المتحول في حروب الشرق الأوسط

صلاح بدرالدين 

   أصابت حروب الشرق الأوسط المندلعة الساخنة ما بعد مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي المتفوق والشرقي المنكفىء الى تحولات جوهرية عميقة ليس بسبب توفر السلاح المتطورالمستعمل والهدف والوسائل والشعارات ووتيرة الوحشية العالية والدمارالشامل فحسب بل بما يتعلق بطبيعة الأطراف المتواجهة حيث أن جل هذه الحروب لاتدور في معظم الأحوال بين دولة وأخرى بل بين دول من جهة ومنظمات وأحزاب وقبائل ذات الطابع الأثني والمذهبي من الجهة الأخرى كما حصل في أفغانستان وفي الفصول الأخيرة من حرب العراق وفي لبنان وغزة
وتختلط في هذه الحالات أساليب حرب العصابات المبتكرة كالمتفجرات والانتحاريين بالأحزمة الناسفة وحركات الكر والفر مع وسائل الحروب النظامية التقليدية وتتبادل أطراف الصراع الأدوار والوسائل بما في ذلك أحدث أنواع الأسلحة التي تجد طريقها عبر المساعدات بقنوات رسمية أو ملتوية عبر التهريب والسوق السوداء ومن المشاهد المعتادة أيضا في معارك عصرنا وخاصة بعد انفلات الأصولية الاسلامية من عقالها وأحداث سبتمبر الأمريكية قبل سبعة أعوام أن قيام دولة عظمى بكل جبروتها يمواجهة حزب أوحركة أو مجموعة وفي الوقت ذاته أن تتمكن واحدة من الأخيرة من الحصول على أسلحة تدميرية أو جرثومية أو تفجيرية وتصل الى أية بقعة في العالم .
   باستثناء الحربين الكونيتين والحروب الأخرى الصغيرة التي اندلعت في أراضي الغير بالنيابة عن القوى الكبرى وخاصة المعسكرين خلال حقبة الحرب الباردة فان سنوات القرنين التاسع عشر والعشرين شهدت في ماسمي ببلدان العالم الثالث في القارات الآسيوية والافريقية والأمريكية اللاتينية عشرات بل مئات الحروب والمعارك والمواجهات في أطر حركات التحرر الوطني للشعوب المناضلة من أجل الحرية والاستقلال والتي ضمت مختلف الطبقات الاجتماعية والشرائح والفئات الوطنية تتصدرها الحركات السياسية الأكثر تنظيما وتجذرا في صفوف الشعب والتي تحمل الأفكار الاشتراكية والديموقراطية والقومية اليسارية وتربط كفاحها ضد الاستعمار والاحتلال والانتداب من اجل تقرير المصير بالنضال السلمي من اجل التقدم الاجتماعي وحقوق الانسان والمساواة بين المرأة والرجل والتنمية والعيش الكريم الآمن ولم تكن تلك الحركات الوطنية التحررية التي حملت السلاح أيضا تمارس أي نوع من الارهاب حتى ضد العدو أو عمليات عسكرية ضد المدنيين أو استخدام الشعب كدروع بشرية وكانت تتحاشى بشكل قاطع الحاق الأذية بالشعب أو توفير الذرائع للعدو بالانتقام من الأبرياء في حين نرى في عصرنا الراهن حروبا تقع في بلدان مستقلة تحكمها أنظمة دكتاتورية شمولية أو ديموقراطية يغلب عليها الطابع الآيديولوجي والصراع على السلطة وتتصدرها قوى أصولية من الاسلام السياسي لاتلتزم بقوانين ومتطلبات وصفات التحرر الوطني السالفة الذكر فحسب بل تنتهج سلوكا يؤدي الى وصمها بالارهاب من قبل المجتمع الدولي وقوى التحرر والتقدم الوطنية .
   كانت حروب التحرر الوطني تندلع في ظل شعارات واضحة وأهداف معلنة من جانب طرفي الصراع أما حروب عصرنا التي تفتقر في أكثر الأحيان الى الشفافية من حيث أهداف الفرقاء فتضيع في أوارها الحقائق ولم يعد يجدي سوى انتظار النتائج على الأرض وهنا من المفيد  مقاربة الأسباب المعلنة والخفية لحروب أفغانستان والعراق وغزة :
 –  أفغانستان : بهدف ” القضاء على زعيم القاعدة أسامة بن لادن ” وقد نجحت الحرب في  1 – اسقاط حكومة طالبان وتصفية دولتها ومسؤوليها وملاحقة فلولها .

2 – تدمير البنية التحتية لمنظمة القاعدة من معسكرات وأسلحة وخلايا ومشاريع استثمارية .

3 – تنظيم اصطفاف جديد يمثل الغالبية الساحقة من مكونات أفغانستان القومية والأثنية والقبلية تمثل في مؤتمر بون ومن ثم تشكيل حكومة اتحاد وطني مهدت لانتخابات برلمانية .

4 – وضع أسس دولة حديثة حسب المبادىء الديموقراطية ومشاريع اقتصادية تنموية تربوية مدعومة من دول الناتو وبرامج ثقافية واعلامية .

5 – رفع الحظر على المرأة واطلاق طاقاتها وتحقيق مشاركتها في الحياة العامة .

6 – مواصلة محاربة الارهاب وزراعة وتجارة المخدرات .
– العراق : بهدف  ” تدمير أسلحة الدمار الشامل ” العراقية وقد حققت الحرب التي قامت بها القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عدة أهداف ليس من بينها اسلحة الدمار الشامل ومنها : 1 – اسقاط نظام صدام حسين الدكتاتوري  .

2 – تفكيك الدولة العراقية بما فيها حل الجيش العراقي وكافة المنظومات الأمنية .

3 – اجراء انتخابات برلمانية ديموقراطية منبثقة عنها حكومة وحدة وطنية .

4 – وضع دستور دائمي جديد للعراق الفدرالي وارساء العملية السياسية .

5 – حل القضية الكردية على أساس النظام الفدرالي .

6 – اطلاق الحريات العامة الحزبية والاعلامية والمدنية وتثبيت حقوق كافة المكونات العراقية القومية والدينية والمذهبية .

7 – محاربة الارهاب واجتثاث جذوره .

8 – اعادة علاقات العراق الودية السلمية مع جيرانه والعالم وابرام المعاهدة الأمنية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية .
– غزة : بهدف ” وقف اطلاق صواريخ حماس ” وقد حققت الحرب التي قامت بها القوات الاسرائيلية أهدافا عديدة ليس من بينها – حتى الآن – اسكات الصواريخ ومنها : 1 – تدمير البنية التحتية لسلطة حماس المسيطرة على قطاع غزة منذ انقلابها العسكري من مؤسسات ومواقع عسكرية وأمنية وادارية .

2 – نسف كل بنى ومكاتب وزارات ووسائل حكم سلطة حماس .

3 – شل الحياة الاقتصادية والمعيشية والحياتية بما فيها الكهرباء والماء وقطاع المستشفيات والمدارس والجامعات والحاق خسائر مادية جسيمة بالأموال والممتلكات العامة والخاصة قدرت بملياري دولار .

4 – وقوع ضحايا مدنية بالمئات .

5 – قتل واغتيال وجرح وأسر المئات من أعضاء وكوادر وقيادات حماس .

6 – نجاح اسرائيل بصورة ما في اظهار حربها الاجرامية أمام الرأي العام على كونها تستهدف الارهاب المدعوم من ايران واستفادتها من مواقف قادة حماس الخاطئة التي قدمت الذرائع وخدمت أجندة خارجية وانسحبت من الحوار الوطني برعاية مصر وتسعى لفظيا الى الحرب .7 – خلق وقائع سياسية جديدة قد تعزز من شرعية ووحدانية تمثيل السلطة الوطنية ومنظمة التحرير عربيا ودوليا .

8 – احتمالات تكريس عزل قادة حركة حماس الذين اختبؤوا ومحاسبتهم بالمستقبل بعد استتاب الاستقرار وتحميلهم جزء من مسؤولية ما حصل .

9 – احدى نتائج الحرب ظهور حركة حماس بمظهر العاجزة بفكرها وممارساتها عن قيادة الدولة والحفاظ على أمن وسلامة الشعب الفلسطيني والحد من الخسائر .
 عودة الى أهداف الأطراف المواجهة المعلنة في هذه الحروب نقول لسنا مجبرين لتصديق ماتدعيه القاعدة وطالبان عن القضاء على الصهاينة والنصارى في العالم أو ما تزعمه المجموعات الدينية والطائفية بالعراق من تحرير ومقاومة أو ماتطلقها حماس من شعارات الصمود والتحريروالمقاومة كمثيلها حزب الله في لبنان حيث لكل من تلك الجماعات مقاصد ومرامي أخرى تتعلق باالسيطرة على السلطة وخدمة الأجندة الخارجية الاقليمية التي باتت أكثر من معروفة .

ازاء هذه الحروب بفظاعتها وعبثيتها لم يعد المجتمع الدولي لامباليا وأصبحت القوى الكبرى والصغرى عالميا واقليميا جزء من آلية الحسم العسكري والتأثير الاقتصادي وتغليب كفة الميزان ومنغمسة فيها من الأذنين وحتى أخمص القدمين وبات شعار محاربة الارهاب العنوان الأول والأخيرللسياسة الدولية في عصرنا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…