هوشنك أوسي
منذ مطلع عام 2008، والحديث جارٍ حول ضربة أميركيّة وشيكة لطهران، على خلفيّة ملفّها النووي.
ومع انحسار الحديث عن نيّة البيت الأبيض القيام بذلك، اتّجه الحديث نحو نيات تل أبيب في إنجاز تلك الضربة، حتّى لو كانت لوحدها، ودون المؤازرة الفعليَّة والعمليَّة لواشنطن.
والمشهد الإسرائيلي، والتسريبات الصحافية، والتقارير الاستخباريّة، والمناورات العسكريَّة…، كانت تشي بأن الدولة العبريّة، قد عقدت العزم على ضرب طهران، لا محالة.
منذ مطلع عام 2008، والحديث جارٍ حول ضربة أميركيّة وشيكة لطهران، على خلفيّة ملفّها النووي.
ومع انحسار الحديث عن نيّة البيت الأبيض القيام بذلك، اتّجه الحديث نحو نيات تل أبيب في إنجاز تلك الضربة، حتّى لو كانت لوحدها، ودون المؤازرة الفعليَّة والعمليَّة لواشنطن.
والمشهد الإسرائيلي، والتسريبات الصحافية، والتقارير الاستخباريّة، والمناورات العسكريَّة…، كانت تشي بأن الدولة العبريّة، قد عقدت العزم على ضرب طهران، لا محالة.
وأتت نتائج الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، وفوز باراك أوباما، لتعزّز فرصة انفتاح واشنطن على طهران، دون شروط مسبقة، ما خلق إرباكاً في الجانب الإسرائيلي، وجعله يتريّث في الضربة، والبحث عن سيناريوهات أخرى، لاستدراج طهران.
فمن جهة، سعت تل أبيب إلى تسخين قنوات الارتباط مع دمشق، عبر الوسيط التركي، في ما يتعلّق بالمفاوضات غير المباشرة، وما تمّ الحديث عنه من وشوك هذه المفاوضات أن تدخل مرحلة المباشرة، وجهاً لوجه، لخلق نوع من فكّ الارتباط السوري _ الإيراني.
ومن جهة أخرى، كانت تسعى وتتأهَّب لتوجيه ضربة عسكريّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة.
لكنّ، المسعى الأخير، شابه ما شابه، من تباطؤ وارتباك، ودعم استجلاء تامّ للموقف الأميركي حياله، ناهيكم عن تحذيرات داخليّة من التبعات.
في حين أن المسعى الإسرائيلي على الجانب السوري، كان يشهد تقدّماً ملحوظاً ومهمّاً.
بالنتيجة، كانت الدولة العبريّة واثقة من أن حركة «حماس» لن تجدّد التزامها بالتهدئة، لتعزز فرص التفاوض الإيراني مع أميركا، إن لم نقل شروط دمشق أيضاً.
لذا، اقتنصت تل أبيب هذه اللحظة الذهبيّة، لتنهال بوحشيّة وهمجيّة معهودة على غزّة.
وجود إيهود باراك في أنقرة، وليفني في القاطرة، وقبلهما، أولمرت في واشنطن، لم يكن لشيء، إلاّ أن إسرائيل، كانت قد خططت مسبقاً لضرب غزّة، وإخطار العاصمة العربيّة بقرارها، ومذكّرة العاصمة التركيّة بالتزاماتها الاستراتيجيّة حيال اسرائيل، في ما لو دخلت طهران على خطّ المواجهة بشكل مباشر.
وعليه، لا يمكن نفي المعرفة بما يقدم عليه الكيان العبري الآن حيال غزّة.
لكن ثمّة أسئلة أخرى تطرح نفسها هنا، وهي: إلى متى كان سيُقبل أن تبقى غزّة رهينة الأجندة الإيرانيّة؟.
إلى متى كان سيُقبل أن تقوم «حماس» بجعل غزّة، دريئة لتلك الأجندة؟.
إلى متى كان العالم العربي سيقبل أن تستمرّ «حماس» باختطاف غزّة، واستخدام أهلها كدروع بشريّة لها؟!.
فأثناء إدانة الحرب الإسرائيليَّة الوحشيّّة، والبربريّة، والشنيعة على غزّة، لا مناص من طرح تلك الأسئلة أيضاً، والإجابة عنها.
فكما أن النظام الرسمي العربي هو محلّ إدانة، ومعه الدولة العبريّة، كذلك، ينبغي أن تدان «حماس» أيضاً، ولو لمرّة واحدة!.
«حماس» أيضاً، تتحمّل جزءاً من المسؤوليّة في ما عانته وتعانيه غزّة، من حصار ودمار ومذابح.
إذ كيف لمن يدين ويشجب وحشيّة الكيان الصهيوني، أن يشفع لـ»حماس» تركها سجناء «فتح» في مقارّها الأمنيّة، عرضة للقصف الإسرائيلي، ولم تطلق سراحهم؟!.
هذا، إنْ لم تكن هي، قد قامت بتصفيتهم، قبل إخلائها تلك المقارّ، مستغلَّة أجواء الحرب؟!.
إسرائيل، ليست في وارد القضاء على «حماس»، ولا تستطيع فعل ذلك.
إن لم نقل أن وجود «حماس»، بصيغتها الحاليَّة، كأداة إيرانيَّة، هو في صالح إسرائيل.
فإذا تخلّصت إسرائيل من «حماس» نهائيّاً، فبماذا سيتذرّع أعداء الحلّ النهائي، وخيار الدولتين المتجاورتين، في الدولة العبريّة؟!.
إذن، فالخصومة، او العداوة والتخوين الذي تخلقه «حماس» للسلطة الفلسطينيّة، ولمحمود عبّاس، ولـ»فتح»، هو أعظم هديّة تقدّمه للمتطرّفين الإسرائيليين.
من جهة أخرى، حتّى لو أزالت إسرائيل غزّة عن بكرة أبيها، وقصفتها بالقنابل الذريّة، فلن تنجح في القضاء على «حماس»، لأنّ المستنقع، لا يُجفّف إلاَّ من منبعه.
لذا، ينبغي التمعُّن مليّاً في تصريح الإسرائيليين بأن حربهم على غزّة، هو لـ»تغيير قواعد اللعبة».
أيّة لعبة؟.
بالتأكيد، هي ليست لعبة إسرائيل مع الفلسطينيين أو مع «حماس»!.
بل هي لعبة تل أبيب مع طهران.
وعليه، حين تقصف الطائرات الإسرائيليّة، بوحشيّة، قطاع غزّة، تماماً كما كانت تفعل في حرب تموز 2006، يكون جانب مهمّ من القصف، موجّها صوب طهران.
وإنْ «تهوّرت» أو «غامرت» طهران، لنجدة «حليفتها»، «حماس»، (وهي لن تفعلها)، فحينئذ، تكون قد وقعت في المصيدة الإسرائيليّة.
والحقُّ أن «حماس» و»حزب الله» اللبناني، في أفضل أحوالهما، ليسا في مقام حلفاء إيران.
بل هما، أدوات استنزاف، لا أكثر، ولا أقلّ.
بالنتيجة، ليس من المَجاز أو الإلغاز أو المجازفة القول: إن الحرب الإسرائيليّة على غزّة، أتت بهدف استجرار طهران إلى الكمين.
ولن تخاطر طهران للسقوط فيه.
ان مأساة الشعب الفلسطيني ليست في أنه كان ولا زال وحده، يواجه وحشاً، يسمّى إسرائيل، أو أن هذا الشعب، عديم المقاومة والإرادة…، مأساة هذا الشعب، أنه يصدّق الكلام النّاري، التي تلهج به حناجر المتاجرين بقضيّته، ودماء أبنائه، على مذبح مصالحهم.
مأساة هذا الشعب، أنه يصدّق نجاد أو من على شاكلته، بنفس القدر الذي كان يُصدِّق فيه كلام صدّام حسين.
* كاتب كردي
الحياة – 04/01/09
فمن جهة، سعت تل أبيب إلى تسخين قنوات الارتباط مع دمشق، عبر الوسيط التركي، في ما يتعلّق بالمفاوضات غير المباشرة، وما تمّ الحديث عنه من وشوك هذه المفاوضات أن تدخل مرحلة المباشرة، وجهاً لوجه، لخلق نوع من فكّ الارتباط السوري _ الإيراني.
ومن جهة أخرى، كانت تسعى وتتأهَّب لتوجيه ضربة عسكريّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة.
لكنّ، المسعى الأخير، شابه ما شابه، من تباطؤ وارتباك، ودعم استجلاء تامّ للموقف الأميركي حياله، ناهيكم عن تحذيرات داخليّة من التبعات.
في حين أن المسعى الإسرائيلي على الجانب السوري، كان يشهد تقدّماً ملحوظاً ومهمّاً.
بالنتيجة، كانت الدولة العبريّة واثقة من أن حركة «حماس» لن تجدّد التزامها بالتهدئة، لتعزز فرص التفاوض الإيراني مع أميركا، إن لم نقل شروط دمشق أيضاً.
لذا، اقتنصت تل أبيب هذه اللحظة الذهبيّة، لتنهال بوحشيّة وهمجيّة معهودة على غزّة.
وجود إيهود باراك في أنقرة، وليفني في القاطرة، وقبلهما، أولمرت في واشنطن، لم يكن لشيء، إلاّ أن إسرائيل، كانت قد خططت مسبقاً لضرب غزّة، وإخطار العاصمة العربيّة بقرارها، ومذكّرة العاصمة التركيّة بالتزاماتها الاستراتيجيّة حيال اسرائيل، في ما لو دخلت طهران على خطّ المواجهة بشكل مباشر.
وعليه، لا يمكن نفي المعرفة بما يقدم عليه الكيان العبري الآن حيال غزّة.
لكن ثمّة أسئلة أخرى تطرح نفسها هنا، وهي: إلى متى كان سيُقبل أن تبقى غزّة رهينة الأجندة الإيرانيّة؟.
إلى متى كان سيُقبل أن تقوم «حماس» بجعل غزّة، دريئة لتلك الأجندة؟.
إلى متى كان العالم العربي سيقبل أن تستمرّ «حماس» باختطاف غزّة، واستخدام أهلها كدروع بشريّة لها؟!.
فأثناء إدانة الحرب الإسرائيليَّة الوحشيّّة، والبربريّة، والشنيعة على غزّة، لا مناص من طرح تلك الأسئلة أيضاً، والإجابة عنها.
فكما أن النظام الرسمي العربي هو محلّ إدانة، ومعه الدولة العبريّة، كذلك، ينبغي أن تدان «حماس» أيضاً، ولو لمرّة واحدة!.
«حماس» أيضاً، تتحمّل جزءاً من المسؤوليّة في ما عانته وتعانيه غزّة، من حصار ودمار ومذابح.
إذ كيف لمن يدين ويشجب وحشيّة الكيان الصهيوني، أن يشفع لـ»حماس» تركها سجناء «فتح» في مقارّها الأمنيّة، عرضة للقصف الإسرائيلي، ولم تطلق سراحهم؟!.
هذا، إنْ لم تكن هي، قد قامت بتصفيتهم، قبل إخلائها تلك المقارّ، مستغلَّة أجواء الحرب؟!.
إسرائيل، ليست في وارد القضاء على «حماس»، ولا تستطيع فعل ذلك.
إن لم نقل أن وجود «حماس»، بصيغتها الحاليَّة، كأداة إيرانيَّة، هو في صالح إسرائيل.
فإذا تخلّصت إسرائيل من «حماس» نهائيّاً، فبماذا سيتذرّع أعداء الحلّ النهائي، وخيار الدولتين المتجاورتين، في الدولة العبريّة؟!.
إذن، فالخصومة، او العداوة والتخوين الذي تخلقه «حماس» للسلطة الفلسطينيّة، ولمحمود عبّاس، ولـ»فتح»، هو أعظم هديّة تقدّمه للمتطرّفين الإسرائيليين.
من جهة أخرى، حتّى لو أزالت إسرائيل غزّة عن بكرة أبيها، وقصفتها بالقنابل الذريّة، فلن تنجح في القضاء على «حماس»، لأنّ المستنقع، لا يُجفّف إلاَّ من منبعه.
لذا، ينبغي التمعُّن مليّاً في تصريح الإسرائيليين بأن حربهم على غزّة، هو لـ»تغيير قواعد اللعبة».
أيّة لعبة؟.
بالتأكيد، هي ليست لعبة إسرائيل مع الفلسطينيين أو مع «حماس»!.
بل هي لعبة تل أبيب مع طهران.
وعليه، حين تقصف الطائرات الإسرائيليّة، بوحشيّة، قطاع غزّة، تماماً كما كانت تفعل في حرب تموز 2006، يكون جانب مهمّ من القصف، موجّها صوب طهران.
وإنْ «تهوّرت» أو «غامرت» طهران، لنجدة «حليفتها»، «حماس»، (وهي لن تفعلها)، فحينئذ، تكون قد وقعت في المصيدة الإسرائيليّة.
والحقُّ أن «حماس» و»حزب الله» اللبناني، في أفضل أحوالهما، ليسا في مقام حلفاء إيران.
بل هما، أدوات استنزاف، لا أكثر، ولا أقلّ.
بالنتيجة، ليس من المَجاز أو الإلغاز أو المجازفة القول: إن الحرب الإسرائيليّة على غزّة، أتت بهدف استجرار طهران إلى الكمين.
ولن تخاطر طهران للسقوط فيه.
ان مأساة الشعب الفلسطيني ليست في أنه كان ولا زال وحده، يواجه وحشاً، يسمّى إسرائيل، أو أن هذا الشعب، عديم المقاومة والإرادة…، مأساة هذا الشعب، أنه يصدّق الكلام النّاري، التي تلهج به حناجر المتاجرين بقضيّته، ودماء أبنائه، على مذبح مصالحهم.
مأساة هذا الشعب، أنه يصدّق نجاد أو من على شاكلته، بنفس القدر الذي كان يُصدِّق فيه كلام صدّام حسين.
* كاتب كردي
الحياة – 04/01/09