السياسة الموضوعية عنوان نضال شعبنا الكردي في سوريا

  افتتاحية صوت الأكراد *

منذ تأسيس الحركة الوطنية الكردية في سوريا ، في حزيران عام 1957م ، على خلفية التنكر التام للوجود القومي للشعب الكردي ، وتجاهل حقوقه القومية والوطنية ، بادرت إلى انتهاج سياسة موضوعية تنسجم مع الخصائص القومية لشعبنا الكردي ، والأهداف التي تناضل من أجلها ، وتجلت تعبيرات هذه السياسة في ممارساتها للأساليب الديمقراطية السلمية في نضالها العادل ، وطرحت لغة الحوار مع الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم في سوريا ، بغية وضع القضية الكردية بأبعادها الحقيقية أمام أعينها، وأمام الرأي العام السوري، وما يصبوا إليه الشعب الكردي من حقوق قومية ووطنية وإيجاد حل وطني ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا ، لقناعتها التامة بأن القضية الكردية هي قضية وطنية بامتياز ، يتطلب حلها في إطار وحدة البلاد .
غير أن تلك الحكومات لم تستجب للمبادرات التي أطلقتها الحركة الوطنية الكردية بمسؤولية وطنية ، بل كانت ترد بزرع بذور التفرقة والتمييز العنصري ، وتوزيع شتى الاتهامات الباطلة والعارية عن الصحة بحق الشعب الكردي وحركته الوطنية ، من أبرزها (إقامة دولة كردية في سوريا) و(اقتطاع جزء من سوريا وضمه إلى دولة أجنبية ) بهدف تضليل الرأي العام السوري ، بوجود خطر كردي مزعوم ، بغية تمرير مخططاتها العنصرية كالإحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الحسكة عام 1962م ، والحزام العربي السيئ الصيت ، وسياسة تعريب القرى والبلدات والمدن الكردية والفصل التعسفي للطلبة الكرد من معاهدهم والعمال من وظائفهم ، وغيرها من الإجراءات التي تتنافى مع أبسط مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ، وذلك لعرقلة تطور الشعب الكردي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً ، هذا الشعب الذي يقوم بجميع الالتزامات الوطنية التي تقع على عاتقه ، ولم ينجر إلى مواقف سياسية خاطئة من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية بل جابه سياسة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري المتبعة بحق المواطنين الكرد بمواقف وطنية موضوعية ، بعيدة عن ردود الأفعال السلبية .
لقد حققت السياسة الموضوعية التي انتهجتها الحركة الوطنية الكردية في سوريا ، في تواصلها وتفاعلها مع الوسط الوطني السوري خاصة بين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ولجان حقوق الإنسان، نتائج إيجابية ، حيث تفهمت هذه القوى إلى حد معقول حقيقة القضية الكردية ، وحجم معاناة المواطنين الكرد وتوسعت دائرة التضامن مع مطالب الشعب الكردي ، وبدأت تطالب صراحة بإيجاد حل وطني ديمقراطي عادل للقضية الكردية، ورفع الحيف عن كاهل المواطنين الكرد الذين يعانون من وطأة المشاريع الشوفينية منذ أكثر من سبعة وأربعين عاماً .
بينما بقيت الحكومات تصم آذانها وعدم استجابتها للأصوات المتعالية من الشعب الكردي وحركته السياسية، وكذلك من أصدقاء الشعب الكردي من القوى والأحزاب والفعاليات المجتمعية الوطنية ، بل زادت من وتيرة إجراءاتها الشوفينية حتى المرحلة الحالية ، وخاصة المرسوم /49/ الذي يلقي بمساوئه الوخيمة الكرد خاصة والشعب السوري عامة .
وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية ، التي لا تزال السياسات الشوفينية المطبقة بحق شعبنا الكردي تفعل فعلتها في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية … تزداد الحركة الكردية تشرذماً وتشتتاً تحت يافطات ومبررات معظمها ليس لها أي أساس من الصحة ، – وأن حصل نوع من التقارب بين فصائلها – وتشتد أزمتها في الآونة الأخيرة ، وإن بقاءها على هذه الحالة يجعلها ضعيفة أمام المسؤوليات والمهام التاريخية الملقاة على عاتقها وتزداد الخشية من أن تفقد الحركة الكردية مصداقيتها وثقة الجماهير الكردية بها ، لذلك فإن الواجب القومي والوطني يتطلب أن تترفع الحركة الكردية عن الصغائر ، وأن تعمل بجد من أجل توحيد صفوفها ، وتجميع طاقاتها لتنسجم مع واقع الشعب الكردي وحجمه وطاقاته ، لتكون أداة نضالية فاعلة في حماية شعبها والدفاع عن قضية القومية العادلة ، وتضمين حقوقه القومية والديمقراطية في إطار وحدة البلاد .

ولتكون المواجهة متكاملة للسياسات الشوفينية ، يجب أن تتحلى الحركة الوطنية الكردية بروح التآخي والتسامح ، والتخلي عن الخلافات الحزبوية والشخصية ، وتصفية الحسابات على حساب القضية الكردية الجوهرية ، وذلك من خلال العودة إلى طاولة الحوار الأخوي والوقوف بجدية على دراسة ومناقشة واقع الشعب الكردي وحركته السياسية والإمكانات المتاحة ، وتحديد النشاطات والفعاليات التي تخدم القضية القومية والوطنية ، وتوخي الدقة والحذر من مغبة توتير الأجواء وتشحينها التي تزيد من الصراع والتخندق في صفوف الحركة الوطنية الكردية .

وكذلك توضيح عدالة ومشروعية القضية الكردية في سوريا ، لشعبنا وللقوى الوطنية والديمقراطية التي تتعاون وتتعامل معها الحركة الكردية ، لتكون علاقة الشعب الكردي وحركته السياسية مع الوسط الوطني السوري ، علاقة متينة وراسخة .
كذلك العمل بجدية من أجل التخلص من حالة التشرذم والتشتت المفرط التي لا تعطي صورة حقيقة عن واقع الشعب الكردي من خلال التأكيد على الوحدة النضالية بين فصائل الحركة الكردية في إطار جامع ، من خلال البحث عن نقاط الاتفاق والعمل وفقها ، فضلاً عن الابتعاد عن المواقف الشعاراتية في طرح القضايا الأساسية وبنوايا صادقة لكي تتكلل الجهود بنجاح .

وما عدا ذلك فإن الكثير من الصعوبات والمعوقات ستعترض المسيرة النضالية لشعبنا الكردي ولحركته السياسية ، وأن الخاسر الأول يكون شعبنا الكردي وقضيته القومية والوطنية .

* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) – العدد (411) كانون الثاني 2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…