الرهان على سوريا بين عقم الاصلاح والتمسك بسلطة الامن

هوزان امين

 

من يتطلع وينظر الى الوضع السوري  الراهن من خلال منظارٍ تقيمي للفترة المنصرمة من عمر النظام يجد بأن هذا الواقع قد  خيم بظلاله على البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بشكل عام وعلى الواقع الكردي على وجه الخصوص وسيجد ان كل الرهانات والاحكام التي تصدر من هنا وهناك ويدحض كل الرؤى التي تخمن على ان هذا النظام سوف يغير من سلوكه وسوف يصبح قابل للـتأهيل والاصلاح ، والناظر للوهلة الاولى يتخيل ان هذا النظام الذي فرض بقوة الامن والعسكر منذ أكثر من ثلاثين عاماً ونسج شبكته العنكبوتية الامنية في جميع مجالات الحياة في سوريا سوف يصبح قابل للانصياع ويخضع لهذه التكهنات التي تصدر بشكل عاطفي لا علمي خوفاً وحرصاً منهم على  هذا البلد .
لهذا وعلى حد علمي ان هذه السلطة وممارساتها لن تتطور بهذه السهولة كما جرى الرهان بعد تلك الحملات التي انهالت عليها بعيد أغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ، وان جميع تلك الرهانات والمحاولات التي ترغب في جعل هذا النظام قابل للاصلاح والانصياع وقبول التغييرات الموجودة التي جرت منذ سنوات والتي تكون في مقدمتها تحويل هذا النظام من نظام أمني استخباراتي الى نظام ديمقراطي تعددي ، سواء من الضغوطات الخارجية أو من الداخل ومناشداتها عن طريق نشطاء و لجان ومنظمات المجتمع المدني والتي تحاول بشتى الوسائل والطرق ومن خلال الندوات والمحاضرات والبيانات والاعتصامات من جعل هذا النظام قابل للانصياع ولكن في المحصلة نجد ان هذه السلطة تحاول بشتى الوسائل درء الخطر الناجم عن هذه التغييرات في الخارج ومحاولة البقاء على حاله مهما حصل  .
وما الاعتقالات الاخيرة التي حدثت في الاونة الاخيرة لخير دليل على ذلك فقد تم اعتقال العديد من المثقفين والناشطين الذين ينشدون الى نظام تعددي ديمقراطي وخاصة الموقعين على اعلاني دمشق – وبيروت دمشق- دمشق بيروت والداعية الى اقامة علاقات دبلوماسية سليمة وشفافة بين البلدين اللبناني والسوري وكذلك مطالبتهم في عدم التدخل السوري في الشأن اللبناني الداخلي بالاضافة الى العديد من البنود التي اثارت حفيظة النظام وقامت بهذه الحملة المسعورة.
هذا على الصعيد السوري العام ولكن عند النظر الى الوضع الكردي الخاص نرى بأن كل الرهانات والمحاولات التي تجعل من الكردي يطمأن نفسه ويجعله يفكر انه سينال حقوقه من هذا النظام وبهذه التركيبة الشمولية القديمة ؟ لا وألف لا انه طلب صعب المنال على الرغم اننا كلنا نرجح هذا الحل ونرغب في انجازه من جانب الدولة ولكن واااا أسفاه ؟! لماذا ربما يقول البعض لماذا كل هذا التشائم يا أخي فالنظام بدأ بالفعل بعقد لقاءات مع القيادات الكردية وهذه بادرة جميلة تحصل لاول مرة على الصعيد الرسمي لماذا لا نأمل خيراً ؟ أقول لهم ياأخواني فالنظام الذي امتهن الاعتقال والممارسات التعسفية بحق شعبها أولاً قبل الكردي ، هذا اذا قبلنا اننا شعب غريب عن نسيج المجتمع السوري ولا حق لنا بالمصالحة والعيش الى جانب اخوتنا العرب وجميع فئات المجتمع السوري ؟ لا اقول هذا من جانب تعصبي قومي لا بل كلنا امل في العيش سواء ومن لا يرغب بذلك ولكن هم الذين وضعوا الاسلاك الشائكة فيما بيننا ومارسوا سياسة التمييز علينا طوال عقود ولت وهم اليوم يعتقلون ابناء الشعب الكردي فقط  لمجرد انه كردي ويطالب بحقوقه ، المئات في السجون وآخرون معتقلون ولا علم ولا خبر عنهم ان كانوا احياء ام صاروا في عداد الموتى ؟ ان هذا النظام اختار لنفسه هذا السلوك ولن يغيره وخطاب السلطة في سوريا اعتمد على الاعتقال رغم مناداة الكرد ونشطاء حقوق الانسان الى العمل بشكل علني بعيداً عن الاروقة المظلمة ولكن لا ، فهم لا يقبلون ذلك وما المبادرة الاخيرة من جانب السلطات بعقد اجتماع مع ممثلي الجبهة والتحالف الكرديين إلا امتصاص لردة الفعل الكردية والتي اثبتت قوتها بعد انتفاضة قامشلو في 12 /آذار/ 2004 وكذلك محاولة ابعاد الكرد عن مطالبهم الاساسية واخراجهم من خط المعارضة في سوريا بعد هذه المؤتمرات التي انعقدت في الخارج والتي جمعت الاكراد الى جانب المعارضة السورية وتقاربهم في وجهات النظر و في بعض المطالب ولجعل الكرد وحركته السياسية  تكتفي  بالفتات اليسير وبعض الكلام المعسول  بدلاً من الحلول الناجعة .
ففي الآونة الاخيرة سمعنا ان وفداً كردياً مؤلفاً من الجبهة والتحالف الكرديين اجتمعوا مع نائبة الرئيس السوري للشؤون الثقافية الدكتورة  نجاح العطار،!لاجل طرح بعض الحلول ومن جانب ثقافي حصراً ، ربما يفكرون بفتح مجال ثقافي للكرد على حد علمي ولكن المسألة الكردية اكبر من ذلك بكثير وحقوقهم لا تنحصر في جانب ثقافي محض بل تتجاوز ذلك كثيراً فالمسألة سياسية قبل ان تكون ثقافية وما كل ذلك سوى خطوة تكتيكية من قبل السلطات في دمشق ومحاولة الهرب الى الامام و لكسب الكرد الى جانبهم  واخراجهم من دائرة الخطر على النظام الامني في سوريا وهذا لن يحصل بتاتاً لان الكرد وطوال تلك السنين ظلوا في دائرة الشبهه والاشتباه مهما فعلوا وخدموا النظام ؟
أريد ان اورد هنا مثالاً على مدى عدم مصداقية النظام وان جميع تلك الحلول آنية وتكون بمثابة الضحك على الذقون وكسب للوقت .
والمسألة الاخرى التي اريد التطرق اليها فقد تعودنا السماع  من وزيرة شؤون المغتربين في سوريا الدكتورة بثينة شعبان ولعدة مرات ان مسودة قانون الحريات السياسية قد صيغت وستعرض على مجلس الوزراء ومن ثم على اللجنة الحزبية في مجلس الشعب وانها مسألة تقنية وستحل وهي بحاجة الى وقت بعض الشيئ ؟ لا اعلم اي مسودة او قانون سيصاغ طالما يعتمد على مرجعية حزب البعث كـأساس وضرورة الالتزام ببرنامج ونهج بعثي لا مجال لاحد يحمل صفة اخرى خارج ذلك الاطار لا طائفي ولا قومي ولا مذهبي ولا ديني ولا ولا الى …….الخ يستثني كل شيئ سوى العرب والعروبة فأي من كان يحمل هذه المؤهلات فأهلاً وسهلاً تفضل فالميدان مفتوح له قاوم وناضل وأدخل الخنادق لمقارعة الاعداء والمتغطرسين والتائهين والغوغائيين والذين يريدون التنكيل بهذه الامة العريقة والذين يريدون اقتطاع جزء من الاراضي السورية وتسليمها الى دولة مجاورة (اشارة الى هذا الحكم الذي يصدر بحق العديد من السياسيين الاكراد عندما لا يجد الحاكم تهمة مباشرة ) كل هذا فالمجال مفتوح ولهم الحق ان يقيموا ندوات ومأدبات عشاء وغداء حتى على شرف المسؤول الفلاني أو العلاني  وبمقدورك ان تهتف وتنادي وتخطب ايضاً طالما انت تعمل في المجال المتاح لك تقيم مسيرات وتظاهرات سلمية تنادي بشرف الرئيس وكراماته على هذا الشعب الذي لا حول له ولا قوة سوى تمجيد وتخليد الرئيس ؟ ترى اين توجد مثل هكذا ديمقراطية في العالم بأستطاعتك فعل كل شيئ تستنكر وتندد وتتهم وتخون لكن حذاري من الاقتراب من الحكومة والدولة المبجلة ، والله انه ديمقراطية حقة وتستوجب رفع الطاقية لها اين يحصل هذا لا والله ولا في الكويت ايضاً فقد سمعنا ورأينا عبر وسائل الاعلام ان الكويت ربما يتحول من نظام ملكي عائلي الى نظام ديمقراطي حر وتعددي  وهذا ما شهده ساحات وميادين الكويت المكتظة بالناس في الحملة الدعائية للانتخاب مجلس الامة الكويتي فالمرأة تشارك وتنتخب وتختار وتشارك في ابداء رأيها هذا ما لم يكن متوقعاً ابداً فمتى كان للمرأة هذه الحرية لا لم يكن كذلك في السابق والمعارضة تنزل الى الشارع وتحارب النظام بوسائل ديمقراطية سلمية وتشتم وتسب أيضاً ويريدون فتح مجال اوسع لهم  لخوض المعركة الانتخابية ؟ لا اريد الخروج خارج اطار الموضوع على سبيل الذكر جئت بهذا المثال وتخيلت ان تصبح سوريا ايضاً هكذا وتصل الى هذا المستوى حتى ولو كانت في الدرك الاسفل من الديمقراطية ؟
هذا بالاضافة الى العديد من النقاط الاخرى التي تستوجب الذكر منها وعودهم المتكررة بقرب حل قضية اللاجئين الكرد والمجردين من الجنسية نتيجة احصاء عام 1962 فقد باتوا يكررونها مراراً وتكراراً ولكن  ولا قول يربط بالفعل فكلها تذهب ادراج الرياح ( أشارة الى تكليف الرئيس السوري بشار الاسد للاستاذ ملول عمرو سكرتير اللجنة المنطقية في الحزب الشيوعي السوري – تيار يوسف فيصل ولكي يدرس هذا الملف و ايجاد التوصيات والمقترحات اللازمة لحل هذه المعضلة الشائكة التي طالماً اصبحت محل حرج للحكومة في العديد من المحافل والمؤتمرات الدولية

نتمنى من الله ان تحل جميع القضايا العالقة  داخل سوريا بالوسائل السلمية والديمقراطية لانها جميعاً مشاكل وطنية تحل في اطار وطني سوري عام .ولا يكون هذه التكهنات التي ابديتها صحيحة رغم انني متأكد بأن مثل هذه الانظمة وعلى مر العصور ومن خلال تجارب الامم والحكومات يستحال تغييرهم إلا اذا تغير عقلية السلطة الحاكمة وهذا لا يتم إلا بأزالة جميع التشوهات والممارسات اللامسؤولة والنواقص والأخطاء التي وقعت فيها والبدء من جديد وفق اسس ومعايير سليمة تحكمها مبدأ العقلانية والانصاف لا مبدأ التعالي والتسلط والفوقية وعلى حد قول الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط  (( قوانين الطوارئ والاحكام العرفية قد صارت ابدية مثل قوانين النسبية والاجرام السماوية ))  فالحكومة في الدرك الاعلى والشعب في الدرك الاسفل هذه الفوارق والقوانين التي تحكم في سوريا جاءت وسخرت جميعها في سبيل البقاء والتمسك بالحكم وكلنا نعلم ان الحكومات تتشكل بناء على رغبة الشعوب ولكن هم يفرضون مبدأ العكس فكل شيئ يحاك وفق قياس السلطة وحتى يريدون تركيب شعب على مقاس الحكومة وهذا ما هو مستحيل ويستحال الاستمرار والبقاء فأما التغيير والاصلاح وفق معايير وقيم جديد تحترم الآخر ولا تسخر منه وتفتح المجال أما ان تٌغيير هذه الانظمة وهناك امثلة عديدة وبالقرب منها وعلى حدودها وهذا ما لا نحبذها فالديمقراطية لا تٌصدر الى البلدان بل تتطور من الداخل  ولا يمكن لها التقدم في ظل الهيمنة الخارجية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…