ويزداد الوضع تعقيدا!

  افتتاحية جريدة آزادي *

    مع بدايات عام 2009 والتطورات الجارية على الساحة الدولية ، وما حصل من تبدل في الإدارة الأمريكية واستلام الرئيس باراك أوباما لمقاليدها، وتناوله لأولويات القضايا الداخلية (المالية والاقتصادية والأمنية..الخ) ومن ثم تصريحاته الإيجابية بخصوص التعاطي مع القضايا الساخنة ومسألة السلام والوضع في العراق وأفغانستان وحتى الملف النووي الإيراني، إلى جانب الاهتمام الدولي المتزايد بالمسائل الأساسية في بؤر التوتر عامة ومنطقة الشرق الأوسط خاصة، وما جرى على الساحة الأوربية من تحركات ونشاطات، وبروز دور فرنسا النشط في قضايا المنطقة، واقتراب موعد انعقاد المحكمة الدولية الخاصة بالاغتيالات على الساحة اللبنانية وبالأخص اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ، بالإضافة إلى مسائل وقضايا أخرى
كل ذلك مثابة دلائل واضحة نحو تعزيز التفاهم بين القوى الدولية ذات الدور المؤثر والفاعل في عموم المسائل المعنية، مما يشير إلى تحولات هامة وجدية تنتظر الوضع الدولي برمته ، تتجلى ملامحها في المواقف والتفاعلات المتواصلة بين أبرز الدول العظمى تلك التي تبدد أوهام عدم توافقها ، بل توحي بشكل أوضح إلى إصرار المجتمع الدولي على المضي في مشروع التغيير الكوني، لكن قد يكون بآليات ووسائل مختلفة في الشكل وتتناسب مع المرحلة وتطوراتها ، هذا التغيير الذي لا شك يلقي بظلاله وانعكاساته على الوضعين الإقليمي والداخلي السوري على حد سواء ، لاسيما وأن قضايا الوضع الراهن تحتل موقع الصدارة في أولويات هذه التحركات وفي المقدمة منها عملية السلام الدائم بين العرب وإسرائيل، والتي تقتضي ترتيبات جديدة من شأنها تسهيل المهام في سبيل تحقيق السلم والاستقرار في المنطقة ..
    إلا أن ما شهدتها الساحة الإقليمية مؤخرا من ظروف استثنائية بالغة الأهمية، وصراعات حادة امتازت بتداخلاتها وتشابكاتها وأبعادها الدولية التي توحي بمرحلة جديدة قد تكون شائكة ومعقدة ، خصوصا بعد الهجمات التي شنتها القوات الإسرائيلية على حماس وقطاع غزة جوا وبحرا وبرا وما نتج عنها من خسائر جسيمة بشرية واقتصادية وهدم ودمار ..الخ ، جعل الوضع يزداد تعقيدا وتأزما، وأثار حفيظة قوى السلام في العالم من مغبة توسيع دائرة الحروب والمعارك الطاحنة وزعزعة أمن واستقرار الشرق الأوسط برمته ..
    واليوم وبعد المبادرة المصرية ، وفي أعقاب وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ومبادرة السعودية عبر القمة العربية الاقتصادية في الكويت الرامية إلى المصالحة العربية ، وإقرار العون اللازم لإعادة بناء غزة ، رغم كل ذلك فإن الوضع ما يزال ينذر بمخاطر جمة وتبقى الآفاق مفتوحة على أكثر من احتمال ، ذلك لما يشهده الوضع الفلسطيني من تشديد للحملات الإعلامية بين الأطراف المتنازعة ، ولما يعود إليه الجانب العربي من الشرخ وإثارة قضايا الخلاف مجددا ، ولما للدور الإيراني السلبي في هذا الصدد من تأثير واضح على القضايا الإقليمية والمسار السلمي للعلاقات ..
    ويستشف مما تقدم ، وما سبق ذلك من الترتيبات التي حصلت في المنطقة بدءا باتفاق دوحة ومرورا بدور الوسيط التركي في مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل وصولا إلى ما لعبته فرنسا من دور مهم في هذا الصدد ، أن الدلائل والمؤشرات –  رغم التعقيدات والأزمات المتزايدة – ترجح خيار التسوية في نهاية المطاف والتي لا مناص منها في العلاقات بين الأطراف المتنازعة فلسطينيا وعربيا ، ومن ثم الانتقال إلى التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بغية إنهاء الصراع وإنجاز المهام الملحة لتوفير أسس تحقيق عملية السلام وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة واستعادة الجولان وما تبقى من الأراضي العربية المحتلة وضمان عوامل الأمن والهدوء في المنطقة ..
    وفي هذا السياق ، فإن ما يهمنا أكثر في هذه المعادلة السياسية هو الجانب السوري الغير قادر على التجاوب مع المرحلة وتطوراتها ، نظرا لما يشهده الوضع السياسي الداخلي من تفكك في أوصاله ، ذلك لما يحمله من إرث ثقيل جراء طبيعة النظام عبر العقود الماضية وسياسته الاستبدادية بما تعني احتكار السلطة والثروة والتفرد بالقرار السياسي ، وهيمنة أجهزته الأمنية على مقدرات البلاد ، وغياب الحريات الديمقراطية ، والاستمرار على حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، والضغوط السياسية المتزايدة التي تمارس على القوى الوطنية والديمقراطية والزج بالمناضلين في السجون والمعتقلات ، وانتشار الفساد والتسيب في مفاصل الدولة ، ومعاناة الجماهير الشعبية من البطالة وتدني القدرة الشرائية ، وتفشي جرائم القتل والسطو وتعاطي المخدرات في المجتمع ..الخ ، هذا فضلا عن تصعيد سياسة الاضطهاد القومي حيال الشعب الكردي وتطبيق المزيد من المشاريع والقوانين العنصرية بحقه ( الإحصاء والحزام العربي وسياسة التعريب والتهجير والتجويع وآخرها المرسوم التشريعي رقم 49 تاريخ 10 / 9 / 2008 الذي شل الحركة الاقتصادية في المناطق المعنية ) ، هذا ناهيك عن عدم الاعتراف الرسمي حتى بواقع وجود هذا الشعب وحقوقه القومية رسميا ، كل ذلك يجعل سوريا غير قادرة على مواجهة الأعباء والمسؤوليات المنوطة بها في المرحلة القادمة ، أو التفاعل مع المتغيرات الدولية والمستجدات الإقليمية ..
    من هنا ، وإزاء الوضع المتردي ذاك الذي يعانيه المجتمع السوري برمته أمام مرحلة لها استحقاقاتها التاريخية ، أن لا بد من تضافر جهود ومساعي القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد من أجل التغيير السلمي الديمقراطي ، وتحقيق مهام بناء دولة الحق والقانون ، التي تنهي الحالة المأساوية لهذا المجتمع، وترسخ دعائم نظام ديمقراطي تعددي على الأصعدة القومية والدينية والسياسية ، وإطلاق الحريات الديمقراطية ، وتحقيق التوافق الدستوري بين مكونات المجتمع السوري عربا وكردا وآثورا ..الخ وحل مجمل المشاكل والقضايا الوطنية في البلاد ، وإلغاء السياسة الشوفينية والمشاريع والقوانين العنصرية الجائرة المطبقة بحق الشعب الكردي ورفع الغبن الذي لحق به لعقود وسنوات طوال ، والاعتراف الدستوري بواقع وجوده كثاني أكبر قومية من حيث التعداد والجغرافية ، وحل قضيته القومية كشعب شريك لهذا الوطن ، وذلك في إطار وحدة البلاد وبما يضمن تطورها وتقدمها ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* آزادي : جريدة شهرية يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا
البريد الالكتروني: azadipartî@yahoo.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…