الكورد.. في المعادلة السياسية السورية (الحلقة الخامسة)

پير روسته م
Pir1963@gmail.com

* موقف الأحزاب والكتل السياسية السورية الأخرى من القضية الكوردية:
أ- موقف إعلان دمشق: كون الاعلان، من جهة، يضم طيف واسع من الأحزاب والكتل السياسية والموزعة بين قوميين (عرب وكورد وآشوريين) وإسلاميون وليبراليون ويساريون ماركسيون، ومن الجهة الأخرى، تعمل في الداخل السوري (أي أن قياداتها موجودة في سوريا وليس في الخارج) فإن مواقفها (مواقف إعلان دمشق) تخضع لمتغيرات وتحولات عدة متأثرةً من ناحية بقوة ونفوذ تيار من التيارات المنضوية داخل الاعلان
– وقد رأينا هذا الشيء من خلال المجلس الوطني وكيف أن التيار الليبرالي واليساري أستطاع أن يصيغ خطاب سياسي إلى درجةٍ ما يتباين مع الموقف المعلن من قبل الأمانة العامة التي كانت تهيمن عليها، إلى تاريخ إنعقاد المجلس، التيار القومي العروبي والمتمثل في الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي – ومن ناحية أخرى فإن الخطاب السياسي والمواقف المتخذة في الإعلان يخضع لعملية المد والجذر في المناخ السياسي – الأمني في البلد (سوريا).

حيث بالعودة إلى الوثائق الأساسية والبيانات التي صدرت مؤخراً عن قوى الإعلان – وهنا سوف نعتمد التباين في مواقف الإعلان بخصوص القضية الكوردية؛ كونها موضوع بحثنا – فإننا نقف بكل جلاء على الحقيقة السابقة؛ بأن مواقفها باتجاه هذه القضية تتأرجح بين مفهوم (المواطنة السورية) وبين تصحيح أوضاع بعض مواطني سوريا الغير مجنسين بالجنسية السورية جراء إحصاء عام 1962 حيث بالعودة إلى كل من الوثيقة الأساسية وكذلك البيان الختامي للمجلس الوطني لقوى إعلان دمشق فسوف نقرأ موقف الاعلان من القضية الكوردية في غرب كوردستان كما يلي: “سورية جزء من الوطن العربي، ارتبط به في الماضي وفي الحاضر، وسوف يرتبط مستقبلاً، بأشكال حديثة وعملية تستفيد من تجارب الاتحاد والتعاون المعاصرة.

وعلى أساس ذلك، نحن نرى أن مسار الاستقلال الوطني والتقدم والديمقراطية المعقد حولنا مرتبط بمسارنا نفسه وبشكل متبادل، وسوف يكون له تأثير هام في مستقبلنا الخاص والمشترك”.

وأن “عملية التغيير هذه تتضمن احترام كل مكونات الشعب السوري وحقوقه وتأسيسها على قاعدة المساواة التامة أمام القانون، وإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، وضمان حقوق الآثوريين (السريان)، في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً”.

وبقراءة متأنية ودقيقة وما يتضمن النص السابق من نقاط غامضة وظلالية، تُكشف لنا جملة قضايا ومفاهيم في غاية الخطورة، وخاصةً التي تتعلق بوجود شعبنا الكوردي في سوريا ومفهوم ونظرة الإعلان لها وما ستتبعها من سياسات عملية تجاهه؛ حيث إن مفهوم “سورية جزء من الوطن العربي” هو إلغاء لكل المفاهيم من قبيل “غرب كوردستان” أو “الجزء الغربي من كوردستان والملحق حديثاً بالدولة السورية” أو ما تطرحها بعض الأحزاب والفصائل الكوردية من شعار أن “الشعب الكوردي في سوريا يعيش على أرضه التاريخية” وأن “قضيتنا هي قضية أرض وشعب” وهي المنضوية – أو فصائل وأحزاب منها – في الإعلان نفسه، وبهذا فهي (أي تلك الأحزاب الكوردية) تناقض برامجها السياسية بشكل غير مقبول ومرفوض تماماً، ولا يمكن أن تدرج هذه تحت مسمى “التوافقات السياسية”، حيث لا يمكن التنازل عن المبادئ الأساسية بحجة التوافق السياسي.

وهكذا فإن مشروع الإعلان بصدد هذه المسألة؛ جغرافية كوردستان والموجودة قسم منها داخل الدولة السورية الحديثة هي حالة يمكن إدراجها ضمن سياق مفاهيم الإنكار والإلغاء لذاك الوجود الجغرافي.

لكن الموقف الذي صدر قبل أشهر عن الأمانة العامة لقوى إعلان دمشق ومن خلال بيانٍ لهم تحت عنوان: (بيان إلى الرأي العام حول المتغيرات في سوريا والمنطقة) والمنشور بتاريخ (5/9/2008) على عدد من المواقع الالكترونية ومنها موقع الإعلان نفسه يكشف عن تراجعات خطيرة – حتى – بالنسبة لمواقفها السابقة والمطروحة من خلال وثائقها السياسية الأساسية ومن جملة تلك التراجعات رؤيتها وموقفها من القضية الكوردية – موضوع دراستنا – حيث من ضمن ما يقوله البيان هو: (شهدت منطقتنا في الأشهر الأخيرة جملة من الأحداث والمتغيرات الهامة، تركت آثارها على مجمل اللوحة التي سادت في المرحلة السابقة.

وقد انتقل المسار العام من حالة التوتر وحافة الحرب إلى نوع من التهدئة في أكثر من ملف، ومن المؤكد أن “السياسة السورية الجديدة” تقع في أسس تلك المتغيرات، تتأثّر بها وتؤثّر فيها عميقاً.

تعرّض النظام السوري على مدى السنوات الأخيرة لضغوط شديدة مارستها أمريكا والغرب عموماً، على خلفية اتهامه بالتدخل في الملفات الإقليمية المضطربة في فلسطين ولبنان والعراق من جانب، ومن جانب آخر، عانى النظام عزلة عربية واضحة ومؤثّرة، على الخلفية ذاتها.

..إن إعلان دمشق بصفته أحد أطياف المعارضة الوطنية الديمقراطية في سوريا، وبكامل الوضوح، لم يكن في نهجه وليس من أهدافه تعزيز عزلة النظام ومحاصرته، بل إن مشروعه الديمقراطي يركّز أساساً على الدفع نحو انفتاح النظام على الشعب السوري قبل أو بالتزامن مع انفتاحه المطلوب على العرب والعالم، خاصة وأن تجارب الحصار السابقة قد علّمتنا أن الشعوب هي التي تتضرر منها أولاً وأخيراً، وليست الأنظمة الاستبدادية وحدها.

وركائز هذا الانفتاح الداخلي هو إلغاء حالة الطوارئ وتقدم مسألة الحريات وسيادة القانون وإلغاء القانون 49 لعام 1980 وحل مشكلة الأكراد المجردين من الجنسية ومعالجة الأزمة المعيشية الخانقة.

كما أن الانتقال بسوريا نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان سيبقى هدفاً ثابتاً للشعب السوري والمعارضة الوطنية الديمقراطية بغضّ النظر عمّا ستؤول إليه حالة الانفتاح الجارية، وبخاصة إذا لم تنعكس فعلياً في الواقع السوري”.

وهكذا فإننا نلاحظ تراجع كبير عن مواقف الإعلان السابقة وذلك في عدد من النقاط التي نقرأها من خلال البيان السابق:
أولاً- القول والإدعاء بأن هناك “سياسة سورية جديدة” وأيضاً محاولة تبرئة النظام مما أرتكبه وتورط به من جرائم سياسية سابقة والإيحاء للقارئ بأن هناك مشروع غربي – أمريكي يستهدف سوريا (العروبة) منسجماً بذاك مع موقف النظام؛ حيث يقول البيان في ذلك: “تعرّض النظام السوري على مدى السنوات الأخيرة لضغوط شديدة مارستها أمريكا والغرب عموماً، على خلفية اتهامه بالتدخل في الملفات الإقليمية المضطربة في فلسطين ولبنان والعراق..”.

هكذا وبكل بساطة وكأن النظام لم يتدخل فعلياُ وعملياً “في الملفات الإقليمية” لتزيد من إضطرابها وخلط الأوراق فيها.
ثانياً- محاولة طلب الغفران من النظام والتقرب إليه وذلك من خلال القول بأن “إعلان دمشق بصفته أحد أطياف المعارضة الوطنية الديمقراطية في سوريا، وبكامل الوضوح، لم يكن في نهجه وليس من أهدافه تعزيز عزلة النظام ومحاصرته..” بل المطلوب هو تغييرات داخلية محددة بعدد من الخطوات الاصلاحية – كما يقول به النظام السوري نفسه – وبالتالي الانفتاح على الشعب من خلال تلك الاصلاحات وذلك على الرغم من مطالبة البيان بأن “الانتقال بسوريا نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان سيبقى هدفاً ثابتاً للشعب السوري والمعارضة الوطنية الديمقراطية بغضّ النظر عمّا ستؤول إليه حالة الانفتاح الجارية”.

حيث نلاحظ أيضاً غياب الشعار الأساسي للإعلان “التغيير السلمي الديمقراطي التدرجي” وإستبداله بشعار السلطة؛ “الانتقال بسوريا نحو الديمقراطية” وهذا بحد ذاته يعتبر تراجعاً كبيراً عن روح إعلان دمشق، حيث يعتبر الشعار السابق له “التغيير السلمي” بمثابة هوية سياسية له.
ثالثاً- إنه الموقف والنقطة الأكثر أهميةً لنا؛ كونها موضوع البحث من ناحية ومن الناحية الأخرى لأنها تتعلق بقضيتنا القومية في غرب كوردستان، والتي تلخصت في البيان الأخير لقوى إعلان دمشق بالتالي: “حل مشكلة الأكراد المجردين من الجنسية”.

وهكذا يمكن لنا أن نتساءل: هل هناك تراجع في الموقف أكثر ذاك وذلك بعد أن كان الموقف من خلال الوثيقة الأساسية وكذلك بيان المجلس الوطني لقوى إعلان دمشق والمطالب بـ”حل عادل للقضية الكوردية”؛ حيث تم إستبدال “القضية” بـ(المشكلة) في البيان الأخير ومجردة في مسألة “مواطنية” وذلك بإعطاء الجنسية السورية لبعض أبناء شعبنا الكوردي والذين جردوا منها بموجب قانون الاحصاء العنصري لعام 1962م.

وبالتالي (قراءة الفاتحة) على القضية الكوردية في غرب كوردستان وما تستتبعها من حقوق سياسية وثقافية وإجتماعية وإقتصادية.

وبهذا فإن سياسة (قوى إعلان دمشق)، بصدد جغرافية كوردستان وحقوق الشعب الكوردي، لا يختلف عن سياسات النظام الحالي – الذي يدعي دائماً وأبداً بأن مشكلة الجنسية لبعض مواطني محافظة الحسكة على طاولة الرئيس وهي في طريقها إلى الحل القريب ومنذ ما يقارب أكثر من قرنين وذلك في عهد كلٍ من الأب والأبن – وكذلك هو موقف التيار القومي العروبي تجاه القضية القومية للكورد حيث “لا شيء جديد تحت الشمس” وفي مواقف هذه التيارات السياسية، وبالتالي فإن القوى السياسية الكوردية والمؤتلفة ضمن الإعلان تكون بهذا قد تخلت عن جزء من كوردستان لصالح القوميين العرب، بل يمكن أن يقال عنهم – وكما وصفهم الزميل الأستاذ أكثم نعيسة في مقاله “تعالوا نعرّف هذا اليأس” – بأنهم كانوا “ملكيين أكثر من الملك” حيث يقول في مقاله ذاك أيضاً: “صدر البيان الختامي للمجلس الوطني ليطرح أفكاراً مطموسة المعالم فلا هي ديمقراطية ولا إسلامية ولا علمانية ولا اقلياتية، إلا أن ما كان أقل ضبابيةً فيه هو رؤيته القومية التوجه؛ حيث يعتبر أن سورية وطن عربي صغير ضمن وطن عربي اكبر، (و)من المستغرب أن قوى كردية وقعت على الوثيقة في موافقة منها على مبادئ تخص الأمة العربية وفردانيتها في المنطقة، وهكذا خلصنا إلى أن نكتشف وجود أكراد قوميين عرب أكثر من العرب أنفسهم، ومرحى لهم لأنهم كانوا ملكيين أكثر من الملكيين أنفسهم”.

وأخيراً نقول: يمكن أن يكون ذاك الذي سبق ما يلخص موقف قوى الاعلان من القضية الكوردية وهنا نترك الإجابة على أسئلة الأخ والزميل أكثم نعيسة برسم الأحزاب السياسية الكوردية المنضوية في إعلان دمشق.

هولير – 22/2/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…