي تعرض له الشعب الكردي في دول تواجده الأربعة: تركيا وإيران والعراق وسوريا، حيث تعرض لمحاولات الصهر والتذويب القسري في القوميات التي تشكل أغلبية هذه البلدان, فالشعارات القومية تلقى دعماً واسعاً في الأوساط الشعبية الكردية، مما شكل أساساً لثورات وانتفاضات وتحركات واحتجاجات واسعة ومتكررة ضد السياسات الشوفينية المستمرة حتى الآن, فالحركة القومية الكردية حركة شابة وفعالة ومتجددة قدمت آلاف الضحايا من أجل حلول مقبولة.
وتعود السياسات التمييزية في الدول العربية إلى تصاعد المد القومي العربي المتجاهل للأقليات, الذي تسبب بتعصب قومي كردي مقابل، وتوالت مراحل التصعيد في الفكر الشوفيني، ونشر الوعي الزائف حول وحدة وطنية تقوم على إلغاء الآخر بالوسائل القمعية، مما ساعد على توسيع الشقة بين العرب والكرد وإضعاف التوافق الوطني، فالعداء في أوساط عربية للكرد أو العكس هو حصيلة سياسة طويلة ابتعدت عن ملامسة المشكلات الحقيقية وحلولها الواقعية الممكنة.
الخصم الرئيسي للكرد هو النظم الاستبدادية والشوفينية، وليس الشعوب العربية التي يسعون لأفضل العلاقات معها، فقد تعرضوا معها لقمع الأنظمة وحجبها للحريات وانتقاصها من حقوق الإنسان، إلا أنهم عانوا بالإضافة لذلك وحدهم من تعصبها القومي ومحاولاتها الإجرامية لإلغاء خصوصيتهم القومية.

إن فتح صفحة جديدة في العلاقات الكردية العربية يبدأ بتجاوز المآسي القديمة وعدم تحميلها لمجمل الشعب، بل لأصحابها الحقيقيين: أنظمة وأحزاب وديكتاتوريين..

يحاسبوا مع مرور الزمن على ما اقترفت أيديهم.
لقد اقتنع الكرد منذ زمن بعيد بحل مشكلاتهم في البلد الذي يتواجدون فيه بشكل مستقل ومنفصل عن أشقائهم في البلدان الأخرى، ويشبه ذلك “الأشقاء” العرب الذين تزايد اقتنعهم بأن الكيانية القطرية العربية أصبحت واقعاً غير قابل للتغيير.

لذلك لا يمكن تعميم حلاً واحداً متشابهاً للمسألة الكردية في بلدان التواجد الكردي فلكل بلد ظروفه والحلول التي تلائمه, مع تأجيل مسألة التوحيد القومي التي هي من أصعب المسائل في الوقت الراهن وتظل حلماً يراود كثيرون، والتنسيق بين الأطراف الأربعة للحركة القومية الكردية كأقصى ما يمكن الطموح إليه، كما هو الحال أيضاً بين الشعوب العربية.
رغم أن الحركة القومية الكردية لا تسعى للانفصال في دول تواجدها، بل تسعى لحقوق قومية وديمقراطية ضمن الإطار الوطني، فإنها تتحمل بعض المسؤولية في عدم القدرة على رفع تهمة العمل للانفصال عنها وإقناع الأطراف الأخرى ببرامجها، مما يتطلب المزيد من الجهد لتبديد المخاوف والهواجس والأوهام.

والعمل لوصل الجسور بين أطراف المجتمع الواحد، بالدعوة لأهداف ديمقراطية وطنية واضحة تزيل الشكوك حول أهداف “مخبأة” للحركة الكردية كما تشيع بعض النخب المأزومة، والتوقف عن العودة للتاريخ القديم للمطالبة بحقوق تاريخية، والتركيز على الحقوق القومية والمصالح المشتركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضمن الوطن الواحد.
إن الحصول على الحقوق القومية من خلال عملية التغيير الديمقراطي أصبح أمراً ممكناً في ظل المتغيرات العالمية التي باتت تسمح بالتدخل الإنساني العالمي لإنقاذ الشعوب من أنظمتها المستبدة والأقليات القومية من التمييز والاضطهاد, فقد أقر”إعلان حقوق الأفراد المنتمين لأقليات قومية” الصادر عن الأمم المتحدة عام 1992 حقوق الأقليات بتطوير هويتها وثقافتها وحقها في المشاركة في إدارة مناطقها وواجب المجتمع الدولي بحمايتها في حال تعرضها لانتهاكات.
من الضروري قيام علاقة قوية تربط الكرد والعرب في كل قطر، للعمل للحصول على الحقوق المشتركة، والحقوق القومية الخاصة بالكرد، على أساس أولوية الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية.

والمدخل لهذا التحالف، إن صح التعبير، حوار بين النخب السياسية يقطع مع الأفكار والثوابت القديمة وتاريخ الصراعات والمآسي بين الشعبين، ويتوجه لمستقبل الشعبين في عالم متغير أكثر ترابطاً وتقارباً يسير نحو عولمة عابرة للقوميات والحدود والدول والجغرافيا والتاريخ، عالم تجاوز الثورة الصناعية والحداثة نحو عهد المعلوماتية والفضائيات والشركات متعددة الجنسيات والمواطن العالمي ومؤسسات المجتمع الدولي…
بينما نحن العرب والكرد ما زال تفكيرنا وأهدافنا وثقافاتنا ووسائلنا وخياراتنا متوقفة عند حدود مفاهيم القرون الوسطى، فإذا لم نجتز الهوة الشاسعة التي تفصلنا عن الحضارة الإنسانية, أو نضيقها على الأقل، نخاطر بمصير شعوبنا وبالمزيد من التهميش وتوسيع الهوة، والمآسي والكوارث والهزائم، وهدر الوقت والطاقات بلا طائل وراء أهداف تجاوزها الزمن.

س – في كتابات عديدة، دافعت بقوة عن الفيدرالية القومية لإقليم كردستان في العراق، في حين أن عدداً كبيراً من المثقفين والسياسيين العرب-في سوريا خصوصاً- عارضوا الفكرة من أساسها واعتبروا الفيدرالية مدخلاً لتقسيم العراق ومؤامرة أمريكية-صهيونية على العرب والعروبة، هل لك أن توضح للقراء وجهة نظرك حول الفيدرالية المطروحة كردياً في العراق خصوصاً بعد التطورات التي حصلت إثر انهيار نظام صدام حسين؟
ج – القومية الكردية ليست اختراعاً جديداً جاء مع الاحتلال الأمير كي للعراق، فالكرد يقيمون على أرضهم ولم يهاجروا إليها من مناطق أخرى، وهويتهم القومية لا تحتاج إلى جدال لإثباتها، وإذا كانت تقسيمات الشرق الأوسط عقب انهيار الدولة العثمانية لم تلحظ لهم كياناً خاصاً إلى جانب الكيان التركي والإيراني والكيانات العربية المتعددة، فإنهم لم يتوقفوا يوماً عن النضال للحصول على حقوقهم القومية.

وقد اعترف أول دستور جمهوري منذ حوالي نصف قرن بأن العراق دولة تتألف من قوميتين رئيسيتين العربية والكردية, ولم تغير الحكومات المتوالية هذا الإقرار لكنها أحجمت عن تفعيله، إلى أن صدر بيان 11 آذار 1970 الذي اعترفت فيه الحكومة البعثية بحق الأكراد في كيان خاص للحكم الذاتي حظي بتأييد عربي ودولي.
إلا أن النظام البعثي انقلب على قانونه وبدأ حملة تصفيات وتعريب وتهجير وتدمير البلدات وتذويب للهوية القومية الكردية… لم تتوقف حتى بعد حرب 1991 إلى أن صدر قرار مجلس الأمن 688 إثر الهجرة المليونية الكردية، والذي فرض منطقة آمنة لحماية الشعب الكردي من الإبادة، حيث لأول مرة يستخدم حق التدخل الإنساني في الشؤون الداخلية لدولة استبدادية.

وأعلن برلمان إقليم كردستان الذي انتخب بإشراف الأمم المتحدة من جانب واحد الفيدرالية ضمن عراق ديمقراطي موحد في تشرين أول 1992، أي انه رفض الإلحاق القسري واختار الاتحاد الطوعي.
بعد سقوط النظام الاستبدادي أقر الدستور الدائم العراقي الحل الفيدرالي الذي قبلته جميع القوى المشاركة في العملية السياسية.

سبق ذلك حملة لنخب سياسية عربية, في سوريا خصوصاً, عارضت الفيدرالية الكردية واعتبرتها مقدمة للانفصال ومدخلاً لتقسيم العراق ومؤامرة أميركية – صهيونية، ومن المستحيل إقامتها لأن “الأطراف الإقليمية” تعارضها بقوة وستتدخل عسكرياً لمنعها! أو أن الطريق للفيدرالية يمر بالحرب الأهلية, كما ذهب البعض إلى أن أميركا لا تريد الفيدرالية وستقاومها! أو أن الحل الفيدرالي “يضعف الديمقراطية كحركة وهدف” و”يؤدي للتعصب القومي”, كما هول البعض بأن قيام فيدرالية قومية ضمن عراق موحد يهدد السيادة والوحدة الوطنية للدول الإقليمية المجاورة, مع اتهام القيادات الكردية بالخيانة…
إلا أن هذه التنظيرات المنطلقة من المواقع الأيديولوجية القديمة للنخب والتي فات زمانها, ذهبت أدراج الرياح, فقد ثبت لكل من ابتعد عن التعصب القومي وتخلى عن عقلية المؤامرة وتمسك بالمنهج الإنساني، أن الفيدرالية الكردية العراقية التي يجري تشييدها الآن، خيار دائم وعامل استقرار للعراق وضمانة لاستمرار وحدته، وأن الحرب الأهلية إذا كانت ستنشب فلأسباب أخرى تتعلق بالعمل المسلح الإرهابي الهادف من خلال عملياته الإجرامية ضد من يسميهم “الروافض” وأماكنهم المقدسة لجعل الحرب الأهلية ممكنة.
كما ثبت أن لا تعارض بين الفيدرالية والنظام الديمقراطي فالحقوق القومية هي أيضاً ما توفره الديمقراطية للشعوب المضطهدة، فأي شعب لن يكون حراً إن كان يضطهد شعباً آخر، ولا يمكن نسيان الاضطهاد البشع الذي تعرض له الشعب الكردي في العراق خلال العهود المختلفة وخاصة العهد الصدامي الذي مارس تحت غطاء الفكر القومي العربي سياسة شوفينية دموية, ولا يمكن التشدق بالديمقراطية مع التنكر لحقوق القوميات الأخرى المتعايشة مع العرب، فالحريات وحقوق المواطنة حلول تطال العرب والكرد الذين عانوا سوياً من الحكم الاستبدادي، بينما الفيدرالية القومية بالإضافة إلى أنها حق، فهي الحل للاضطهاد القومي الذي طال الأكراد وحدهم.
الحريات العامة لا تغني عن الحقوق القومية إلا في مراحل متقدمة جداً، حين يتقلص تأثير الهوية القومية لصالح هوية أوسع منطقية أو قارية أو كونية إنسانية، ولا يمكن في بلدان متخلفة تذويب القوميات بالدمج القسري أو بحجة الوحدة الدينية أو بحجة مواجهة العدو الخارجي أو بديمقراطية نسبية مقيدة.

وحتى في دولة ديمقراطية متقدمة – العراق يحتاج لعقود للوصول إليها-، لم يثبت حتى الآن أن القوميات زائلة.
لا يمكن التهويل بأن الفيدرالية القومية ضمن عراق موحد تهدد السيادة والوحدة الوطنية للدول الإقليمية المجاورة، فقد أثبتت الفيدرالية المعلنة من جانب واحد كأمر واقع، أنها كانت عنصراً للاستقرار في المنطقة طوال اثني عشر عاماً، إذ منعت أي إخلال أو انتهاك لسيادة دول الجوار، أما الفيدرالية القومية الحالية بتوافق وطني عراقي فستكون ذات تأثير أكبر على الاستقرار والسلام في المنطقة, والخطر الفعلي على الأنظمة الاستبدادية أكثر من أي شيء آخر هو النجاح في بناء عراق ديمقراطي.
إقرار الفيدرالية الكردية خطوة للاتحاد وليس للانفصال, قطعت الطريق على تدهور العلاقات بين القوميتين المتآخيتين، وضمنت التعايش والمصالحة الوطنية وتكاتف الجهود لمواجهة فلول النظام البائد ومنظمات الإرهاب الأصولي والتوجه لبناء النظام الديمقراطي وللتنمية.
تأييدنا للفيدرالية القومية لا يعني تجاهل أن هناك خلافات وتجاذبات حول تفاصيل هذا المشروع: حدود الإقليم الكردي، نصيبه من الثروات والدخل الإجمالي، البيشمركة، العلم والنشيد، مسألة القوميات الأخرى… ونتوقع أن القوى السياسية من الطرفين أصبحت تملك تجربة كافية لحل الخلافات بالحوار للوصول إلى تسويات للمصالح المتضاربة…

س- في ظل تعقيدات الوضع الداخلي السوري وإصرار النظام على قمع الحريات، كيف يمكن للشعب الكردي أن ينتزع حقوقه القومية في ظل هكذا وضع استبدادي يحكم المجتمع السوري بأسره ويضيف للكرد إضطهاداً قومياً؟
ج – أخرجت أحداث القامشلي(12 آذار 2004) الحركة الكردية من إطار محاولات تهميشها، وأظهرتها كرقم صعب لا يمكن تجاهله بعد الآن، وكشريك في الوطن له همومه الخاصة بالإضافة للهموم المشتركة للمواطنين جميعاً.

والأسباب الحقيقية التي فجرت الأحداث تجاهل وجود الشعب الكردي، وتعرض الكرد للتمييز ومحاولات تعريبهم من عقود وعدم الاعتراف بحقوقهم كأقلية قومية متميزة، وحرمان مئات الألوف منهم من الجنسية وإنكار حقوقهم الثقافية في استخدام وتعليم لغتهم وتطويرها، وتعريب أسماء بلداتهم، وتهجير الفلاحين الكرد من المنطقة التي سميت “الحزام العربي” لتحل محلهم عائلات عربية، وعدم توفير فرص عمل متساوية مع بقية المواطنين للتوظف في دوائر الدولة…
ستتكرر الأحداث بصورة أكثر مأساوية إذا لم يتم الاعتراف بالوجود القومي الكردي وحقوق الكرد في إطار وحدة البلاد وإلغاء كل تمييز تجاههم وعدم المماطلة في إعطاء الجنسية السورية لكل المجردين منها، والإفراج عن جميع المعتقلين والتوقف عن إثارة التعصب القومي والترويج للدعاية الملفقة حول تواطؤ الكرد مع القوى الخارجية، والبناء لوعي جديد قائم على المواطنة السورية وعلى أن سوريا وطن نهائي لكل مكوناته القومية، دون تخلي الطرفين عن “حلمهم” القومي.
إن أحداث آذار كرست الحركة الكردية كجزء فاعل في المعارضة الديمقراطية السورية، وأوضحت أن الحقوق الكردية وحقوق جميع الأقليات الأخرى تمر عبر إنجاز التحول من النظام الأمني إلى النظام الديمقراطي، فانخراط الأحزاب الكردية الإيجابي في حركة المعارضة والهيئة المنبثقة عن “إعلان دمشق” هو تأكيد للاندماج الوطني المصغر، يجب أن يقابل من أطراف المعارضة بتفهم أكبر للمسألة الكردية السورية، وإدراجها في “وثيقة” أهداف وطنية ديمقراطية مشتركة، بعد تخلي أطراف في المعارضة عن “معاركهم القومية الخيالية” للدعوة لتحرير وهمي لبلدان مجاورة والتركيز على الأهداف الديمقراطية السورية، مما يضمن الوحدة الوطنية الحقيقية.
عدد من الأحزاب الكردية عارضت “الإعلان” لأسباب تتعلق بالفقرة الخاصة بالقضية الكردية، والتي رأت أنها لا تعترف بالخصوصية الكردية باعتبارها القومية الثانية في البلاد.

وهو مطلب محق, لكنه لا يمنع التوافق على ما جاء في الإعلان كحد أدنى للتغيير الديمقراطي وكطريق لاستكمال الحقوق, وهو ما نوه إليه بيان التحالف والجبهة الكرديين من أن “القضية الكردية حلها مرهون بقيام نظام ديمقراطي”.

فاشتراط اعتراف جميع أطراف المعارضة بالمطالب الكردية وإدراجها في الوثيقة للمشاركة في الائتلاف, يمكن أن يعرقل الخطوات لتوحيد جميع القوى الديمقراطية السورية حول الهدف المحدد.
التنافس على التأييد الشعبي أمر طبيعي، على أن تحدد المرحلة القادمة من خلال صناديق الاقتراع الأطراف التي تحظى برامجها ومواقفها بتأييد الأغلبية، أما في الظروف الراهنة فالتنافس ليس على حساب وحدة المعارضة، وإلا سينعكس ذلك سلباً على الجميع.
التعدد في الساحة الكردية هو أمر إيجابي وديمقراطي إلا أنه من غير المستحسن الانفراد بالقرار الذي يمكن أن يؤدي لإضعاف الموقف الإجمالي للحركة، ويجب ألا تمنع الظروف الراهنة الصعبة من الاتفاق على القواسم المشتركة التي توحد الموقف الكردي وتحول قرارات الأحزاب إلى قرارات وطنية تلزم الجميع ببرنامج حد أدنى موحد، علما بأن وحدة الكلمة تتحقق بشكل أفضل في النشاط العملي.
المرجعية السياسية الكردية الواحدة التي تجمع كافة الأحزاب يجب أن تضم برأينا شخصيات وطنية مستقلة مشهود لها بالحيادية، لتستطيع تجاوز الخلافات وتجسيد إرادة الشارع الذي يغلي من المعاناة اليومية، ولتكون طرفاً فاعلاً في العمل لنيل الحريات لكل البلاد في إطار التآخي والوحدة الوطنية، وهذه مسؤولية كبيرة لم تستوعبها القيادات الكردية بشكل كاف حتى الآن.

ففي ظل الضعف الحالي للمعارضة في الأوساط العربية، وبحكم فعالية الطرف الكردي المعتمد على الأجيال الشابة الأقدر على التعامل مع الاستبداد، لم يثبت حتى الآن أن قياداته على المستوى المطلوب، مما سيؤدي إذا استمر لإهدار فرصة استعداد المواطنين للتضحية من أجل التغيير.

س- في نهاية هذا اللقاء أشكرك على هذه الصراحة والوضوح، هل من كلمة أخيرة تريدون قولها؟
ج- إن مجلة “الحوار” متميزة حقاً، نرى أن تحوي آراء مختلفة على الدوام لتجسد معنى اسم المجلة حقيقة، ونتمنى لها النجاح في مسعاها، وخاصة إذا اقتنع الكتاب العرب بالمساهمة بنتاجاتهم لتطويرها أكثر فأكثر.

———————

* عن “الحوار” – العدد المزدوج 48/49،صيف وخريف 2005
“الحوار” مجلة ثقافية فصلية حرة تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي-الكردي، تصدر في سوريا-القامشلي منذ عام 1993.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…