تظاهرة دمشق من الحدث إلى الدلالات

  نشرة  يكيتي *

لعلنا نستطيع أن نصف الدلالات الرمزية التي أنتجتها المظاهرة الكردية أمام البرلمان رداً على المرسوم (49) في الثاني من تشرين الثاني بالتحول النوعي في مسار تطور الحركة السياسية الكردية، ومسار أدائها النضالي، ومؤشراً على بداية تخلي القسم الأعظم من الحركة الكردية عن  التركة الثقيلة للمرحلة الماضية التي تميزت بالعطالة السياسية والنضالية والجمود، فأهمية هذه التظاهرة لا تنحصر في النتائج السياسية التي أفرزتها على الصعيدين السياسي والإعلامي، والتي كانت إيجابية جداً، تخطت كل التوقعات التي رسمت لها، ووضعت إضاءات جديدة على واقع الشعب الكردي المضطهد في سوريا، وفضحت إلى حد بعيد مرامي السياسة الشوفينية والعنصرية للنظام تجاه الشعب الكردي وقضيته القومية، وإنما تتعدى أهميتها كل ذلك إلى مناحي أخرى
فقد استطاعت هذه التظاهرة أن تجمع القسم الأعظم من الحركة السياسية الكردية في موقع المقاوم الحقيقي للمرسوم العنصري، وبالتالي لكل السياسات العنصرية المطبقة بحق الشعب الكردي، وأهميتها الثانية، إن قيادات الصفين الأول والثاني في بعض الأحزاب تشارك –لأول مرة في تاريخ الحركة الكردية- في مثل هذه النضالات الجماهيرية، وتنظمها لتتحمل المسؤولية المباشرةعنها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تحول في إرادة هذه القيادات، ووعيها بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، وهذا بحد ذاته تغيير جوهري سيتبعه تغيير في الأداء من كل بد.
لذلك ليس مخطئاً من يقول إن دلالات الحدث الذاتية أعمق من أهمية الحدث ذاته، لذلك فإن المهمة الأولى أمامنا هي الحفاظ على هذا التحول وتكريسه وتعميقه وحمايته من الانتكاسات، من خلال التشجيع على المزيد من الأعمال المشتركة لتجذير ثقافة المقاومة والمواجهة مع سياسات النظام، وتحصينها من إمكانية التردد والعودة إلى خانة المربع الأول، خاصة وأن القوى التي لم تكن تؤمن بمثل هذه الممارسات والوسائل النضالية، وبقيت متخلفة عن المشاركة في هذه التظاهرة تحت مبررات وذرائع مختلفة ستحاول التأثير على البعض وحمله على عدم الاستمرار، لأنها –هذه القوى- ببساطة لا تريد أن تظهر بتمايزها السلبي، وهي تفضل أن ترى الكثيرين إلى جانبها يبررون لها سياساتها السلبية وعطالتها النضالية.
وذلك لأننا نأمل أن يشكل حدث التظاهرة ودلالاتها بداية فرز حقيقي وجوهري في الاتجاهات السياسية داخل الحركة الكردية، أو بالأحرى بداية فرز حقيقي بين اتجاهين أساسيين: أحدهما يائس من إمكانيات الحركة، ومن إمكانيات الشعب الكردي في إحداث تغييرات جوهرية في المعادلة السياسية السورية وسيبقى مراهناً على تحولات ذاتية إرادوية تلقائية في بنية النظام، ومن خلال أدواته ذاتها دون أن يكون للفعل المعارض أي دور في ذلك، لأنه ببساطة غير مؤمن بأثر الفعل المعارض.

واتجاه آخر نتمنى أن يمثله المشاركون في تظاهرة دمشق، أو معظم المشاركين فيها الذين يؤمنون بقدرة الشعب الكردي على إحداث تغييرات في المعادلة السياسية القائمة التي تغيب الوجود الكردي، ويؤمن بجعل الحركة الكردية رقماً مهماً في موازين القوى السياسية بما تملك من رصيد جماهيري وثقل ديمغرافي مهم، وقادرة –بالاستناد إلى هذا الثقل، وهذا الرصيد- على التحرك لفرض ذاتها على الآخرين، ومواجهة المشاريع التي تستهدف وجودها، وإفشالها.
وعليه فإننا نتوقع حراكاً سياسياً نشطاً مدعوماً بالحراك الشعبي، وخاصة إن المرسوم (49) – الذي يمثل خلاصة المشاريع الشوفينية والعنصرية ضد الشعب الكردي وأشرسها على الإطلاق- أرضية مشتركة للتوحد السياسي والجماهيري، فهو بحاجة إلى نفَس نضالي طويل، وبحاجة إلى مقاومة حزبية وشعبية شاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مقاومة هذا المشروع وغيره من المشاريع يتطلب استعداداً معنوياً ونفسياً للعمل من أجل إلغائه.

ونأمل أن تكون الأحزاب الكردية التي شاركت في تظاهرة دمشق قد تجاوزت مرحلة الإعداد، وأصبحت في خضم الفعل السياسي المؤثر، وأنها باتت مقتنعة بأن مظاهرة دمشق كانت مجرد بداية..
——

* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد المزدوج (162-163)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…