بقلم: رستم محمود
فيما تصرّ الحكومة المركزية في بغداد على الاستمرار في خططها الأمنية الرامية إلى بناء قوات شعبية تسمّى مجازا “مجالس إسناد” في محافظتي كركوك والموصل، وهي عبارة عن قوّات مسلّحة شبه نظامية موالية للدولة، تعمل على مناهضة الجماعات العنفية المتمرّدة، فإنّ الحكومة الإقليمية الكردية في تينك المحافظتين تصرّ على اعتبار كلّ من ينتمي إلى تلكم المجالس خائنا، وأنّ تلك المجالس لا توافق الدستور العراقيّ.
وتخلق توترا إثنيّا بين أبناء المحافظتين الموزّعين بين كرد وعرب.
فيما تصرّ الحكومة المركزية في بغداد على الاستمرار في خططها الأمنية الرامية إلى بناء قوات شعبية تسمّى مجازا “مجالس إسناد” في محافظتي كركوك والموصل، وهي عبارة عن قوّات مسلّحة شبه نظامية موالية للدولة، تعمل على مناهضة الجماعات العنفية المتمرّدة، فإنّ الحكومة الإقليمية الكردية في تينك المحافظتين تصرّ على اعتبار كلّ من ينتمي إلى تلكم المجالس خائنا، وأنّ تلك المجالس لا توافق الدستور العراقيّ.
وتخلق توترا إثنيّا بين أبناء المحافظتين الموزّعين بين كرد وعرب.
والطرفان كلاهما، الحكومة المركزية والحكومة الكردية الإقليمية، تستندان في مشروعية قراريهما إلى مرجعية ديمقراطية: البرلمانان المركزي والبرلمان الإقليميّ، حيث يمكن لأيّ من الطرفين أن يستحوذ على أغلبية برلمانية لما يتّخذه من قرارات.
فلو حدث صدام ماديّ بين الشرعيتين، سيكون السؤال هو إلى أي؟ّ من المرجعيتين الديمقراطيتين ” بالمعنى الحرفيّ للديمقراطية لا الروحيّ” يجب أن ينصت المواطن العراقي الكرديّ الساكن في منطقتي كركوك والموصل، طالما هو كرديّ وعراقيّ في الوقت ذاته، وهو في كلّ حال وطنيّ حسب واحدة من المرجعيات الديمقراطية وخائن حسب أخرى، والعكس بالعكس .
قبل هذه المعضلة الما-فوق سياسية في العراق، كان البرلمان العراقيّ المركزيّ نفسه، قد قرّر إلغاء المادّة خمسين من قانون الانتخابات المحلّية، وهي التي كانت تنصّ على تمييز إيجابيّ لصالح الأقلّيات الدينية في التمثيل في المجالس المحلية.
بمايعني حرمان ممثّلي تلك الأقلّيات من الدفاع عن مصالح ناخبيهم، لكنه إلغاء بثوب ديمقراطيّ! كما أنّ برلمان الإقليم الكرديّ أيضا كان قد أقرّ قانونا يجيز تعدّد الزوجات في الإقليم، بعدما كان من المتوقّع أن يمنعها تماما.
وقبل ذلك بعامين كان البرلمان العراقيّ المركزيّ، قد أقرّ بشكل ديمقراطيّ موادّ تشريعية تكوينية للهوية السياسية للدولة العراقية، لكنها في الجوهر موادّ غير ديمقراطية.
فإن كانت الديمقراطية بإحدى صورها تعني انتصار المواطنة، والنظر للفرد من خلال تلك الصفة فحسب، والتي تساوي بين مجموع السكان من ذوي تلك الصفة.
فإنّ المادّة الدستورية التي تنصّ على أنّ العراق بلد مكوّن لجامعة الدول العربية، مواد مجحفة بحقّ المواطنين العراقيين الأكراد، والمادّة التي تنصّ على أن الحكومة العراقية تتعهّد باحترام الإسلام كدين لأغلبية السكان، وتعتبره مصدرا أساسيا للتشريع، وتمتنع عن تشريع ما يتعارض مع مبادئه العليا تعتبر مادة غير ديمقراطية، بالمعنى العام للديمقراطية، لأنها لا تساوي المواطنين العراقيين غير المسلمين، من مسيحيين وصابئة ويزيدين، بنظرائهم المسلمين .
لكنها مع ذلك أُقرّت بطريقة ديمقراطية، وبأغلبية مطلقة، من قبل برلمان يمثّل بشكل جيّد تطلّعات الشعب العراقيّ.
لكن ماذا لو أقرّ البرلمان العراقيّ، أو أحد البرلمانات الإقليمية، قوانين محافظة في إطارالمزايدة السياسية بين الأحزاب الدينية التي تسيطر على الحياة السياسة، فمثلا ماذا لو تمّ فرض الحجاب على المواطنات العراقيات، أو فصل الجنسين في الجامعات والمعاهد والثانويات أو منع الخمر؟ أو ماذا لو أقرّ البرلمان الإقليميّ الكرديّ تكوين مرجعيات سياسية عشائرية مثلا؟ فمن سيقول إنّ هذا غير شرعيّ وإنّ هذا شرعيّ، طالما أنّ للبرلمان أن يقرّر ذلك بأغلبية مطلقة.
أسئلة تتعلق بالجذر التاريخيّ لتكوّن الحالة السياسية ” الديمقراطية ” في العراق الحديث.
فبعيدا عن الشعاراتية الوطنية، يجب القول إنّ “الديمقراطية العراقية” المتمثّلة بوجود البرلمان، ما كان لها أن تكون لولا فرضُها من قبل الوجود الأمريكيّ في العراق.
وهذا بدوره ينفذ إلى مسألة غياب الطبقات الشعبية المدافعة عن القيم العامّة التي رافقت الصعود إلى الديمقراطية، والتي ما كانت الديمقراطية بدونها ولولاها.
مثل قيم الحرية الفردية والعلمانية وفصل السلطات …الخ .
كما أنّ ” الديمقراطية العراقية ” من طرف آخر تعاني من غياب التراكم التاريخيّ للعملية الديمقراطية، والذي يفرض الأعراف الدستورية ويعمّقها لدرجة تحوّلها إلى مقام القوانين المثبتة في الذات الجمعية، يصعب أن تخترق من قبل أيّ كان، كما في الحالة البريطانية، حيث تعيش تلك الديمقراطية التاريخية دون أيّ دستور مكتوب، بل تستند فقط إلى عمق الأعراف الدستورية.
ما يجعل الحالة العراقية صعبة ، هو عدم نبوغها حتى من طبقة نخبوية حاكمة عليا وتقدمية.
كما هي طبيعة النظام السياسيّ التركيّ تاريخيا مثلا، أو كما كانت أنظمة الحكم الماقبل ثورية في العالم العربيّ.
حيث تكون الطبقة الحاكمة أقرب من الطبقات الشعبية لقيم التحديث السياسيّ.
وهي تحمي بالعادة رؤيتها السياسية من الرؤى الشعبوية، بمؤسّسات غير قابلة للنفاذ، تكون بمثابة الحامي دستوريا للقيم الديمقراطية من لعبة الديمقراطية نفسها.
حيث يربط الدستور التركي مثلا القضايا المصيرية العليا بالبلاد بمجلس للأمن القوميّ، تسيطر عليه تلك النخبة التحديثيّة ” الأتاتوركية” وتكون بمثابة الرقيب على أيّ انحراف عن الهوية التاريخية التي حدّدتها تلك النخبة لشكل الدولة التركية الحديثة.
لكنّ النخبة السياسية العراقية الحاكمة الآن، لا تحمل أيّة قيم تقدّمية متقدّمة على القيم الشعبية العامّة.
فجلّ التيارات السياسية العراقية الحاكمة راهنا تتعامل مع مسألة التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة مثلا، من منطلق شعبويّ، يماشي الغرائز الشعبية تجاه الغريب، لا بمنطلق البحث عن المصالح التاريخية البعيدة الأمد للشعب العراقيّ، لا الآنية الراهنة.
وهو أمر ذو دلالة على عمق انهيار النخبة السياسية والثقافية في العراق المعاصر.
في تموضع سياسيّ كهذا، كيف يمكن حماية الديمقراطية من “الديمقراطية”؟
أولا : في حالة غياب طبقات حقيقية من المواطنين المدافعين عن المبادئ العليا للدستور، مثل تساوي المواطنين، واحتكار الدولة للعنف المشروع، وفصل السلطات….
الخ من المواد التي يجب أن لا تبدّل بأيّة أغلبية كانت.
في وضع كهذا، لا بد من وجود جيش وطنيّ، يساوي بين مهمّته في حماية حدود البلاد وبين حماية المواد الأساسية للدستور.
وهو متوفّر إلى حدّ ما في النموذج العراقيّ، بسبب نخبوية الجيش المتولّد عن الجيش السابق، وبسبب تنوّع لوحة تشكّله.
ثانيا : جلّ المشكلة الشعبوية في الديمقراطية، تنبع من التساوي المطلق للمواطنين في الترشح والانتخاب، وهو شأن وإن كان محمودا في إطار المساواة المواطنية، إلا أنه مكوّن بنيويّ لتلك المشكلة الشعبوية.
لذا فإنّه لوضع شروط أصعب للذين يحقّ لهم الاقتراع أو الترشح، مثل ألا يكون حقّ الاقتراع إلا للذين نالوا الشهادة الابتدائية فما فوق، والمرشّحين من الحاصلين على الشهادة الجامعية، من شأن ذلك أن يرقى، نوعا ما، بمستوى الطبقة التشريعية في البلاد، وبخياراتها وخطوطها الحمر.
ثالثا : اعتبار الكثير من الموادّ الدستورية التأسيسية، موادّ قابلة للتغيّر والتعديل بشروط شبه مستحيلة، كأن يفصل بين تعديلها وبين تطبيق تلك التعديلات مدة زمنية كبيرة، أو أن تنال نسبة الثلثين في كلّ محافظة من محافظات العراق …الخ .
والكثير من الكتل السياسية العراقية الحالية قادرة على فرض شيء كهذا وبضغط أمريكيّ.
وقد كان الدستور العراقيّ الجديد قد احتوى على نموذج من اللعبة الديمقراطية، حينما نصّ في الفقرة الثالثة من مادّته الخمسين على بطلان أيّ تعديل دستوريّ لا توافق عليه أغلبية الثلثين في ثلاث محافظات عراقية.
وهو الشيء الذي يحفظ الحقوق الدستورية للأقلية القومية للأكراد من أية محاولة للاعتداء بطريقة شرعية، لكنها لا تحفظ الدستورية العراقية بالكامل.
أخيرا يمكن القول: من أجمل ما قاله الرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي في كتابه ” ضروب في الشجاعة ” وهو الكتاب الذي يعرض عشرات الأمثلة على قرارات اتّخذها رؤساء أميركيون سابقون، بحيث كانت تلك القرارات في حينها لا تواكب المزاج والرأي العامّ للشعب الأمريكي، لكن تلك القرارات أثبتت فيما بعد صوابها، بعد مرور فترة طويلة، من أجمل ما قاله كندي في ذلك الكتاب: ” علينا كرؤساء أمريكيين أن نؤمن بأنّ الناس لم ينتخبونا لننفّذ رغباتهم، بل انتخبونا فقط لأنهم يثقون بأننا نستطيع اختيار ما هو أفضل لمستقبلهم “.
فهل من مؤمن بكلام مثل هذا، من بين نخبة السياسيين العراقيين الحاكمين حاليا، والذين رغم كل شيء، أغاظوا كلّ أيتام النظريات الشمولية اليسراوية والعروبية والإسلاموية في المنطقة، بصحّة تمثيلهم لشعبهم العراقيّ، في انتخابات تعيد الأمل لكلّ الحالمين في المنطقة.
فلو حدث صدام ماديّ بين الشرعيتين، سيكون السؤال هو إلى أي؟ّ من المرجعيتين الديمقراطيتين ” بالمعنى الحرفيّ للديمقراطية لا الروحيّ” يجب أن ينصت المواطن العراقي الكرديّ الساكن في منطقتي كركوك والموصل، طالما هو كرديّ وعراقيّ في الوقت ذاته، وهو في كلّ حال وطنيّ حسب واحدة من المرجعيات الديمقراطية وخائن حسب أخرى، والعكس بالعكس .
قبل هذه المعضلة الما-فوق سياسية في العراق، كان البرلمان العراقيّ المركزيّ نفسه، قد قرّر إلغاء المادّة خمسين من قانون الانتخابات المحلّية، وهي التي كانت تنصّ على تمييز إيجابيّ لصالح الأقلّيات الدينية في التمثيل في المجالس المحلية.
بمايعني حرمان ممثّلي تلك الأقلّيات من الدفاع عن مصالح ناخبيهم، لكنه إلغاء بثوب ديمقراطيّ! كما أنّ برلمان الإقليم الكرديّ أيضا كان قد أقرّ قانونا يجيز تعدّد الزوجات في الإقليم، بعدما كان من المتوقّع أن يمنعها تماما.
وقبل ذلك بعامين كان البرلمان العراقيّ المركزيّ، قد أقرّ بشكل ديمقراطيّ موادّ تشريعية تكوينية للهوية السياسية للدولة العراقية، لكنها في الجوهر موادّ غير ديمقراطية.
فإن كانت الديمقراطية بإحدى صورها تعني انتصار المواطنة، والنظر للفرد من خلال تلك الصفة فحسب، والتي تساوي بين مجموع السكان من ذوي تلك الصفة.
فإنّ المادّة الدستورية التي تنصّ على أنّ العراق بلد مكوّن لجامعة الدول العربية، مواد مجحفة بحقّ المواطنين العراقيين الأكراد، والمادّة التي تنصّ على أن الحكومة العراقية تتعهّد باحترام الإسلام كدين لأغلبية السكان، وتعتبره مصدرا أساسيا للتشريع، وتمتنع عن تشريع ما يتعارض مع مبادئه العليا تعتبر مادة غير ديمقراطية، بالمعنى العام للديمقراطية، لأنها لا تساوي المواطنين العراقيين غير المسلمين، من مسيحيين وصابئة ويزيدين، بنظرائهم المسلمين .
لكنها مع ذلك أُقرّت بطريقة ديمقراطية، وبأغلبية مطلقة، من قبل برلمان يمثّل بشكل جيّد تطلّعات الشعب العراقيّ.
لكن ماذا لو أقرّ البرلمان العراقيّ، أو أحد البرلمانات الإقليمية، قوانين محافظة في إطارالمزايدة السياسية بين الأحزاب الدينية التي تسيطر على الحياة السياسة، فمثلا ماذا لو تمّ فرض الحجاب على المواطنات العراقيات، أو فصل الجنسين في الجامعات والمعاهد والثانويات أو منع الخمر؟ أو ماذا لو أقرّ البرلمان الإقليميّ الكرديّ تكوين مرجعيات سياسية عشائرية مثلا؟ فمن سيقول إنّ هذا غير شرعيّ وإنّ هذا شرعيّ، طالما أنّ للبرلمان أن يقرّر ذلك بأغلبية مطلقة.
أسئلة تتعلق بالجذر التاريخيّ لتكوّن الحالة السياسية ” الديمقراطية ” في العراق الحديث.
فبعيدا عن الشعاراتية الوطنية، يجب القول إنّ “الديمقراطية العراقية” المتمثّلة بوجود البرلمان، ما كان لها أن تكون لولا فرضُها من قبل الوجود الأمريكيّ في العراق.
وهذا بدوره ينفذ إلى مسألة غياب الطبقات الشعبية المدافعة عن القيم العامّة التي رافقت الصعود إلى الديمقراطية، والتي ما كانت الديمقراطية بدونها ولولاها.
مثل قيم الحرية الفردية والعلمانية وفصل السلطات …الخ .
كما أنّ ” الديمقراطية العراقية ” من طرف آخر تعاني من غياب التراكم التاريخيّ للعملية الديمقراطية، والذي يفرض الأعراف الدستورية ويعمّقها لدرجة تحوّلها إلى مقام القوانين المثبتة في الذات الجمعية، يصعب أن تخترق من قبل أيّ كان، كما في الحالة البريطانية، حيث تعيش تلك الديمقراطية التاريخية دون أيّ دستور مكتوب، بل تستند فقط إلى عمق الأعراف الدستورية.
ما يجعل الحالة العراقية صعبة ، هو عدم نبوغها حتى من طبقة نخبوية حاكمة عليا وتقدمية.
كما هي طبيعة النظام السياسيّ التركيّ تاريخيا مثلا، أو كما كانت أنظمة الحكم الماقبل ثورية في العالم العربيّ.
حيث تكون الطبقة الحاكمة أقرب من الطبقات الشعبية لقيم التحديث السياسيّ.
وهي تحمي بالعادة رؤيتها السياسية من الرؤى الشعبوية، بمؤسّسات غير قابلة للنفاذ، تكون بمثابة الحامي دستوريا للقيم الديمقراطية من لعبة الديمقراطية نفسها.
حيث يربط الدستور التركي مثلا القضايا المصيرية العليا بالبلاد بمجلس للأمن القوميّ، تسيطر عليه تلك النخبة التحديثيّة ” الأتاتوركية” وتكون بمثابة الرقيب على أيّ انحراف عن الهوية التاريخية التي حدّدتها تلك النخبة لشكل الدولة التركية الحديثة.
لكنّ النخبة السياسية العراقية الحاكمة الآن، لا تحمل أيّة قيم تقدّمية متقدّمة على القيم الشعبية العامّة.
فجلّ التيارات السياسية العراقية الحاكمة راهنا تتعامل مع مسألة التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة مثلا، من منطلق شعبويّ، يماشي الغرائز الشعبية تجاه الغريب، لا بمنطلق البحث عن المصالح التاريخية البعيدة الأمد للشعب العراقيّ، لا الآنية الراهنة.
وهو أمر ذو دلالة على عمق انهيار النخبة السياسية والثقافية في العراق المعاصر.
في تموضع سياسيّ كهذا، كيف يمكن حماية الديمقراطية من “الديمقراطية”؟
أولا : في حالة غياب طبقات حقيقية من المواطنين المدافعين عن المبادئ العليا للدستور، مثل تساوي المواطنين، واحتكار الدولة للعنف المشروع، وفصل السلطات….
الخ من المواد التي يجب أن لا تبدّل بأيّة أغلبية كانت.
في وضع كهذا، لا بد من وجود جيش وطنيّ، يساوي بين مهمّته في حماية حدود البلاد وبين حماية المواد الأساسية للدستور.
وهو متوفّر إلى حدّ ما في النموذج العراقيّ، بسبب نخبوية الجيش المتولّد عن الجيش السابق، وبسبب تنوّع لوحة تشكّله.
ثانيا : جلّ المشكلة الشعبوية في الديمقراطية، تنبع من التساوي المطلق للمواطنين في الترشح والانتخاب، وهو شأن وإن كان محمودا في إطار المساواة المواطنية، إلا أنه مكوّن بنيويّ لتلك المشكلة الشعبوية.
لذا فإنّه لوضع شروط أصعب للذين يحقّ لهم الاقتراع أو الترشح، مثل ألا يكون حقّ الاقتراع إلا للذين نالوا الشهادة الابتدائية فما فوق، والمرشّحين من الحاصلين على الشهادة الجامعية، من شأن ذلك أن يرقى، نوعا ما، بمستوى الطبقة التشريعية في البلاد، وبخياراتها وخطوطها الحمر.
ثالثا : اعتبار الكثير من الموادّ الدستورية التأسيسية، موادّ قابلة للتغيّر والتعديل بشروط شبه مستحيلة، كأن يفصل بين تعديلها وبين تطبيق تلك التعديلات مدة زمنية كبيرة، أو أن تنال نسبة الثلثين في كلّ محافظة من محافظات العراق …الخ .
والكثير من الكتل السياسية العراقية الحالية قادرة على فرض شيء كهذا وبضغط أمريكيّ.
وقد كان الدستور العراقيّ الجديد قد احتوى على نموذج من اللعبة الديمقراطية، حينما نصّ في الفقرة الثالثة من مادّته الخمسين على بطلان أيّ تعديل دستوريّ لا توافق عليه أغلبية الثلثين في ثلاث محافظات عراقية.
وهو الشيء الذي يحفظ الحقوق الدستورية للأقلية القومية للأكراد من أية محاولة للاعتداء بطريقة شرعية، لكنها لا تحفظ الدستورية العراقية بالكامل.
أخيرا يمكن القول: من أجمل ما قاله الرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي في كتابه ” ضروب في الشجاعة ” وهو الكتاب الذي يعرض عشرات الأمثلة على قرارات اتّخذها رؤساء أميركيون سابقون، بحيث كانت تلك القرارات في حينها لا تواكب المزاج والرأي العامّ للشعب الأمريكي، لكن تلك القرارات أثبتت فيما بعد صوابها، بعد مرور فترة طويلة، من أجمل ما قاله كندي في ذلك الكتاب: ” علينا كرؤساء أمريكيين أن نؤمن بأنّ الناس لم ينتخبونا لننفّذ رغباتهم، بل انتخبونا فقط لأنهم يثقون بأننا نستطيع اختيار ما هو أفضل لمستقبلهم “.
فهل من مؤمن بكلام مثل هذا، من بين نخبة السياسيين العراقيين الحاكمين حاليا، والذين رغم كل شيء، أغاظوا كلّ أيتام النظريات الشمولية اليسراوية والعروبية والإسلاموية في المنطقة، بصحّة تمثيلهم لشعبهم العراقيّ، في انتخابات تعيد الأمل لكلّ الحالمين في المنطقة.
الأوان: 30/11/2008