ماذا يعني رحيل الكبار ؟

د.

علاء الدين جنكو

مصيبة تحل بالمجتمعات عندما يرحل عنها أحد المسؤولين، لكن المصيبة الأكبر أثراً هو الانقسام الذي يدب في مجتمعه بعد رحيله !!
أتمنى أن لا يكون كلامي هذا نذير شؤم على أمتي التي يسري فيها سرطان الانشقاق والتفرق مع كل أسف ، وخاصة أننا تعودنا على هذه الظاهرة المرضية .

نحزن كثيرا على رحيل المسؤولين ، ونقيم لهم مجالس عزاء من المقام الكبير ، ونمجدهم أكثر، ونقسم ونحلف أننا سوف نسير على دربهم فيما كانوا ينادون به من مبادئ وثوابت كانت في حياتهم .
على أن الملاحظ أن كل ذلك إنما هو مجرد كلمات وعبارات إنشائية يتم تجهيزها ليثبت ملقيها أنه بارع في مهنة القلم !!
يرحل المسؤول ومجتمعه يبكي عليه دما في الوقت الذي يرفع فيه أصحاب النفوس المريضة رؤوسهم ليزيدوا الطين بلة ، وكأنهم كانوا ينتظرون غياب ذلك المسؤول ، ويزيدون من فتح الجروح في جسمنا المتهالك أصلا .

يا ليت شعري لو رأيت خيمة عزاء المسؤولين نقطة انطلاق نحو التحام يصعب حله ، ووحدة يعصي على المغرضين فكها .
لقد عانى مجتمعنا الكردي كثيرا من هذه المعضلات، حتى بات يجهل قيمة مسؤوليها بينهم إلا بعد رحيلهم .
وأؤكد أن كلامي هذه ما جاء إلا بعد رؤيتي لمشهد مقزز ، عندما حاول البعض استغلال روح الفقيد رحمه الله ليُظْهر نفسه للعامة على هيئة الأبطال من خلال بيان تاريخه وعلاقته بالراحل رحمه الله !!

كم هو مؤلم عندما يتم المتاجرة بأرواح الموتى ، ويتم استغلالها لأغراض حزبية أو شخصية وخاصة من الذين يعيشون وديدنهم إحداث الفتن بين الناس !!
فقدنا مسؤولا ولكني على ثقة أن وفاته ستكون جرس تنبيه للأجيال التي خلفها توقظ الكثيرين منهم من سباتهم العميق ليكونوا على حذر من صعود الصعاليك المختبئة في جحورها ، وليظهر أمامهم كل مختبئ وراء دعوى القومية وحق شعبنا في نيل حقوقه ، ويا حزني على هذه القومية الطاهرة كم يختبئ خلفها من لصوص !!

قيمة أرواح الكبار تكمن في احترامها واحترام سمو أهدافها ، ولا شك أن التنظير سهل والخطابة وصياغتها أسهل منه بكثير ، لكن الانتصار على الذات والقضاء على ( الأنا ) هو الذي نحتاج إليهم بعد رحيل المسؤولين ، وهو الوفاء الحقيقي لأرواحهم التي ودعتنا إلى باريها ..
كما أتمنى أن يرتقي الكثير من الساسة إلى مستوى المسؤولية ، ويتحملوا جزءا من مسؤولياتهم على حقيقتها ، وأن يسعوا جاهدين للسيطرة على كل محاولات التقسيم والتشتيت وخاصة من المزاودين الذين يستغلون مثل هذه اللحظات الحرجة …

كما أن التخليد الحقيقي لأولئك القادة أن يكون رحيلهم نعمة للتلاقي ، يتبادل فيها الخصوم الابتسامات الحقيقية النابعة من قلوب مخلصة تائبة ؛ ليكون الحضور في مقام أرواحهم يليق بهم ، وإلا فلنبكي على أنفسنا بدلا من البكاء على رحيلهم، أما هم فقد قضوا نحبهم وباتوا أمام رحمة خالقهم ، الذي أدعوه أن يرحم كل فقيد كان يؤمن به وأن يجعل وفاته درساً لنا جميعا بأن الدنيا مهما عمل لها الإنسان لا بد أن يرحل عنها يوماً ، إلى الدار التي لا رحيل فيها …

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…