الدكتور شمدين شمدين
ساعة واحدة انقطع فيها التيار الكهربائي ،كانت كفيلة بجعل المنزل ساحة للمشاجرات ، والضيق والصياح مع وابل كثيف من العرق الشديد الملوحة ، وما إن عاد التيار الكهربائي بحمد الله حتى دب الهتاف والفرح عموم المنزل ،وصرت حينها أفكر بهؤلاء المساكين الذين حرموا من نعمة الكهرباء ، أو الذين يحرمون منها لأسباب مختلفة ، ولا سيما في ارض العراق الذي ما كاد يخرج من تحت عباءة الاستبداد ، حتى رزح تحت نير القتل والإرهاب وسفك الدماء ، الذي افقد الشعب العراقي كل أمل بالاستقرار والأمان الضروريان لبدء عمليات الاعمار، وإعادة تشغيل المرافق العامة، ولاسيما الماء والكهرباء اللذان افتقدهما العراقيون كثيرا
وفوق كل هذه المآسي التي يمر بها العراقيون ،والتي هي نتيجة أو ضريبة واجبة الدفع على كل من ينشد الحرية ويناضل من اجلها ، فوق كل هذه المآسي ومع الانتهاء من تشكيلة الحكومة العراقية الدائمة و إطلاقها لمشروعها الوطني في المصالحة ، ظهرت الفتاوى من جديد لتقسم العراقيين إلى سنة وشيعة ، محرومين ومستبدين ، وكأن أصحاب هذه الفتاوى يريدون إرسال طعنة غادرة في ظهر مشروع المصالحة الوطنية ، وهنا لا بد أن توضح جميع الأطراف العراقية مواقفها الصريحة والواضحة من هكذا فتاوى ومن هكذا فكر ، هذا الفكر الذي يتوعد فئة من العراقيين بالقتل والانتقام وينسب إليها كل مآسي العراق وويلاته ، رغم إن التاريخ يثبت أن مآسي العراق بدأت منذ زمن بعيد جدا ، حين دب الخلاف بين صفوف المسلمين على الأحق بالخلافة والجلوس على كرسي الإمارة ، ولكن أيا كان التاريخ فالحاضر اليوم يحمل في طياته الكثير من الآلام للعراقيين وقليلا من الآمال ، وعلى أشخاص معينين ألا يجعلوا أنفسهم أوصياء على الشعب العراقي وحماة لأرواح فئة دون أخرى ، وكما قلنا سابقا على جميع الفرقاء الذين يعتبرون العراق الحر والمستقل هو هدفهم الأسمى ،عليهم جميعا أن يبينوا مواقفهم من الفكر التكفيري ،والفكر الطائفي وعليهم أن يتذكروا- ان كانوا حريصين على دماء العراقيين وسلامة الوطن – مآسي الحرب الأهلية في لبنان والبلقان والصومال ،حين أصبحت الدماء حديث الشارع اليومي وأصبح هذا الشارع بحيرات من الدماء ، وعليهم جميعا أن يبدوا حسن النوايا تجاه مشروع المصالحة ابتداء من الحكومة نفسها ، فالحكومة مطالبة بالاستمرار في إطلاق صراح المعتقلين العراقيين الذين لم يرتكبوا جرائم قتل بحق أبناء وطنهم ،كما عليها أن تحاول إصدار عفو شامل عن كل العراقيين الذين يبدون الندم وينبذون العنف والقتل ،و يطمحون إلى الانخراط في العمل الوطني السلمي من اجل حرية واستقلال العراق ، كما إن الحكومة مطالبة بمراعاة مبادئ ومعايير حقوق الإنسان ولا سيما للمعتقلين وضرورة إشراف الصليب والهلال الأحمر على أوضاع المعتقلين ، وجعل الشفافية أساس عمل الحكومة وتعاملها مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية أيضا .
وفي الجانب الآخر أي من جانب المجموعات المسلحة التي تعتبر نفسها مقاومة وطنية ، عليها أن تبين حسن نواياها تجاه العمل من اجل المصالحة الوطنية ، فكما هو معروف تلجا كل الحركات التحررية في العالم إلى تكتيكات ومبادرات تجاه الطرف الآخر من اجل تنفيذ مطالبها والوصول إلى أهدافها ،ومادامت هذه المجموعات أو بعض منها تعتبر إن إنهاء الاحتلال وتحرير العراق هو هدفها الأسمى ، ومادامت الحكومة وكممثل لجزء غالب من الشعب العراقي تعمل أيضا وبوسائلها السلمية على إنهاء تواجد القوات الأجنبية على أرضها ،ومادامت القوات الأجنبية نفسها تعتبر بقاءها في العراق مؤقتا ، ومرهون بالاستقرار والأمن وتطوير جيش وقوات شرطة قادرة على حفظ أرواح العراقيين ، مادام هناك هذا التوافق بين كل الأطراف فعلى هذه المجموعات أن تبادر إلى الإعلان عن هدنة ، ووقف لإطلاق النار من جانب واحد ولمدة محددة حتى تتمكن الحكومة من تأمين الشروط الضرورية لإنهاء الوجود الأجنبي ، ولان الحكومة لن تستطيع لوحدها إتمام هذا الشيء ،فهي بحاجة إلى مساعدة من دول الجوار ولا سيما العربية منها التي تعمل جاهدة ،علانية أو في الخفاء ،على إنهاء الوجود الأمريكي في العراق الذي يشكل تهديدا لها حسب منظورها الخاص ، وان جولة السيد المالكي تعتبر خطوة على الطريق الصحيح رغم تعرقلها بسيل من السيارات المفخخة ، التي أدت إلى سقوط المئات من الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة سوى أنهم محسوبون على هذه الفئة أو تلك .
في الخلاصة نقول أن مبادرة الحكومة العراقية للمصالحة ، يجب أن تسبقها مصارحة بين جميع الأطراف ،وتوافق على حرمة الدم العراقي ، ونبذ للعنف كوسيلة لنيل مكاسب سياسية أو شخصية ،والابتعاد عن كل ما يثير الحساسيات الطائفية والعرقية، ومقاضاة كل وسائل الإعلام التي تعزف على وتر الحرب الطائفية ،من اجل كسب المزيد من المتفرجين على حساب دماء الأبرياء ،وعلى الجميع حكومة ومجموعات معارضة أن تصفي قلوبها، وان تضع مصلحة العراق ذو التاريخ الحضاري العريق فوق كل اعتبار، وحينها حتما ستتآلف القلوب لينعم أبناء العراق بالأمن والسلم والحرية والسيادة الكاملة .
وفي الجانب الآخر أي من جانب المجموعات المسلحة التي تعتبر نفسها مقاومة وطنية ، عليها أن تبين حسن نواياها تجاه العمل من اجل المصالحة الوطنية ، فكما هو معروف تلجا كل الحركات التحررية في العالم إلى تكتيكات ومبادرات تجاه الطرف الآخر من اجل تنفيذ مطالبها والوصول إلى أهدافها ،ومادامت هذه المجموعات أو بعض منها تعتبر إن إنهاء الاحتلال وتحرير العراق هو هدفها الأسمى ، ومادامت الحكومة وكممثل لجزء غالب من الشعب العراقي تعمل أيضا وبوسائلها السلمية على إنهاء تواجد القوات الأجنبية على أرضها ،ومادامت القوات الأجنبية نفسها تعتبر بقاءها في العراق مؤقتا ، ومرهون بالاستقرار والأمن وتطوير جيش وقوات شرطة قادرة على حفظ أرواح العراقيين ، مادام هناك هذا التوافق بين كل الأطراف فعلى هذه المجموعات أن تبادر إلى الإعلان عن هدنة ، ووقف لإطلاق النار من جانب واحد ولمدة محددة حتى تتمكن الحكومة من تأمين الشروط الضرورية لإنهاء الوجود الأجنبي ، ولان الحكومة لن تستطيع لوحدها إتمام هذا الشيء ،فهي بحاجة إلى مساعدة من دول الجوار ولا سيما العربية منها التي تعمل جاهدة ،علانية أو في الخفاء ،على إنهاء الوجود الأمريكي في العراق الذي يشكل تهديدا لها حسب منظورها الخاص ، وان جولة السيد المالكي تعتبر خطوة على الطريق الصحيح رغم تعرقلها بسيل من السيارات المفخخة ، التي أدت إلى سقوط المئات من الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة سوى أنهم محسوبون على هذه الفئة أو تلك .
في الخلاصة نقول أن مبادرة الحكومة العراقية للمصالحة ، يجب أن تسبقها مصارحة بين جميع الأطراف ،وتوافق على حرمة الدم العراقي ، ونبذ للعنف كوسيلة لنيل مكاسب سياسية أو شخصية ،والابتعاد عن كل ما يثير الحساسيات الطائفية والعرقية، ومقاضاة كل وسائل الإعلام التي تعزف على وتر الحرب الطائفية ،من اجل كسب المزيد من المتفرجين على حساب دماء الأبرياء ،وعلى الجميع حكومة ومجموعات معارضة أن تصفي قلوبها، وان تضع مصلحة العراق ذو التاريخ الحضاري العريق فوق كل اعتبار، وحينها حتما ستتآلف القلوب لينعم أبناء العراق بالأمن والسلم والحرية والسيادة الكاملة .