دموع التماسيح على غزة … وتدابير تركية ضد الديموغرافية الكوردية والآلاوية

محمد محمد – المانيا
كم يكون المرء سعيدا، ان بادرت حكومة ديموكراتية، منظمة حقوق الانسان أصلية أو مؤسسة دولية حقوقية الى دعم قضايا الشعوب المقموعة والمضطهدة أو المحتلة، وملاحقة مرتكبي الجرائم المتنوعة، من قتل المدنيين، تدمير القرى والبلدات، تشريد السكان الآمنين، تغيير الصرح الديموغرافي للسكان وغيرها من الارتكابات الاجرامية الشبيهة.

وفي المقابل، كم يكون الانسان  الواعي الواقعي ساخطا على تناقض حكومة شوفينية ـ عسكرتارية “كحكومة أردوغان” منبثقة من مثيلاتها التورانية السابقة, وذلك عندما تزرف دموع التماسيح على ضحايا غزة الأخيرة.

تلك الحكومة التي تنفي الوجود القومي للشعب الكوردي “المضطهد” الذي لايزال يعيش, رغم محاولات تغيير ديموغرافيته من قبل حكومة اردوغان وسابقاتها  الشوفينية، والذي يقارب تعداده السكاني عشرين مليون نسمة  كأغلبية ساحقة داخل 23 محافظة على أرضه كوردستان التاريخية،
بل ومارست وتمارس تلك الحكومات منذ عقود عديدة وحتى الآن حروب ابادة وتهجير عليه بهدف كبح مساعيه وتطلعاته التحررية بل وحتى ارتكاب جرائم تغيير وضعه الديموغرافي بغية صهره عنفيا داخل البوتقة التورانية.

انه أردوغان الذي يأمر عسكرتاريته بشن مختلف الحملات البرية والجوية وبشتى أنواع الأسلحة على العديد من المناطق الكوردستانية الشمالية وحتى الجنوبية، تباكى نفاقا على توغل القوى العسكرية الاسرائيلية داخل غزة مؤخرا، في الوقت الذي فيه يقوم الخبراء الاسرائيليون المختصون منذ سنين بتدريب العديد من القوى العسكرية التركية، والسعي لابرام عقود استلام طائرات استكشاف خاصة وغيرها من اسرائيل.

كما أنه خلال احدى المظاهرات الجماهيرية الكوردية السلمية قبل سنة أو أكثر بقليل في مدن كوردستانية شمالية أطلقت القوى الأمنية التركية النار على بعض المتظاهرين ومن بينهم أولاد قد قتلوا وجرحوا آنذاك.

وعندما أثير ذلك من قبل بعض وسائل الاعلام، عقب أردوغان على ذلك زاعما”  ما هو عمل الأولاد في المظاهرة!”، وذلك بدلا من أن كان عليه أن يبدي أسفه على الأقل على قتل وجرح أولئك الأولاد!

لقد ثبت العديد من منظمات حقوق الانسان والباحثين والاعلاميين الدوليين حقائق كثيرة حول الأوضاع المختلفة في تركيا، ومن بينهم الناشر والاعلامي الألماني راينر هيرمان” Rainer Hermann ”  الذي أقام منذ بداية التسعينيات  وحتى قبل سنة  في مدينة استنبول ” Konstantinopel ” كمراسل لجريدة Frankfurter Allgemeine Zeitung، قد بين في كتابه الجديد المنشور منذ عدة أشهر الكثير من المعلومات والأمور الهامة في الشؤون التركية، منها،” أنه منذ عام 1984 وحتى عام 1998 اثناء محاربة بعض مقاتلي PKK آنذاك، عمدت السلطات والقوى العسكرية التركية الى افراغ أكثر من ثمانية آلاف قرية كوردية هناك وتشريد وتغيير سكنى أكثر من ثلاثة ملايين كوردي خلال تلك الفترة”، انتهى الاقتباس.

هنا يمكن للمرء أن يتصور مدى عنجهية وشوفينية السلطات التركية المتعاقبة وعنادها التوراني المتواصل منذ عقود عديدة، أحيانا بحجج محاربة بعض مقاتلي PKK أو ما شابه، لترتكب أفعال تغيير الوضع الديموغرافي في كوردستان الشمالية وبقدر الامكان افراغها من الكورد وتشريدهم الى عمق المناطق التركية والى البلدان الأخرى، وتتريك وتورنة البقية الباقية منهم، هذه هي الأهداف الحقيقية لتلك السلطات.

كذلك الى جانب انكار الوجود القومي للشعب الكوردي، هناك عدم الاعتراف من قبل تلك السلطات التركية السنية والنقشبندية بشرعية العقيدة الدينية الآلاوية والعلوية لأكثر من عشرين آلاوي وعلوي الذين يتكلمون الكوردية والتركية والعربية، ويتعرضون أيضا الى التهميش والتسنين والحرمان من المراكز والادارات المهمة في الجوانب العسكرية والقضائية والمدنية للدولة الا اذا كان أحدا منهم قد تخلى عن أهداف بني عقيدته.

كذلك يتم ارغام طلبة الآلويين بالمشاركة في دروس وتعاليم الديانة السنية والنقشبندية في المدارس، ويمنع الآلويين بتعلم عقيتدهم في المدارس والمعاهد، فقط يمارسون ولايزالون بحذر عباداتهم وطقوسهم الدينية كالأخوة الازيديين الزرداشتيين الكورد داخل بيوتهم التقليدية المحدوة الأبعاد والأشكال الخاصة بذلك، حيث لا يتلقون الامكانيات المادية من وزارة أو مصلحة ديانت التابعة للدولة، لبناء بيوت عبادة كبيرة خاصة في كافة مناطق تواجدهم وكذلك خوفا من الاغارة عليهم من قبل المجموعات السنية المتعصبة أو عملاء المخابرات التركية, وربما لا يتم أصلا منح  رخص بناء لتلك البيوت الآلاوية الكبيرة.

بينما السنيون والنقشبنديون يتلقون الامكانيات المالية وغيرها من الدولة لبناء الجوامع والخدمات اللاذمة الأخرى، هذا بالاضافة الى  أن هناك حملات متواصلة منذ عقود من قبل أطراف في الدولة وبعض التنظيمات السنية المختصة بالزام بناء الجوامع السنية في داخل المناطق الآلوية وذلك بغية اجبارهم على زيارة تلك الجوامع وتسنينهم، رغم أنهم يعلنون رفضهم لبناء وزيارة تلك الجوامع.

في اطار هذه التدابير الشوفينية والعنصرية القومية والدينية هناك أيضا التضييق المتواصل التقليدي على الازيديين الزدشتيين الكورد وعلى الأقليات المسيحية اليونانية والأرمنية والسريانية، وعرقلة مهام البعثات التبشيرية الغربية من قبل عملاء المخابرات والمجموعات القومية التركية والسنية الشوفينية في تركيا.

ومن هنا يتسائل بل يستغرب المرء شاككا بكل وضوح حول التناقض الصارخ بين مزاعم رموز السلطات التركية حول ضحايا حرب غزة ومساعي تلك الرموز الآن وخلال أشهر السنة الماضية باجراء مفاوضات غير مباشرة بين اسرائيل وبين سورية بزعم للوصول الى سلام في المنطقة، في الوقت الذي فيه تعقد  وتصعب تلك الرموز الأوضاع بين الكورد والآلاويين وبين تلك السلطات بغية تورنتهم وتسننهم داخل تركيا نفسها!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…