حمـاس (حماس)

ديـــار ســـليمان

من إستمع قبل حوالي إسبوعين الى مسؤولي حماس وهم يعلنون رفضهم تجديد التهدئة المنتهية صلاحيتها مع اسرائيل ويلعنونها ، ومن ثم يتبعون ذلك وفي مساء اليوم ذاته بإطلاق مئتي (صاروخ) على أراضي إسرائيل وكأنهم كانوا على أحر من الجمر إنتظارآ لنهاية تلك التهدئة وتحررهم من إلتزاماتها كتأكيد على المنحى الذي يرغبون السير فيه في تعاملهم مع الدولة العبرية، أقول من راقب هذه الإنقلابات من حماس المشهورة بالإنقلابات إعتقد للوهلة الأولى أن هذه الحركة قد أعدت لهم (ما إستطاعت من قوة و من رباط الخيـل) وبأن أم معاركها قد بدأت وأن إجتيـاحها للأراضي الإسرائيلية قد بات قريبآ.
لكن ما حدث بعد ذلك يكشف مأساوية الإنقلاب الأخير على الهدوء النسبي الذي كان يعيشه مواطني غزة والذي أختلف في أبعاده عن الإنقلاب (الأهلي ـ المحلي) الذي نفذته حماس ضد السلطة الشرعية الفلسطينية رغم مأساويته أيضآ والذي كان أحد أبرز مظاهره الإستيلاء بالقوة على السلطة في غزة ومحاولة إغتيال الرئيس محمود عباس، وبقيت صورة إلقاء رجل معصوب العينين و مكبـل اليدين من على سطح البناء ذو الثماني طبقات كونه ينتمي الى حركة فتح المنافسة رسالة حماس الواضحة محليآ و عالميـآ.
إذآ كان على حماس وهي التي تكورت على نفسها وتحولت الى كرة مضغوطة من لهب نتيجة الإيديولوجية التي تؤمن بها والضغوط المحلية والإقليمية وخاصة الإجندة المرسومة لها، كان عليها أن تتوسل تهدئة جديدة حتى وإن كانت بشروط أكثر إجحافآ لها بدلآ من نزع صاعقها الذي تسبب أولآ في حرمان الاطفال في غزة من أعياد الميلاد و رأس السنة هذا عدا الحرمان من حق الحياة، وفي التأكد على أنها لا تتعامل مع الآخرين حتى وإن كانوا أعدائها كبشر لهم كياناتهم.

       
لقد أصبحت النقاشات تدور اليوم حول مظاهر الهجوم الإسرائيلي ونتائجه دون التطرق للأسباب، فالآلة الإعلامية العربية خاصة تجهد في عرض صور ضحايا هذا العدوان لدرجة أنها حولت غـزة الى حائط مبكـى وأصبحت شاشات التلفزيون جزءآ من هذا الحائط الذي يقضي معظمهم بعض وقته أمامه قبل أن يدير جهاز العرض الى محطات أخرى و يعود الى أشغاله وحياته الإعتيادية، في حين أن المزايدات الكلامية على أشدها بين الجميع.
قائد حماس يطمئن من دمشق رغم صور الجثث المرعبة وأنقاض البيوت أن البنية التحتية للحركة بخير، ترى ماذا ينفع الأطفال والنساء والشيوخ هذه البنية التحتية إذا لم تكن قادرة على رد الموت والدمار عنهم؟ ثم أين هم قادة حماس في هذا المعمعان؟ لماذا إختفى الجميع دفعة واحدة وتركوا الناس يواجهون لوحدهم مصيرآ قاتمآ بسبب قرارٍ لا ناقة لهم فيه و لاجمل؟ أما الحاكم العربي الذي يبث من وسائل إعلامه أقوى مثيرات الدموع و يدعو غيره الى عدم السكوت، ألا يسأل نفسه ماذا قدم هو سوى فتح باب مخزنه الكبير الملئ بشتى الشعارات الصدئة والزعيق الثوري وأقوى عبارات التنديد والشجب والإستنكار والإدانة.
 لقد تناسى الجميع المشكلة الكبرى وأصبح معبر رفح هو القضية التي يتوقف عليها الحل، ووجد الأخوة العرب كعادتهم قضية يختلفون بشأنها بين مطالب بفتح هذا المعبر وبين من هو بالضد من إستفادة حماس من نتائج إنقلاباتها، في حين يتناسى الجميع أن هذا المعبر ليس سوى بضعة أمتار وإذا كانوا جادين حقآ فأمامهم جبهات بطولها وعرضها يستطيعون إذا إمتلكوا الإرادة الصادقة أن ينزلوا الى الميدان وأن  يفتحوا فيها آلاف المعابر.
 تتوهم حماس أن التعاطف مع ضحايا الهجوم على غزة هو تعاطف معها شأنها شأن النظام العراقي النافق الذي كان يستغل مأساة العراقيين أيام الحصار لا بل يمنع الأدوية عن الأطفال لكي يتاجر بموتهم، لذلك تراهن حماس على زيادة ضحايا الهجوم لكي تكسب التعاطف لنفسها و إلا ما معنى أن تعلن إسرائيل اليوم عن هدنة لعدة ساعات وتوفير ممـر آمن لإدخال المساعدات الإنسانية و إعلان حماس في الوقت ذاته أنها غير معنية بهذه الهدنة وأن هذه الهدنة من جانب واحد و أن أشاوسها مستمرين في الهجوم على إسرائيل!؟
فتأمل يا رعاك الله.
07.01.2008
    diarseleman@hotmail.de

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…