التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

   في العشرين من كانون الثاني الجاري سوف تستلم إدارة أوباما الديمقراطية مهام عملها، ورغم أن الإطار الرئيسي للسياسة الأمريكية لن يتغير كثيراً، فإن الخطوط العريضة لتلك السياسة سوف تدور حول ترتيب الأولويات بالنسبة للملفات المعنية، حسب الأهمية، ويعتقد المراقبون بأن الأزمة المالية التي تعاني منها الولايات المتحدة سوف تتصدر أجندة الإدارة الجديدة، لكن هذا لا يعني بأن الملفات الأخرى ستكون خارج اهتماماتها، ومنها ملفات العراق وأفغانستان والصعود الروسي الجديد والعلاقات المتوترة مع إيران بسبب ملفها النووي
إضافة إلى ملف السلام في الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي الذي يشهد تحولاً هاماً قد تكون له نتائج عميقة في المرحلة القادمة، فالحرب على غزة كشفت عن أبعاد سياسة خطيرة يراد منها وضع إدارة أوباما في واشنطن أمام واقع جديد قبل صياغة موقفها من هذا الملف الشائك، فالجيش الإسرائيلي، الذي استعد طويلا لمثل هذه الحرب العدوانية المدانة، يبقى يفتش عن ذرائع بعد أن رفضت قيادة حماس تمديد التهدئة وكرّست الانقسام الفلسطيني، فكان الثمن ولا يزال باهظاً من دماء المدنيين وقدرات الشعب الفلسطيني، وسوف تنعكس النتائج على خارطة توازن القوى، سواء داخل الصف الفلسطيني، أو بينه وبين إسرائيل، خاصة إذا علمنا أن حماس سوف تخرج من هذه الحرب بمفاهيم لم تعد صالحة للتداول فيما يتعلق بمنطق النصر والهزيمة الذي يرتبط أساسا بمقدار ما تستطيع من إعادة تمتين الوحدة الفلسطينية وتغليب مصلحة القضية على حساب المشاريع الإقليمية التي تتعاطى مع هذه القضية العادلة كورقة للضغط والمساومة مع إسرائيل والإدارة الأمريكية، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بهذه القضية، بما فيها قرار مجلس الأمن 1860 بشأن الوقف الفوري لإطلاق النار .
  وعلى الصعيد الإقليمي، فقد أبرزت حرب غزة خلافات عربية حادة تبيّنت من خلال فشل عقد قمة طارئة وأرجئت إلى إشعار آخر مشاريع التسوية التي انتعشت قبل شهر من خلال مشروع تمرير قرار أمريكي- روسي مشترك صدر عن مجلس الأمن تحت رقم 1850، يمهّد لاجتماع قادم للجنة الرباعية في موسكو لحل قضايا الحل النهائي وموضوع الدولة الفلسطينية، كما أن المفاوضات بين سوريا وإسرائيل توقفت بعد أن كادت تبدأ بشكل مباشر بين الطرفين في تركيا، مثلما فشلت جولة الحوار الوطني اللبناني في إيجاد حل لقضايا الخلاف، نظراً لتداخل العوامل الداخلية والخارجية، خاصة ما يتعلق منها بسلاح حزب الله بسبب انتظار الترتيبات الإقليمية ومنها مصير تلك المفاوضات السورية الإسرائيلية، ومستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية، بعد استلام إدارة أوباما، حيث تحرص طهران على توجيه رسالة إلى الإدارة الجديدة تعرض فيها قدرتها بما تملك من أوراق إقليمية ضاغطة، مثل جيش المهدي وحزب الله وحماس، خاصة بعد أن جاءت المتغيرات التي فرضتها واشنطن في كل من أفغانستان وفلسطين والعراق ولبنان لمصلحة نفوذ إيران ودعم دورها السياسي مقابل إضعاف الدول العربية المعتدلة، وتهميش دورها وتأثيرها في الشارع العربي، وهي لذلك تواصل تخصيب اليورانيوم لتقترب أكثر من السلاح النووي مستفيدة في ذلك من توتر العلاقات الروسية الأمريكية، مما يضمن لها الحماية من تشديد العقوبات عليها في مجلس الأمن، بفضل الفيتو الروسي الذي يستخدم دائماً لتهديد الغرب من محاولة اقتراب حلف الأطلسي من الحدود الغربية والجنوبية لروسيا الاتحادية .
  لكن رغم تمكّن إيران من تجنب العقوبات الدولية، فإن اقتصادها يشهد أزمة حادة، خاصة بعد الانخفاض الكبير في أسعار البترول بسبب تراجع الطلب عليه وزيادة مخزون الدول المستهلكة ولجوء بعض دول الأوبك إلى زيادة الإنتاج سراً، وانخفاض حدة المواجهة بين إيران وأمريكا على ضوء التطورات الجارية في العراق، وخاصة بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد، والتي تضمن بقاء وفعالية القوات الأمريكية داخل العراق حتى نهاية عام 2011 وتلزم إدارة أوباما ببنودها وجداولها الزمنية، خاصة مع بقاء وزير الدفاع (كيتس) في منصبه..

ولما كان هذا الوزير هو أحد أنصار مشروع تقرير(بيكر- هاملتون) فإن من المتوقع أن يكون الإتجاه السائد هو الانحياز نحو الحلول السياسة المعتمدة على الحوار، سواء في الداخل العراقي لإنجاز المصالحة الوطنية وحل الإشكالات القائمة في الأزمة السياسية العراقية، وكذلك الدعوة إلى حل إقليمي بمشاركة دول الجوار بما فيها سوريا وإيران، وتسهّل هذه الاتفاقية مهمّة سحب متدرج للقوات الأمريكية يتزامن مع الازدياد المضطرد لسيادة الأمن والاستقرار من جهة، ومع حاجة الجانب الأمريكي، من جهة أخرى، لإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان التي بدأت تحتل المرتبة الأولى في سياسة الحرب على الإرهاب، خاصة بعد التطورات التي شهدتها شبه القارة الهندية وتصاعد حركة التمرد التي يقودها طالبان باكستان، وإقدام (عسكر طيبة) بهجمات مومباي في الهند، وما سبّبته من توتّر شديد بين البلدين، أثّر سلباً على عملية السلام التي لم تكن جادة أصلاً بسبب إبعاد قضية كشمير، التي تعتبر جوهر الصراع بينهما، عن طاولة المفاوضات .
   وبالانتقال إلى شأن آخر، فإن إطلاق قناة فضائية كردية رسمية في تركيا، وفتح أقسام لدراسة اللغة والأدب الكرديين في جامعتين تركيتين، بموافقة المجلس الأعلى للتعليم، لم يكن حدثاً عادياً، لأنه عبّر عملياً عن تجميد بعض المفاهيم التي سادت تركيا الكمالية التي لم تكن تقر إلا بوجود شعب واحد ولغة واحدة وهي التركية، ودأبت الحكومات المتعاقبة على حظر التكلم باللغة الكردية وحظر الغناء والزي الكردي..

وبغض النظر عن البرامج والسياسة الإعلامية لهده القناة، فإن مجرّد بثّها باللغة الكردية يأتي في إطار الاعتراف عملياً بالوجود القومي الكردي وحماية اللغة والثقافة الكردية وتطويرها، وذلك رغم الخلفية التي استند إليها حزب العدالة لاستخدامها في الدعاية الانتخابية لاجتذاب المزيد من الناخبين الكرد في الانتخابات المحلية والبلدية التي سوف تجري في الربيع القادم .
  وبالعودة إلى الوضع الداخلي فان الأزمة الاقتصادية تلقي بثقلها على كاهل المواطنين وتتضح ملامحها العامة من خلال تراجع متوسط دخل الفرد وخسارة الميزان التجاري وضعف القوة الشرائية للعملة السورية وارتفاع نسبة البطالة لتزيد عن ربع القوة العاملة، وانخفاض مؤشّرات التنمية، واتساع مساحة الفقر لتشمل حوالي نصف السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، ويعود هذا الوضع المتردي لعدة عوامل مترابطة فيما بينها تتقدمها ظاهرة الفساد والإفساد الاقتصادي والإداري، وما ينجم عن ذلك من ارتفاع جنوني للأسعار بحيث أصبح هذا الوضع مرشحاً للتفاقم في ظل حالة من عدم الاكتراث الرسمي، وانعدام تكافؤ الفرص بين المواطنين في الحصول على العمل، وغياب التوزيع العادل للدخل الوطني وانتشار البطالة..

ويترافق تأزم الوضع المعاشي، المرشّح للتفاقم، مع تزايد وتيرة القمع وتشديد القبضة الأمنية واتساع نطاق الإستدعاءات والاعتقالات الكيفية بحق النشطاء الكرد والعرب ، وتشديد عمليات الحصار التي تطال مختلف أشكال الحراك السياسي والثقافي، والتضييق على الحريات العامة، وتواصل الأحكام العرفية والإجراءات والمحاكم والقوانين الاستثنائية، والتي تخفي السلطة تحت غطائها عجزها عن معالجة الأزمة الداخلية، في حين تعمل فيه على إدارتها بطريقة تحفظ لها الاستئثار والاحتكار وتعطيل المؤسسات المدنية والإبقاء على هيمنة الأجهزة الأمنية بدلاً من سيادة القانون.
     وتتزايد تلك الأوضاع تعقيداً في المناطق الكردية بسبب ابتلائها بالسياسة الشوفينية التي تستبيح الحريات وتمعن في تطبيق المزيد من المراسيم والمشاريع العنصرية في إطار الإنكار المعتمد للوجود الكردي، والتنكّر لشرعية الحركة الكردية والإبقاء على حرمان الشعب الكردي من أبسط حقوقه القومية، رغم أن الاعتراف بالآخر القومي والديني والسياسي، بات سمة العالم المتطور الذي يشهد التغيير يومياً على أكثر من صعيد، كما يشهد هبوب رياح الديمقراطية التي لا يمكن الحديث عنها في سوريا بمعزل عن الاعتراف بالوجود الكردي، كمكوّن أساسي لنسيج سوريا، كوطن متعدّد الانتماءات القومية والدينية والثقافية، يشكّل فيه الكرد مجالاً هاماً من وجوده وتاريخه وحتى من مستقبله الذي يمر أصلاً من خلال تحقيق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع والإقرار بالحقيقة الكردية دستورياً وتطبيق ما يترتب على ذلك عملياً .
       في 13-1-2009
اللجنة السياسية

لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…