هل أزمة الحركة بداية لمرحلة جديدة…؟!

م .

بافي ژيـن

 منذ أمد, ويدور جدل واسع, في الأوساط المهتمة بالشأن العام, والنخب السياسية والثقافية, حول ماهية الأزمة في الحركة السياسية الكردية في سوريا, وجل النقاش, يتمحور حول الحالة الراهنة غير المريحة داخل الحركة الكردية من جهة, والعلاقات (البينية) بين الفصائل من جهة أخرى؛ قد لا نضيف جديداً عندما نؤكد, أن العقلية الموبوءة والمفعمة بالأنانية وتضخم الذات لدى أغلب مسؤولي الكرد, أمسى السبب الخفي في استفحال ظاهرة التشرذم والتفكك, واختلاق صراعات هامشية وتأجيجها, للوصول بنا إلى واقع لا يمكن ردم الهوة التي اتسعت بين الحركة السياسية وجماهيرها.
ومما (زاد الطين بلة) التدخل السافر والمستمر للقوى المعادية, التي تحاول جاهدة وبكل الإمكانات المادية والبشرية المتاحة لها, الحيلولة دون الوصول إلى قوة سياسية موحدة ومنظمة, تقود نضال الشعب الكردي, إلى حيث الحرية والديمقراطية في البلاد, ثم أن العلاقات التاريخية غير المتوازنة (سياسة المحاور) بين الحركة السياسية الكردية في سوريا, والقوى الكردستانية الشقيقة, أضافت بعداً جديداً لانعطاف المسألة عن مسارها القويم, وأفرزت سياسات غير واقعية, تستند  إلى تغليب الهم الكردستاني على الهم الكردي ونسيان خصوصيتنا القومية في الجزء الأصغر .


 إن الصراع الكردي- الكردي المرير, حول (الشّخْصَنة) والمفاهيم الفكرية, والطبقية, والتنظيمية المزعومة, والتي رُوِجَتْ لها ردحاً من الزمن, اُستنزِفَت الكثير من قوة الحركة وطاقاتها, ولم تكن بمستوى القوة, أو المشروعية, لتنثر الحركة على تخوم أكثر من عشرة فصائل سياسة, أدت إلى الاغتراب الجماعي بينها وبين الجماهير الكردية, حيث ظهرت قيادات هزيلة- فكراً وممارسة- لم ترتقِ إلى مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها, ساهمت وبشكل جليّ, في تكريس حالة الفرقة, والتشتت, والانقسام داخل البيت الكردي, وأدخلت القضية الكردية في متاهات معقدة, لن تستطيع الخروج من أنفاقها المظلمة بسهولة في المدى المنظور, وفي هذا الصدد يتداول في الشارع السياسي اليوم صراع محموم, يتعلق بعدد من الأفكار والرؤى؛ قد تفضي بنا إلى الخروج من مأزق الحركة, التي باتت تقلق الكرد من أقصاه إلى أقصاه وتهدد مصيرهم ومستقبلهم :
           الرأي الأول: من المؤكد أن (القيادة في التنظيمات السياسية الكردية في سوريا) تتحمل القسط الأكبر من وزر الأزمة المتفاقمة وتقع على عاتقها المسؤولية المباشرة, ما آلت إليه الأمور من وهن, وضعف, وانقسام, في جسد الحركة, وبما أن الوضع القائم يريح أغلب المسؤولين في قمة الهرم السياسي والتنظيمي؛ فأن محاولات الضغط عليها, والتفاهم معها من أجل التراجع عن تعنتها في تصحيح المسار والتقارب الوحدوي, لا تجدي نفعاً بل تكون ضرباً من الخيال ومن المفيد في هذه الحالة تجاوز (الحركة السياسية الكردية) ودون أسف, لأنها فقدت مبررات وجودها على المستويين النضالي والجماهيري, وباتت تعيش مرحلة (الشيخوخة المتأخرة) والبدء بتشكيل نواة جديدة قوامها بعض المستقلين والكوادر المبعدة عن العمل التنظيمي والمخلصين من ساسة ومثقفي الكرد, للبحث في آليات عصرية ومبتكرة لتأسيس (تيار سياسي جديد) يمتلك رؤية واضحة ويتميز بخطاب سياسي (مُعقلَن ومتزن) يتوسط المسافة بين التطرف في الاتجاهين المغامر والمساوم؛ مهمتها الأساسية, السعي الحثيث لاستمالة الشارع السياسي الكردي العريض إلى جانبه والفوز برضا وثقة الشعب الكردي, الذي ضاق ذرعاً على مدى أكثر من خمسين عاماً من فشل الحركة السياسية في ملامسة ما قامت من أجلها .

    
  الثاني: أن الحركة الكردية قد (شاخت وهَرمتْ) وفقدت قوتها ونشاطها, وباتت تفتقر إلى إيجاد آليات التواصل بين الجيلين, السابق واللاحق, وفي تأمين وتنويع أدوات النضال ومستلزماته, كي تساير حركة الواقع, وسيرورة التقدم العلمي والتقني, وتالياً الإسهام بفعالية في مقاربة الحقوق القومية والديمقراطية للشعب الكردي في سوريا, وبما أ ن الحركة عاجزة عن القيام بمهامها النضالية؛ فهي إذاً تحتاج إلى عملية الهدم أولاً, ثم البناء على أنقاضها ثانياً, والاستفادة من قاعدتها التنظيمية وزخم تجاربها, في الاتجاهين السلبي والإيجابي .

             
 الثالث: بما أن عمليتي الهدم والبناء في غاية الصعوبة, أن لم نقل في حكم المستحيل, لعدم وجود آلية ناجعة, تقنع القائمين على قرار (الحل والربط) داخل التنظيم, للموافقة على هذا المطلب من ناحية, ومن ناحية ثانية؛ قد يترتب على ذلك, آثاراً في غاية الخطورة, لا يمكن التنبؤ بتداعياتها الخطيرة في قادم الأيام, لذا يجب على الشخصيات والكتل والتيارات المتقاربة في الرؤى والمفاهيم, أن تبادر إلى تشكيل ما يسمى (لوبيات) داخل التنظيم وخارجه, للضغط على صانعي القرار في الفصائل السياسية, لدفعهم باتجاه تأمين مستلزمات تنظيم جماهيري, تتميز برؤية موضوعية وقدرة عالية على قراءة الواقع الكردي في سوريا, وبما يتلاءم والظروف الإقليمية والدولية .

    
رابعاً: ولا بد من الإشارة إلى رأي الشريحة المنضوية تحت راية الحركة الكردية (المتحزّبين) وإصرارها على مشروعية وجود الحركة وعدم انتفاء صلاحيتها ومبررات وجودها كما يدعي البعض, والمساس بها, أو النيل منها يلتقي مع مؤامرات دنيئة تحاك ضد الكرد وتستهدف وجودهم القومي في البلاد, ورغم فشل بعض التجارب الوحدوية بين أطراف الحركة؛ فأنها لا تزال تسعى وبجدية باتجاه تأطير نفسها, ضمن جوامع سياسية متفق عليها في سياق برنامج الحد الأدنى.

     

إن الوضع المزري للحركة السياسية الكردية, لا تنم عن الرضا, ولا تؤهلها القيام بدور فعال حيال القضية الكردية في سوريا, في  ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المرتقبة, والتي بدأت بعض ملامحها الأساسية تظهر مع مجيء الديمقراطي (باراك أوباما) إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية, وما يترتب على ذلك, من استحقاقات جديدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم, لذا لم يعد أمام مسؤولين الكرد في سوريا, متسع من الوقت والعديد من الخيارات, فأما العملط وبالسرعة القصوى, في البحث عن بديل سياسي يجمع الفصائل السياسية الكردية في (بوتقة سياسية واحدة) وتشكيل مرجعية كردية, تمثل طموحات وأماني الشعب الكردي, الذي قدم تضحيات جسام, من أجل نيل حريته وكرامته وحقوقه, أو التوجه نحو مصير مجهول, – مع بقاء كل الخيارات السابقة قائمة – قد تسفر عنها مخاضات عسيرة لا يمكن التكهن بشكل المولود الجديد … !!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…