لو تعرف أمة الكورد أي الرجال اليوم قد فقدت

ديـــار ســـليمان

الأستاذ محمد نذير مصطفى أكبـر من كل العناوين والكلمات، أكبر من كل الأمكنـة التي مـر عليها والتي ترك عليهـا بخطواته القليلة أبلـغ البصمات.

  
لقد كان الصمت وقلة الكلام الذي أشتهر بهما الراحل الغالي أبلغ من كل كـلام، لقد كان حقآ سيد البلاغة عندما يتكلم، معلم المناضلين عندما تُقـرأ سـيرته، أستاذ المحامـين عندما يخط المذكرات التي أستمتع بقراءتها الخصوم قبل الموكلين، الأب والأخ والصديق لكل إنسان كوردي.

لقد كانت حياته كما مماته درسـآ كبيرآ لن يتكـرر بالتأكيد، لقد كان رجُـل البارتي الأول ورجُـل كوردستان الأول حتى قبل أن يتقلد مهام القيـادة،

 كان الأول في نضاله عندما تعرضت قيادة البارتي للإعتقال 1973 ورفض مع زملائه في القيادة التوقيع على تعهد بالتخلي عن السياسة مقابل إطلاق سراحه وذلك بشهادة شخصية عربية عشائرية كبرى والذي زار المناضل الكبير وهو بعد في مكان التوقيف في قامشلو وقال له: (يا إبن أخي وقع لهم وستعود معي فورآ الى بيتك)، ولكن الأستاذ نذير شكر الشيخ على مسعاه ورفض التوقيع فدفـع ثماني سنوات من عمره في سجون النظام منها سنة ونصف في المنفردة، وقد ذكر ذات مرة بأن بعض ما كان يرتديه ومنها حذائه قد أصابه التعفـن بعد تلك المنفردة إذ كانت تظهر الفطريات عليها وتتمزق بسهولة، فكيف سيبقى جسده محتفظآ بمناعته يصمد أمام هجمات الأمراض ويقاومها والحال على ما هو عليه، لقد كانت السنوات التي أعقبت الخروج من السجن مريرة حقآ فعدا عن محاربة الأستاذ في لقمة عيشه،  كانت له محطات كثيرة مع الأمراض، ويبدو أن سنوات السجن قد هدت جسده رغم بنيته التي كانت تبدو قويـة والتي كان يميزها جبهة شامخة، فمن بعض الذي تمت معرفته كانت هناك جراحة في العينين والظهر وهذا السرطان اللعين في الرئتين الذي أودى بحياته.
لقد كان الأستاذ نذير مصطفى يمارس مهنة المحاماة في مكتبه المتواضع في قامشلو قبل أن يتقاعد مبكرآ ليتفرغ للعمل الحزبي، وكان رغم ذكائه الخارق الذي أكسبه النجاح و جعل مكتبه الأول في رقم الأعمال يعيش في بيتٍ للأجار قبل أن يستلم قبل سنوات قليلة شقته الحالية من إحدى جمعيات البناء في أقصى جنوب قامشلو، فقد كان يتساهل في مسألة الأتعاب وكان باب مكتبه مشرعآ للجميع، عدا عن ذلك كان مكتبه يشهد حركة حميمة أخرى، حيث أن الكثيرين من القيادة الكوردية الحالية في كوردستان المحررة قد مروا يومآ ما على مكتب الأستاذ وأستمعوا إليه.
عندما تم تشخيص مرض الأستاذ تم إيفاده الى فرنسا لإستكمال العلاج على نفقة قيادة أقليم كوردستان، ولكنه رفض الإقامة في المشفى الباريسي الفاخر خلال كل تلك الشهور رغم أن ذلك كان متاحآ له حتى لا يكلف الأخوة في كوردستان فوق طاقتهم، لذلك إختار الإقامة في شقة بسيطة تعود لإحد رفاق البارتي والتردد على المشفى كلما استدعت الضرورة ذلك الى أن عاد الى الوطن ليعاني مع الألم الذي كتب نهاية لحياته.
لقد فُجعـت كوردستان برحيلك يا أبنها البـار، ولقد فجعت برحيلك يا أُستاذي ومعلمي ويا حبيبـي.
عهدآ لن تموت كلماتك، عهدآ لن يسقط قلمك.

22.12.2008

   diarseleman@hotmail.de

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…